You cannot copy content of this page

عقوبة جريمة الرشوة من دولة أجنبية ” المادة 78 عقوبات “

جناية الرشـوة مـن دولـة أجنبيـة 

" نص المادة (78) من قانون العقوبات المصرى "

 

– تنص المادة (78) من قانون العقوبات المصرى  على أنه  : –  “كل من طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ ولو بالواسطة من دولة أجنبية أو من أحد ممن يعملون لمصلحتها نقودا أو أية منفعة أخرى أو وعدا بشيء من ذلك بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية يعاقب بالسجن المشدد وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ، ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به . وتكون العقوبة بالسجن المؤبد وعقوبة لا تقل عن ألف جنيه ، ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به إذا كان الجاني موظفا عاما أو مكلفا بخدمة عامة أو ذا صفة نيابية عامة أو إذا ارتكب الجريمة في زمن الحرب .
ويعاقب بنفس العقوبة كل من أعطى أو عرض أو وعد بشيء مما ذكر بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية .
ويعاقب بنفس العقوبة أيضا كل من توسط في ارتكاب جريمة من الجرائم السابقة
وإذا كان الطلب أو القبول أو العرض أو الوعد أو التوسط كتابة فإن الجريمة تتم بمجرد تصدير الكتاب ” .
يتصل بجرائم العلاقات غير المشروعة مع الدول الأجنبية المنصوص عليها في المواد السابقة جريمة الرشوة حين يكون الغرض منها ارتكاب العمل ضارة بالمصالح القومية . وعلى هذه الجريمة نصت المادة 78 عقوبات بقولها : ” كل من طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ ولو بالوساطة من دولة أجنبية أو من أحد ممن يعملون لمصلحتها نقودا أو أية منفعة أخرى أو وعدا بشيء من ذلك بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية يعاقب بالسجن المشدد وبغرامة لا تقل عن ألف جنية لا تزيد عما أعطى أو وعد به ” .

1- محل الحماية :
وهذا النص مأخوذ عن المادة 246 من قانون العقوبات الإيطالي . وهو يحمي المصالح القومية للدولة في زمن السلم والحرب من الاتصال الخارجي الذي يرمي إلى التدخل للمساس بها . حيث تتخذ دولة أجنبية أحد الأفراد ، أو يتصل هو بها ، ليرتكب عملا بقصد الإضرار بهذه المصالح ، مدفوعا بإغراء المال أو غيره من المنافع ، مما يهدد بإلحاق اضرر بها . فمحل الحماية يشمل كل مصلحة قومية ، داخلية كانت أم خارجية . ويدخل في ذلك بداهة كل ما يتصل بدعم كيان الدولة ووحدتها واستقلالها وأمنها الداخلي ، لأن صيغة النص قد جاءت من العموم والإطلاق بحيث تحمي كل مصلحة للدولة لا يحميها القانون من الاتصال الخارجي بنص أخر عقوبته أشد .

– الجاني :
والرشوة بحسب الأصل جريمة ذات فاعل متعد وهي تتطلب في جميع الصور حاليا وجود شخصين على الأقل : أحدهما ، وهو من يتلقى أو يطلب النقود أو المنفعة أو الوعد بها ويسمى ” المرتشي ” . والثاني ، وهو من يقدم العطية أو يعرض الوعد بها أو يقبل ما يطلب منه من ذلك ، ويقال له “الراشي ” . والجاني في هذه الجريمة ، سواء أكان راشيا أو مرتشيا هو ” كل شخص ” فيستوي إذن أن يكون مصريا أو أن يكون أجنبيا ولا يشترط في المرتشي صفة خاصة ، فيصح أن يكون فردا من أحاد الناس ، أو أن يكون موظفا قائما بخدمة عامة ، كل ما هنالك أن صفة الموظف المكلف بخدمة عامة تعد سببا للتشديد العقاب وفقا لفقرة الثانية من النص . أما الراشي فلابد من أن تتوافر فيه صفة الممثل للدولة الأجنبية أو من يعمل لمصلحتها . ولا يشترط بعد ذلك أن يكون من رعاياها ، إذ يصح أن يكون أجنبيا عنها أو مصريا خائنا وتقدير وجود هذه الصفة مسألة موضوعية . (الدكتور عبد المهيمن بكر – مرجع سابق)
والفعل المادي: في الرشوة يتحقق من جانب المرتشي في إحدى صور ثلاث : الأخذ أو القبول أو الطلب .

1- فالأخذ يراد به تسلم العطية أو تلقي الفائدة بالفعل إذ الغالب أن المرتشي يقتضي ثمن ما يطلب منه أو ما يعرضه مالا أو فائدة حاضرة ، وهذا ما يعنيه المشرع بقوله ” أخذ ” بمعنى أن الأخذ تعبير عن الدفع المعجل .

2 – أما القبول فينصرف إلى الوعد بالعطية أو الفائدة ؛ لأنه قد لا يقتضي المرتشي مقابل عمله ” معجلا ” ، وإنما يكفي ” بقبول وعد ” بتقديمه في المستقبل ، وهذا ما يعنيه المشرع بقوله ” قبل ” فالقبول إذن تعبير عن الرشوة المؤجلة . ولا يشترط فيه أن يكون صريحا ، إذ يصح أن يكون ضمنيا تفيده ظروف الحال ، والأمر في ذلك متروك لمطلق تقدير المحكمة . غير أنه يجب أن يكون ” حقيقيا ، فلو تبين من ظروف الواقعة أن الشخص قد تظاهر به لتمكين السلطات من القبض على الراشي ، فإن القول الذي به يتحقق إجرام المرتشي يكون منعدما . ولكن لا يلزم أن يكون عرض الراشي حقيقيا متى كان جديا في ظاهره ، وكان الجاني قد قبله منتويا الإضرار بالمصلحة القومية .

3 – كذلك تقع الرشوة بمجرد ” الطلب ” للعطية أو الفائدة من الدولة الأجنبية أو من يعمل لمصلحتها ، حتى ولو تم رفض هذا الطلب ، ما دام الجاني يعرض مقابلة ما يجرمه القانون ، وهو إتيان عمل ضار بمصلحة الدولة .
وإثبات الفعل المادي في أية صورة جائز بكل الطرق ، ومنها البينة والقرائن ، مهما بلغت قيمة العطية أو الفائدة ؛ فالأمر يتعلق بجريمة ، ولا تنفيذ للمحكمة في إثباتها بطرق أو وسائل الإثبات المدنية . (عبد المهمين بكر – مرجع سابق)

– وإنما يجب أن يتعلق فعل الأخذ أو القبول أو الطلب بنقود أو أية منفعة أخرى . ومعنى “النقود ” واضح فهي العملة وطنية كانت أم أجنبية . أما المنفعة فهي كل ما يشبع حاجة للنفس كبرت هذه الحاجة أم صغرت ؛ وسواء أكانت ذات قيمة مادية كالسندات والمجوهرات والملابس والمأكولات وما إلى ذلك ؛ أم كانت قيمتها أدبية لا تقوم بمال ، كالحصول عل وظيفة أو ترقية للمرتشي أو لأحد أقاربه . ومن البديهي أنه لابد أن يكون مصدر النقود أو المنفعة دولة أجنبية . وهو ما تقدمت الإشارة إليه ولكن لا عبرة باسم الفائدة المعطاة ولا بصورتها ؛ فقد تقدم النقود أو المنفعة للمرتشي كثمن للعمل على نحو ظاهر ، وقد تقدم إليه في شكل هدية إخفاء لقصد الرشوة ، وقد تم في صورة عقد تغطية لمعالم الجريمة .

بل أنه لا يشترط أن تقدم إلى المرتشي نفسه ، إذ يصح أن ترسل إليه بواسطة شخص أخر من خلصائه أو ذويه . وقد أكدت المادة (78) هذا المعنى بقولها “أخذ …. ولو بالواسطة ” ولا فرق في الحالتين بين أن تكون النقود أو المنفعة لصالح المرتشي بالذات ، أو أن تكون لمصلحة شخص أخر يعينه لذلك أو يعلم به ويوافق عليه . ومن أمثلة ذلك أن يطلب المرتشي منفعة أو مالا يعطي لأخيه في الخارج ؛ أو أن تقدم إلى الزوجة أسوره من الماس لقاء العمل المطلوب من الزوج . ويتحقق إجرام هذا الأخير بعلمه بالأمور وإقراره له . فإذا ظل جاهلا في سبيل مؤاخذته ، إذ أن قبول من تلقى العطية أو الوعد لا يغني عن علم الشخص المقصود لإتيان العمل وقبوله هو نفسه .

وتتم جريمة الرشوة بمجرد ارتكاب المرتشي فعل الأخذ للنقود أو غيرها من المنافع ، أو قبوله الوعد بها ، أو طلبها لنفسه أو لغيره ، ولك بغض النظر عن القيام بالعمل الذي من أجله بذلت العطية أو الوعد ، لأن القيام بهذا العمل أمر زائد عن مادية الجريمة ، وإن كان انتواؤه عنصرا في القصد الجنائي . وقد عبرت محكمة النقض عن هذا المعنى في شأن تنفيذ الجريمة وتمامها بقولها : ” إن في كل من الأخذ والقبول فقط ، لأنه صدر في ظل القانون السابق ، وصورة “الطلب” مستحدثة في المادة 78 بالقانون 112 لسنة1957 ، وكانت من قبيل الأعمال التحضيرية في نظر القضاء . أما بعد النص عليها فقد أصبح الطلب عملا تنفيذيا ” وبذلك لم يعد ثمة أي مجال للشروع في الرشوة . فهي إما أن تقع تامة بأحد الأفعال المذكورة ، ومنها الطلب ، وإما ألا تتحقق على الإطلاق حتى ولو في صورة الشروع . وقد أضاف النص حكما يقضي بأنه ” إذا كان الطلب والقبول والعرض أو الوعد أو التوسط كتابة فإن الجريمة تتم بمجرد تصدير الكتاب ” وبغير هذه الإضافة كانت ” تبقى تلك الصورة على خطورتها وإفصاحها عن النوايا الإجرامية ضد الدولة من أعمال التحضير التي لا يعاقب عليها القانون ” .

وإذا كانت الرشوة في الأصل جريمة المرتشي ، إلا أن واقعتها الإجرامية تتحقق تامة في حق الراشي وفقا للمادة 78 (بقبوله) ما يطلبه المرتشي ، أو (بعرضه) للنقود أو أية منفعة أخرى أو الوعد بها ، صادف ذلك قبولا من الطرف الأخر أم لا يصادف . وبأحد هذه الأفعال يعد جنائيا في رشوة تامة . دون إمكان تصور الشروع بالنسبة له ، تماما كما هو الحكم في شأن المرتشي . ولما كان النص قد اعتبر (العرض) عملا تنفيذيا تاما في الجريمة ، خروجا على قواعد الشروع ، ولم يتطلب كذلك رفضه من الجانب الأخر أو عدم قبوله ، خلافا لما تشترطه المادة 109 مكررا ، فإنه لا يصح القول بعدم العقاب إذا عدل الراشي باختياره عن تقديم العطية بعد عرضها ، أو إذا عاد إلى سحب عرضه ، ولو قبل رفضه الصحيح الضمني ، أو ما في حكم الرفض ، وذلك لأن مثل هذا العدول يأتي بعد تمام الجريمة قانونا ، على خلاف الأصل ، ومن ثم فهو لا يعدو أن يكون سببا لتخفيف العقاب في نظر القاضي ، ولكنه لا يمحو سابق جرم الراشي ، خاصة وإن الجريمة تتم في حالة العرض كتابة بمجرد تصدير الكتاب .

والواقع أن الرشوة جريمة واحدة ، ولكن نموذجها القانوني يتطلب في حالة (الأخذ) للنقود أو المنفعة الأخرى وفي حالة (القبول) للوعد بها ، وجود نشاطين متقابلين ، من جانب كل من المرتشي والراشي ، يتمثلان في الاتفاق على العطية وعل المقابل فتتكون بذلك رابطة الرشوة وهي الواقعة التي يجرمها القانون ، ويعد كل من أطراف مدة العلاقة جانيا فيها . ولأن تعدد النشاط في هاتين الحالتين أمر ضروري لانطباق الصورة القانونية المجردة ، فإنه لا يخضع للنظرية العامة في المساهمة الجنائية ، وإنما لقواعد نظرية الجريمة ذات الفاعل المتعدد ، لأن تعدد الأشخاص وتعدد النشاط معا أمر أساسي لتكوين الواقعة المجردة وانطباقها . ولو اقتصرت أفعال الرشوة على الأخذ والقبول ، وهو وضعها حاليا في القانون الإيطالي ، وفي القانون المصري قبل سنة 1953 ، 1957 ، وفي التشريع الفرنسي حتى قانون 16مارس سنة 1943 ، لكانت الرشوة جريمة متعددة الفاعل بالمعنى التام أو الصحيح ، ولكن تجريم مجرد الطلب من جانب المرتشي ، وتجريم مرد العرض كفعل تام في المادة 78 ع .م إذا حصل من جانب الراشي ، جعل من الرشوة صورة شاذة للجريمة المتعددة الفاعل . وهذا ليس من شأنه أن يغير من تكييفها بحسب الأصل ، والذي يقضي باعتبارها جريمة (واحدة) ، وفقا للرأي الراجح أما مساهمة المتوسط في الرشوة فليست مما يقتضيه نشوء الجريمة قانونا ، فهي مساهمة قانونية على هامش الجريمة وتحكمها النظرية العامة في الاشتراك ، خاصة وأنه ليس للوسيط عمل مستقل في الرشوة ؛ وإنما هو ممثل لمن كلفه بالوساطة .

الجانب المعنوي : وفضلا عن ارتكاب الفعل المادي ، يجب أن يكون لدى مقارفة قصد الجاني والمستفاد من المادة 78 أن القصد اللازم هو القصد الجنائي (الخاص) ، لأن عبارتها تقول ” بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية ”

 

– وعلى ذلك فإن وجود القصد الجنائي لدى المرتشي يقتضي توفر عنصرين : – 

الأول : أن يعلم بارتكابه أحد أفعال الارتشاء ، ولو بالواسطة ، من دولة أجنبية أو من يعمل لمصلحتها . وأن يعلم بأن ما يتلقاه من مال أو منفعة أخرى هو المقابل لارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية . إذ من الجائز أن يثبت جهل المتهم بأن مصدر العطية دولة أجنبية ، أو أي شخص يعمل لمصلحتها ، بل قد يبين للمحكمة أنه كان يعتقد في عدم منافاة العمل المطلوب منه لأية مصلحة قومية وفي الحالتين ينتفي قصده الجنائي في هذه الجريمة ، وإن صح أن يعاقب في رشوة عادية إذا توافرت شروطها والقصد فيها وفقا لأحكام المواد 103 – 111 عقوبات .
ويرى أحد الفقهاء : أن تعارض العمل الذي انتوى الجاني ارتكابه مع المصلحة القومية أو انطواء على الإضرار بها ” مسألة مادية صرف ” يفصل فيها القاضي وجودا أو نفيا على ضوء الظروف ، بغض النظر عن تقدير الجاني نفسه وعلمه الشخصي ، بل إنه يؤكد أن العلم بذلك غير لازم لوجود القصد الجنائي . ولكن يحول دون تقبل هذا الرأي أنه يقيم عقبة لا يمكن تخطيها عند إثبات النية الخاصة إذ كيف يتسنى دون مناقضة منطقية أن تقيم نية الإضرار لدى شخص يعتقد أن العمل الذي تلقى الفائدة من أجله غير ضار بمصلحة قومية ؟ وإذا كان ارتكب العمل (الضار) بهذه المصلحة لا يعد عنصرا في مادية الرشوة ، فإنه بلا شك موضوعها والغرض منها ، ومن ثم واجب اشتراط علم الجاني بأن مقابل العطية هو ارتكاب عمل (ضار) بإحدى المصالح القومية وهذا هو السائد في الفقه المصري ولدى بعض الفقهاء الإيطاليين .

والثاني:  أن يكون لدى المرتشي نية الإضرار بالمصلحة القومية ومن مقتضى ذلك أن يكون حين تلقي الفائدة أو الوعد بها أو طلبها مستهدفا أو منتويا ارتكاب العمل الذي يضر بتلك المصلحة والواقع أن هذه النية هي التي تدمغ تلقي النافع من الدولة أجنبية بالطابع الإجرامي ولذلك وجب على سلطة الاتهام إقامة الدليل عليها . إذ من الجائز أن يتلقى الشخص المنفعة من الدولة الأجنبية ، وهو عالم بما ينطوي عليه العمل المطلوب من إضرار بإحدى المصالح القومية ، وفي الوقت ذاته لا ينتوي الإضرار بها . وصورة ذلك أن يتلقى ما يبذل له من عطاء وهو يضمر في نفسه ألا يأتي هذا العمل أو يتدخل فيه .

وقد سبق القول بأن ارتكاب العمل الذي يعد مقابلا للمنفعة ليس عنصرا في مادية الجريمة ، وأن وجوده وعدمه من حيث تمامها سيان ، وأن انتواء ارتكابه ليس إلا عنصر القصد الخاص ، غير أنه إذا كان قد ارتكبه فعلا ، أو شرع فيه ، أو حاول في شأنه ، فإن ذلك يعد بمثابة الدليل القاطع على وجود نية الإضرار لدية وقيام القصد الجنائي . وعلى كل حال فاستظهار القصد بعنصرية مسألة موضوعية متروكة لتقدي المحكمة .

وغنى عن البيان أن ” المصالح القومية “ تشمل كل مصلحة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية للدول حكومة وشعبا باعتبارها جمهورية ذات سيادة في الخارج ، ولها نظامها الذي تجب المحافظة على إرساء دعائمه في الداخل ، ويشمل ذلك في المقام الأول تخطيطها الإصلاحي لتحقيق التضامن الاجتماعي ، بالتوزيع العادل للدخل ، وبتوفير كافة الخدمات اللازمة للنهوض بمستوى المجموع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية إذ لا شك في أن هذه الأمور كلها مما ترتكز عليه السياسة الداخلية للحكم . وقد جاء في قضاء محكمة أمن الدولة العليا أن ” تعبير المصلحة القومية هو تعبير عام واسع المدلول وقصد به الشارع كل مصلحة تهم الجمهورية العربية المتحدة من الناحية السياسية أو تمس سيادة الدولة في الخارج أو الداخل وعناصر الحكم فيها . وهذه العبارة الشاملة تتضمن كل عمل يمس أي مصلحة سياسية أو اقتصادية من مصالح الدولة ” .

وبالمثل ، يتحقق القصد الجنائي لدى الراشي متى توافر علمه بأن مقابل ما يعرضه أو يقدمه من نقود أو منافع لحساب الدولة الأجنبية هو ارتكاب المرتشي لعمل ضار بمصلحة قومية ، وغايته المستفاد من ذلك وهي إلحاق الضرر بهذه المصلحة . وإنما يجب أن يكون مفهوما أنه لا تلازم بين قصد الراشي والمرتشي في الجريمة . فقد ينتفي قصد متلقي العطية بينما يتوفر قصد الراشي ، فتنهض مسئوليته الجنائية ويستحق العقاب .

وأخيرا فلا اعتداد بالباعث الدافع لأي من الجناة ، إذ يستوي أن يكون الباعث هو الحنق على الدولة أو الطمع لدى غيرها في المال أو المنفعة ، وإنما العبرة (بغاية الإضرار بالمصلحة القومية) وهي الوسيلة العملية التي يستهدف الجاني تحقيقها لإشباع الباعث الدافع (الدكتور عبد المهيمن بكر – مرجع سابق)

– العقاب :
يعاقب المرتشي ، إذا كان من أحاد الناس بالسجن المشدد وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به وذلك عند وقوع الجريمة في زمن السلم .

أما إذا وقعت الجريمة في زمن الحرب ، أو كان الجاني موظفا عاما مكلفا بخدمة عامة أو ذا صفة نيابية عامة فإن العقوبة تكون السجن المؤبد وغرامة لا تقل عن ألف جنية ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به .

ويعاقب الراشي بنفس العقوبة في الحالين . وكذلك كل من توسط في ارتكاب الرشوة ، إذ أنه يعد شريكا لمن توسط له وفقا للقواعد العامة .
والغرامة المنصوص عليها عقوبة أصلية يجب الحكم بها دون تقص في حدها الأدنى حتى لو طبقت المادة 17 عقوبات ، أما الحد الأقصى فلا يزيد على ما أعطى أو وعد به المرتشي .

ويجوز وفقا للمادة 30 عقوبات الحكم بمصادرة النقود أو الأشياء المادية الأخرى المقدمة على سبيل الرشوة ، لأن هذا النص عام ويشمل كل ما يتحصل من الجريمة دون المساس بحقوق الغير الحسنى النية . أما في الرشوة العادية فتنص المادة 110 على أنه يحكم في جميع الأحوال بمصادرة ما يدفعه الراشي أو الوسيط على سبيل الرشوة طبقا للمواد السابقة (أي المواد من 103 وما بعدها) . فالمصادرة فيها وجوبيه إذن بنص خاص وكان يجدر بالمشرع أن يجري نفس الحكم في الرشوة الدولية . (دكتور / عبد المهيمن بكر)

ومن البديهي أنه إذا توافرت في الفعل عناصر جريمة أخرى أشد وجب توقيع عقابها تطبيقا للقواعد العامة (المادة32 عقوبات) وهذا ما يفسر القول بأن المادة 78 تحمي كل مصلحة قومية لا يشملها القانون بحماية أخرى أشد . وهو ما قررته المادة 246 عقوبات إيطالي بالنص الصريح .
بعض أوجه الخلاف بين الرشوة الدولية والرشوة العادية : تقدمت الإشارة إلى بعض الفروق بين الرشوة كجريمة أمن خارجي وبين الرشوة العادية أو الداخلية في أحكام العقاب . ويتبقى أن نذكر بعض الفروق المتعلقة بشروط الجريمة ، وأهمها : (1) أن مصدر العطية في الرشوة بباب الأمن الخارجي هو دولة أجنبية عن طريق أحد ممثليها أو من يعملون لمصلحتها لارتكاب أعمال تضر بالمصلحة القومية للجمهورية . أما في الرشوة العادية فمصدر العطية أحد الأشخاص ممن لهم مصلحة بين يدي الموظف أو المستخدم ، أو مما يزعم أو يعتقد أنه من اختصاصه ، والغرض منها إتيان عمل حق أو الامتناع عن عمل غير حق أو الإخلال بواجبات الوظيفة أو الخدمة . (2) ولا يشترط في المرتشي بالرشوة من دولة أجنبية توفر أي صفة خاصة به ، بمعنى أنه يصح أن يكون من أحد الناس ، مصريا أو أجنبيا . خلافا للرشوة العادية فإنه لابد في كل أحوالها من صفة خاصة في المرتشي ، بأن يكون موظفا أو من يعدون في حكمه وفقا للمادة 111 عقوبات ، أو أن يكون مستخدما مرتبطا بعلاقة التبعية لرب العمل من الأفراد أو الشركات أو الجمعيات على حسب الأحوال . فالأصل في الرشوة من دولة أجنبية عدم اشتراط صفة معينة في المرتشي ، ولكن المشرع قدر تشديد العقاب عند توفر صفة الموظف به أو الملف بخدمة عامة ، أما بالنسبة للراشي فلا يتطلب القانون توفر أية صفة به في الرشوة الداخلية أو العادية ، خلافا للرشوة من دولة أجنبية حيث يجب أن يكون ممن يعملون لمصلحتها . (3) تتم الرشوة العادية بارتكاب أحد أفعالها وهي الأخذ أو القبول أو الطلب الذي يتصل حتما بالطرف الأخر أو يكون في مواجهته . أما في الرشوة من دولة أجنبية فقد خرج المشرع على هذا المعنى معتدا في تمام الجريمة بإفصاح الجاني عن نيته الإجرامية ولو لم تكن بعد قد اتصلت بالطرف الثاني ، إذ نص في المادة 78 على أنه ” إذا كان الطلب أو القبول أو الوعد أو التوسط كتابة فإن الجريمة تتم بمجرد تصدير الكتاب بل لقد اعتبر العرض من جانب الراشي ولو تم رفضه مكونا للجريمة ، خلافا للرشوة العادية ، حيث يعد جريمة مستقلة عقابها دون الجريمة التامة . (4) وأخيرا توجد بعض الفروق في شأن القصد الجنائي بين الجريمتين من حيث عنصر التخصيص . (راجع في كل ما سبق الدكتور عبد المهيمن بكر – مرجع سابق)

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Howdy,
Search exact
Search sentence
Ad2
Ad1