You cannot copy content of this page

البطلان فى قانون الاجراءات الجنائية

البطلان فى قانون الاجراءات الجنائية المصرى 


المقصود بالعمل الإجرائي الجنائي

 

** نظرية العمل الاجرائى : –

– ليس من اليسير تأصيل نظرية عامة للإجراء الجنائي ، ذلك أن الإجراءات الجنائية متنوعة جداً من حيث الطبيعة القانونية ، ومن حيث الأشخاص الذين تصدر عنهم .

– فبعض الإجراءات الجنائية تعبير عن إرادة (كإبداء الطلب أو الدفع) وبعضها مجرد مصدر للمعلومات (كالإدلاء بالشهادة) أو (تقرير الخبير) .
وبعض الإجراءات الجنائية عرض لرأى ، كالحجج القانونية التي يدعم بها أطراف الدعوى طلباتهم أو دفوعهم .
والحكم إجراء ، وجوهره أنه إفصاح وإعمال لإرادة القانون .

– وبعض الإجراءات الجنائية يصدر عن أطراف الدعوى ، كالطلبات والدفوع ، وبعضها يصدر عن القاضي كالحكم ، وبعضها يصدر عن ليسوا من أطراف الدعوى ، كالشهود والخبراء .

– وعلى الرغم من هذا التنوع بين الإجراءات الجنائية ، فإنه يجمع بينها دورها القانوني ، وهذا الدور ذو وجهين :
فمن ناحية ، هى تتضامن لتتكون من مجموعها الدعوى .

– ومن ناحية ثانية ، فإن أثر أى إجراء هو خلق وضع إجرائي معين ، تتقدم به الدعوى خطوة نحو الحكم الفاصل في موضوعها ، ومن شأن هذا الوضع أن ينشئ لدى أطراف الدعوى أملا أو توقعا في أن يصدر القاضي حكمه على نحو معين .

– ولكن يجمع بين الإجراءات الجنائية كافة (وحدة الغاية) فهى على تنوعها تستهدف إنهاء الدعوى الجنائية بالحكم البات الفاصل فيها ، وهذه الوحدة في الغاية التي تشترك فيها جميع الإجراءات الجنائية هى الأساس الذي تقوم عليه (نظرية الإجراء الجنائي) .

– المقصود بالعمل الإجرائي الجنائي : –
هو العمل القانوني الذي يرتب القانون عليه مباشرة أثر في إنشاء الخصومة أو تعديلها أو انقضائها سواء كان داخل الخصومة أو ممداً لها .
أو بمعنى أدق هو عمل له دور قانوني في تحريك الدعوى وسيرها في مراحلها المتعاقبة .

– فالوقائع القانونية تنقسم إلى نوعين هما :-
1-وقائع طبيعية وهى التي تحدث بفعل الطبيعة ويترتب على وقوعها آثار قانونية كالمرض والجنون والوفاة .
2-وقائع إرادية وهى تنقسم بطبيعتها إلى نوعين :-

-أعمال قانونية وهى التي يرتب القانون على مجرد حصولها أثراً دون النظر إلى من قام بهذا العمل فالعبرة فقط هى بمجرد اتجاه الإرادة إلى الواقعة المكونة للعمل وليس للإرادة دخل في تحديد الآثار .

-تصرفات قانونية وهى أعمال إرادية أى أن الإرادة لها دخل كبير في تحديد الآثار المترتبة عليها .
ومن خلال هذا التقسيم يتبين لنا أن الأعمال الإجرائية هى أعمال قانونية بالمعنى الضيق لأنه يترتب على مجرد حدوثها آثار قانونية سواء إرادة من قام بهذا العمل أم لا ، وذلك كتحريك الدعوى الجنائية قبل متهم معين أمام القاضي .

الطبيعة الإجرائية للعمل الإجرائي : –
الأعمال الإجرائية كما قدمنا تترتب عليها آثار قانونية تتمثل هذه الآثار في نشوء الخصومة الجنائية أو سيرها أو تعديلها أو انقضائها فهى آثار إجرائية محضة.
أى أن العمل الإجرائي قد يكون من أعمال الخصومة أو من الأعمال الخارجة عنها لكنه في جميع الأحوال هو الهمل الذي يؤدي الى نشوء الخصومة أو سيرها أو تعديلها أو انقضائها
يشترط لصحة العمل الإجرائي نوعان من الشروط شروط شكلية وشروط موضوعية وهى التي تتعلق بالإرادة والأهلية الإجرائية والمحل والسبب .
فإذا توافر في العمل الإجرائي الشروط القانونية المتعلقة به سواء من الناحية الموضوعية أو من الناحية الشكلية كان صحيحا ومنتجا لآثاره القانونية .

أما إذا تخلف عن العمل الإجرائي شرط من الشروط القانونية فإنه يعتبر مخالفا للقانون ويخرج من محيط الأعمال الإجرائية الصحيحة ليندرج تحت الأعمال الإجرائية المعيبة لمخالفتها للقانون .

غير أن العيوب التي تصيب العمل الإجرائي نتيجة مخالفته للشروط القانونية ليست على مستوى واحد من حيث الآثار التي ترتبها ، وإنما تتوقف هذه الآثار على درجة المخالفة القانونية التي تبدأ من أدنى الدرجات وهى المخالفة البسيطة والتي تدمغ العمل الإجرائي بوصف الإخلال وتنتهي بالمخالفة الجسيمة التي تعدم الوجود القانونية للإجراء ذاته .

وما بين الإخلال البسيط والانعدام توجد درجات متفاوتة من المخالفة القانونية تأخذ في بعضها صورة البطلان المطلق وفي البعض الآخر صورة البطلان النسبي .

أن العيوب الإجرائية التي تصيب العمل الإجرائي تختلف من حيث الأثر القانوني المترتب عليها ، فالمشرع لم يرتب جزاء إجرائيا واحدا في جميع الأحوال التي يصاب فيها العمل الإجرائي بعيب نتيجة عدم مراعاة الشروط القانونية ، فقد فرق المشرع بين الخلل البسيط الذي يصيب العمل الإجرائي من ناحية وبين حالات بطلان أو انعدام العمل الإجرائي وباقي الجزاءات الإجرائية من ناحية أخرى ، ولم يرتب جزاء إجرائيا على الخلل البسيط على حين نظم الأثر المترتب على البطلان واعتد بتوافره بالنسبة للإجراء ذاته وغيره من الإجراءات السابقة واللاحقة عليه . أما الانعدام فقد تركه المشرع للفقه والقضاء لاستخلاص أحكامه وقواعده والآثار المترتبة عليه .
وسوف نوضح فيما يلي المقصود بالبطلان والفرق بينه وبين غيره من الجزاءات الإجرائية .

 

المقصود بالبطلان الجنائى والفرق بين البطلان وغيرة من النظم القانونية المشابهة

 

 

– هو جزاء يترتب على عدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بأى إجراء جوهري (م 331) ، ويستوى أن تكون الأحكام المتعلقة بالإجراء الجوهري تتعلق بمضمون وجوهر الإجراء أو كانت تتعلق بالشكل الذي يصاغ فيه . كما يستوي أن تكون هذه الأحكام قد وردت بقانون الإجراءات الجنائية أو وردت بقانون العقوبات .

– وقد نظم المشرع المصري البطلان كجزاء إجرائي في الفصل الثاني عشر من الباب الثاني من قانون الإجراءات الجنائية وذلك في المواد 331 وما بعدها .

– ولأن البطلان كثيرا ما يختلط بغيره من الجزاءات الإجرائية فسوف نميز بينه وبين غيره من الجزاءات الإجرائية المشابهة وذلك على النحو التالي : –

– بطلان الإجراء الجنائي هو جزاء إجرائي يلحق كل إجراء معيب وقع بالمخالفة لنموذجه المرسوم قانونا ، فيعوقه عن أداء وظيفته ، ويجرده من آثاره القانونية التي كان يمكن ترتيبها فيما لوقع صحيحا . (سليمان عبد المنعم – بطلان الإجرائي الجنائي ص1)
والسقوط جزاء إجرائي يرد على السلطة أو الحق في مباشرة العمل الإجرائي إذا لم يقم به صاحبه خلال الفقرة التي حددها القانون . (عبد الحميد الشواربي في الدفوع الجنائية ص815)

وعليه لا يفترض السقوط عيبا شاب الإجراء ولكنه يفترض أن الإجراء الصحيح لم يتخذ في خلال الوقت الذي يحدده القانون ، مثال ذلك الطعن في الحكم بعد فوات الميعاد الذي حدده القانون ، وإلغاء النائب العام الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى بعد فوات مهلة الثلاثة شهور التي حددها القانون . (محمود نجيب حسني في شرح قانون الإجراءات الجنائية ص357)

ويبدو التشابه بين السقوط والبطلان ، في أن السلطة أو الحق في مباشرة العمل الإجرائي شرط موضوعي لصحته ، فإذا تخلف هذا الشرط كان العمل باطلا ، ففوات ميعاد الطعن يؤدي الى سقوط الحق في الطعن ، فإذا بوشرت الإجراءات على الرغم من هذا السقوط كانت باطلة . (عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)

أما الفرق بينهما فينحصر في أن الإجراء الباطل معيب بالضرورة ، أما الإجراء الذي سقط الحق في مباشرته فهو في الغالب إجراء صحيح ، ويعني ذلك أن البطلان يرد على الإجراء في ذاته ، ولكن السقوط يرد على الحق في مباشرة الإجراء ، ويرتبط بذلك أن الإجراء الباطل يجوز تجديده طالما أن الحق في مباشرته مازال باقيا ، أما السقوط – فباعتباره يفترض انقضاء الحق في مباشرة الإجراء – فإنه لا يتصور معه تجديد ذلك الإجراء . (أحمد فتحي سرور ، الوسيط ص320)

وأمثلة السقوط عديدة في قانون الإجراءات الجنائية ، يجمعها على تنوعها فكرة تقييد الحق أو السلطة في مباشرة العمل الإجرائي بمدة معينة ، فإن بوشر الحق أو السلطة خلال هذه المدة احتفظ العمل الإجرائي بفعاليته وصار صالحا لإنتاج الثر القانوني المرجو من ورائه ، وإن مضت هذه المدة دون مباشرة العمل فقد هذا الأخير فعاليته ولم يعد محلا لحق أو لسلطة ، ومثال ذلك ما يستخلص من المادة 211 من قانون الإجراءات الجنائية المصري من سقوط الحق في إلغاء الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى من جانب النائب العام بعد مضى ثلاثة أشهر من صدوره ، وكذلك سقوط الحق في الطعن في الحكم بعد فوات المهلة المقررة قانونا ، وسقوط الحق في تنفيذ أوامر الضبط والإحضار وأوامر الحبس كأصل عام بعد مضى ستة أشهر من تاريخ صدورها . (م139/2 أ.ج) . (سليمان عبد المنعم ص132 ، مرجع سابق)

 

– عدم قبول العمل الإجرائي ليس جزاء لتعييب هذا العمل ذاته ، وإنما هو جزاء لتخلف أحد المفترضات الإجرائية التي يستلزمها القانون والتي تمنح العمل الإجرائي الذي يرتكز عليها قابلية الاعتراف القانوني به وقبوله . (سليمان عبد المنعم ص138 ، مرجع سابق)
فعدم القبول يجب أن يفهم على أنه رفض الحكم في الموضوع لعدم توافر الشروط الشكلية أو الموضوعية التي تسمح للمحكمة بالقضاء في موضوع الطلب أو الدعوى ، وهو من أجل ذلك قد يقترن بجزاءات إجرائية أخرى كالبطلان أو السقوط أو الحرمان بحيث يكون الحكم بعدم القبول بمناسبة توافر عيب من العيوب المتعلقة ببعض الإجراءات أو كلها المستوجبة لجزاء من هذه الجزاءات .

إلا أن عدم القبول في هذه الحالة لا ينصرف الى الأجزاء المشوب بعيب مستوجب البطلان أو السقوط و الحرمان وإنما ينصرف الى الطلب أو الدعوى التي بوشر الإجراء المعيب بمناسبتها والذي كانت مباشرته شرطا شكليا لاتصال المحكمة بموضوع الدعوى ، وعليه فالتقدم بالشكوى بعد فوات الميعاد المحدد قانونا وهو ثلاثة أشهر يترتب عليه عدم قبول الدعوى لسقوط الحق في رفعها بفوات الميعاد المحدد للتقدم بالشكوى . كذلك تخلف شرط الصفة المتمثلة فيه الأهلية الإجرائية يجعل الإجراء المباشر ممن ليسن له الصفة المطلوبة باطلا ومع ذلك فالمحكمة لا تحكم ببطلان الإجراء وإنما تحكم بعدم قبول الطلب أو الدعوى . (مأمون سلامة في الإجراءات الجنائية ص398)

ولما كان عدم القبول يفترض عدم توافر الشروط الشكلية والموضوعية لاتصال المحكمة بالدعوى ، فمعنى ذلك أنه يفترض عدم توافر الرابطة الإجرائية صحيحة ومن ثم فهو يتعلق بالنظام العام لاتصاله بولاية القاضي للحكم في موضوع الدعوى ، ومن أجل ذلك فإن المحكمة لها أن تقضي بعدم القبول من تلقاء نفسها ، كما أنه يجوز الدفع به من قبل الخصوم في أية مرحلة من مراحل الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض طالما أن تحقيق الدفع لا يحتاج الى تحقيق موضوعي لا يجوز لمحكمة النقض مباشرته .

– ويبدو الشبه بين البطلان وعدم القبول في سبب كل منهما ، فسبب البطلان هو عدم توفر شروط صحة العمل ، وهو ذات سبب عدم قبول الطلب ، فالبطلان خطوة أولى يليها عدم القبول . (عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)

 

** أما الفرق بينهما فيتمثل في أن : –
1- البطلان كجزاء إجرائي أوسع نطاقا من عدم القبول ، إذ أنه يلحق كل عمل إجرائي معيب ، ويغطي ذلك كل إجراء يتخذ في إطار الخصومة الجنائية أو في المرحلة السابقة عليها والممهدة لها ، وبالتالي يتصور أن ينصب البطلان على إجراءات التحقيق والمحاكمة . أما عدم القبول فهو جزاء يقتصر على الدعاوى والطلبات كصور للأعمال الإجرائية ، وهو من هذا المنظور يبدو أوثق صلة والرابطة الإجرائية ذاتها منها الى العمل الإجرائي .
2- أثر البطلان يتمثل في عدم الاعتراف بالعمل الإجرائي المعيب وتعطيله عن أداء دوره الإجرائي وإنتاج آثاره القانونية ، وفي عبارة أخرى يعتبر الإجراء الباطل كقاعدة عامة كأن لم يكن . أما عدم القبول فهو لا ينصرف الى الإجراء المعيب ذاته بعيب البطلان أو السقوط ، وإنما يقتصر أثره على رفض الدعوى أو الطلب المبنى على الإجراء المعيب ، وليس ثمة ما يمنع في غالب الأحيان من إمكان تصحيح الإجراء المعيب الموصوم بوصم البطلان وذلك بإعادته أو بتحوله الى الإجراء الذي توافرت عناصره ، ويكون ذلك على وجه الخصوص في حالات البطلان غير المتعلق بالنظام العام . أما عدم القبول فلا يجوز للمحكمة أن تتجاهله ويتعين عليها إنزال حكمه ، وبالتالي يكون لها أن تقضي بعدم قبول الدعوى أو الطلب من تلقاء نفسها . كما لا يجوز الدفع به من جانب الخصوم في أية مرحلة من مراحل الدعوى ولو كان ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض متى كان تحقيق هذا الدفع بعدم القبول لا يستوجب تحقيقا موضوعيا مما يمتنع على محكمة النقض مباشرته . (مأمون سلامة ص370 ، مرجع سابق)
3- الدور الوظيفي للبطلان يتمثل في التقرير بما اعترى العمل الإجرائي من عيب لتخلف أحد مقوماته الموضوعية أو انتفاء أحد شروط صحته الشكلية ، وعلى خلال ذلك فالدور الوظيفي لعدم القبول يفترض سلفا توافر عيب من العيوب الإجرائية المستوجبة لجزاء إجرائي كالبطلان أو السقوط ، ولكن هذا العيب يظل كامنا ، ولا تحين الفرصة لكشفه والتقرير به إلا عند مباشرة الدعوى أو الطلب المرتبطين بهذا الإجراء المعيب ، فرفع الدعوى الجنائية عن جريمة من جرائم الشكوى يمثل في ذاته عيبا إجرائيا يستوجب البطلان متى كانت هذه الشكوى لم تقدم بعد . فإذا بوشر الإجراء (رفع الدعوى) تجسد الجزاء في صورة عدم القبول .

وهناك فرق بين عدم القبول ، وعدم الجواز ، فعدم القبول يرجع الى عيب في شخص الطاعن أو في شكل الطعن ، أما عدم الجواز فيرجع الى عيب في محل الطعن وهو الحكم .

فالطعن مثلا يكون غير مقبول إذا قدم من غير ذي صفة أو لم يستوف الشكل المقرر بالقانون . أما عدم الجواز فيتحقق متى انصب الطعن على حكم لم يجز القانون الطعن فيه .

وعلى هذا فجزاء عدم القبول بعيب كل إجراء يتخذه من لا يكون قد نشأن له حق ما في اتخاذه ، لتحلف الشروط التي استلزمها القانون في سبيل نشأة هذا الحق ، ومنها ما يتعلق بالمضمون الموضوعي للدعوى الجنائية ، وقد يتعلق بالمضمون الشكلي . (عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)

إلا أن محكمة النقض غير مستقرة على استخدام تعبير عدم القبول إذ تميل أحيانا الى القول بعدم الجواز أى عدم جواز نظر الدعوى أو الطعن في حالات عدم القبول .

(نقض جنائي 9 يناير 1967 ، مجموعة أحكام النقض ، س18 ق7 ص46 – 21 نوفمبر 1967 س18 ق241 ص1147)

 

كما أن المشرع نفسه يستخدم تارة تعبير عدم القبول ، مثال ذلك نص المواد 401/3 من قانون الإجراءات الجنائية و32 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات إجراءات الطعن أمام محكمة النقض ، ويستخدم تارة أخرى تعبير عدم الجواز ، مثال ذلك المادة 31 من القانون رقم 57 لسنة 1959 المشار إليه ، وتؤثر محكمة النقض في مجال الطعن في الأحكام استخدام تعبير عدم القبول حين يتعلق الأمر بعيب في شخص الطاعن أو في شكل الطعن وتميل الى التقرير بعدم جواز الطعن حين يتمثل العيب في الحكم محل الطعن . (سليمان عبد المنعم ص142 ، مرجع سابق)

يتبين مما تقدم أن العلاقة بين البطلان والسقوط وعدم القبول تتمثل في أن البطلان يترتب على سقوط الحق في مباشرة العمل ، وأن عدم القبول يترتب على بطلان تقديم الطلب ، وقد يجتمع السقوط والبطلان وعدم القبول معا ، إذا ورد العمل على صورة طلب ، مثال ذلك أن يقرر الطاعن بالطعن بعدم الميعاد القانوني ، فقد أسقط حقه في الطعن بانقضاء ميعاد الطعن ، فإذا ما قرر بعد ذلك بالطعن كان طعنه باطلا وتعين الحكم بعدم قبوله .

وقد جرت محكمة النقض على أن تقضي بسقوط الطعن إذا لم يتقدم الطاعن المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية للتنفيذ قبل الجلسة تمييزا لهذا الجزاء الإجرائي المترتب على سبب طارئ عن بقية الجزاءات الإجرائية .
إلا أن الطعن قد يكون غير مقبول شكلا ثم لا يتقدم الطاعن المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية للتنفيذ ، وحينئذ يتعين الحكم بسقوط الطعن ، لأن السقوط بمس الحق في الطعن وهو مسالة سابقة مباشرة على الطعن في الميعاد أو بعده ، كذلك إذا اجتمع عدم جواز الطعن مع عدم قبوله شكلا يحكم بعدم جواز الطعن . (عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)

 

– أن الحكم بعدم القبول يفترض توافر الاختصاص بنظر الدعوى للمحكمة ، ويقصد بالاختصاص هنا ولاية المحكمة بالحكم في الدعوى . فإذا انعدمت تلك الولاية فالمحكمة تقضي بعدم اختصاصها ، ومن ثم فإن عدم الاختصاص يفترض تخلف شرط من شروط انعقاد الولاية للمحكمة للفصل في موضوع الدعوى ، بينما عدم القبول يفترض تخلف شرط من شروط الحكم في موضوع الدعوى رغم ولاية المحكمة بالحكم فيها .

 

– يجب أولاً أن نفرق بين مخالفة القانون والخطأ في تطبيق القانون والخطأ في تأويل القانون .
فمخالفة القانون يتحقق بترك العمل بنص قانوني ، كعدم الحكم بالمصادرة مع وجوب الحكم بها ، أما الخطأ في تطبيق القانون فيتحقق عند إعمال نص قانوني لا ينطبق على واقعة الدعوى ، أما الخطأ في تأويل القانون يتحقق بإعطاء النص الواجب تطبيقه معنى غير معناه الصحيح .
ونجد أن القانون قد عنى بالتمييز بين البطلان والخطأ في القانون في مواضع كثيرة فقد نصت المادة (30) من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض على جواز الطعن بطريق النقض في الأحوال الآتية : –
-إذا كان الحكم المطعون فيه مبنياً على مخالفة للقانون أو على خطأ في تطبيقه أو في تأويله .
-إذا وقع بطلان في الحكم .
-إذا وقع في الإجراءات بطلان أثر في الحكم .

كما نصت الفقرة الثانية من المادة (415) إجراءات على أن ” للنائب العام أن يطعن في قرار المحكمة الاستئنافية بنظر الجناية بطريق النقض إذا كان قد بنى على خطأ في تطبيق نصوص القانون أو في تأويلها ” .

كذلك نصت المادة (35) من القانون رقم 57 لسنة 1959 على أن “ لمحكمة النقض أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين لها مما هو ثابت فيه أنه مبنى على مخالفة للقانون أو على خطأ في تطبيقه أو في تأويله ولم يجز لها هذا النص أن تنقض الحكم من تلقاء نفسها بسبب البطلان إلا في حالتين هما إذا كانت المحكمة التي أصدرته لم تكن مشكلة وفقا للقانون أولا ولاية بالفصل في الدعوى .
ومشكلة التمييز بين الخطأ في القانون والبطلان لا تبدو أهميتها إلا بالنسبة للأحكام فعندما يطبق القاضي القاعدة الإجرائية ، فإن خالفها كان عمله باطلا ، وعندما يطبق قاعدة موضوعية ، فإن أخطأ في تطبيقها اعتبر ذلك خطأ في القانون .

وقد ينطوي الحكم في الوقت ذاته على بطلان أو خطأ في القانون . مثال ذلك . الحكم الذي يخلو من البيانات الجوهرية أو الذي يؤسس على إجراءات باطلة ويخطئ في العقوبة ففي هذه الحالة يتغلب أثر البطلان على الخطأ في القانون . (عبد الحميد الشواربي ص820 ، مرجع سابق)

ولما كانت مشكلة التمييز بين الخطأ في القانون والبطلان لا تبدو أهميتها إلا بالنسبة الى الأحكام وأوامر غرفة الاتهام فإنه لحل هذه المشكلة يتعين التفرقة بين نشاط القاضي باعتباره مجرد شخص إجرائي ونشاطه باعتباره قاضيا فهو بوصفه شخصا إجرائيا يتعين عليه أن يمارس نشاطه وفقا للقواعد الإجرائية الجوهرية فإن خالف هذه القواعد في ذات الحكم أو في الإجراءات التي يبنى عليها الحكم كان قضاؤها باطلا .

أما بوصفه قاضيا فعلية أن ينزل كلمة القانون (الموضوعي والإجرائي) على الوقائع المعروضة عليه ، فإن أخطأ في تطبيق قانون العقوبة أو القوانين المكملة له على النشاط العادي للأفراد أو أخطأ في تطبيق قانون الإجراءات الجنائية على النشاط الإجرائي للأشخاص الإجرائيين اعتبر ذلك خطأ في القانون . (إيهاب عبد المطلب في الموسوعة الجنائية الحديثة في البطلان).

 

مذاهب البطلان الجنائى 

 

 

أولا : مذهب البطلان القانونى : –
مؤدى هذا المذهب أنه لا بطلان بدون نص قانوني يقرره . فالمشرع نفسه ، لا سواه ، هو الذي يرتب بطلان العمل الإجرائي وفقا لما يراه من اعتبارات ، وبالنظر الى ما يستهدفه من خلال الإجراء من غايات . (سليمان عبد المنعم ص156 ، مرجع سابق)
ومن ثم لا يجوز للقاضي أن يقرر البطلان جزاء لمخالفة قاعدة لم يقرر الشارع لها الجزاء ، كما لا يجوز له أن يمتنع عن تقرير البطلان حيث يكون الشارع قد قرره .
ويتميز هذا المذهب بالضبط والتحديد فلا مجال فيه للخلاف في الرأى حول نصيب الإجراء من الصحة أو البطلان ، فقد استبعد الشارع ابتداء السلطة التقديرية للقاضي في هذا الشأن ، ولكن عيب هذا المذهب هو استحالة أن يحصر الشارع الحالات التي يتعين أن يقضي فيها بالبطلان ، فيتبين عند تطبيق القانون أن القائمة التي حاول الشارع أن يحصر فيها حالات البطلان ناقصة ، وأن ثمة حالات يقتضب المنطق القانوني والمصلحة الاجتماعية تقرير البطلان فيها ، فلا يجد القاضي الوسيلة الى ذلك ، هذا بالإضافة الى أن القانون قد يقرر البطلان في حالة ، ولكن يتبين للقاضي – بالنظر الى الظروف الواقعية لهذه الحالة – أنه لا مقتض لهذا البطلان ، وأن ثمة جزاء أقل منه يمكن الاكتفاء به .
( محمود نجيب حسني ، مرجع سابق ص258)
موقف المشرع المصري من هذا المذهب :
فقد حرص المشرع المصري أن ينص صراحة على بطلان بعض المخالفات الإجرائية والتي اعتبر البطلان الذي يلحقها متعلقا بالنظام العام ، وفي هذا تنص المادة 332 أ.ج مصري على أنه ” إذا كان البطلان راجعا لعدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بتشكيل المحكمة أو بولايتها في الحكم في الدعوى أو باختصاصها من حيث نوع الجريمة المعروضة عليها أو بغير ذلك مما هو متعلق بالنظام العام ، جاز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى ، وتقضي به المحكمة ولو بغير طلب .
(سليمان عبد المنعم ، مرجع سابق)

 

ثانيآ : مذهب البطلان الذاتى :  –

مؤدى هذا المذهب أن الحكم ببطلان إجراء ما ليس متوقفا بالضرورة على النص القانوني الذي يقرر البطلان ، ولكن للقضاء سلطة تقديرية في الحكم ببطلان الإجراء إذا خالف قاعدة جوهرية من قواعد قانون الإجراءات ، وعدم الحكم به إذا حدثت المخالفة لقاعدة غير جوهرية .
فهذا المذهب يقر بعدم إمكان حصر أحوال البطلان مقدما ولذلك يترك الأمر للقضاء حتى يقدر مدى جسامة المخالفة بدلا من أن يكون طوعا لنصوص جامدة .
يتبين إذاً أن ميزة هذا المذهب هى المرونة وقياس الجزاء على قدر أهمية القاعدة وجسامة المخالفة ، بالإضافة الى ما ينطوي عليه من ثقة في القضاء واعتراف به بسلطة تقديرية ، وما يؤدي إليه تطبيقه من تفادي احتمال تعطيل سير الدعوى وفرار المجرم من العقاب ، ولكن عيب هذا المذهب هو صعوبة التمييز بين القواعد الجوهرية والقواعد غير الجوهرية ، واحتمال اختلاف الآراء في شأنه ، وعدم استطاعة القطع مقدما بما إذا كان القاضي سينطق بالبطلان أم لن ينطق به ، مما يعني نوعا من الغموض يحيط بتطور الدعوى ومصيرها . (محمود نجيب حسني ، مرجع سابق)
موقف المشرع المصري من هذا المذهب :
فقد ميز الشارع بين مخالفة القواعد الإجرائية الجوهرية ومخالفة القواعد الإجرائية غير الجوهرية (أو الإرشادية) وجعل البطلان جزاء أولى دون الثانية ، فنص في المادة 331 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه ” يترتب البطلان على عدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بأى إجراء جوهري ” .

 

ثالثآ : مذهب البطلان الشكلى : – 
مؤدى هذا المذهب أن البطلان يقع نتيجة مخالفة جميع قواعد الإجراءات الجنائية التي تنظم إجراءات الخصومة الجنائية .
أى أن هذا المذهب يعتبر كل مخالفة لأى قاعدة إجرائية ترتب البطلان . فالقواعد الإجرائية إذن كلها سواء ، وعلى نفس الدرجة من الأهمية . ولا حاجة إذن لأن ينص المشرع بنفسه على حالات البطلان . فعلى القضاء أن يبطل من تلقاء نفسه أى إجراء يثبت أنه اتخذ بالمخالفة لقاعدة إجرائية أيا ما كانت طبيعة هذه القاعدة ، أو أهميتها . (سليمان عبد المنعم ، مرجع سابق).

 

أنواع بطلان الاجراء الجنائى " النسبى والمطلق "

 

– أن البطلان وإن كان هو الجزاء المترتب على مخالفة القواعد الخاصة بالإجراء الجوهري إلا أنه يمكن تقسيمه وفقا لمعايير متعددة ، فهناك البطلان العام والبطلان الخاص وذلك على أساس النص التشريعي المقرر للبطلان .

وهناك البطلان الشكلي والبطلان الموضوعي ، وهناك البطلان الكلي والبطلان الجزئي وهناك بطلان متعلق بالنظام العام وبطلان متعلق بمصلحة الخصوم وهناك بطلان مطلق وبطلان نسبي .

غير أن أهمم تقسيم للبطلان من حيث أنواعه هو التمييز بين البطلان المطلق والبطلان النسبي نظرا لما يترتب على التقسيم من اختلاف في الأحكام التي يخضع لها نوعا البطلان .

** تعريف البطلان النسبي : –
البطلان النسبي هو البطلان الذي لا يتعلق بالنظام العام ، وقد نصت عليه المادة 333 من قانون الإجراءات الجنائية في قولها ” في غير الأحوال المشار إليها في المادة السابقة يسقط الحق في الدفع ببطلان الإجراءات الخاصة بجمع الاستدلالات أو التحقيق الابتدائي أو التحقيق بالجلسة في الجنح والجنايات إذا كان للمتهم محام وحصل الإجراء بحضوره بدون اعتراض منه . أما في مواد المخالفات فيعتبر الإجراء صحيحا إذا لم يعترض عليه المتهم ولو لم يحضر معه محام في الجلسة ، وكذلك يسقط حق الدفع بالبطلان بالنسبة للنيابة العامة إذا لم تتمسك به في حينه ” .
يتبين من نص المادة أن البطلان النسبي هو عدم مراعاة أحكام الإجراءات الغير متعلقة بالنظام العام وإنما متعلقة بمصلحة الخصوم .
والبطلان النسبي يجب الدفع به ، والتمسك به أمام محكمة الموضوع ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض لأول مرة ، كما لا يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ، ولا يجوز التمسك به إلا من قبل الخصم صاحب المصلحة المباشرة في الحكم ببطلان الإجراء لعدم مراعاة القواعد القانونية المقررة لمصلحته ، وهو قابل للتصحيح. (عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)

حالات البطلان النسبي :-
لقد حدد الشارع حالات البطلان النسبي بأنها ما ليسن من حالات البطلان المطلق ، أى أن البطلان النسبي هو كل بطلان ليس مطلقا ، ومن هذه الفكرة يستخلص الضابط في البطلان النسبي أنه البطلان الذي ينال الإجراء المخالف لقاعدة تحمي مصلحة يقدر القضاء أنها اقل أهمية من أن تبرر البطلان المطلق ، ويعني ذلك أن ضابط أهمية المصلحة هو الذي يحدد بدوره حالات البطلان النسبي .
وقد أشارت المذكرة الإيضاحية الى أن ” البطلان يكون نسبيا إذا كان الإجراء الجوهري متعلقا بمصلحة المتهم أو الخصوم ” (محمود نجيب حسني ، مرجع سابق)

أحكام البطلان النسبي :-
1. يختفي البطلان النسبي بعدم التمسك به فيصير الإجراء الباطل صحيحا ، إذ ليس على المحكمة أن تراعي البطلان من تلقاء نفسها ، فالعمل الباطل بطلانا نسبيا يقدم بدوره في الخصومة حتى يقرره القاضي ، ليس من تلقاء نفسه ، بل عند الدفع به من صاحب الشأن الذي تقررت القاعدة التي خولفت لحمايته .
2. لا يجوز التمسك به إلا بواسطة الخصم صاحب المصلحة في إثارته ، ولا يحق لغيره من الخصوم فعل ذلك .
3. يجب التمسك به أو الدفع به أمام محكمة الموضوع ، وبالتالي فليس من الجائز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض .
4. يجوز التنازل عن التمسك بهذا النوع من البطلان بما يؤدي الى تصحيح الإجراء المعيب ، وقد كون هذا التنازل صريحا أو ضمنيا والتنازل الصريح لا يثير صعوبة في التعرف عليه . أما التنازل الضمني فيستخلص من عدم إثارة البطلان في بعض مراحل الدعوى . (سليمان عبد المنعم ، مرجع سابق)
5. البطلان النسبي يجوز تصحيحه .
وأهم ما يميز البطلان النسبي عن البطلان المطلق هو أن الأول قابل للتصحيح ، وتصحيح البطلان النسبي يكون بطريقتين :
الأول : هو القبول الصريح أو الضمني للإجراء الباطل من قبل من تقرر البطلان لمصلحته ، وقد أورد المشرع هذا الطريق من طرق التصحيح معبرا عنه بسقوط حق الدفع بالبطلان وذلك في المادة 333 إجراءات ، فقد نص على أن يسقط الحق في الدفع ببطلان الإجراءات الخاصة بجمع الاستدلالات أو التحقيق الابتدائي أو التحقيق بالجلسة في الجنح والجنايات إذا كان للمتهم محام وحصل الإجراء بحضوره بدون اعتراض منه .
أما في مواد المخالفات فيعتبر الإجراء صحيحا إذا لم يعترض عليه المتهم ولو لم يحضر معه محام في الجلسة .
وكذلك يسقط حق الدفع بالبطلان بالنسبة للنيابة العامة إذا لم تتمسك به في حينه .
الثاني : هو تحقق الغرض من الإجراء الباطل .

فتحقق الغرض من الإجراء الباطل يصحح البطلان وذلك يتم عن طريق التصرف أو القيام بإجراء لاحق من شأنه أن يعدم أثر البطلان في الإجراء .
وقد نص المشرع على تطبيق لهذا الطريق بالنسبة لبطلان ورقة التكليف بالحضور في المادة 334 . فإذا حضر المتهم في الجلسة بنفسه أو وكيل عنه فليس له أن يتمسك ببطلان ورقة التكليف بالحضور ، وإنما له أن يطلب تصحيح التكليف أو استيفاء أى نقض فيه وإعطاء ميعادا لتحضير دفاعه قبل البدء في سماع الدعوى ، ويجب في هذه الحالة أن تجيبه المحكمة إلى طلبه . غير أن إلزام المحكمة بالإجابة يكون فقط في حدود المواعيد المنصوص عليها بالنسبة للتكليف بالحضور وهى ثلاثة أيام في الجنح ويوم واحد المخالفات .
6. البطلان النسبي لا يقبل الدفع به من جانب من لم يتقرر هذا البطلان في صالحه ، أو تكون الغاية التي من أجلها تقرر الشكل الذي وقع الإجراء باطلا بالمخالفة له قد تحققت على الرغم من حدوث هذه المخالفة ، وليس هذا إلا تطبيقا لقاعدة أنه (لا دعوى حيث لا مصلحة) .
(عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)

البطلان المطلق هو الذي يترتب على مخالفة القواعد الخاصة بالإجراءات الجوهرية المتعلقة بالنظام العام . (عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)

وقد نصت عليه وحددن حالاته وبينت خصائصه وأحكامه المادة (332) من قانون الإجراءات الجنائية في قولها ” إذا كان البطلان راجعا لعدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بتشكيل المحكمة أو بولايتها بالحكم في الدعوى أو باختصاصها من حيث نوع الجريمة المعروضة عليها أو بغير ذلك مما هو متعلق بالنظام العام ، جاز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى ، وتقضي به المحكمة ولو بغير طلب ” (محمود نجيب حسني ، مرجع سابق)

من هذه المادة يتبين لنا أن حالات البطلان المطلق تكون راجعة الى مخالفة أحكام القانون المتعلقة بتشكيل المحكمة ، وأحكامه المتعلقة بولايتها بالحكم في الدعوى ، وأحكامه المتعلقة باختصاصها النوعي ، وهذا البيان لم يرد على سبيل الحصر ، وإنما ورد على سبيل المثال ، ولذلك أضافت إليه المذكرة الإيضاحية أمثلة أخرى ، فأشارت الى (مخالفة الأحكام المتعلقة بعلانية الجلسات ، وتسبيب الأحكام ، وحضور مدافع عن المتهم بجناية ، وأخذ رأى المفتي عن الحكم بالإعدام ، وإجراءات الطعن في الأحكام) وعلى الرغم من هذه الإضافة التي جاءت بها المذكرة الإيضاحية ، فمازال بيان حالات البطلان المطلق على سبيل المثال فحسب .

وقد أشارت محكمة النقض الى أنه ” ما كان في مقدر الشارع أن يحصر – والقوانين السياسية والإدارية والمالية والجنائية أبدا متغيرة – المسائل المتعلقة بالنظام العام فذكر البعض من هذه المسائل في المادة 332 ، وترك للقاضي استنباط غيرها وتمييز ما يعتبر منها من النظام العام وما هو من قبيل المصالح الخاصة التي يملك الخصوم وحدهم فيها أمر القبول من عدمه ”

(نقض 3 يونيو سنة 1958 مجموعة محكمة النقض س9 رقم 156 ص609)

 

**أحكام البطلان المطلق : –
1. جواز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض . إلا أن الدفع به لأول مرة أمام محكمة النقض يتطلب ألا يحتاج الفصل فيه الى تحقيق موضوعي وهو ما يخرج عن اختصاص محكمة النقض .
2. أن تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها ودون حاجة الى طلب من الخصوم .
3. يجوز التمسك به أو الدفع من قبل أى خصم ودون اشتراط قيام المصلحة كشرط للدفع بمعنى أنه يجوز للخصم الدفع به ولو لم تكن له مصلحة مباشرة من تقرير البطلان .
4. لا يجوز التنازل عن الاحتجاج به . فالبطلان المطلق (المتعلق بمصلحة عامة) إنما يتقرر لمصلحة المجتمع أو لمصلحة الخصم إذا ارتقت في أهميتها لحد صيرورتها مصلحة عامة بطريق غير مباشر ، ولا يعتد بمثل هذا التنازل سواء كان صراحة أم ضمنا ، والنزول الضمني هو الذي يستخلص من السكوت على البطلان الذي شاب الإجراء وعدم التمسك به في حينه . (مأمون سلامة ، مرجع سابق)
5. عدم قابليته للتصحيح عن طريق رضاء الخصم الصريح أو الضمني بالإجراء الباطل غير أن البطلان المطلق رغم ذلك يصحح إذا كان الإجراء الباطل قد حقق الغرض المقصود منه رغم عدم مراعاة أحكامه ، ومثال ذلك أن يحصر محامي المتهم في جناية أمام محكمة الجنايات رغم رفض المحكمة التأجيل أو تعيين مدافع آخر ، أو أن يقضي القاضي الجنائي بعدم قبول الدعوى المدنية رغم أنه لا ولاية له بنظرها ، ذلك أن التصحيح هنا يتحقق عن طريق إجراء جديد بعدم فاعلية البطلان الذي شاب الإجراء الباطل ويؤدي الى إحداث الأثر الذي أراد المشرع تحقيقه . (عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)
6. لا يجوز الدفع بالبطلان المطلق (المتعلق بالمصلحة العامة) إذا كان سبب هذا البطلان راجعا الى خطأ الخصم أو كان قد ساهم فيه ، وبالتالي فليس للمتهم أن يدفع ببطلان الحبس الاحتياطي لعدم استجوابه من قبل متى كان هو الذي امتنع عن الإجابة على الأسئلة التي وجهها إليه المحقق .
(مأمون سلامة ، مرجع سابق)

 

أحكـــام النقـــض بشأن البطلان الجنائى المطلق : –
-إن الشارع حاول تنظيم أحوال البطلان فيما أورده من قواعد عامة في المادة 231 إجراءات جنائية وما بعدها ، إلا أن هذه النصوص تدل عبارتها الصريحة على أن الشارع لم يحصر – وما كان في مقدوره أن يحصر ، والقوانين السياسية والإدارية والمالية والجنائية أبدا متغيرة – المسائل المتعلقة بالنظام العام فذكر البعض من هذه المسائل في المادة 332 وترك للقاضي استنباط غيرها وتمييز ما يعتبر منها من النظام العام وما هو من قبيل المصالح الخاصة التي يملك الخصوم وحدهم فيها أمر القبول من عدمه . (نقض 3/6/1958 مجموعة القواعد القانونية س9 ص609)
-لما كانت قواعد الاختصاص في المواد الجنائية من حيث أشخاص المتهمين متعلقة بالنظام العام وكان البين أن المتهمة المطعون ضدها حدث وعلى الرغم من ذلك قدمتها النيابة العامة الى محكمة الجنح العادية المشكلة من قاضي فرد قضى في الدعوى دون أن تكون له ولاية الفصل فيها ، فإن محكمة ثاني درجة إذ قضت بإلغاء الحكم المستأنف لانعدام ولاية القاضي الذي أصدره وبإعادة القضية الى النيابة الطاعنة .. لإجراء شئونها فإنها تكون قد التزمت صحيح القانون .

(نقض 4/12/1977 مجموعة القواعد القانونية س28 ص1002)

-إبداء الدفع بعدم اختصاص محكمة الجنايات بمحاكمة الحدث ولئن كان ممن يتصل بالولاية وأنه متعلق بالنظام ويجب على المحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها ويجوز الدفع به في أى حالة تكون عليها ولو لأول مرة أمام محكمة النقض ولها أن تقضي فيه من تلقاء نفسها بغير طلب ، إلا أن ذلك مشروط بأن تكون عناصر المخالفة ثابتة في الحكم المطعون فيه بغير حاجة الى إجراء تحقيق موضوعي.
(نقض 4/12/1977 مجموعة القواعد القانونية س28 ص1023)

-من المقرر أن مؤدى قواعد الاختصاص في المواد الجنائية من حيث أشخاص المتهمين من النظام العام ويجوز إثارة الدفع بمخالفتها لأول مرة أمام محكمة النقض أو نقض هى فيه من تلقاء نفسها بدون طلب متى كان ذلك لمصلحة المحكوم عليه وكانت عناصر المخالفة ثابتة بالحكم ، وكانت المحكمة المطعون في حكمها إذ قضت في موضوع جريمة الضرب الذي نشأن عنه عاهة مستديمة التي دين بها المطعون ضده على الرغم من أن سنه لم يجاوز خمس عشرة سنة كاملة – قبل سريان القانون رقم 31 لسنة 1974 – وقت ارتكابه إياها تكون قد خالفت القانون لتجاوزها الاختصاص المقرر لمحكمة الأحداث وحدها بنظر الدعوى ويتعين ذلك نقض الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم اختصاص محكمة الجنايات بنظر الدعوى . (نقض 25/6/1973 مجموعة القواعد القانونية س27 ص436)

-لما كان القانون على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة وطبقا لنص المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجب وضع الأحكام الجنائية وتوقيعها في مدة ثلاثين يوما من التعلق بها وإلا كانت باطلة وكان التعديل الذي جرى على الفقرة الثانية من المادة 312 سالفة الذكر – بالقانون رقم 107 لسنة 1962 والذي استثنى أحكام البراءة من البطلان ر ينصرف البتة الى ما يصدر من أحكام في الدعوى المدنية المقامة بالتبعية للدعوى الجنائية ذلك أن مؤدى علة التعديل – وهى على ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون ألا يضار المحكوم ببراءته بسبب لا دخل له فيه – هو أن مراد الشارع قد اتجه الى حرمان النيابة وهى الخصم الوحيد للمتهم في الدعوى الجنائية من الطعن على حكم البراءة بالبطلان إذا لكم توقع أسبابه في الميعاد المحدد قانونا ، أما أطراف الدعوى المدنية فلا مشاحة في انحسار ذلك الاستثناء عنهم ويظل الحكم بالنسبة إليهم خاضها للأصل العام المقرر بالمادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية فيبطل إذا مضى ثلاثون يوما دون حصول التوقيع عليه . لما كان ما تقدم ، فإن الحكم يكون باطلا . (نقض 8/5/1984 – الطعن 5940 لسنة 53ق)

-لما كان قانون الإجراءات الجنائية قد أوجب في المادة 312 منه وضع الأحكام الجنائية وتوقيعها في مدة ثلاثين يوما من النطق بها وإلا كانت باطلة ما لم تكن صادرة بالبراءة . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قضى في الثامن والعشرين من مايو سنة 1981 بإدانة المتهم (الطاعن) وحتى السابع من يوليو سنة 1981 لم يكن قد تم التوقيع عليه على ما يبين من الشهادة السلبية الصادرة من قلم كتاب نيابة بنها الكلية المقدمة من الطاعن فإنه يكون باطلا .

(نقض 8/5/1984 – الطعن 6236 لسنة 53ق)

 

 

المقصود بالانعدام الجنائى 

 

 

** المقصود بلانعدام الجنائى :  –
والمقصود بالانعدام هو نقص المفترضات القانونية الإجرائية التي تعطى للعلاقة الإجرائية وجوداً قانونياً .
يفترض الانعدام أن الإجراء الذي يوصف به هو (إجراء معيب) وشأنه في ذلك البطلان ، ولكنه يختلف عنه في أن الانعدام يفترض عيبا أشد جسامة مما يفترضه البطلان . ذلك أن العيب لم يقتصر على نفى أحد شروط صحة الإجراء ، وإنما جاوز ذلك الى نفى أحد أركانه ، أى أحد مقومات وجوده ، ويعني ذلك أن الإجراء الباطل له وجوده القانوني وأن يكن وجوداً معيباً ، أما الإجراء المنعدم فليس له وجود قانوني . (محمود نجيب حسني ، مرجع سابق)

 

** التفرقة بين الانعدام والبطلان : – 
1- الانعدام يترتب بقوة القانون ، فهو لا يحتاج الى تقرير قضائي لأنه لا حاجة الى إعدام المعدوم ، ولا حاجة للطعن في الحكم المعدوم التوصل الى إلغائه وإنما يكفي مجرد إنكار وجوده عند التمسك به ويمكن رفع دعوى جديدة بموضوع الحكم المعدوم .
2- الانعدام لا يقبل التصحيح بينما البطلان يقبل التصحيح .
3- الانعدام لا يحتاج الى تنظيم من المشرع ، فلا محل لتطبيق مذهب لا بطلان بغير نص على الإجراءات المنعدمة . أما البطلان فيتوقف على تنظيم المشرع للإجراءات الجنائية .
4- أن الانعدام يتوافر حينما تفقد الرابطة الإجرائية شرطا من شروط نشأتها ووجودها منتجة لآثارها القانونية . أما البطلان فإن الرابطة الإجرائية تنشأ وتتواجد حقا بشكل معيب إلا أن هذا العيب يصحح باكتساب الحكم حجية الشئ المقضي فيه ، ومعنى ذلك أن البطلان لا يفقد الرابطة الإجرائية كل فاعلية لها وإنما رغم العيب الذي يشوبها تظل تنتج آثارا قانونية ولا يمنع ذلك من اكتساب الحكم للحجية التي تصحح كل نقض مستوجب للبطلان ، بينما الانعدام لا يحدث هذا الأثر ، فالانعدام يؤثر على نشور الرابطة الإجرائية ذاتها بحيث تكون معدومة الوجود القانوني ومن ثم يستحيل أن يترتب عليها أى أثر قانوني . (مأمون سلامة ، مرجع سابق)

 

** أوجة الاتفاق بين الانعدام والبطلان المطلق : –
1- أن كليهما يجب أن تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها حتى ولو لم يطلبه الخصوم ، كما يجوز لأى خصم التمسك به حتى ولو لم تكن له مصلحة مباشرة ، ويجوز إثارتهما لأول مرة أمام محكمة النقض .
2- أن كليهما يتقرر بقوة القانون وأن الحكم الصادر بأيهما يعتبر كاشفا وليس منشئا .

 

** أسباب الانعدام : – 
1- تخلف الإرادة : فالإرادة عنصر أساسي في العمل ، وبدونها لا يكون لهذا العمل وجود في القانون ، ومن أسباب انعدام الإرادة الجنون وعاهة العقل والسكر والإكراه والمسئولية الجنائية لا تقوم إذا انتفت إرادة المتهم في ارتكاب الجريمة .
2- عدم انعقاد الخصومة : ويتم انعقاد الخصومة : أ) باستعمال الدعوى الجنائية من قبل النيابة العامة ، ب) هيئة قضائية يناط بها الفصل . ج) إعلان المتهم بالحضور.
فإذا تخلف شرط من الشروط المتقدمة لا تنعقد الخصومة ، غير أنه متى انعقدت الخصومة الصحيحة أمام المحكمة ، لا يؤثر في انعقادها ما قد يطرأ عليها بعد ذلك من أسباب كعدم تمثيل النيابة العامة في الجلسات .
وأهم تطبيق لنظرية الانعدام نجده في مجال (الأحكام) ومثال الحكم المنعدم الذي يصدر عن شخص ليس له صفة القاضي ، أو عن قاض فقد أهلية التعبير عن إرادة القانون لإصابته بجنون مثلا ، والحكم الذي لم يطبق قاعدة قانونية على وقائع الدعوى ، وإنما طبق قاعدة دينية أو أخلاقة لا يعترف بها النظام القانوني ، وأهم نتيجة للتفرقة بين البطلان والانعدام أن البطلان يحتاج تقريره الى قرار من القضاء ، أما الانعدام فلا يحتاج الى هذا القرار ، وإنما يمكن لذي المصلحة التصرف مفترضا أن هذا الإجراء لم يصدر . (محمود نجيب حسني ، مرجع سابق)

 

** الانعدام الجزائى : – 
الانعدام قد يكون كليا كما يكون جزئيا ينصرف فقط الى ذلك الجزء من الحكم الذي توافر بالنسبة له سبب الانعدام ، وفي هذه الحالة يقتصر فقط على ذلك الجزء ، ويحدث هذا بالنسبة للأحكام الصادرة في الجرائم المرتبطة أو في الجرائم التي يتعدد فيها المتهمون ، فيكون الحكم صحيحا في جزء منه يتعلق بأحد الجرائم أو أحد المتهمين ومنعدما بالنسبة لجزئه الآخر المتعلق بالجريمة الأخرى أو باقي المتهمين . كما قد يحدث أيضا بالنسبة للدعاوى التي يدعى فيها المضرور مدنيا فيكون صحيحا بالنسبة للدعاوى الجنائية ومنعدما بالنسبة للدعاوى المدنية . (مأمون سلامة ، مرجع سابق)

 

** تقدير نظرية الانعدام : – 

تعرضت هذه النظرية لبعض الانتقادات فيها :
1- مخالفتها للقانون بناء على أن المشرع لم ينظم الانعدام .
2- عدم فائدتها .
3- غموض معيار الانعدام .
موقف محكمة النقض المصرية من نظرية الانعدام :
قد قضت محكمة النقض بأنه ” الحكم لا يعتبر له وجود في نظر القانون إلا إذا كان موقعه موظفا عند التوقيع ، وإذن فمتى زالت صفة القاضي عن رئيس المحكمة الذي قضى في الدعوى فإن وضعه بعد ذلك أسباب الحكم ثم توقيعه إياه لا يكسب ورقته الصفة الرسمية ولا يجعل منها بالتالي حكما مستوفيا الشكل القانوني ، وإذا لم يكن موجودا في الدعوى غير تلك الورقة ولم يكن عليها توقيع آخرين ممن اشتركوا مع موقعها في الفصل في القضية فإن الدعوى تكون كأنها لا حكم فيها .
(نقض 21 مايو سنة 1946 مجموعة القواعد جزء 7 ص157 رقم 163)
كما قضت محكمة النقض في قضية تتحصل وقائعها في أن متهما تواطأ مع المجني عليه في أن يرفع عليه هذا الأخير دعوى مباشرة أمام محكمة أخرى غير المرفوعة عليه الدعوى الجنائية أمامها وبنفس التهمة المتهم بها ، ولا يقدم المدني عليه دليلا لإثبات دعواه ، وترتب على ذلك أن قضت المحكمة بالبراءة وأصبح الحكم نهائيا ، وجاء المتهم أمام المحكمة المرفوعة عليه أمامها الدعوى الجنائية من قبل النيابة العامة ودفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الحكم فيها نهائيا ، فقضت المحكمة برفض هذا الدفع بناء على أن الجنحة المباشرة بظروفها المتقدمة لم تكن جدية بل كان الغرض منها التلاعب وإفلات المتهم من العقاب ولما عرضت القضية على محكمة النقض قضت بأن الحكم المطعون فيه سديد في القانون ، لأن المتهم حصل على حكم البراءة بطريق الغش والتدليس .
(نقض 19 يونيو سنة 1930 مجموعة القواعد جزء 2 ص50 رقم 59)
ومؤدى هذا الحكم أن محكمة النقض رأت أن المتهم والمجني عليه قد صورا خصومة مزيفة تمكن المتهم بواسطتها من الحصول على حكم بالبراءة وأن هذا الحكم الذي لم يصدر في خصومة جدية لا يجوز قوة الأمر المنقضي ، أى منعدم .
كذلك قضت محكمة النقض بأنه ” متى كان رفع الدعوى مباشرة على المتهم أمام المحكمة ينبغي أن يحصل بناء على تكليفه بالحضور من قبل أحد أعضاء النيابة العمومية أو من قبل المدعى بالحقوق المدنية ، وجب أن تكون ورقة التكليف بالحضور صحيحة حتى يترتب عليها أثرها القانوني ، وهو اتصال المحكمة بالدعوى ، فإذا لم يحضر المتهم وكان لم يعلن أصلا أو كان إعلانه باطلا فلا يحق للمحكمة أن تتعرض للدعوى ، فإذا هى فعلت كان حكمها باطلا فلا يحق للمحكمة أن تتعرض للدعوى ، فإذا هى فعلت كان حكمها باطلا ” ثم قالت بأنه ” لا يجوز للمحكمة الاستئنافية في هذه الحالة أن تتصدى لموضوع الدعوى وتفصل هى فيه على اعتبار أن محكمة أول درجة قد استنفذت سلطتها فيه بالحكم الغيابي الصادر منها ، إذ أن الدعوى لم تدفع الى هذه المحكمة على الوجه الصحيح ”
(نقض 14/10/1947 مجموعة القواعد جزء 7 س376 رقم 395)
وفي عدم الاختصاص قضت محكمة النقض بأنه ” إذا خرج مأمور الضبط القضائي عن دائرة اختصاصه لا تكون له سلطة ما ، وإنما يعتبر فردا عاديا ، وهذه هى القاعدة العامة لأداء كل وظيفة رسمية ” (نقض 18/11/1950 مجموعة الأحكام س2 ص355 رقم 97)
ويلاحظ على هذا الحكم أنه اعتبر مأمور الضبط القضائي غير المختص بمثابة فرد عادي ، مما قد يشعر بأن محكمة النقض ترى أن مجاوزته حدود الاختصاص يؤدي الى انعدام ما يباشره من أعمال باعتبار أن الأعمال العامة التي يباشرها الأفراد العاديين هى أعمال منعدمة كما قلنا . إلا أن محكمة النقض فيما قضت به من أحكام أخرى لم تشر صراحة الى انعدام الأعمال التي يباشرها مأمور الضبط خارج حدود اختصاصه. (راجع فيما سبق إيهاب عبد المطلب ص150 وما بعدها ، مرجع سابق)

 

** التمسك بالانعدام : – 
1- إذا كان الحكم المنعدم قد استنفد طرق الطعن المختلفة فيكون التمسك بالانعدام بالطرق الآتية :
(أ) أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجنائية من جديد . فإذا كانت النيابة العامة أو من له حق رفع الدعوى العمومية قد رفع الدعوى من جديد أمام المحكمة المختصة فتثار مسألة الانعدام عمد إثارة الدفع بعدم نظر الدعوى لسبق الفصل فيها ، وتقضي بالانعدام ذات المحكمة التي تنظر الدعوى الجديدة . كذلك يجوز إثارته بمناسبة نظر دعوى أخرى إذا ما أثيرت حجية الحكم المنعدم.
(ب) أمام ذات المحكمة التي أصدرت الحكم المنعدم وذلك عن طريق الأشكال في التنفيذ باعتبار أن سند التنفيذ منعدم .
(جـ) أمام محكمة النقض عن طريق ما يسمى بدعوى البطلان الأصلية . فطالما أن محكمة النقض هى التي تتولى الإشراف والرقابة على حسن تطبيق القانون السليم فلا يوجد على الإطلاق ما يمنع من رفع دعوى أصلية الى تلك المحكمة للحكم بانعدام الحكم الصادر في الدعوى الجنائية طالما أنه يعتبر منعدما ولا تصححه الحجية التي يكتسبها الحكم باستنفاد طرق الطعن فيه .
أما إذا كان الحكم مازال قابلا للطعن فيه سواء بالمعارضة أو الاستئناف أو النقض فيكون التمسك بالانعدام أمام المحكمة المطعون أمامها في الحكم .

 

** أحكام نقض بشأن الانعدام الجنائى : – 
-أثر عدم توافر ولاية نظر الدعوى للمحكمة ابتداء – انعدام عملها – وجوب فصل المحكمة في الدعوى عند إعادة رفعها على الوجه الصحيح .
إذا كان عمل القاضي لغوا وباطلا بطلانا أصليا لأن الدعوى سعت الى ساحته من غير طريقها القانوني فلا عبرة بباطل ما أتاه أو أجراه ، وهو من بعد إذا اتصل بالدعوى اتصالا صحيحا مطابقا للقانون فله أن يفصل فيها وتكون إجراءات المحاكمة عندئذ هى إجراءات مبتدأة .

(طعن رقم 489 لسنة 29ق جلسة 20/4/1959 س10 ص451)

-إذا جاز القول في بعض الصور بانعدام الأحكام لفقدانها مقوماتها الأساسية فليس هذا هو الشأن فيما يثيره الطاعن بشأن تشكيل المحكمة التي نظرت الدعوى .

(طعن رقم 188 لسنة 30ق جلسة 26/4/1960 س11 ص380)

-عدم توافر ولاية نظر الدعوى للمحكمة ابتداء – أثر تخلف هذا الشرط – انعدام العمل الإجرائي انعداما قانونيا .
منع القاضي من نظر دعوى سبق له أن نظرها وفصل فيها محله أن يكون ذلك القاضي له ولاية النظر فيها ابتداء – فإذا نظرها مرة أخرى كان قضاؤها باطلا يفتح له القانون باب الطعن بالطريقة العادية أو بطريق النقض .

(طعن رقم 489 لسنة 25ق جلسة 20/11/1959 س10 ص541)

 

أسباب بطلان الاجراء الجنائى 

 

 

** أسباب البطلان الجنائى : – 
ترجع أسباب البطلان الى عدم توافر العناصر اللازمة لصحة العمل القانوني والعمل الإجرائي هو عمل شكلي فيشترط لصحة توافر شروط شكلية وشروط موضوعية .

…. وسنعرض كل منها بشئ من التفصيل على النحو التالي : – 

 

** الاسباب الشكلية لبطلان الاجراء الجنائى : – 
الأصل في العمل الإجرائي أنه عمل شكلي ، يجب أن يفرغ في الشكل المقرر بالقانون ولا يقيد القانون بالنشاط الإجرائي طالما لم يتم في الشكل القانوني ، والأصل اعتبار أن الإجراءات قد روعيت وبوشرت صحيحة .
ويجب التفرقة بين العمل الإجرائي الجوهري وبين غير الجوهري . فالعمل يعتبر جوهريا إذا أوجب القانون مراعاته وكان يترتب على تخلفه تحقيق الغاية منه ، ويعتبر غير جوهري إذ أوجب القانون مراعاته وكان لا يترتب على تخلفه عدم تحققه الغاية منه . أو لم يوجب القانون مراعاته ، وإنما جعل أمر مباشرته جوازيا . (عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)
ويقصد بالشكل الإجرائي مجموعة العناصر الخارجية اللازمة لإفراغ النشاط الإجرائي بداخلها وبه يتحقق المظهر الخارجي للعمل الإجرائي .
وليس من شك في أن أشكال الإجراء الجنائي عديدة ومتنوعة ، ولا يمكن حصرها لأنها تختلف باختلاف الإجراء نفسه ، وقد تتمثل هذه الأشكال في مواعيد معينة يتوقف صحة مباشرة الإجراء الجنائي على الالتزام بها . كمواعيد الطعن في الأحكام . فتقديم الطعن في الحكم بعد فوات المهلة أو الميعاد المقرر له يترتب عليه توقيع جزاء معين فحواه عدم إنتاج الطعن لأثره القانوني .
وقد يتمثل الشكل الذي يتطلبه القانون في العمل الإجرائي في تعليق صحة هذا العمل على إفراغه في شكل معين أى تنفيذه علة نحو ما لاعتبارات قدرها المشرع . مثال ذلك وجوب تسبيب الأحكام الجنائية ، ووجوب إجراء المحاكمة علانية ، وشفاهة ، وفي حضور الخصوم المعنيين بالإجراء ووجوب تحليف الشاهد اليمين وبيان تاريخ الحكم .
وقد يتطلب المشرع لصحة الإجراء الجنائي توافر شكل خارجي عنه لكنه شديد الصلة به ، كاشتراط حضور مدافع عن المتهم بجناية أمام محكمة الجنايات ، واستلزام إعلان المتهم بإحالته الى المحكمة بواسطة التكليف بالحضور أو أمر الإحالة لصحة اتصال المحكمة بالدعوى ، بحيث لا تعتبر الدعوى الجنائية ق دخلت حوزة المحكمة إلا بهذا الإجراء .
وقد يستلزم المشرع لصحة الإجراء الجنائي استبعاد شكل ما يعوق في حالة توافره إنتاج العمل لأثره القانوني . فصحة إجراءات المحاكمة والحكم تقضي باستبعاد من يباشر هذه الإجراءات من القضاة إذا كان قد سبق له الاشتراك في التحقيق في هذه الدعوى من قبل . كما أن صحة بعض الأعمال الإجرائية تتوقف على استبعاد ما يعوقها من إنتاج أثرها فيبطل الاعتراف الصادر عن المتهم إذا تم الاستحصال عليه بطريق الغش أو العنف .

 

** بطلان الاجراء الاجنائى لتخلف أحد أشكالة الجوهرية :  –

 

– بطلان الاجراء الجنائى لعدم إجرائة فى الميعاد المحدد 

هناك أعمال إجرائية ينص المشرع على وجوب اتخاذها خلال ميعاد محدد ، والميعاد هنا ميعاد آمر متعلق بالنظام العام وليس ميعادا تنظيميا أو توجيهيها ، وقد تتمثل هذه الأعمال الإجرائية في إجراءات تحقيقية كالقبض أو التفتيش بناء على أوامر صادرة من سلطة التحقيق ، أو في تصرفات قانونية يترتب عليها إمكان تحريك الدعوى العمومية كتقديم شكوى من المجني عليه ، أو في إجراءات إعلان الخصوم ، أو في الأحكام الصادرة والطعن فيها ، ويترتب على عدم مباشرة هذه الإجراءات على تنوعها خلال الميعاد المحدد اعتبار الإجراء معيبا ، ولئن اختلفت صورة الجزاء الإجرائي في هذه الأحوال من بطلان الى سقوط الى عدم قبول ، فمما لا شك فيه أن الإجراء المعيب يصير غير منتج لآثاره القانونية

ومن أمثله ذلك تعييب إجراءات القبض والتفتيش والحبس لمباشرتها بعد فوات الأجل المقرر قانونا .
فالمشرع ينص على عدم جواز تنفيذ أوامر الضبط والإحضار وأوامر الحبس بعد مضى ستة أشهر من تاريخ صدورها ، ما لم يعتمدها قاضي التحقيق لمدة أخرى . م139/2 أ.ج . ومؤدى النص السابق أن تنفيذ أوامر القبض والتفتيش أو حبس المتهم يقع معيبا متى تم ذلك بعد انقضاء الشهور الستة ، ويصم هذا العيب الإجراءات المتخذة بالبطلان ، وكذلك تعييب إجراء رفع الدعوى العمومية لفوات أجل تقديم الشكوى .
وقد حدد المشرع المصري أجلا معينا ينقضي به الحق في تقديم الشكوى ، ومدة هذا الأجل ثلاثة أشهر يبدأ سريانها من اليوم التالي لعلم المجني عليه بوقوع الجريمة وبفاعلها ومثال ذلك أيضا تعييب إجراء دخول الدعوى في حوزة المحكمة لعدم الإعلان خلال الأجل المحدد قانونا ، ويختلف هذا الأجل بحسب نوع الجريمة فيكون التكليف بالحضور أمام المحكمة قبل انعقاد الجلسة بيوم كامل في المخالفات ، وبثلاثة أيام كاملة على الأقل في الجنح غير مواعيد مسافة الطريقة ، وذلك بناء على طلب النيابة العامة أو المدعى بالحقوق المدني . م233/1 أ.ج .
أما في مجال الجنايات (وكذلك جنح النشر عدا تلك المضرة بآحاد الناس) فقد أوجب المشرع في نص المادة 214/2 أ.ح أن تعلن النيابة العامة الخصوم بالأمر الصادر بالإحالة الى محكمة الجنايات خلال العشرة أيام التالية لصدوره ، ومثال ذلك أيضا تعييب الحكم الجنائي لفوات أجل التوقيع عليه ، ويفرق في هذا الشأن بين أجل تحرير الحكم بأسبابه والمتمثل في ثمانية أيام من تاريخ صدوره ، وهذا ميعاد تنظيمي لا يترتب على فواته تعييب الحكم أو القول ببطلانه ، وبين أجل التوقيع على الحكم الذي لا يجوز أن يتراخى عن ثلاثين يوما ، وقد نص المشرع صراحة على أنه لا يجوز تأخير توقيع الحكم على الثمانية أيام المقررة إلا لأسباب قوية ، وعلى كل حال يبطل الحكم إذا مضى ثلاثون يوما دون حصول التوقيع ، ما لم يكن صادرا بالبراءة . م312 أ.ج .
ولم تترد محكمة النقض المصرية في تأكيد بطلان الحكم الجنائي لعدم التوقيع عليه خلال الأجل المحدد قانونا وهو ثلاثين يوما من تاريخ صدوره . (نقض جنائي 6/3/1959 مجموعة أحكام النقض س7 ق95 ص315 ، 21/10/1963 س14 ق121 ص662 ، 17/10/1976 س27 ق171 ص754)

– بطلان الاجراء الجنائى لعدم إفراغة فى الشكل المقرر قانونآ 
تتوقف صحة الإجراء الجنائي على وجوب إفراغه في الشكل المقرر قانونا ، ولكن الإشكال التي ينبغي مباشرة الإجراء من خلالها ليست سائرها على نفس الدرجة من الأهمية فكما أن سبق وذكرنا أن من هذه الأشكال ما هو جوهري يترتب على إغفاله تعييب الإجراء ومنها ما هو غير جوهري لا يؤثر على صحة الإجراء المتخذ .
وأن إفراغ الإجراء في الشكل المقرر قانونا يتجلى في سائر صور الإجراءات الجنائية ، سواء تمثلت في إجراءات التحقيق أو المحاكمة أو في الأحكام الجنائية ذاتها .

إجراءت التحقيق : –
تتعدد إجراءات التحقيق الابتدائي وتتنوع ، وقد تتمثل في إجراءات التنقيب عن الأدلة كالانتقال الى مكان وقوع الجريمة ومعاينته ، وندب الخبراء ، وسماع الشهود ، والتفتيش وضبط الأشياء ، ومراقبة المحادثات والمراسلات وإجراء التسجيلات ، والمواجهة والاستجواب ، وقد تتجلى في إجراءات احتياطية بغية تأمين الأدلة كالقبض على المتهم وحبسه احتياطيا .
وقد أحاط المشرع العديد من الإجراءات بأشكال معينة ينبغى استيفاؤها ولعل أهم الأشكال الجوهرية التي ينبغي استيفاؤها عند مباشرة إجراءات التحقيق تدوين هذه الإجراءات بواسطة كاتب في محضر رسمي موقع عليه ويشتمل على بيانات معينة ، وتقييد تنفيذ بعض هذه الإجراءات على نحو معين ، وحضور الخصوم مباشرة بعض هذه الإجراءات .

إجراءات المحاكمة : – 
هناك بعض الأشكال الجوهرية التي تتمثل شروطا شكلية لصحة المحاكمة وتخلف هذه الأشكال يؤدي الى بطلان الإجراء قبل .
(أ) العلانية : تكون جلسة المحاكمة علنية ولاسيما ليفرغ كل خصم ما في جعبته ، ويكشف جهرا عما تعذر عليه أن يبديه في المراحل السابقة من التحري عن الحقيقة ، ويكون كل ذلك على مرأى ومسمع من جمهور الناس قاطبة دون تمييز ، حتى يتأكد لدى الناس أنه لا تحاك لأحد خيوط الوقيعة به في خفاء .
والعلانية تجعل أفراد الجمهور رقباء على القضاة في الجلسة ، إذ يحس القاضي بأن الإبصار شاخصة إليه ومسلطة عليه ، فيحسن الإمساك بزمام نفسه كى لا يبدو منه خطأ أو شطط في إدارة مجريات الجلسة وتوجيه دقة المحاكمة ولا يغلب عليه نعاس ولا ينبو له مسلك فعلي أو قولي .
ولا تستثنى من قاعدة العلانية ، سوى الحالة التي تقتضي فيها الآداب العامة أو يوجب النظام العام ، نظر الدعوى في جلسة سرية ، كما لو كانت دعوى اغتصاب جنسي أو هتك عرض ، وهذا فيما يتعلق بالآداب العامة إن كانت دعوى تآمر على أمن الدولة الخارجي ، وهذا فيما يتعلق بالنظام العام ، وعندئذ تكون الجلسات إما كلها وإما بعضها سرية سواء بالنسبة للجمهور قاطبة أم بالنسبة لفئات معينة منه كفئة الصغار وفئة النساء مثلا ، ولا يمكن بحال ما أن تكون جلسة ما سرية بالنسبة للخصوم أنفسهم أو لممثليهم أو المدافعين عنهم .
وإذا لم تتوافر موجبات السرية ، كانت الإجراءات السرية باطلة وبطل الحكم للمحكمة مع ذلك مراعاة للنظام العام ، أو محافظة على الآداب ، أن تأمر بسماع الدعوى كلها أو بعضها في جلسة سرية ، أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها . (رمسيس بهنام ص302 ، مرجع سابق)
(ب) الشفوية : أنه لو حدث اعتماد على إطلاع القاضي وإلمامه بملف القضية وأوراقها ، دون تمثيل للقضية أمامه بأسلوب يطرق سمعه ويكون ملء بصره ، يخشى أن يكون قد أطلع على أوراق القضية إطلاعا ناقصا أو ألا يكون قد أحاط بها كل الإحاطة قبل أن يصدر فيها حكمه ، ومن ثم فقد صار من مقتضيات حسن سير العدالة ، أن تجرى المحاكمة على مبدأ الشفوية ضمانا للوصول بالقاضي إلى أكبر قدر ممكن من الإحساس بالقضية ولبها ومقاطع الفصل فيها .
ولا يرد على مبدأ الشفوية غير استثناءين : الأول : يتعلق بالمحاكمة الغيابية ، فإنها تجري ويصدر الحكم فيها بعد الإطلاع على الأوراق ودون سماع للشهود (م238/1) ، وفي هذا تختلف المحاكمة الغيابية عن المحاكمة الحضورية أو المعتبرة حضورية .
وللمتهم الغائب أن يطعن في الحكم بالمعارضة إذا شاء فتعاد المحاكمة من جديد وتجرى بأسلوب الشفوية ، وله إذا فوت على نفسه فرصة المعارضة ، أن يطعن في الحكم بالاستئناف .
والاستثناء الثاني يتعقل بقضاء الدرجة الثانية . ذلك لأن هذا القضاء الاستئنافي غير ملزم بمبدأ الشفوية في طرح القضية أمامه بأكملها من جديد ومن أولها إلى آخرها ، وإنما لا تكون الشفوية فيه مكفولة إلا لما يتيسر العمل فيه بها أمام محكمة أول درجة.
(1) بطلان ورقة التكليف بالحضور :
وقد يقع في ورقة التكليف بالحضور ثمة سهو أو خطأ ، فتسري قواعد البطلان في حالة إغفال بعض البيانات الجوهرية فيها ، مثل التهمة ، ومواد القانون التي تنص على العقوبة ، والبطلان هنا نسبي لا يمس الصالح العام ويخضع لأحكام خاصة به .
(2) عدم تقييد المحكمة بواقعة الدعوى :
إذا قامت المحكمة بإحداث تغيير في أساس الدعوى نفسه فإنها تكون قد أضافت لنفسها سلطة لا تملكها .
وقضاء النقض استقر على أنه رغم تعلق هذه القاعدة بالنظام العام ، إلا أنه يتعين توافر مصلحة الطاعن فيه وإلا كان الطعن غير مقبول تطبيقا لقاعدة حيث لا مصلحة فلا طعن .
(3) عدم لفت الدفاع الى ما ينبغي لفته إليه :
للمحكمة سلطة تغيير وصف الاتهام ، إلا أنها مقيدة في حالة تعديل التهمة بإضافة الظرف المشدد أو تنبه المتهم الى هذا التغيير وأن تمنحه أجلا لتحضير دفاعه فللمتهم مصلحة من تنبيهه الى كل تعديل للتهمة إذا كان التغيير لأشد فحسب . أما إذا كان التعديل لأخف ، فلا حاجة للمحكمة الى نيته .
(4) المصلحة في الطعن ببطلان التحقيق النهائي :
قد يلحق البطلان إجراء من إجراءات التحقيق النهائي ، وبعض هذه الإجراءات تنظيمي بحت فلا ترتب مخالفته بطلانا ما ، مثل سماع شهود الإثبات والنفى بترتيب معين ، وكذلك ترتيب سماع أطراف الدعويين الجنائية والمدنية .
إلا أنه إذا تضمنت مخالفة هذه القواعد إخلالا بحق الدفاع فإن الإجراء يكون باطلا ، ويصبح للطاعن مصلحة في الطعن ببطلانه ، ومخالفة قواعد التحقيق بالجلسة ، إعمالا لنص المادة 323/أ.ج ترتب بطلانا نسبيا وجميع أوجه البطلات النسبي المتعلق بصحة إجراءات المحاكمة والتحقيق الابتدائي يمكن إبداؤها في النقض في حالتين : 1- إذا أبدى الدفع أمام محكمة الموضوع المختصة فلم ترد عليه بأسباب غير صحيحة أو غير سائغة . 2- إذا كان الحكم الاستئنافي المطعون عليه قد صدر غيابيا.
(5) المصلحة في الطعن للإخلال بحق الدفاع :
مخالفة إجراءات التحقيق النهائي والمحاكمة ترتب أحيانا الإخلال بحق الدفاع ، حين يرتب أحيانا بطلان الإجراء ، والإخلال بحق الدفاع يكون بسبب : 1- عند رفض طلب التأجيل رغم توافر مبرراته . 2- عند مخالفة قاعدة شفهية المرافعة أمام القضاء الجنائي . 3- عدم تمكين المحكمة للخصم من المرافعة في الدعوى ، والأصل هو أن مصلحة الطاعن تكون دائما متوافرة عند توافر صورة من الصور السالفة .
وهذا الإخلال ، وما يرتبه من بطلان في الإجراءات يؤدي حتما الى القول بتوافر المصلحة في الدفع ، وهذا البطلان نسبي ، والمصلحة في الدفع به تكون غير مفترضة ، بل ينبغي أن تنبئ عنها ظروف الإخلال الذي وقع بحق الدفاع . (عبد الحميد الشواربي ص865 وما بعدها ، مرجع سابق)

الاحكام الجنائية : – 

1- الاشكال اللصيقة بالحكم ” مشتملات الحكم “

أ – ديباجة الحكم 
يقصد بديباجة الحكم ذلك الجزء الذي يأتي في مقدمة الحكم بين فيه بيانات تتعلق بالاسم الذي صدر به ، وبالمحكمة التي أصدرته ، وأسماء أعضاء المحكمة وباقي الهيئة الداخلة في التشكيل وتاريخ إصدار الحكم ثم البيانات المتعلقة بشخص المتهم ، وباقي الخصوم في الدعوى .
(مأمون سلامة ، مرجع سابق)
والمقصود في تلك البيانات يترتب عليه بطلان الحكم ، وتميل محكمة النقض الى التضييق من أحوال البطلان بقدر الإمكان واعتبار الأخطاء المادية التي تقع في ديباجة الأحكام غير جسيم ولا مؤثر طالما ينصب على بيان جوهري فقضى أنه غير مؤثر في صحة الحكم إغفال اسم القاضي الذي أصدر الحكم في طعنه ، مادام الطاعن لم يذهب في طعنه الى أن القاضي الذي أصدر الحكم غير ذلك الذي باشر الإجراءات ، كذلك إغفال ذكر سن المتهم ، فإلزام الطاعن أنه لا يدعى أنه من الأحداث .
ومن أهم البيانات في الديباجة صيغة التهمة ، أى وضعها القانوني والمادة المنطبقة عليها ، فإذا وقع خطأ في هذا البيان ، فالأصل أنه لا يبطل الحكم إلا إذا أدى الخطأ الى إيهام للتهمة المحكوم فيها على المتهم ومصلحة الطاعن تكون متوافرة (ومن حقه إزالة هذا الاتهام الذي من شأنه أن يحول دون إمكانه مراقبة صحة تطبيق الحكم على الواقعة) . (عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)

ب- أسباب الحكم 
الأسباب هى ما يستند إليه الحكم في التدليل على النتائج التي وصل إليها في منطوقه ، وقد استلزم القانون في الأحكام بيان الأسباب التي استند إليها الحكم في الدعوى الجنائية ، بل وأيضا فيما انتهى إليه بالنسبة للطلبات والدفوع التي تقدم بها الخصوم ، فبعد أن أوجب القانون في المادة 310 إجراءات اشتمال الحكم للأسباب التي بنى عليها نص في المادة 311 على أن المحكمة يجب عليها أن تفصل في الطلبات التي تقدم لها من الخصوم وتبين الأسباب التي تستند إليها .
ولا شك أن استلزام التسبيب هو من الضمانات الجوهرية اللازمة لتدعيم الثقة في القضاء من ناحية ، وتيسير الرقابة على الأحكام من ناحية أخرى .
ولكى تكون أسباب الحكم صحيحة قانونا لابد من توافر شروط معينة فيها هى:
1- أن تشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها: بيان الواقعة مقتضاه بيان توافر أركان الجريمة التي عوقب عنها المتهم بيانا كافيا من فعل مادي وقصد جنائي ونتيجة معينة ، فينبغي أن تستفاد من الحكم ماهية الفعل والأفعال المادية التي حدثت من المتهم مقل فعل إزهاق الروح في جريمة القتل ، والخطأ في هذا البيان أو قصوره يرتب البطلان وتستوجب نقض الحكم لأنه يحول دون أن تتمكن محكمة النقض من مراقبة محكمة الموضوع في شأن توافر الركن الذي يتطلبه القانون ، وذلك بشرط توافر مصلحة الطاعن مما ينعاه على الحكم من خطأ و قصور .
2- أن يرد بها الإشارة الى النص القانوني الذي حكم بموجبه : فقد أشارت المادة 310 إجراءات على أن حكم الإدانة يجب أن يشير الى نص القانون الذي حكم بموجبه …. فإغفال الإشارة كلية الى النص المنطبق على الواقعة يقتضي بطلان الحكم الصادر بالإدانة ، وتتعلق مصلحة الطاعن بهذا البطلان ، ولكن لا يعيب الحكم إغفال نص القانون عند إثبات المحكمة أنها أطلقت على المواد التي طلبت النيابة العامة تطبيقها .
3- أن تكون الأدلة المؤدية الى المنطوق واضحة ومستساغة عقلا ومنطقا : يجب أن يراعى في سرد الأدلة والاستدلال بها إتباع ضوابط معينة بحيث إذ أغفل الحكم المطعون فيه إحداهما اعتبر خاليا من بيان الدليل على صحة النتيجة التي انتهى إليها في منطوقه وبالتالي معيبا بما يستوجب نقضه ، بشرط توافر المصلحة في الطعن ، وهذه الضوابط يمكن إجمالها فيما يلي :
1. أن يكون التدليل بأدلة لها أصل صحيح من الأوراق .
2. أن تكون الأدلة وليدة إجراءات صحيحة .
3. أن يذكر الحكم مؤداها .
4. أن تصلح لأن تكون للوقائع المختلفة عناصر إثبات أو نفى سائغة .
5. ألا يقع في بيانها غموض ولا إبهام .
6. ألا يقع فيه تضارب أو تناقض .
والأصل هو أن كل خطأ في التدليل يفتح بابا الطعن لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة مترابطة يشد بعضها بعضا ، بحيث إذا استبعد إحداها تعذر التعرف على أثر الدليل الباطل في عقيدة المحكمة ، فوجب نقض الحكم برمته .
4- أن تتضمن أسباب الحكم الرد على الدفوع والطلبات : وهذه الشروط جميعها لازمة في حالة الحكم بالإدانة . أما إذا كان الحكم صادرا بالبراءة فيكفي أن تتضمن الأسباب الأسانيد القانونية والموضوعية المؤدية عقلا ومنطقا الى ما انتهى إليه الحكم ، وأن تكون متضمنة الرد على ما دفع الخصوم وما تقدموا به من الطلبات للمحكمة .

ج- منطوق الحكم : – 
هو ذلك الجزء الأخير من الحكم الذي يأتي في نهاية الأسباب متضمنا القرار الذي انتهت إليه المحكمة فاصلة به في الدعوى .
مشتملات المنطوق :
يجب أن يشتمل المنطوق على الفصل في جميع الطلبات المتعلقة بالدعوى سواء تعلقت بالدعوى الجنائية أم بالدعوى المدنية المرفوعة تبعا للدعوى الجنائية ، وسواء أكانت مقدمة من النيابة العامة أم قدمت من الخصوم الآخرين ، فقد أوجب المشرع في المادة 309 على كل حكم يصدر في موضوع الدعوى الجنائية أن يفصل في التعويضات التي يطلبها المدعى بالحقوق المدنية أو المتهم . كما أوجبت المادة 310 على المحكمة أن تفصل في الطلبات التي تقدم لها من الخصوم .
يشترط لصحة المنطوق الوارد بنسخة الحكم الأصلية :
1. أن يكون مطابقا لما نطق به القاضي في جلسة النطق بالحكم ، وعند التعارض يقع الحكم باطلا ، اللهم إلا إذا تعلق الأمر بخطأ مادي يمكن تصحيحه ويكون المعول عليه في هذه الحالة هو ما نطق به القاضي في جلسة النطق بالحكم .
2. ألا يكون المنطوق متعارضا أو متناقضا مع الأسباب التي تحمله ويترتب على التناقض بين الأسباب والمنطوق بطلان الحكم .
ويلاحظ أن خلو الحكم من المنطوق يبطل الحكم ولا يكمله في ذلك أى ورقة أخرى ولو كانت محضر الجلسات .

 

2 – الاشكال المتعلقة بالية أصدارة : –

أ – المداولة 

المداولة هى الإجراء التالي لقفل باب المرافعة في الدعوى وبمقتضاه يتناول القضاة أعضاء المحكمة وقائع الدعوى بالمناقشة فيما بينهم من حيث الثبوت أو النفى وتبادل الآراء فيما يتعلق بتطبيق القانون عليها ، وأخيرا الانتهاء الى الحكم الذي يصدر فيها ، غير أن هناك شروطا يتعين توافرها في المداولة لتكون صحيحة ويكون بالتالي صحيحا الحكم الذي يصدر بناء عليها ، وهذه الشروط هى :
1. أن يكون القضاة الذين اشتركوا في المداولة قد باشروا جميعهم إجراءات الدعوى وسمعوا المرافعة فيها . فلا يجوز أن يشترك في المداولة قاضي لم يشترك إلا في بعض جلسات المرافعة ، وذلك أن أى تغيير في هيئة المحكمة قبل صدور الحكم يتعين معه إعادة فتح باب المرافعة ومباشرة جميع الإجراءات من جديد . فالقاعدة المقررة في صدور الأحكام أن القاضي الذي سمع المرافعة هو الذي يملك الفصل في الدعوى . غير أن هذه القاعدة لا تحول دون اشتراك القاضي في المداولة إذا كان تغيب عن بعض الجلسات التي لم تباشر فيها أى إجراءات تتعلق بالتحقيق النهائي كما لو كان التغيب مثلا في جلسة تم فيها تأجيل نظر الدعوى الى جلسة أخرى أو بوشر فيها إجراء لا يؤثر على تكوين عقيدة المحكمة بالنسبة للحكم في الدعوى كالسماح للخصوم بتقديم مذكرات أو انتداب أحد أعضاء المحكمة لتحقيق دليل معين وعرضه على المحكمة ، طالما أن الإجراء قد حققته المحكمة بعد ذلك بحضور الهيئة التي حضرت المداولة .
وإذا كانت المحكمة مشكلة من قاض واحد فيجب أن يكون هو الذي باشر جميع إجراءات التحقيق النهائي ، فلا يجوز أن يصدر القاضي حكمه بناء على تحقيقات أجريت بمعرفة قاضي آخر في جلسة سابقة ومع ذلك فإن هذه التحقيقات تعتبر من عناصر الدعوى ويجوز الاستناد الى الدليل المستمد منها في الحكم ، أو المقصود من إعادة الإجراءات هو تمكين الخصوم من مناقشتها وإبداء دفاعهم أمام القاضي الذي يصدر الحكم .
2- يجب أن تكون المداولة سرية سواء تمت في غرفة المداولة أم في قاعة الجلسة ومؤدى ذلك أنه لا يجوز أن يشترك في المداولة أحد خلاف القضاة الذين سمعوا المرافعة . كما لا يجوز أن تكون المداولة في حضور أحد من الخصوم أو النيابة العامة أو كتاب الجلسة أو أى شخص آخر حتى ولو لم تكن له أية صفة في الدعوى ، وإذا تخلف شرط السرية عن المداولة بطل الحكم الصادر بناء عليها . غير أن بطلان الحكم الصادر بناء على إفشاء سرية المداولة لا تكون إلا في الأحوال التي تفشي فيها السرية قبل النطق بالحكم . أما الإفشاء اللاحق للنطق بالحكم فيقف أثره فقط عند حد المساءلة الجنائية والتأديبية .
3- يجب أن تكون كافة أوراق الدعوى تحت بصر المحكمة أثناء المداولة . غير أن ذلك لا يمنع من صحة المداولة في حالة تخلف بعض الأوراق طالما أن الثابت هو سبق إطلاع هيئة المحكمة التي باشرت الدعوى على محتوى هذه الأوراق وعلمها بما تتضمنه ، ومن ناحية أخرى يجب أن تكون الأوراق التي تحت بصرها في المداولة قد حققت بمعرفتها في جلسة المرافعة أو تكون المحكمة قد مكنت الخصوم من الإطلاع عليها ، ولذلك تبطل المداولة التي تتم بناء على أوراق ضمت أو قبلت من المحكمة بعد قبل باب المرافعة ودون تمكين الخصوم من الإطلاع عليها .
4- يجب أن يكون صدور الحكم بناء على المداولة بأغلبية الآراء في حالة تعدد أعضاء المحكمة ، ويكون الحكم أولاً في المسائل العارضة المقدمة من الخصوم أو التي أبدتها المحكمة من تلقاء نفسها ، وبعد ذلك يحكم في موضوع الدعوى .
وإذا لم تتوافر الأغلبية وتشعبت الآراء الى أكثر من رأيين فالفريق الأقل عدداً أو الفريق الذي يضم أحدث القضاة يجب أن يتضمن لأحد الرأيين الصادرين من الأكثر عددا وذلك بعد أخذ الآراء مرة ثانية . (م169 مرافعات) .
5- يجب على محكمة الجنايات قبل أن تصدر حكمها بالإعدام أن تأخذ رأى مفتى الجمهورية ويجب إرسال أوراق القضية إليه ، وإذا لم يبد رأيه في ميعاد العشرة الأيام التالية لإرسال الأوراق إليه تحكم المحكمة في الدعوى (381/2) ويترتب على مخالفة هذا الإجراء بطلان الحكم سواء تمثلت هذه المخالفة في الحكم بالإعدام دون إرسال الأوراق أن تمثلت في الحكم به بعد إرسال الأوراق وقبل عشرة أيام إذا لم يكن المفتى قد أبدى رأيه .
والبطلان يترتب فقط على مخالفة الإجراء ، إنما لا يترتب على عدم ذكر رأى المفتى بأسباب الحكم أو على عدم الأخذ برأيه .
ويترتب على تخلف أى من الشروط السابقة بطلان المداولة ، وكذلك الحكم الصادر بناء عليها .
وقد قضى بأنه ” إذا كان الثابت بمحضر الجلسة والحكم المطعون فيه أن القاضي الذي كان من الهيئة التي نطقت بالحكم لم يكن من الهيئة التي سمعت المرافعة في الدعوى ، وكان لا يوجد للقاضي الذي سمع المرافعة ولم يحضر النطق بالحكم توقيع على مسودته يفيد اشتراكه في إصداره فإن هذا الحكم يكون باطلا ” (نقض 31/12/1945 مجموعة القواعد ج1 ، 504 رقم 75)
وهذا البطلان يتعلق بالنظام العام باعتبار أنه يتعلق بالقواعد المنظمة لسلطة الحكم في الدعوى ، ويترتب على ذلك أن المحكمة تقضي به ولو لم يدفع به الخصوم ويجوز إثارة الدفع به لأول مرة أمام محكمة النقض .

ب – النطق بالحكم : – 
فصدور الحكم يستلزم النطق به ، فلا يعتبر قد صدر بالانتهاء من المداولة القانونية . إذ يلزم أن تنطق به المحكمة في جلسة علنية حتى ولو كانت الدعوى قد نظرت في جلسة سرية ، وهذا ما نصت عليه المادة 303 إجراءات . ويجب إثبات الحكم في محضر الجلسة ويوقع عليه رئيس المحكمة وكاتب الجلسة ، ويكون النطق بالحكم صحيحا حتى ولو لم يحضر الخصوم أو لم يعلنوا بتاريخ جلسة النطق بالحكم ، ومن ثم فإن صفة الحكم بكونه حضوريا أو غيابيا لا تتوقف على حضور الخصوم جلسة النطق به وإنما تتوقف كما رأينا على حضور جلسات المرافعة .
ولا يكفي للوجود القانوني للحكم أن ينطق به في جلسة علنية بعد مداولة قانونية بل يلزم أن تتوافر شروط أخرى تتعلق بالشكل الرسمي للحكم ، وهذه الشروط هى تحرير الحكم والتوقيع عليه في ميعاد معين .
أولاً : تحرير الحكم
متى صدر الحكم بالنطق به في جلسة علنية تعين تحريره بأسبابه كاملا وذلك في خلال ثمانية أيام من تاريخ صدوره كلما أمكن ذلك (312 إجراءات) ومعنى ذلك أن التأخير في التحرير عن هذا الميعاد لا يترتب عليه بطلان الحكم . إلا أن القانون رتب البطلان على عدم تحرير الحكم الإدانة بأسبابه في الميعاد الثلاثين يوما التالية لصدوره (م312/2) فلا يكفي إثبات الحكم بمحضر الجلسة وإنما يلوم تحرير النسخة الأصلية منه في خلال المدة السابقة وذلك تدعيما للثقة في القضاء حتى لا يوحى عدم التحرير في الموعد المذكور أن المحكمة قد أصدرت الحكم دون التداول الكامل للأسباب التي بنى عليها ، ويستثنى من البطلان الحكم بالبراءة .
غير أن استثناء حكم البراءة من البطلان لا ينصرف الى الحكم الصادر في الدعوى المدنية التابعة والذي يبطل بعدم تحريره وتوقيعه في الميعاد المذكور . (نقض 17/10/1976 س27 ، 171 ، 754 ) . (راجع فيما تقدم مأمون سلامة ص28 وما بعدها مرجع سابق)
ثانياً : التوقيع
تنص الفقرة الثانية من المادة 312 من قانون الإجراءات على أنه ” لا يجوز تأخر توقيع الحكم على الثمانية الأيام المقررة إلا لأسباب قوية ، وعلى كل حال يبطل الحكم إذا مضى ثلاثون يوما دون حصول التوقيع ، ما لم يكن صادرا بالبراءة ، وعلى قلم الكتاب أن يعطى صاحب الشأن بناء على طلبه شهادة بعدم توقيع الحكم في الميعاد المذكور ” .
ومفاد هذا النص أن إغفال التوقيع على الحكم في ظرف ثمانية أيام من وقت صدوره ، لا ينشأ منه بطلان ما ، لأن تحديد هذا الميعاد للتوقيع فيه قاعدة تنظيمية كما هو ظاهر وأما مضى ثلاثين يوما على الحكم دون توقيع عليه ، فسبب لبطلان الحكم بصريح النص وهو بطلان مطلق لتعلقه بالنظام العام . (رمسيس بهنام ، مرجع سابق ص352)

 

3 – بطلان الاجراء الجنائى بسبب الشكل الخارجى : – 
قد يتوقف الإجراء الجنائي في صحته على وجوب استبعاد شكل خارجي قد يقضي تحققه الى تعييب الإجراء المعنى وتجريده من آثاره القانونية . فحلف اليمين من جانب المتهم هو شكل خارجي ينبغي استبعاده قبل إجراء استجوابه . فإذا تحقق هذا الشكل الخارجي رغم ذلك (حلف اليمين) صار الاستجواب معيبا وأمكن تقرير بطلانه . (سليمان عبد المنعم ، مرجع سابق ص260)

– الاسباب الموضوعية :  –
سبق أن ذكرنا أن العمل الإجرائي عمل شكلي يشترط لصحته توافر شروط شكلية وشروط موضوعية وتناولنا الشروط الشكلية فيما سبق . يبقى لنا أن نتناول المقومات الموضوعية للعمل الإجرائي وهى الأطراف والمحل والسبب والتي يؤدي أى قصور أو خلل بها الى بطلان العمل الإجرائي .

أولا : أطراف الاجراء الجنائى : –

يقصد بأطراف الإجراء الجنائي أطراف الرابطة الإجرائية وقد يتسع نطاق الرابطة الإجرائية ليشتمل كل من يضطلع بدور ما في الإجراء الجنائي إما لأنه هو الذي يباشر الإجراء الجنائي كالقاضي والنيابة العامة والمحق ورجل الضبط القضائي وإما لأنه هو الذي يباشر في مواجهته الإجراء الجنائي كالمتهم ، وإما لأن هذا الإجراء يتعلق بهم فحسب كالكاتب والمحامي والشاهد . فالرابطة الإجرائية بمعناها الواسع لا تقوم دون هؤلاء مع اختلاف دور كل منهم . (سليمان عبد المنعم ص192 ، مرجع سابق)
– القاضي : يمكن رد أسباب البطلان المتعلقة بشخص القاضي الى ما يلي : انتفاء صفة القاضي كشخص إجرائي ، تخلف أو تعييب إرادة مباشرة العمل الإجرائي ، تجاوز حدود الاختصاص ، توافر أحد الموانع الإجرائية ، مخالفة قواعد تشكيل المحكمة .
– النيابة العامة : فالنيابة العامة طرف أصيل في الرابطة الإجرائية الناشئة عن الدعوى الجنائية ، فهى تمثل المجتمع في المطالبة بحق العقاب منذ اللحظة الأولى لتحريك الدعوى الجنائية.
ويؤدي عدم تمثيلها أمام المحكمة الى إخلال بصحة انعقاد المحاكمة ويبطل كل ما يتخذ من إجراءات في جلسات المحتكمة التي غابت عنها وبالتالي يبطل الحكم المتصور صدوره في ظل غياب النيابة العامة .
– مأمور الضبط : ويجب أن تتوافر فيه صفة الضبطية القضائية وأن يكون مختصا بمباشرة العمل الإجرائي .
واختصاص رجل الضبط نوعيا ومكانيا وتجاوزه لحدود اختصاصه النوعي أو المكاني يؤدي الى بطلان ما صدر عنه إلا أن هذا البطلان غير متعلق بالنظام العام ومن ثم لا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض .
– المتهم : المتهم هو المدعى عليه في الدعوى العمومية ، أى الشخص الذي تتهمه النيابة العامة بارتكاب الجرم وتطالب بإنزال العقاب به في مرحلة الاتهام / ثم تمثل المجتمع في جلسات المحاكمة وتطالب بتطبيق القانون في مواجهته .
المتهم ليس طرفا مجردا في الدعوى العمومية ، بل هو طرف معين ومعروف . فمبدأ شخصية العقوبة يبنى على مبدأ شخصية الإجراءات ، الذي يفترض بدوره مبدأ شخصية الدعوى العمومية ، والأصل أن تجرى المحاكمة في مواجهة المتهم الحقيقي الذي اتخذت الإجراءات قبله ، ولا يجوز الحكم على شخص آخر غير المتهم المقامة عليه الدعوى .

 

– البطلان الناشىء عن عدم توافر الاهلية الاجرائية للمتهم : – 
ينبغي أن يتوافر في المتهم الأهلية الإجرائية ومناط الأهلية الإجرائية هى تمتع المتهم بالإمكانيات البدنية والملكات الذهنية وقت رفع الدعوى . فذلك ما يمكنه من متابعة وإدراك الإجراءات التي تتخذ في مواجهته ، وييسر له إبداء دفاعه ، ومشاركته في ما يعرض عليه من أدلة وعناصر . لكن لا يجوز رفع الدعوى في مواجهة الشخص الذي يفتقر لهذه الإمكانيات البدنية والملكات الذهنية , ولهذا لا تصير الدعوى العمومية مقبولة إذا رفعت ضد شخص كان وقت رفعها مصابا بعاهة عقلية طرأت عليه بعد ارتكابه الجريمة وأفقدته القدرة على الدفاع عن نفسه . كما يجب على المحكمة أن توقف سير الدعوى وتمتنع عن مباشرة إجراءات المحاكمة إذا أصيب المتهم بعاهة أثناء المحاكمة أفقدته عقله ، وتباشر إجراءات المحاكمة من جديد عقب استرداد المتهم لرشده .
فتنص المادة 339 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه ” إذا ثبت أن المتهم غير قادر على الدفاع عن نفسه بسبب عاهة في عقله طرأت بعد وقوع الجريمة يوقف رفع الدعوى عليه أو محاكمته حتى يعود إليه رشده ” .
– المدافع عن المتهم : يقوم المحامي أو المدافع عن المتهم بدور هام في فلك الرابطة الإجرائية ، ولابد أن تتوافر في هذا الشخص الصفات والشروط التي يتطلبها القانون ، ويترتب على ذلك أن تخلف أحد هذه الشروط أو انتفاء إحدى تلك الصفات يمكن أن يبطل العمل الإجرائي . (سليمات عبد المنعم ، مرجع سابق ص220)
كما أن عدم توقيع أسباب الطعن بالنقض المرفوع من المحكوم عليه من قبل محام مقبول أمام محكمة النقض يترتب عليه بطلان ما قد يتخذ من إجراءات ويكون مثل هذا الطعن في حالة تقديمه غير مقبول شكلا . (نقض جنائي 17/10/1985 مجموعة أحكام النقض س36 ق159 ص887)
– الكاتب : فوجود الكاتب أمر ضروري لصحة إجراءات التحقيق تارة ، ولصحة جلسة المحاكمة تارة أخرى .
فقد أوجب المشرع تدوين المحضر بواسطة كاتب وأفراد نصا يقرر مبدأ استصحاب كاتب لتدوين المحضر بالنسبة لكافة إجراءات التحقيق ، فتنص المادة 73 من قانون الإجراءات الجنائية المصري على أن ” يستصحب قاضي التحقيق في جميع إجراءاته كاتبا من كتاب المحكمة يوقع معه المحاضر ، وتحفظ هذه المحاضر مع الأوامر وباقي الأوراق في قلم كتاب المحكمة ، ولم ينص المشرع المصري صراحة على بطلان مخالفة هذه القاعدة على اعتبار أنه يقرر نظرية البطلان الذاتي التي يترتب البطلان وفقا لها على مخالفة كل قاعدة جوهرية .
كما نصت المادة 276 من قانون الإجراءات الجنائية المصري على وجوب تحرير محضر بما يجري في جلسة المحاكمة (م276/11 أ.ج) ويوقع كل صفحة منه رئيس المحكمة وكتابها في اليوم التالي على الأكثر (م276/2 أ.ج) .
ومؤدى إعمال النصوص السابقة أن إجراءات الجلسة التي تتخذ دون أن يتم تدوينها في محضر الجلة تعتبر منعدمة . (مأمون سلامة ، مرجع سابق ص38)
– الشاهد : فقد أحاط المشرع عملية أداء الشهادة بمجموعة من الضمانات والقيود لكى تثمر هذه الشهادة في استجلاء الحقيقة الواقعية في أمر الجرم المنسوب الى المتهم .
وبخلاف الضمانات والقيود التي ترد على عملية أداء الشهادة وتنظم مباشرتها والتي يترتب على مخالفتها أحيانا بطلان الشهادة ، فإن شخص الشاهد نفسه قد يؤثر على صحة أو بطلان الشهادة كعمل إجرائي كما يلي :
سن الشاهد : فقد حدد المشرع المصري في المادة 283 .أج سن الشهادة بأربع عشرة سنة . فيجوز الاستماع كشاهد لكل من بلغ هذه السن ، وكان سليم العقل بطبيعة الحال ، ويجب على الشاهد الذي بلغ الرابعة عشر عاما أن يحلف اليمين قبل أداء الشهادة ، ويجوز سماع الشهود الذين لم يبلغوا أربع عشرة سنة كاملة بدون حلف اليمين على سبيل الاستدلال .
ولا شك في وجوب تعييب الشهادة بما يقضي ببطلانها متى ثبت أن الشاهد قد حلف اليمين دون أن يبلغ سن الأهلية الإجرائية التي يحددها القانون ، وبالتالي يصير معيبا الحكم الصادر بالإدانة متى ثبت أنه مبنى على شهادة شاهد حلف اليمين دون السن المقررة . (سليمان عبد المنعم ، مرجع سابق)
الحياد : يجب أن يتمتع الشاهد بالحياد التام ، فلا تكون له مصلحة شخصية تتعارض مع شهادته ، أو أن تتعارض مع صفته في الدعوى أو مع صفة الشاهد.
وعن التعارض بين المصالح نص القانون المصري على أنه يجوز أن يمتنع عن أداء الشهادة ضد المتهم أصوله وفروعه وأقاربه وأصهاره الى الدرجة الثانية وزوجته ولو بعد انقضاء رابطة الزوجية ، ذلك ما لم تكن الجريمة قد وقعت على الشاهد أو على أقاربه أو أصهاره الأقربين ، أو إذا كان هو المبلغ عنها أو إذا لم تكن هناك أدلة إثبات أخرى (م286 إجراءات) وتسري أيضا القواعد المقررة في قانون المرافعات لمنع الشاهد من أداء لشهادة أو لإعفائه من أدائها (م287 إجراءات) وقد نصت المادة 65 من قانون الإثبات على أن ” الموظفون والمكلفون بخدمة عامة لا يشهدون ولو بعد تركهم العمل عما يكون قد وصل الى عملهم في أثناء قيامهم به من معلومات لم تنشر بالطريق القانوني ولم تأذن السلطة المختصة في إذاعتها ، ومع ذلك فلهذه السلطة أن تأذن لهم الشهادة بناء على طلب المحكمة أو أحد الخصوم ” ، كما نصت المادة 66 من هذا القانون على أنه ” لا يجوز لمن علم من المحامين أو الوكلاء أو الأطباء أو غيرهم عن طريق مهنتهم أو صنعته بواقعة أو معلومات أو يفشيها ولو بعد انتهاء خدمته أو زوال صفته ، ما لم يكن ذكرها له مقصودا به ارتكاب جناية أو جنحة ، ومع ذلك يجب على الأشخاص المذكورين أن يؤدوا الشهادة عن تلك الواقعة أو المعلومات متى طلب منهم ذلك ممن أسرها إليهم على ألا يخل ذلك بأحكام القوانين الخاصة بهم .(مدحت عبد العزيز ، قانونا الإجراءات الجنائية ص167)
قدرة الشاهدة الذهنية : فيجب أن يراعي القاضي العوامل الشخصية اليت في قدراته الذهنية وبالتالي تؤثر في قيمة الشهادة ، وتتمثل هذه العوامل أساس في خلق الشاهد وحسن سيرته وسنه ، ومدى تعرضه للكذب المرضي أو ضعف الذاكرة ، وما لديه من مصلحة شخصية أو عاطفية أو ميل لأحد الخصوم ، فضلا عن العوامل العقلية المؤثرة في إظهار الحقيقة وتتوافر هذه العوامل بوجه خاص في الأطفال والنساء والشيوخ والمريض وقت الاحتضار .
وقد أجازت المادة 82 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية التي أحالت إليها المادة 287 من قانون الإجراءات الجنائية ، رد الشاهد إذا كان غير قادر على التمييز لهرم أو حداثة أو مرض أو لأى سبب آخر بما مقتضاه أنه يتعين على محكمة الموضوع إن هى رأت الأخذ بشهادة شاهد قامت منازعة جدية حول قدرته على التمييز أن تحقيق هذه المنازعة بلوغا الى غاية ، الأمر فيها للاستيثاق من قدرة هذا الشاهد على تحمل الشهادة أو ترد عليها بما يفندها . (مدحت عبد العزيز ، مرجع سابق ص174)
الخبير : والخبير حكم محايد يبدي رأيه الموضوعي في مسألة فنية ، وبالتالي ينبغي لضمان حياديته ألا يكون سبق له إبداء رأى في موضوع مسألة الخبرة المعروضة عليه ، ومخالفة ذلك تعني المساس بفكرة حقوق الدفاع من ناحية ، كما تعنى الإخلال بمبدأ حظر جمع الشخص بين صفتين متعارضتين في أمر الدعوى الجنائية .
وينبغي أن يحلق الخبير اليمين ، وإلا ترتب على مخالفة ذلك البطلان ، ويلاحظ أنه منذ صدور قانون 6 أغسطس 1975 في فرنسا (م802 أ.ج فرنسي) أصبح بطلان الخبرة لعدم أداء الخبير اليمين مشروطا بالإخلال بحقوق الدفاع .
المترجم : يتعين عليه حلف اليمين قبل أدائه للترجمة ، وهذا إجراء جوهري يترتب على مخالفاه بطلان الإجراءات اللاحقة عليه .
ومؤدى ما يجب توافره في شخص المترجم من حيادية وموضوعية ألا يجوز اختياره من بين أعضاء المحكمة أو كتابها ، ولا من بين الشهود أو أطراف الدعوى الجنائية ، ويظل هذا الحظر قائما بصرف النظر عن رضاء المتهم .
ولا يجوز بالتالي أن يضطلع بعمل الترجمة في الدعوى أحد الشهود فيها سواء كان من الشهود الذين تم إعلانهم بمقتضى قائمة إعلان الشهود ، أو كان من بين الذين سمعت شهادتهم استعمالا لسلطة المحكمة التقديرية .
ولكن لا بطلان يترتب على انتداب مترجم سبق إعلانه كشاهد لكنه لم يؤد الشهادة لعدول الأطراف عن سماع شهادته متى كان مستوفيا لباقي الشروط الأخرى التي يستوجبها القانون .
المدعى والمسئول بالحق المدني : والمسئول المدني هو الشخص المكلف بحكم الاتفاق أو بحكم القانون بالإشراف والرقابة على المتهم بسبب صغر سنه أو سبب حالته الجسمية أو العقلية ، وإما بسبب علاقة التبعية التي تربط المتهم به .
ويجوز له أن يتدخل كطرف منضم باختياره ، كما يحق للنيابة العامة أن تدخله للحكم عليه بالمصاريف المستحقة للحكومة ولو لم يكن في الدعوى مدع بحقوق مدنية. (م253/2 أ.ج)

 

ثانيآ : المحل : – 
من مقومات الإجراء الجنائي أن يكون له محل يرد عليه ، أو موضوع يشكل مضمونه ، وبصرف النظر عن الجدل الفقهي الدائر حول مدى صواب القول بمحل أو موضوع الإجراء الجنائي ، فالثابت أن لهذا الأخير مضموما إجرائيا معينا يسنهدفه القانون ، ويرتب عليه آثاره القانونية ، وبالتالي يستوي القول – فيما يبدو لما – بمحل أو بموضوع الإجراء الجنائي متى كان واضحا أن الأمر لا يعدو في الحالتين أن يعبر عن المضمون الإجرائي للعمل سواء تمثل في صورة واقعة كالقبض أو التفتيش أو المعاينة ، أو في صورة تصرف ما كتحريك الدعوى ، أو إحالتها أمام المحكمة ، أو الحكم الصادر ، أو الطعن فيه أو تعلق بشخص ما كالشاهد أو المحكوم عليه ، لكن المتهم أن يأتي هذا المضمون الإجرائي متوافرا على شرطين أساسيين :- 

أولهما : أن يكون موضوع العمل الإجرائي محددا ، ثانيهما : أن يكون مطابقا لأحكام القانون .
وتخلف أى من هذين الشرطين يؤدي الى بطلات العمل الإجرائي .

– التجهيل الناشئ عن تجهيل الموضوع الاجراء الجنائى : – 
موضوع العمل الإجرائي قد يلحقه البطلان لكونه مجهلا أى غير محدد ، ولا قابلا للتحديد ، ويتضح ذلك – حسبما يستخلص من أحكام محكمة النقض في مجالات عدة كالقبض والتفتيش والندب وغيرها .

– البطلان الناشئ عن عدم مطابقة الموضوع لاحكام القانون : – 

هذه المخالفة لا تقتصر فحسب على أحكام قانون الإجراءات الجنائية ، بل تشمل أيضا أحكام قانون العقوبات الموضوعي ، بل وقد تمتد لأحكام بعض الفروع القانونية الأخرى كالقانون الدولي العام .
ومثال مخالفة الموضوع لأحكام القانون الأمر سماع شاهد ممنوع عليه أداء الشهادة والطعن في حكم لا يجوز الطعن فيه .

 

ثالثآ : السبب : –
وسبب العمل الإجرائي هو في أبسط تعريف له المبرر القانوني لاتخاذه ، وهو ما يفترض سندا قانونيا ما يفضى على العمل مشروعيته الإجرائية على نحو معيب هذا العمل ويبطله إذا تخلف سببه .
وثمة ملاحظتان في خصوص فكرة سبب العمل الإجرائي أولهما : اختلاط هذه الفكرة مع فكرة أركان العمل الإجرائي أو شروطه ، لكن يظل السبب هو المبرر أو السند القانوني الذي أوجب المشرع توافره لاكتمال الإجراء وتأكيد صحته ، ثانيهما: تباين الجزاء المترتب على تخلف سبب العمل الإجرائي ، فقد يتمثل هذا الجزاء غالبا في البطلان ، لكنه قد يأخذ أحيانا صورة عدم القبول أو السقوط ، لكن في كافة الأحوال يظل العمل الإجرائي معيبا لعدم اكتمال مقوماته .
وقد ينشأ البطلان المتعلق بسبب العمل الإجرائي من مباشرة بعض إجراءات وأوامر التحقيق أو من مباشرة إجراءات المحاكمة كالبطلان الناشئ عن تخلف سبب التفتيش : وتقرر المادة 46/1 من قانون الإجراءات الجنائية المصري أنه في الأحوال التي يجوز القبض قانونا على المتهم يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يفتشه .
وهكذا يتمثل سبب تفتيش الشخص في توافر حالة تلبس تبرر القبض عليه وتفتيشه ، وصدور أمر أو إذن بذلك من سلطة التحقيق . أما تفتيش المنازل ، فقد أصبح منذ صدور حكم المحكمة الدستورية العليا في 2 يونيو 1984 منوطا بصدور إذن قضائي مسبب ، ولم يعد جائزا تفتيش المنازل استنادا الى محضر توافر حالة التلبس .
وهكذا وضعت المحكمة الدستورية العليا حدا لما ثار من خلاف حول مدى دستورية نص المادة 47 من قانون الإجراءات الجنائية التي كانت تجيز تفتيش منزل المتهم في حالة التلبس بالمخالفة لما ينص عليه الدستور من أن المنازل حرمة فلا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب ، ولهذا تعطل حكم نص المادة 47 أ .ج.
ويبطل تفتيش الشخص متى انتفى المبرر القانوني لهذا التفتيش . فغلا يجوز لرجل الضبط أن يقوم بتفتيش شخص لم تتوافر في حقه إحدى حالات التلبس ، ولم يكن قد صدر إذن بتفتيشه من سلطة التحقيق .
وأيضا كالبطلان الناشئ عن تخلف سبب الأحكام الجنائية : وهناك فرق بين تسبيب الحكم وسببه فتسبيب الحكم يعني أن يشتمل هذا الأخير على مجموعة بيانات معينة تمثل ضمانا لا غنى عنه لحسن سير العدالة نحو يكفل الرقابة على هذا الحكم والاطمئنان إليه ، والتسبيب من هذا المنظور الواسع يعبر عن مجمل أسباب الحكم التي هى بدورها مجموعة الأسانيد والحجج الواقعية والقانونية التي أفضت الى منطوق الحكم . أما السبب فهو يمثل السند القانوني للحكم بالعقوبة ، وهو ما يعني على وجه التحديد من ناحية بيان الواقعة التي تثبت ارتكاب المتهم لها ، وتحققت مسئوليته عنها ، ومن ناحية أخرى ذكر نص القانون أو التكييف القانوني الذي يجرم هذه الواقعة ويعاقب عليها .
ويمكن تلمس الفارق بين تسبيب الحكم وبين سببه في طبيعة كل منهما ومضمونه ففيما يتعلق بطبيعة كل منهما يمثل تسبيب الحكم ضمانة لصحته ، وبالتالي الاطمئنان إليه وإعمال الرقابة عليه ، ويبدو التسبيب من هذه الناحية أقرب ما يكون الى الشروط الشكلية اللازمة لصحة الحكم . بينما يعتبر سبب الحكم أحد مقوماته التي لا يقوم بدونها ، وهو بالتالي شرط موضوعي لازم ليس فحسب لصحة الحكم بل الى ابتنائه ووجوده أصلا . فليس من حكم ذلك الذي لا يبين منه الواقعة التي تثبت إسنادها الى المتهم ، أو وصفها القانوني وهو ما يمكن استخلاصه من نص القانون وفيما يتعلق بمضمون كل منهما فالتسبيب يستوعب السبب ، إذ هو يمثل مجمل الأسانيد والحجج التي أفضت في النهاية الى منطوق الحكم بما في ذلك الواقعة ووصفها القانوني ، ويترتب على عدم تسبيب الحكم بطلانه بينما يقضي تخلف سبب الحكم الى انعدامه . (راجف فيما تقدم سليمان عبد المنعم ، مرجع سابق ص340 وما بعدها)

 

** التمسك بالبطلان : –

– شروط التمسك بالبطلان : –
يشترط لصحة التمسك بالبطلان ما يلي :-
(1) المصلحة في التمسك بالبطلان :
القاعدة أن السلطة أو الحق في التمسك بالبطلان لا تنشأ إلا لمن له مصلحة في تقريره ، والقاعدة أنه لا يقبل أى طلب أو دفع لا يكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقررها القانون ، ولا يشترط في المصلحة أن تكون محققة ، بل يكفي مجرد احتمال الفائدة . (عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)
ويقصد بالمصلحة هنا الفائدة الشخصية التي تعود على المتمسك بالبطلان سواء بطريق مباشر أو غير مباشر .
والمصلحة تتكون من عنصرين :
1- أن يكون البطلان مترتبا على مخالفة قاعدة إجرائية مقررة لمصلحة من يتمسك بالبطلان .
2- أن يترتب على تقرير البطلان فائدة شخصية .
وقد قضت محكمة النقض بأنه ” لا وجه للمتهم في أن يتمسك ببطلان الإجراءات التي تمت في حق غيره من المتهمين ” (نقض 2/3/1954 مجموعة الأحكام س5 ص405 رقم 134)
وفي البطلان النسبي يفصل بين مبدأ البطلان في ذاته وبين شرط المصلحة في الدفع به ، فبطلان الإجراء شيء ، وأن المصلحة في الدفع به شيء آخر ، فهى تبحث شروط المصلحة في الدفع قبل صحة الدفع موضوعا ، فإذا انتفت المصلحة قضت بألا جدوى من الطعن ، بغير حاجة للتعرض لموضوع البطلان إن كان ثمة بطلان قد وقع .
وإذا كانت صفة البطلان في ذاتها تستقل عن شرط المصلحة في الدفع به ، إلا أن ذلك لا ينفي وجود روابط مع ذلك بين الأمرين في الطعن بالنقض ، كتلك الروابط القائمة بين المصلحة في الطعن وبين كثير من الأسباب الأخرى اللازمة للفصل فيه والمستمدة من البطلان في الحكم أو في الإجراءات . (عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)
(2) ألا يكون المتمسك بالبطلان سبباً في حصوله :
فيشترط ألا يكون المتمسك بالبطلان قد تسبب أو ساهم في وقوعه ، ويستوي في ذلك أن تكون مساهمته عن قصد أو كانت بإهماله .
كما يستوي في ذلك أن يكون المتسبب هو الخصم ذاته أو بواسطة مدافع عنه ، ومثال ذلك لا يجوز للمتهم أن يدفع ببطلان إعلانه بمحل إقامته إذا كان هو قد أعطى بيانا غير صحيح عن هذا العنوان . (عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)
(3) ألا تكون الغاية من الإجراء الباطل قد تحققت :
فيشترط للتمسك بالبطلان ألا تكون الغاية تحققت من الإجراء الباطل لأن يتحقق الغاية يصح البطلان .

 

** أحكام نقض بشأن التمسك بالبطلان الاجرائى : –

-لا صفة لغير من وقع في حقه إجراء ما أن يدفع ببطلانه ولو كان يستفيد منه لأن تحقق المصلحة في الدفع لاحق لوجود الصفة فيه ، ومن ثم فإنه ليس للطاعن أن يثير الدفع ببطلان ما أثبته مأمور الضبط القضائي من أقوال المتهمات في الدعوى.

(نقض 11/12/1972 مجموعة القواعد القانونية ص23 ص1367 ، نقض 4/10/1983 مجموعة القواعد القانونية س34 ص157)

-عدم جواز تمسك المتهم ببطلان إجراءات المحاكمة إذا كان سبب البطلان غير متعلق به بل بغيره .

(جلسة 16/2/1942 طعن رقم 706 سنة 12ق)

-أن ما يثيره الطاعن من خلو محاضر جلسات محكمة ثاني درجة من إثبات حضور المدعى بالحقوق المدنية ، مردود بأنه مادام هذا الإجراء يتعلق بغيره ، فإنه لا يجوز له الطعن ببطلان ذلك الإجراء إذ أن الطعن بالنقض لبطلان الإجراءات التي بنى عليها الحكم لا يقبل ممن لا شأن له بهذا البطلان .

(الطعن رقم 651 لسنة 47ق جلسة 7/11/1977 س28 ص921)

-جرى قضاء محكمة النقض أنه يجب على الطاعن لكى يكون له التمسك ببطلان الحكم لعدم توقيعه في الميعاد القانوني المنصوص عليه في المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية أن يحصل من قلم الكتاب على شهادة دالة على أن الحكم لم يكن إلى وقت تحريرها قد أودع ملف الدعوى موقعا عليه على الرغم من انقضاء ذلك الميعاد – ولما كان المستفاد مما هو مثبت بالشهادة – المقدمة من محامي الطاعن مع تقرير أسباب الطعن – أن مسودة الحكم وحدها هى التي أودعت في الميعاد وأن الحكم ذاته موقع عليه من رئيس الجلسة والكتاب لم يودع ملف الدعوى إلى وقت تحريرها ، وإذ ما كان الحاصل أنه حتى هذا التاريخ كان قد مضى أكثر من ثلاثين يوما على صدور الحكم فقد ران عليه البطلان المنصوص عليه في المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية ويتعين لذلك نقضه .

(الطعن رقم 146 لسنة 35ق جلسة 17/5/1965 س16 ص479)

-للنيابة مثل المتهم والمدعى بالحق المدني حق على العموم في التمسك بأوجه البطلان المتعلقة بالنظام العام سواء كان الحكم بالبراءة أو بالعقوبة لأن الشارع وضع نصا عاما ولكن وجود المدافع وضع في القانون إلا أن لا يصر بأى وده من الوجوه النيابة العمومية التي ليس لها بناء على ذلك أى فائدة من التمسك به . (جلسة 30/1/1904 المجموعة الرسمية ص5 ق97)

 

** وسيلة التمسك بالبطلان :  –

أولا : الدفع بالبطلان : – 
-الدفع بالبطلان أثناء التحقيق :
إذا وقع البطلان أثناء التحقيق سواء في الإجراءات التي يباشرها المحقق من تلقاء نفسه أو بناء على انتداب منه ، فلا يملك أن يفصل فيه ، بل يكون الاختصاص منعقدا لمحكمة أعلى منه درجة ، لأن القاضي لا يفصل في الدفوع والطلبات المتعلقة بالإجراءات التي باشرها هو ، بل يتعين أن تكون الدفوع الموجهة إليه تتعلق بإجراءات غير التي باشرها هو ، إلا أن النيابة متى شعر المحقق أن أحد إجراءات التحقيق قد أصابه البطلان فإنه يعمد الى تفادي إهدار الدليل المستمد منه والذي قد يضيع إذا طال أمد الخصومة ، وذلك بإعادة الإجراء على الوجه الصحيح .
أما الدفوع الأخرى بالبطلان فيجوز التمسك بها أمامه ، وهى التي تتعلق بالبطلان الذي تم قبل افتتاح التحقيق في الإجراءات التي باشرها مأمور الضبط القضائي بدون انتداب منه .
(عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)
وعلى ذلك فللنيابة العامة أن تصدر قراراً ببطلان القبض والتفتيش الذي قام به مأمور الضبط القضائي بناء على حالة تلبس .
وإذا شاب البطلان أحد إجراءات التحقيق الابتدائي ذاتها ، فلقد خول القانون للنائب العام سلطة إلغاء الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية الصادر من النيابة العامة في مدى ثلاثة شهور تالية لصدوره ، وهى سلطة غير مقيدة .
-الدفع بالبطلان أثناء المحاكمة :
إذا دخلت الدعوى الجنائية في حوزة المحكمة كان الخصوم أن يبدو أمامها ما يعن لهم من الدفوع ببطلان إجراءات التحقيق بغية التوصل الى إهدار الدليل المستمد منها ومحكمة الموضوع حينما تقرر بطلان إجراءات التحقيق إنما تغفل ذلك في حدود سلطتها في تكوين عقيدتها بناء على أدلة صحيحة في القانون .
ولا تلزم المحكمة بالرد على الدفع ببطلان إجراء التحقيق إلا إذا أرادت الاعتماد في قضائها على الدليل المستمد منه وهى في غير هذه الحالة غير مكلفة بالرد عليه طالما أنها اتسقت دليلها من إجراءات أخرى صحيحة ، ولا يؤثر بطلان التحقيق على دخول الدعوى الجنائية حوزة المحكمة ، فالقانون يعطى المحكمة المرفوع إليها الدعوى بتكليف الحضور سلطة الأمر بتصحيح هذا التكليف بعد أن تبينت بطلانه ، ويتم التصحيح بحضور المتهم .
ويلاحظ إذا تم رفع الدعوى الجنائية بطريق الإحالة يكون قرار الإحالة الصادر من قاضي التحقيق نهائيا بالنسبة الى جميع الخصوم والنيابة وحدها هى التي يجوز لها استئناف هذا القرار طبقا لنص المادة 164 من قانون الإجراءات الجنائية .
ومتى أصبح أمر الإحالة نهائيا سواء لأن الخصم لا يملك الطعن فيه أو لأن النيابة طعنت فيه ورفض طعنها فإنه لا يجوز لمحكمة الموضوع أن تتعرض للدفع ببطلان هذا الأمر بالقبول أيا كان سبب البطلان وذلك لأن منطق بطلان هذا الأمر يؤدي الى إحالة الدعوى الى سلطة التحقيق بعد دخولها حوزة المحكمة بقرار نهائي . (توفيق الشادي ، مرجع سابق ص448 رقم 288)

 

ثانيآ : الطعن فى الاحكام : – 
إذا شاب البطلان الحكم سواء بعيب في ذاته أو في الإجراءات التي يبنى عليها ، فإنه لا سبيل الى معالجة هذا البطلان إلا بطريق الطعن المقررة في القانون ، وتنقسم طرق الطعن الى قسمين : طريقان يراد بهما إعادة النظر في الخصومة أمام المحكمة وهما المعارضة والاستئناف ، وفيهما تنقل الخصومة برمتها الى المحكمة وللخصوم أن يتمسكوا أمام محكمة الدرجة الثانية ببطلان الإجراءات التي بنى عليها الحكم المطعون فيه .
أما الطريقان الآخران فهما طريقين غير عاديين وهما النقض وإعادة النظر ، ويجوز الطعن بطريق النقض لبطلان في الحكم في ذاته أو بطلان في الإجراءات ، إذا كان البطلان متعلقا بالنظام العام ، ولا يجوز التمسك بالبطلان المتعلقة بمصلحة الخصوم لأول مرة أمام محكمة النقض ، ويشترط في كل الحالات ألا يستلزم إثبات البطلان تحقيقا موضوعا ، ولمحكمة النقض أن تنقض الحكم المنعدم ولو لم يتمسك الطاعن بذلك .
أما إعادة النظر ، فقد نظم المشرع حالاته في المادة 441 أ.ج وليس من بينها حالة تتعلق ببطلان الحكم ، ومن ثم فلا يجوز اللجوء الى هذا الطريق للتوصل الى بطلان الحكم .
(عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق).

 

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Howdy,
Search exact
Search sentence
Ad2
Ad1