You cannot copy content of this page
المقصود بالانعدام الجنائى
** المقصود بلانعدام الجنائى : –
والمقصود بالانعدام هو نقص المفترضات القانونية الإجرائية التي تعطى للعلاقة الإجرائية وجوداً قانونياً .
يفترض الانعدام أن الإجراء الذي يوصف به هو (إجراء معيب) وشأنه في ذلك البطلان ، ولكنه يختلف عنه في أن الانعدام يفترض عيبا أشد جسامة مما يفترضه البطلان . ذلك أن العيب لم يقتصر على نفى أحد شروط صحة الإجراء ، وإنما جاوز ذلك الى نفى أحد أركانه ، أى أحد مقومات وجوده ، ويعني ذلك أن الإجراء الباطل له وجوده القانوني وأن يكن وجوداً معيباً ، أما الإجراء المنعدم فليس له وجود قانوني . (محمود نجيب حسني ، مرجع سابق)
** التفرقة بين الانعدام والبطلان : –
1- الانعدام يترتب بقوة القانون ، فهو لا يحتاج الى تقرير قضائي لأنه لا حاجة الى إعدام المعدوم ، ولا حاجة للطعن في الحكم المعدوم التوصل الى إلغائه وإنما يكفي مجرد إنكار وجوده عند التمسك به ويمكن رفع دعوى جديدة بموضوع الحكم المعدوم .
2- الانعدام لا يقبل التصحيح بينما البطلان يقبل التصحيح .
3- الانعدام لا يحتاج الى تنظيم من المشرع ، فلا محل لتطبيق مذهب لا بطلان بغير نص على الإجراءات المنعدمة . أما البطلان فيتوقف على تنظيم المشرع للإجراءات الجنائية .
4- أن الانعدام يتوافر حينما تفقد الرابطة الإجرائية شرطا من شروط نشأتها ووجودها منتجة لآثارها القانونية . أما البطلان فإن الرابطة الإجرائية تنشأ وتتواجد حقا بشكل معيب إلا أن هذا العيب يصحح باكتساب الحكم حجية الشئ المقضي فيه ، ومعنى ذلك أن البطلان لا يفقد الرابطة الإجرائية كل فاعلية لها وإنما رغم العيب الذي يشوبها تظل تنتج آثارا قانونية ولا يمنع ذلك من اكتساب الحكم للحجية التي تصحح كل نقض مستوجب للبطلان ، بينما الانعدام لا يحدث هذا الأثر ، فالانعدام يؤثر على نشور الرابطة الإجرائية ذاتها بحيث تكون معدومة الوجود القانوني ومن ثم يستحيل أن يترتب عليها أى أثر قانوني . (مأمون سلامة ، مرجع سابق)
** أوجة الاتفاق بين الانعدام والبطلان المطلق : –
1- أن كليهما يجب أن تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها حتى ولو لم يطلبه الخصوم ، كما يجوز لأى خصم التمسك به حتى ولو لم تكن له مصلحة مباشرة ، ويجوز إثارتهما لأول مرة أمام محكمة النقض .
2- أن كليهما يتقرر بقوة القانون وأن الحكم الصادر بأيهما يعتبر كاشفا وليس منشئا .
** أسباب الانعدام : –
1- تخلف الإرادة : فالإرادة عنصر أساسي في العمل ، وبدونها لا يكون لهذا العمل وجود في القانون ، ومن أسباب انعدام الإرادة الجنون وعاهة العقل والسكر والإكراه والمسئولية الجنائية لا تقوم إذا انتفت إرادة المتهم في ارتكاب الجريمة .
2- عدم انعقاد الخصومة : ويتم انعقاد الخصومة : أ) باستعمال الدعوى الجنائية من قبل النيابة العامة ، ب) هيئة قضائية يناط بها الفصل . ج) إعلان المتهم بالحضور.
فإذا تخلف شرط من الشروط المتقدمة لا تنعقد الخصومة ، غير أنه متى انعقدت الخصومة الصحيحة أمام المحكمة ، لا يؤثر في انعقادها ما قد يطرأ عليها بعد ذلك من أسباب كعدم تمثيل النيابة العامة في الجلسات .
وأهم تطبيق لنظرية الانعدام نجده في مجال (الأحكام) ومثال الحكم المنعدم الذي يصدر عن شخص ليس له صفة القاضي ، أو عن قاض فقد أهلية التعبير عن إرادة القانون لإصابته بجنون مثلا ، والحكم الذي لم يطبق قاعدة قانونية على وقائع الدعوى ، وإنما طبق قاعدة دينية أو أخلاقة لا يعترف بها النظام القانوني ، وأهم نتيجة للتفرقة بين البطلان والانعدام أن البطلان يحتاج تقريره الى قرار من القضاء ، أما الانعدام فلا يحتاج الى هذا القرار ، وإنما يمكن لذي المصلحة التصرف مفترضا أن هذا الإجراء لم يصدر . (محمود نجيب حسني ، مرجع سابق)
** الانعدام الجزائى : –
الانعدام قد يكون كليا كما يكون جزئيا ينصرف فقط الى ذلك الجزء من الحكم الذي توافر بالنسبة له سبب الانعدام ، وفي هذه الحالة يقتصر فقط على ذلك الجزء ، ويحدث هذا بالنسبة للأحكام الصادرة في الجرائم المرتبطة أو في الجرائم التي يتعدد فيها المتهمون ، فيكون الحكم صحيحا في جزء منه يتعلق بأحد الجرائم أو أحد المتهمين ومنعدما بالنسبة لجزئه الآخر المتعلق بالجريمة الأخرى أو باقي المتهمين . كما قد يحدث أيضا بالنسبة للدعاوى التي يدعى فيها المضرور مدنيا فيكون صحيحا بالنسبة للدعاوى الجنائية ومنعدما بالنسبة للدعاوى المدنية . (مأمون سلامة ، مرجع سابق)
** تقدير نظرية الانعدام : –
تعرضت هذه النظرية لبعض الانتقادات فيها :
1- مخالفتها للقانون بناء على أن المشرع لم ينظم الانعدام .
2- عدم فائدتها .
3- غموض معيار الانعدام .
موقف محكمة النقض المصرية من نظرية الانعدام :
قد قضت محكمة النقض بأنه ” الحكم لا يعتبر له وجود في نظر القانون إلا إذا كان موقعه موظفا عند التوقيع ، وإذن فمتى زالت صفة القاضي عن رئيس المحكمة الذي قضى في الدعوى فإن وضعه بعد ذلك أسباب الحكم ثم توقيعه إياه لا يكسب ورقته الصفة الرسمية ولا يجعل منها بالتالي حكما مستوفيا الشكل القانوني ، وإذا لم يكن موجودا في الدعوى غير تلك الورقة ولم يكن عليها توقيع آخرين ممن اشتركوا مع موقعها في الفصل في القضية فإن الدعوى تكون كأنها لا حكم فيها .
(نقض 21 مايو سنة 1946 مجموعة القواعد جزء 7 ص157 رقم 163)
كما قضت محكمة النقض في قضية تتحصل وقائعها في أن متهما تواطأ مع المجني عليه في أن يرفع عليه هذا الأخير دعوى مباشرة أمام محكمة أخرى غير المرفوعة عليه الدعوى الجنائية أمامها وبنفس التهمة المتهم بها ، ولا يقدم المدني عليه دليلا لإثبات دعواه ، وترتب على ذلك أن قضت المحكمة بالبراءة وأصبح الحكم نهائيا ، وجاء المتهم أمام المحكمة المرفوعة عليه أمامها الدعوى الجنائية من قبل النيابة العامة ودفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الحكم فيها نهائيا ، فقضت المحكمة برفض هذا الدفع بناء على أن الجنحة المباشرة بظروفها المتقدمة لم تكن جدية بل كان الغرض منها التلاعب وإفلات المتهم من العقاب ولما عرضت القضية على محكمة النقض قضت بأن الحكم المطعون فيه سديد في القانون ، لأن المتهم حصل على حكم البراءة بطريق الغش والتدليس .
(نقض 19 يونيو سنة 1930 مجموعة القواعد جزء 2 ص50 رقم 59)
ومؤدى هذا الحكم أن محكمة النقض رأت أن المتهم والمجني عليه قد صورا خصومة مزيفة تمكن المتهم بواسطتها من الحصول على حكم بالبراءة وأن هذا الحكم الذي لم يصدر في خصومة جدية لا يجوز قوة الأمر المنقضي ، أى منعدم .
كذلك قضت محكمة النقض بأنه ” متى كان رفع الدعوى مباشرة على المتهم أمام المحكمة ينبغي أن يحصل بناء على تكليفه بالحضور من قبل أحد أعضاء النيابة العمومية أو من قبل المدعى بالحقوق المدنية ، وجب أن تكون ورقة التكليف بالحضور صحيحة حتى يترتب عليها أثرها القانوني ، وهو اتصال المحكمة بالدعوى ، فإذا لم يحضر المتهم وكان لم يعلن أصلا أو كان إعلانه باطلا فلا يحق للمحكمة أن تتعرض للدعوى ، فإذا هى فعلت كان حكمها باطلا فلا يحق للمحكمة أن تتعرض للدعوى ، فإذا هى فعلت كان حكمها باطلا ” ثم قالت بأنه ” لا يجوز للمحكمة الاستئنافية في هذه الحالة أن تتصدى لموضوع الدعوى وتفصل هى فيه على اعتبار أن محكمة أول درجة قد استنفذت سلطتها فيه بالحكم الغيابي الصادر منها ، إذ أن الدعوى لم تدفع الى هذه المحكمة على الوجه الصحيح ”
(نقض 14/10/1947 مجموعة القواعد جزء 7 س376 رقم 395)
وفي عدم الاختصاص قضت محكمة النقض بأنه ” إذا خرج مأمور الضبط القضائي عن دائرة اختصاصه لا تكون له سلطة ما ، وإنما يعتبر فردا عاديا ، وهذه هى القاعدة العامة لأداء كل وظيفة رسمية ” (نقض 18/11/1950 مجموعة الأحكام س2 ص355 رقم 97)
ويلاحظ على هذا الحكم أنه اعتبر مأمور الضبط القضائي غير المختص بمثابة فرد عادي ، مما قد يشعر بأن محكمة النقض ترى أن مجاوزته حدود الاختصاص يؤدي الى انعدام ما يباشره من أعمال باعتبار أن الأعمال العامة التي يباشرها الأفراد العاديين هى أعمال منعدمة كما قلنا . إلا أن محكمة النقض فيما قضت به من أحكام أخرى لم تشر صراحة الى انعدام الأعمال التي يباشرها مأمور الضبط خارج حدود اختصاصه. (راجع فيما سبق إيهاب عبد المطلب ص150 وما بعدها ، مرجع سابق)
** التمسك بالانعدام : –
1- إذا كان الحكم المنعدم قد استنفد طرق الطعن المختلفة فيكون التمسك بالانعدام بالطرق الآتية :
(أ) أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجنائية من جديد . فإذا كانت النيابة العامة أو من له حق رفع الدعوى العمومية قد رفع الدعوى من جديد أمام المحكمة المختصة فتثار مسألة الانعدام عمد إثارة الدفع بعدم نظر الدعوى لسبق الفصل فيها ، وتقضي بالانعدام ذات المحكمة التي تنظر الدعوى الجديدة . كذلك يجوز إثارته بمناسبة نظر دعوى أخرى إذا ما أثيرت حجية الحكم المنعدم.
(ب) أمام ذات المحكمة التي أصدرت الحكم المنعدم وذلك عن طريق الأشكال في التنفيذ باعتبار أن سند التنفيذ منعدم .
(جـ) أمام محكمة النقض عن طريق ما يسمى بدعوى البطلان الأصلية . فطالما أن محكمة النقض هى التي تتولى الإشراف والرقابة على حسن تطبيق القانون السليم فلا يوجد على الإطلاق ما يمنع من رفع دعوى أصلية الى تلك المحكمة للحكم بانعدام الحكم الصادر في الدعوى الجنائية طالما أنه يعتبر منعدما ولا تصححه الحجية التي يكتسبها الحكم باستنفاد طرق الطعن فيه .
أما إذا كان الحكم مازال قابلا للطعن فيه سواء بالمعارضة أو الاستئناف أو النقض فيكون التمسك بالانعدام أمام المحكمة المطعون أمامها في الحكم .
** أحكام نقض بشأن الانعدام الجنائى : –
-أثر عدم توافر ولاية نظر الدعوى للمحكمة ابتداء – انعدام عملها – وجوب فصل المحكمة في الدعوى عند إعادة رفعها على الوجه الصحيح .
إذا كان عمل القاضي لغوا وباطلا بطلانا أصليا لأن الدعوى سعت الى ساحته من غير طريقها القانوني فلا عبرة بباطل ما أتاه أو أجراه ، وهو من بعد إذا اتصل بالدعوى اتصالا صحيحا مطابقا للقانون فله أن يفصل فيها وتكون إجراءات المحاكمة عندئذ هى إجراءات مبتدأة .
(طعن رقم 489 لسنة 29ق جلسة 20/4/1959 س10 ص451)
-إذا جاز القول في بعض الصور بانعدام الأحكام لفقدانها مقوماتها الأساسية فليس هذا هو الشأن فيما يثيره الطاعن بشأن تشكيل المحكمة التي نظرت الدعوى .
(طعن رقم 188 لسنة 30ق جلسة 26/4/1960 س11 ص380)
-عدم توافر ولاية نظر الدعوى للمحكمة ابتداء – أثر تخلف هذا الشرط – انعدام العمل الإجرائي انعداما قانونيا .
منع القاضي من نظر دعوى سبق له أن نظرها وفصل فيها محله أن يكون ذلك القاضي له ولاية النظر فيها ابتداء – فإذا نظرها مرة أخرى كان قضاؤها باطلا يفتح له القانون باب الطعن بالطريقة العادية أو بطريق النقض .
(طعن رقم 489 لسنة 25ق جلسة 20/11/1959 س10 ص541)