You cannot copy content of this page
أسباب بطلان الاجراء الجنائى
** أسباب البطلان الجنائى : –
ترجع أسباب البطلان الى عدم توافر العناصر اللازمة لصحة العمل القانوني والعمل الإجرائي هو عمل شكلي فيشترط لصحة توافر شروط شكلية وشروط موضوعية .
…. وسنعرض كل منها بشئ من التفصيل على النحو التالي : –
** الاسباب الشكلية لبطلان الاجراء الجنائى : –
الأصل في العمل الإجرائي أنه عمل شكلي ، يجب أن يفرغ في الشكل المقرر بالقانون ولا يقيد القانون بالنشاط الإجرائي طالما لم يتم في الشكل القانوني ، والأصل اعتبار أن الإجراءات قد روعيت وبوشرت صحيحة .
ويجب التفرقة بين العمل الإجرائي الجوهري وبين غير الجوهري . فالعمل يعتبر جوهريا إذا أوجب القانون مراعاته وكان يترتب على تخلفه تحقيق الغاية منه ، ويعتبر غير جوهري إذ أوجب القانون مراعاته وكان لا يترتب على تخلفه عدم تحققه الغاية منه . أو لم يوجب القانون مراعاته ، وإنما جعل أمر مباشرته جوازيا . (عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)
ويقصد بالشكل الإجرائي مجموعة العناصر الخارجية اللازمة لإفراغ النشاط الإجرائي بداخلها وبه يتحقق المظهر الخارجي للعمل الإجرائي .
وليس من شك في أن أشكال الإجراء الجنائي عديدة ومتنوعة ، ولا يمكن حصرها لأنها تختلف باختلاف الإجراء نفسه ، وقد تتمثل هذه الأشكال في مواعيد معينة يتوقف صحة مباشرة الإجراء الجنائي على الالتزام بها . كمواعيد الطعن في الأحكام . فتقديم الطعن في الحكم بعد فوات المهلة أو الميعاد المقرر له يترتب عليه توقيع جزاء معين فحواه عدم إنتاج الطعن لأثره القانوني .
وقد يتمثل الشكل الذي يتطلبه القانون في العمل الإجرائي في تعليق صحة هذا العمل على إفراغه في شكل معين أى تنفيذه علة نحو ما لاعتبارات قدرها المشرع . مثال ذلك وجوب تسبيب الأحكام الجنائية ، ووجوب إجراء المحاكمة علانية ، وشفاهة ، وفي حضور الخصوم المعنيين بالإجراء ووجوب تحليف الشاهد اليمين وبيان تاريخ الحكم .
وقد يتطلب المشرع لصحة الإجراء الجنائي توافر شكل خارجي عنه لكنه شديد الصلة به ، كاشتراط حضور مدافع عن المتهم بجناية أمام محكمة الجنايات ، واستلزام إعلان المتهم بإحالته الى المحكمة بواسطة التكليف بالحضور أو أمر الإحالة لصحة اتصال المحكمة بالدعوى ، بحيث لا تعتبر الدعوى الجنائية ق دخلت حوزة المحكمة إلا بهذا الإجراء .
وقد يستلزم المشرع لصحة الإجراء الجنائي استبعاد شكل ما يعوق في حالة توافره إنتاج العمل لأثره القانوني . فصحة إجراءات المحاكمة والحكم تقضي باستبعاد من يباشر هذه الإجراءات من القضاة إذا كان قد سبق له الاشتراك في التحقيق في هذه الدعوى من قبل . كما أن صحة بعض الأعمال الإجرائية تتوقف على استبعاد ما يعوقها من إنتاج أثرها فيبطل الاعتراف الصادر عن المتهم إذا تم الاستحصال عليه بطريق الغش أو العنف .
** بطلان الاجراء الاجنائى لتخلف أحد أشكالة الجوهرية : –
– بطلان الاجراء الجنائى لعدم إجرائة فى الميعاد المحدد
هناك أعمال إجرائية ينص المشرع على وجوب اتخاذها خلال ميعاد محدد ، والميعاد هنا ميعاد آمر متعلق بالنظام العام وليس ميعادا تنظيميا أو توجيهيها ، وقد تتمثل هذه الأعمال الإجرائية في إجراءات تحقيقية كالقبض أو التفتيش بناء على أوامر صادرة من سلطة التحقيق ، أو في تصرفات قانونية يترتب عليها إمكان تحريك الدعوى العمومية كتقديم شكوى من المجني عليه ، أو في إجراءات إعلان الخصوم ، أو في الأحكام الصادرة والطعن فيها ، ويترتب على عدم مباشرة هذه الإجراءات على تنوعها خلال الميعاد المحدد اعتبار الإجراء معيبا ، ولئن اختلفت صورة الجزاء الإجرائي في هذه الأحوال من بطلان الى سقوط الى عدم قبول ، فمما لا شك فيه أن الإجراء المعيب يصير غير منتج لآثاره القانونية
ومن أمثله ذلك تعييب إجراءات القبض والتفتيش والحبس لمباشرتها بعد فوات الأجل المقرر قانونا .
فالمشرع ينص على عدم جواز تنفيذ أوامر الضبط والإحضار وأوامر الحبس بعد مضى ستة أشهر من تاريخ صدورها ، ما لم يعتمدها قاضي التحقيق لمدة أخرى . م139/2 أ.ج . ومؤدى النص السابق أن تنفيذ أوامر القبض والتفتيش أو حبس المتهم يقع معيبا متى تم ذلك بعد انقضاء الشهور الستة ، ويصم هذا العيب الإجراءات المتخذة بالبطلان ، وكذلك تعييب إجراء رفع الدعوى العمومية لفوات أجل تقديم الشكوى .
وقد حدد المشرع المصري أجلا معينا ينقضي به الحق في تقديم الشكوى ، ومدة هذا الأجل ثلاثة أشهر يبدأ سريانها من اليوم التالي لعلم المجني عليه بوقوع الجريمة وبفاعلها ومثال ذلك أيضا تعييب إجراء دخول الدعوى في حوزة المحكمة لعدم الإعلان خلال الأجل المحدد قانونا ، ويختلف هذا الأجل بحسب نوع الجريمة فيكون التكليف بالحضور أمام المحكمة قبل انعقاد الجلسة بيوم كامل في المخالفات ، وبثلاثة أيام كاملة على الأقل في الجنح غير مواعيد مسافة الطريقة ، وذلك بناء على طلب النيابة العامة أو المدعى بالحقوق المدني . م233/1 أ.ج .
أما في مجال الجنايات (وكذلك جنح النشر عدا تلك المضرة بآحاد الناس) فقد أوجب المشرع في نص المادة 214/2 أ.ح أن تعلن النيابة العامة الخصوم بالأمر الصادر بالإحالة الى محكمة الجنايات خلال العشرة أيام التالية لصدوره ، ومثال ذلك أيضا تعييب الحكم الجنائي لفوات أجل التوقيع عليه ، ويفرق في هذا الشأن بين أجل تحرير الحكم بأسبابه والمتمثل في ثمانية أيام من تاريخ صدوره ، وهذا ميعاد تنظيمي لا يترتب على فواته تعييب الحكم أو القول ببطلانه ، وبين أجل التوقيع على الحكم الذي لا يجوز أن يتراخى عن ثلاثين يوما ، وقد نص المشرع صراحة على أنه لا يجوز تأخير توقيع الحكم على الثمانية أيام المقررة إلا لأسباب قوية ، وعلى كل حال يبطل الحكم إذا مضى ثلاثون يوما دون حصول التوقيع ، ما لم يكن صادرا بالبراءة . م312 أ.ج .
ولم تترد محكمة النقض المصرية في تأكيد بطلان الحكم الجنائي لعدم التوقيع عليه خلال الأجل المحدد قانونا وهو ثلاثين يوما من تاريخ صدوره . (نقض جنائي 6/3/1959 مجموعة أحكام النقض س7 ق95 ص315 ، 21/10/1963 س14 ق121 ص662 ، 17/10/1976 س27 ق171 ص754)
– بطلان الاجراء الجنائى لعدم إفراغة فى الشكل المقرر قانونآ
تتوقف صحة الإجراء الجنائي على وجوب إفراغه في الشكل المقرر قانونا ، ولكن الإشكال التي ينبغي مباشرة الإجراء من خلالها ليست سائرها على نفس الدرجة من الأهمية فكما أن سبق وذكرنا أن من هذه الأشكال ما هو جوهري يترتب على إغفاله تعييب الإجراء ومنها ما هو غير جوهري لا يؤثر على صحة الإجراء المتخذ .
وأن إفراغ الإجراء في الشكل المقرر قانونا يتجلى في سائر صور الإجراءات الجنائية ، سواء تمثلت في إجراءات التحقيق أو المحاكمة أو في الأحكام الجنائية ذاتها .
إجراءت التحقيق : –
تتعدد إجراءات التحقيق الابتدائي وتتنوع ، وقد تتمثل في إجراءات التنقيب عن الأدلة كالانتقال الى مكان وقوع الجريمة ومعاينته ، وندب الخبراء ، وسماع الشهود ، والتفتيش وضبط الأشياء ، ومراقبة المحادثات والمراسلات وإجراء التسجيلات ، والمواجهة والاستجواب ، وقد تتجلى في إجراءات احتياطية بغية تأمين الأدلة كالقبض على المتهم وحبسه احتياطيا .
وقد أحاط المشرع العديد من الإجراءات بأشكال معينة ينبغى استيفاؤها ولعل أهم الأشكال الجوهرية التي ينبغي استيفاؤها عند مباشرة إجراءات التحقيق تدوين هذه الإجراءات بواسطة كاتب في محضر رسمي موقع عليه ويشتمل على بيانات معينة ، وتقييد تنفيذ بعض هذه الإجراءات على نحو معين ، وحضور الخصوم مباشرة بعض هذه الإجراءات .
إجراءات المحاكمة : –
هناك بعض الأشكال الجوهرية التي تتمثل شروطا شكلية لصحة المحاكمة وتخلف هذه الأشكال يؤدي الى بطلان الإجراء قبل .
(أ) العلانية : تكون جلسة المحاكمة علنية ولاسيما ليفرغ كل خصم ما في جعبته ، ويكشف جهرا عما تعذر عليه أن يبديه في المراحل السابقة من التحري عن الحقيقة ، ويكون كل ذلك على مرأى ومسمع من جمهور الناس قاطبة دون تمييز ، حتى يتأكد لدى الناس أنه لا تحاك لأحد خيوط الوقيعة به في خفاء .
والعلانية تجعل أفراد الجمهور رقباء على القضاة في الجلسة ، إذ يحس القاضي بأن الإبصار شاخصة إليه ومسلطة عليه ، فيحسن الإمساك بزمام نفسه كى لا يبدو منه خطأ أو شطط في إدارة مجريات الجلسة وتوجيه دقة المحاكمة ولا يغلب عليه نعاس ولا ينبو له مسلك فعلي أو قولي .
ولا تستثنى من قاعدة العلانية ، سوى الحالة التي تقتضي فيها الآداب العامة أو يوجب النظام العام ، نظر الدعوى في جلسة سرية ، كما لو كانت دعوى اغتصاب جنسي أو هتك عرض ، وهذا فيما يتعلق بالآداب العامة إن كانت دعوى تآمر على أمن الدولة الخارجي ، وهذا فيما يتعلق بالنظام العام ، وعندئذ تكون الجلسات إما كلها وإما بعضها سرية سواء بالنسبة للجمهور قاطبة أم بالنسبة لفئات معينة منه كفئة الصغار وفئة النساء مثلا ، ولا يمكن بحال ما أن تكون جلسة ما سرية بالنسبة للخصوم أنفسهم أو لممثليهم أو المدافعين عنهم .
وإذا لم تتوافر موجبات السرية ، كانت الإجراءات السرية باطلة وبطل الحكم للمحكمة مع ذلك مراعاة للنظام العام ، أو محافظة على الآداب ، أن تأمر بسماع الدعوى كلها أو بعضها في جلسة سرية ، أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها . (رمسيس بهنام ص302 ، مرجع سابق)
(ب) الشفوية : أنه لو حدث اعتماد على إطلاع القاضي وإلمامه بملف القضية وأوراقها ، دون تمثيل للقضية أمامه بأسلوب يطرق سمعه ويكون ملء بصره ، يخشى أن يكون قد أطلع على أوراق القضية إطلاعا ناقصا أو ألا يكون قد أحاط بها كل الإحاطة قبل أن يصدر فيها حكمه ، ومن ثم فقد صار من مقتضيات حسن سير العدالة ، أن تجرى المحاكمة على مبدأ الشفوية ضمانا للوصول بالقاضي إلى أكبر قدر ممكن من الإحساس بالقضية ولبها ومقاطع الفصل فيها .
ولا يرد على مبدأ الشفوية غير استثناءين : الأول : يتعلق بالمحاكمة الغيابية ، فإنها تجري ويصدر الحكم فيها بعد الإطلاع على الأوراق ودون سماع للشهود (م238/1) ، وفي هذا تختلف المحاكمة الغيابية عن المحاكمة الحضورية أو المعتبرة حضورية .
وللمتهم الغائب أن يطعن في الحكم بالمعارضة إذا شاء فتعاد المحاكمة من جديد وتجرى بأسلوب الشفوية ، وله إذا فوت على نفسه فرصة المعارضة ، أن يطعن في الحكم بالاستئناف .
والاستثناء الثاني يتعقل بقضاء الدرجة الثانية . ذلك لأن هذا القضاء الاستئنافي غير ملزم بمبدأ الشفوية في طرح القضية أمامه بأكملها من جديد ومن أولها إلى آخرها ، وإنما لا تكون الشفوية فيه مكفولة إلا لما يتيسر العمل فيه بها أمام محكمة أول درجة.
(1) بطلان ورقة التكليف بالحضور :
وقد يقع في ورقة التكليف بالحضور ثمة سهو أو خطأ ، فتسري قواعد البطلان في حالة إغفال بعض البيانات الجوهرية فيها ، مثل التهمة ، ومواد القانون التي تنص على العقوبة ، والبطلان هنا نسبي لا يمس الصالح العام ويخضع لأحكام خاصة به .
(2) عدم تقييد المحكمة بواقعة الدعوى :
إذا قامت المحكمة بإحداث تغيير في أساس الدعوى نفسه فإنها تكون قد أضافت لنفسها سلطة لا تملكها .
وقضاء النقض استقر على أنه رغم تعلق هذه القاعدة بالنظام العام ، إلا أنه يتعين توافر مصلحة الطاعن فيه وإلا كان الطعن غير مقبول تطبيقا لقاعدة حيث لا مصلحة فلا طعن .
(3) عدم لفت الدفاع الى ما ينبغي لفته إليه :
للمحكمة سلطة تغيير وصف الاتهام ، إلا أنها مقيدة في حالة تعديل التهمة بإضافة الظرف المشدد أو تنبه المتهم الى هذا التغيير وأن تمنحه أجلا لتحضير دفاعه فللمتهم مصلحة من تنبيهه الى كل تعديل للتهمة إذا كان التغيير لأشد فحسب . أما إذا كان التعديل لأخف ، فلا حاجة للمحكمة الى نيته .
(4) المصلحة في الطعن ببطلان التحقيق النهائي :
قد يلحق البطلان إجراء من إجراءات التحقيق النهائي ، وبعض هذه الإجراءات تنظيمي بحت فلا ترتب مخالفته بطلانا ما ، مثل سماع شهود الإثبات والنفى بترتيب معين ، وكذلك ترتيب سماع أطراف الدعويين الجنائية والمدنية .
إلا أنه إذا تضمنت مخالفة هذه القواعد إخلالا بحق الدفاع فإن الإجراء يكون باطلا ، ويصبح للطاعن مصلحة في الطعن ببطلانه ، ومخالفة قواعد التحقيق بالجلسة ، إعمالا لنص المادة 323/أ.ج ترتب بطلانا نسبيا وجميع أوجه البطلات النسبي المتعلق بصحة إجراءات المحاكمة والتحقيق الابتدائي يمكن إبداؤها في النقض في حالتين : 1- إذا أبدى الدفع أمام محكمة الموضوع المختصة فلم ترد عليه بأسباب غير صحيحة أو غير سائغة . 2- إذا كان الحكم الاستئنافي المطعون عليه قد صدر غيابيا.
(5) المصلحة في الطعن للإخلال بحق الدفاع :
مخالفة إجراءات التحقيق النهائي والمحاكمة ترتب أحيانا الإخلال بحق الدفاع ، حين يرتب أحيانا بطلان الإجراء ، والإخلال بحق الدفاع يكون بسبب : 1- عند رفض طلب التأجيل رغم توافر مبرراته . 2- عند مخالفة قاعدة شفهية المرافعة أمام القضاء الجنائي . 3- عدم تمكين المحكمة للخصم من المرافعة في الدعوى ، والأصل هو أن مصلحة الطاعن تكون دائما متوافرة عند توافر صورة من الصور السالفة .
وهذا الإخلال ، وما يرتبه من بطلان في الإجراءات يؤدي حتما الى القول بتوافر المصلحة في الدفع ، وهذا البطلان نسبي ، والمصلحة في الدفع به تكون غير مفترضة ، بل ينبغي أن تنبئ عنها ظروف الإخلال الذي وقع بحق الدفاع . (عبد الحميد الشواربي ص865 وما بعدها ، مرجع سابق)
الاحكام الجنائية : –
1- الاشكال اللصيقة بالحكم ” مشتملات الحكم “
أ – ديباجة الحكم
يقصد بديباجة الحكم ذلك الجزء الذي يأتي في مقدمة الحكم بين فيه بيانات تتعلق بالاسم الذي صدر به ، وبالمحكمة التي أصدرته ، وأسماء أعضاء المحكمة وباقي الهيئة الداخلة في التشكيل وتاريخ إصدار الحكم ثم البيانات المتعلقة بشخص المتهم ، وباقي الخصوم في الدعوى .
(مأمون سلامة ، مرجع سابق)
والمقصود في تلك البيانات يترتب عليه بطلان الحكم ، وتميل محكمة النقض الى التضييق من أحوال البطلان بقدر الإمكان واعتبار الأخطاء المادية التي تقع في ديباجة الأحكام غير جسيم ولا مؤثر طالما ينصب على بيان جوهري فقضى أنه غير مؤثر في صحة الحكم إغفال اسم القاضي الذي أصدر الحكم في طعنه ، مادام الطاعن لم يذهب في طعنه الى أن القاضي الذي أصدر الحكم غير ذلك الذي باشر الإجراءات ، كذلك إغفال ذكر سن المتهم ، فإلزام الطاعن أنه لا يدعى أنه من الأحداث .
ومن أهم البيانات في الديباجة صيغة التهمة ، أى وضعها القانوني والمادة المنطبقة عليها ، فإذا وقع خطأ في هذا البيان ، فالأصل أنه لا يبطل الحكم إلا إذا أدى الخطأ الى إيهام للتهمة المحكوم فيها على المتهم ومصلحة الطاعن تكون متوافرة (ومن حقه إزالة هذا الاتهام الذي من شأنه أن يحول دون إمكانه مراقبة صحة تطبيق الحكم على الواقعة) . (عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)
ب- أسباب الحكم
الأسباب هى ما يستند إليه الحكم في التدليل على النتائج التي وصل إليها في منطوقه ، وقد استلزم القانون في الأحكام بيان الأسباب التي استند إليها الحكم في الدعوى الجنائية ، بل وأيضا فيما انتهى إليه بالنسبة للطلبات والدفوع التي تقدم بها الخصوم ، فبعد أن أوجب القانون في المادة 310 إجراءات اشتمال الحكم للأسباب التي بنى عليها نص في المادة 311 على أن المحكمة يجب عليها أن تفصل في الطلبات التي تقدم لها من الخصوم وتبين الأسباب التي تستند إليها .
ولا شك أن استلزام التسبيب هو من الضمانات الجوهرية اللازمة لتدعيم الثقة في القضاء من ناحية ، وتيسير الرقابة على الأحكام من ناحية أخرى .
ولكى تكون أسباب الحكم صحيحة قانونا لابد من توافر شروط معينة فيها هى:
1- أن تشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها: بيان الواقعة مقتضاه بيان توافر أركان الجريمة التي عوقب عنها المتهم بيانا كافيا من فعل مادي وقصد جنائي ونتيجة معينة ، فينبغي أن تستفاد من الحكم ماهية الفعل والأفعال المادية التي حدثت من المتهم مقل فعل إزهاق الروح في جريمة القتل ، والخطأ في هذا البيان أو قصوره يرتب البطلان وتستوجب نقض الحكم لأنه يحول دون أن تتمكن محكمة النقض من مراقبة محكمة الموضوع في شأن توافر الركن الذي يتطلبه القانون ، وذلك بشرط توافر مصلحة الطاعن مما ينعاه على الحكم من خطأ و قصور .
2- أن يرد بها الإشارة الى النص القانوني الذي حكم بموجبه : فقد أشارت المادة 310 إجراءات على أن حكم الإدانة يجب أن يشير الى نص القانون الذي حكم بموجبه …. فإغفال الإشارة كلية الى النص المنطبق على الواقعة يقتضي بطلان الحكم الصادر بالإدانة ، وتتعلق مصلحة الطاعن بهذا البطلان ، ولكن لا يعيب الحكم إغفال نص القانون عند إثبات المحكمة أنها أطلقت على المواد التي طلبت النيابة العامة تطبيقها .
3- أن تكون الأدلة المؤدية الى المنطوق واضحة ومستساغة عقلا ومنطقا : يجب أن يراعى في سرد الأدلة والاستدلال بها إتباع ضوابط معينة بحيث إذ أغفل الحكم المطعون فيه إحداهما اعتبر خاليا من بيان الدليل على صحة النتيجة التي انتهى إليها في منطوقه وبالتالي معيبا بما يستوجب نقضه ، بشرط توافر المصلحة في الطعن ، وهذه الضوابط يمكن إجمالها فيما يلي :
1. أن يكون التدليل بأدلة لها أصل صحيح من الأوراق .
2. أن تكون الأدلة وليدة إجراءات صحيحة .
3. أن يذكر الحكم مؤداها .
4. أن تصلح لأن تكون للوقائع المختلفة عناصر إثبات أو نفى سائغة .
5. ألا يقع في بيانها غموض ولا إبهام .
6. ألا يقع فيه تضارب أو تناقض .
والأصل هو أن كل خطأ في التدليل يفتح بابا الطعن لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة مترابطة يشد بعضها بعضا ، بحيث إذا استبعد إحداها تعذر التعرف على أثر الدليل الباطل في عقيدة المحكمة ، فوجب نقض الحكم برمته .
4- أن تتضمن أسباب الحكم الرد على الدفوع والطلبات : وهذه الشروط جميعها لازمة في حالة الحكم بالإدانة . أما إذا كان الحكم صادرا بالبراءة فيكفي أن تتضمن الأسباب الأسانيد القانونية والموضوعية المؤدية عقلا ومنطقا الى ما انتهى إليه الحكم ، وأن تكون متضمنة الرد على ما دفع الخصوم وما تقدموا به من الطلبات للمحكمة .
ج- منطوق الحكم : –
هو ذلك الجزء الأخير من الحكم الذي يأتي في نهاية الأسباب متضمنا القرار الذي انتهت إليه المحكمة فاصلة به في الدعوى .
مشتملات المنطوق :
يجب أن يشتمل المنطوق على الفصل في جميع الطلبات المتعلقة بالدعوى سواء تعلقت بالدعوى الجنائية أم بالدعوى المدنية المرفوعة تبعا للدعوى الجنائية ، وسواء أكانت مقدمة من النيابة العامة أم قدمت من الخصوم الآخرين ، فقد أوجب المشرع في المادة 309 على كل حكم يصدر في موضوع الدعوى الجنائية أن يفصل في التعويضات التي يطلبها المدعى بالحقوق المدنية أو المتهم . كما أوجبت المادة 310 على المحكمة أن تفصل في الطلبات التي تقدم لها من الخصوم .
يشترط لصحة المنطوق الوارد بنسخة الحكم الأصلية :
1. أن يكون مطابقا لما نطق به القاضي في جلسة النطق بالحكم ، وعند التعارض يقع الحكم باطلا ، اللهم إلا إذا تعلق الأمر بخطأ مادي يمكن تصحيحه ويكون المعول عليه في هذه الحالة هو ما نطق به القاضي في جلسة النطق بالحكم .
2. ألا يكون المنطوق متعارضا أو متناقضا مع الأسباب التي تحمله ويترتب على التناقض بين الأسباب والمنطوق بطلان الحكم .
ويلاحظ أن خلو الحكم من المنطوق يبطل الحكم ولا يكمله في ذلك أى ورقة أخرى ولو كانت محضر الجلسات .
2 – الاشكال المتعلقة بالية أصدارة : –
أ – المداولة
المداولة هى الإجراء التالي لقفل باب المرافعة في الدعوى وبمقتضاه يتناول القضاة أعضاء المحكمة وقائع الدعوى بالمناقشة فيما بينهم من حيث الثبوت أو النفى وتبادل الآراء فيما يتعلق بتطبيق القانون عليها ، وأخيرا الانتهاء الى الحكم الذي يصدر فيها ، غير أن هناك شروطا يتعين توافرها في المداولة لتكون صحيحة ويكون بالتالي صحيحا الحكم الذي يصدر بناء عليها ، وهذه الشروط هى :
1. أن يكون القضاة الذين اشتركوا في المداولة قد باشروا جميعهم إجراءات الدعوى وسمعوا المرافعة فيها . فلا يجوز أن يشترك في المداولة قاضي لم يشترك إلا في بعض جلسات المرافعة ، وذلك أن أى تغيير في هيئة المحكمة قبل صدور الحكم يتعين معه إعادة فتح باب المرافعة ومباشرة جميع الإجراءات من جديد . فالقاعدة المقررة في صدور الأحكام أن القاضي الذي سمع المرافعة هو الذي يملك الفصل في الدعوى . غير أن هذه القاعدة لا تحول دون اشتراك القاضي في المداولة إذا كان تغيب عن بعض الجلسات التي لم تباشر فيها أى إجراءات تتعلق بالتحقيق النهائي كما لو كان التغيب مثلا في جلسة تم فيها تأجيل نظر الدعوى الى جلسة أخرى أو بوشر فيها إجراء لا يؤثر على تكوين عقيدة المحكمة بالنسبة للحكم في الدعوى كالسماح للخصوم بتقديم مذكرات أو انتداب أحد أعضاء المحكمة لتحقيق دليل معين وعرضه على المحكمة ، طالما أن الإجراء قد حققته المحكمة بعد ذلك بحضور الهيئة التي حضرت المداولة .
وإذا كانت المحكمة مشكلة من قاض واحد فيجب أن يكون هو الذي باشر جميع إجراءات التحقيق النهائي ، فلا يجوز أن يصدر القاضي حكمه بناء على تحقيقات أجريت بمعرفة قاضي آخر في جلسة سابقة ومع ذلك فإن هذه التحقيقات تعتبر من عناصر الدعوى ويجوز الاستناد الى الدليل المستمد منها في الحكم ، أو المقصود من إعادة الإجراءات هو تمكين الخصوم من مناقشتها وإبداء دفاعهم أمام القاضي الذي يصدر الحكم .
2- يجب أن تكون المداولة سرية سواء تمت في غرفة المداولة أم في قاعة الجلسة ومؤدى ذلك أنه لا يجوز أن يشترك في المداولة أحد خلاف القضاة الذين سمعوا المرافعة . كما لا يجوز أن تكون المداولة في حضور أحد من الخصوم أو النيابة العامة أو كتاب الجلسة أو أى شخص آخر حتى ولو لم تكن له أية صفة في الدعوى ، وإذا تخلف شرط السرية عن المداولة بطل الحكم الصادر بناء عليها . غير أن بطلان الحكم الصادر بناء على إفشاء سرية المداولة لا تكون إلا في الأحوال التي تفشي فيها السرية قبل النطق بالحكم . أما الإفشاء اللاحق للنطق بالحكم فيقف أثره فقط عند حد المساءلة الجنائية والتأديبية .
3- يجب أن تكون كافة أوراق الدعوى تحت بصر المحكمة أثناء المداولة . غير أن ذلك لا يمنع من صحة المداولة في حالة تخلف بعض الأوراق طالما أن الثابت هو سبق إطلاع هيئة المحكمة التي باشرت الدعوى على محتوى هذه الأوراق وعلمها بما تتضمنه ، ومن ناحية أخرى يجب أن تكون الأوراق التي تحت بصرها في المداولة قد حققت بمعرفتها في جلسة المرافعة أو تكون المحكمة قد مكنت الخصوم من الإطلاع عليها ، ولذلك تبطل المداولة التي تتم بناء على أوراق ضمت أو قبلت من المحكمة بعد قبل باب المرافعة ودون تمكين الخصوم من الإطلاع عليها .
4- يجب أن يكون صدور الحكم بناء على المداولة بأغلبية الآراء في حالة تعدد أعضاء المحكمة ، ويكون الحكم أولاً في المسائل العارضة المقدمة من الخصوم أو التي أبدتها المحكمة من تلقاء نفسها ، وبعد ذلك يحكم في موضوع الدعوى .
وإذا لم تتوافر الأغلبية وتشعبت الآراء الى أكثر من رأيين فالفريق الأقل عدداً أو الفريق الذي يضم أحدث القضاة يجب أن يتضمن لأحد الرأيين الصادرين من الأكثر عددا وذلك بعد أخذ الآراء مرة ثانية . (م169 مرافعات) .
5- يجب على محكمة الجنايات قبل أن تصدر حكمها بالإعدام أن تأخذ رأى مفتى الجمهورية ويجب إرسال أوراق القضية إليه ، وإذا لم يبد رأيه في ميعاد العشرة الأيام التالية لإرسال الأوراق إليه تحكم المحكمة في الدعوى (381/2) ويترتب على مخالفة هذا الإجراء بطلان الحكم سواء تمثلت هذه المخالفة في الحكم بالإعدام دون إرسال الأوراق أن تمثلت في الحكم به بعد إرسال الأوراق وقبل عشرة أيام إذا لم يكن المفتى قد أبدى رأيه .
والبطلان يترتب فقط على مخالفة الإجراء ، إنما لا يترتب على عدم ذكر رأى المفتى بأسباب الحكم أو على عدم الأخذ برأيه .
ويترتب على تخلف أى من الشروط السابقة بطلان المداولة ، وكذلك الحكم الصادر بناء عليها .
وقد قضى بأنه ” إذا كان الثابت بمحضر الجلسة والحكم المطعون فيه أن القاضي الذي كان من الهيئة التي نطقت بالحكم لم يكن من الهيئة التي سمعت المرافعة في الدعوى ، وكان لا يوجد للقاضي الذي سمع المرافعة ولم يحضر النطق بالحكم توقيع على مسودته يفيد اشتراكه في إصداره فإن هذا الحكم يكون باطلا ” (نقض 31/12/1945 مجموعة القواعد ج1 ، 504 رقم 75)
وهذا البطلان يتعلق بالنظام العام باعتبار أنه يتعلق بالقواعد المنظمة لسلطة الحكم في الدعوى ، ويترتب على ذلك أن المحكمة تقضي به ولو لم يدفع به الخصوم ويجوز إثارة الدفع به لأول مرة أمام محكمة النقض .
ب – النطق بالحكم : –
فصدور الحكم يستلزم النطق به ، فلا يعتبر قد صدر بالانتهاء من المداولة القانونية . إذ يلزم أن تنطق به المحكمة في جلسة علنية حتى ولو كانت الدعوى قد نظرت في جلسة سرية ، وهذا ما نصت عليه المادة 303 إجراءات . ويجب إثبات الحكم في محضر الجلسة ويوقع عليه رئيس المحكمة وكاتب الجلسة ، ويكون النطق بالحكم صحيحا حتى ولو لم يحضر الخصوم أو لم يعلنوا بتاريخ جلسة النطق بالحكم ، ومن ثم فإن صفة الحكم بكونه حضوريا أو غيابيا لا تتوقف على حضور الخصوم جلسة النطق به وإنما تتوقف كما رأينا على حضور جلسات المرافعة .
ولا يكفي للوجود القانوني للحكم أن ينطق به في جلسة علنية بعد مداولة قانونية بل يلزم أن تتوافر شروط أخرى تتعلق بالشكل الرسمي للحكم ، وهذه الشروط هى تحرير الحكم والتوقيع عليه في ميعاد معين .
أولاً : تحرير الحكم
متى صدر الحكم بالنطق به في جلسة علنية تعين تحريره بأسبابه كاملا وذلك في خلال ثمانية أيام من تاريخ صدوره كلما أمكن ذلك (312 إجراءات) ومعنى ذلك أن التأخير في التحرير عن هذا الميعاد لا يترتب عليه بطلان الحكم . إلا أن القانون رتب البطلان على عدم تحرير الحكم الإدانة بأسبابه في الميعاد الثلاثين يوما التالية لصدوره (م312/2) فلا يكفي إثبات الحكم بمحضر الجلسة وإنما يلوم تحرير النسخة الأصلية منه في خلال المدة السابقة وذلك تدعيما للثقة في القضاء حتى لا يوحى عدم التحرير في الموعد المذكور أن المحكمة قد أصدرت الحكم دون التداول الكامل للأسباب التي بنى عليها ، ويستثنى من البطلان الحكم بالبراءة .
غير أن استثناء حكم البراءة من البطلان لا ينصرف الى الحكم الصادر في الدعوى المدنية التابعة والذي يبطل بعدم تحريره وتوقيعه في الميعاد المذكور . (نقض 17/10/1976 س27 ، 171 ، 754 ) . (راجع فيما تقدم مأمون سلامة ص28 وما بعدها مرجع سابق)
ثانياً : التوقيع
تنص الفقرة الثانية من المادة 312 من قانون الإجراءات على أنه ” لا يجوز تأخر توقيع الحكم على الثمانية الأيام المقررة إلا لأسباب قوية ، وعلى كل حال يبطل الحكم إذا مضى ثلاثون يوما دون حصول التوقيع ، ما لم يكن صادرا بالبراءة ، وعلى قلم الكتاب أن يعطى صاحب الشأن بناء على طلبه شهادة بعدم توقيع الحكم في الميعاد المذكور ” .
ومفاد هذا النص أن إغفال التوقيع على الحكم في ظرف ثمانية أيام من وقت صدوره ، لا ينشأ منه بطلان ما ، لأن تحديد هذا الميعاد للتوقيع فيه قاعدة تنظيمية كما هو ظاهر وأما مضى ثلاثين يوما على الحكم دون توقيع عليه ، فسبب لبطلان الحكم بصريح النص وهو بطلان مطلق لتعلقه بالنظام العام . (رمسيس بهنام ، مرجع سابق ص352)
3 – بطلان الاجراء الجنائى بسبب الشكل الخارجى : –
قد يتوقف الإجراء الجنائي في صحته على وجوب استبعاد شكل خارجي قد يقضي تحققه الى تعييب الإجراء المعنى وتجريده من آثاره القانونية . فحلف اليمين من جانب المتهم هو شكل خارجي ينبغي استبعاده قبل إجراء استجوابه . فإذا تحقق هذا الشكل الخارجي رغم ذلك (حلف اليمين) صار الاستجواب معيبا وأمكن تقرير بطلانه . (سليمان عبد المنعم ، مرجع سابق ص260)
– الاسباب الموضوعية : –
سبق أن ذكرنا أن العمل الإجرائي عمل شكلي يشترط لصحته توافر شروط شكلية وشروط موضوعية وتناولنا الشروط الشكلية فيما سبق . يبقى لنا أن نتناول المقومات الموضوعية للعمل الإجرائي وهى الأطراف والمحل والسبب والتي يؤدي أى قصور أو خلل بها الى بطلان العمل الإجرائي .
أولا : أطراف الاجراء الجنائى : –
يقصد بأطراف الإجراء الجنائي أطراف الرابطة الإجرائية وقد يتسع نطاق الرابطة الإجرائية ليشتمل كل من يضطلع بدور ما في الإجراء الجنائي إما لأنه هو الذي يباشر الإجراء الجنائي كالقاضي والنيابة العامة والمحق ورجل الضبط القضائي وإما لأنه هو الذي يباشر في مواجهته الإجراء الجنائي كالمتهم ، وإما لأن هذا الإجراء يتعلق بهم فحسب كالكاتب والمحامي والشاهد . فالرابطة الإجرائية بمعناها الواسع لا تقوم دون هؤلاء مع اختلاف دور كل منهم . (سليمان عبد المنعم ص192 ، مرجع سابق)
– القاضي : يمكن رد أسباب البطلان المتعلقة بشخص القاضي الى ما يلي : انتفاء صفة القاضي كشخص إجرائي ، تخلف أو تعييب إرادة مباشرة العمل الإجرائي ، تجاوز حدود الاختصاص ، توافر أحد الموانع الإجرائية ، مخالفة قواعد تشكيل المحكمة .
– النيابة العامة : فالنيابة العامة طرف أصيل في الرابطة الإجرائية الناشئة عن الدعوى الجنائية ، فهى تمثل المجتمع في المطالبة بحق العقاب منذ اللحظة الأولى لتحريك الدعوى الجنائية.
ويؤدي عدم تمثيلها أمام المحكمة الى إخلال بصحة انعقاد المحاكمة ويبطل كل ما يتخذ من إجراءات في جلسات المحتكمة التي غابت عنها وبالتالي يبطل الحكم المتصور صدوره في ظل غياب النيابة العامة .
– مأمور الضبط : ويجب أن تتوافر فيه صفة الضبطية القضائية وأن يكون مختصا بمباشرة العمل الإجرائي .
واختصاص رجل الضبط نوعيا ومكانيا وتجاوزه لحدود اختصاصه النوعي أو المكاني يؤدي الى بطلان ما صدر عنه إلا أن هذا البطلان غير متعلق بالنظام العام ومن ثم لا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض .
– المتهم : المتهم هو المدعى عليه في الدعوى العمومية ، أى الشخص الذي تتهمه النيابة العامة بارتكاب الجرم وتطالب بإنزال العقاب به في مرحلة الاتهام / ثم تمثل المجتمع في جلسات المحاكمة وتطالب بتطبيق القانون في مواجهته .
المتهم ليس طرفا مجردا في الدعوى العمومية ، بل هو طرف معين ومعروف . فمبدأ شخصية العقوبة يبنى على مبدأ شخصية الإجراءات ، الذي يفترض بدوره مبدأ شخصية الدعوى العمومية ، والأصل أن تجرى المحاكمة في مواجهة المتهم الحقيقي الذي اتخذت الإجراءات قبله ، ولا يجوز الحكم على شخص آخر غير المتهم المقامة عليه الدعوى .
– البطلان الناشىء عن عدم توافر الاهلية الاجرائية للمتهم : –
ينبغي أن يتوافر في المتهم الأهلية الإجرائية ومناط الأهلية الإجرائية هى تمتع المتهم بالإمكانيات البدنية والملكات الذهنية وقت رفع الدعوى . فذلك ما يمكنه من متابعة وإدراك الإجراءات التي تتخذ في مواجهته ، وييسر له إبداء دفاعه ، ومشاركته في ما يعرض عليه من أدلة وعناصر . لكن لا يجوز رفع الدعوى في مواجهة الشخص الذي يفتقر لهذه الإمكانيات البدنية والملكات الذهنية , ولهذا لا تصير الدعوى العمومية مقبولة إذا رفعت ضد شخص كان وقت رفعها مصابا بعاهة عقلية طرأت عليه بعد ارتكابه الجريمة وأفقدته القدرة على الدفاع عن نفسه . كما يجب على المحكمة أن توقف سير الدعوى وتمتنع عن مباشرة إجراءات المحاكمة إذا أصيب المتهم بعاهة أثناء المحاكمة أفقدته عقله ، وتباشر إجراءات المحاكمة من جديد عقب استرداد المتهم لرشده .
فتنص المادة 339 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه ” إذا ثبت أن المتهم غير قادر على الدفاع عن نفسه بسبب عاهة في عقله طرأت بعد وقوع الجريمة يوقف رفع الدعوى عليه أو محاكمته حتى يعود إليه رشده ” .
– المدافع عن المتهم : يقوم المحامي أو المدافع عن المتهم بدور هام في فلك الرابطة الإجرائية ، ولابد أن تتوافر في هذا الشخص الصفات والشروط التي يتطلبها القانون ، ويترتب على ذلك أن تخلف أحد هذه الشروط أو انتفاء إحدى تلك الصفات يمكن أن يبطل العمل الإجرائي . (سليمات عبد المنعم ، مرجع سابق ص220)
كما أن عدم توقيع أسباب الطعن بالنقض المرفوع من المحكوم عليه من قبل محام مقبول أمام محكمة النقض يترتب عليه بطلان ما قد يتخذ من إجراءات ويكون مثل هذا الطعن في حالة تقديمه غير مقبول شكلا . (نقض جنائي 17/10/1985 مجموعة أحكام النقض س36 ق159 ص887)
– الكاتب : فوجود الكاتب أمر ضروري لصحة إجراءات التحقيق تارة ، ولصحة جلسة المحاكمة تارة أخرى .
فقد أوجب المشرع تدوين المحضر بواسطة كاتب وأفراد نصا يقرر مبدأ استصحاب كاتب لتدوين المحضر بالنسبة لكافة إجراءات التحقيق ، فتنص المادة 73 من قانون الإجراءات الجنائية المصري على أن ” يستصحب قاضي التحقيق في جميع إجراءاته كاتبا من كتاب المحكمة يوقع معه المحاضر ، وتحفظ هذه المحاضر مع الأوامر وباقي الأوراق في قلم كتاب المحكمة ، ولم ينص المشرع المصري صراحة على بطلان مخالفة هذه القاعدة على اعتبار أنه يقرر نظرية البطلان الذاتي التي يترتب البطلان وفقا لها على مخالفة كل قاعدة جوهرية .
كما نصت المادة 276 من قانون الإجراءات الجنائية المصري على وجوب تحرير محضر بما يجري في جلسة المحاكمة (م276/11 أ.ج) ويوقع كل صفحة منه رئيس المحكمة وكتابها في اليوم التالي على الأكثر (م276/2 أ.ج) .
ومؤدى إعمال النصوص السابقة أن إجراءات الجلسة التي تتخذ دون أن يتم تدوينها في محضر الجلة تعتبر منعدمة . (مأمون سلامة ، مرجع سابق ص38)
– الشاهد : فقد أحاط المشرع عملية أداء الشهادة بمجموعة من الضمانات والقيود لكى تثمر هذه الشهادة في استجلاء الحقيقة الواقعية في أمر الجرم المنسوب الى المتهم .
وبخلاف الضمانات والقيود التي ترد على عملية أداء الشهادة وتنظم مباشرتها والتي يترتب على مخالفتها أحيانا بطلان الشهادة ، فإن شخص الشاهد نفسه قد يؤثر على صحة أو بطلان الشهادة كعمل إجرائي كما يلي :
سن الشاهد : فقد حدد المشرع المصري في المادة 283 .أج سن الشهادة بأربع عشرة سنة . فيجوز الاستماع كشاهد لكل من بلغ هذه السن ، وكان سليم العقل بطبيعة الحال ، ويجب على الشاهد الذي بلغ الرابعة عشر عاما أن يحلف اليمين قبل أداء الشهادة ، ويجوز سماع الشهود الذين لم يبلغوا أربع عشرة سنة كاملة بدون حلف اليمين على سبيل الاستدلال .
ولا شك في وجوب تعييب الشهادة بما يقضي ببطلانها متى ثبت أن الشاهد قد حلف اليمين دون أن يبلغ سن الأهلية الإجرائية التي يحددها القانون ، وبالتالي يصير معيبا الحكم الصادر بالإدانة متى ثبت أنه مبنى على شهادة شاهد حلف اليمين دون السن المقررة . (سليمان عبد المنعم ، مرجع سابق)
الحياد : يجب أن يتمتع الشاهد بالحياد التام ، فلا تكون له مصلحة شخصية تتعارض مع شهادته ، أو أن تتعارض مع صفته في الدعوى أو مع صفة الشاهد.
وعن التعارض بين المصالح نص القانون المصري على أنه يجوز أن يمتنع عن أداء الشهادة ضد المتهم أصوله وفروعه وأقاربه وأصهاره الى الدرجة الثانية وزوجته ولو بعد انقضاء رابطة الزوجية ، ذلك ما لم تكن الجريمة قد وقعت على الشاهد أو على أقاربه أو أصهاره الأقربين ، أو إذا كان هو المبلغ عنها أو إذا لم تكن هناك أدلة إثبات أخرى (م286 إجراءات) وتسري أيضا القواعد المقررة في قانون المرافعات لمنع الشاهد من أداء لشهادة أو لإعفائه من أدائها (م287 إجراءات) وقد نصت المادة 65 من قانون الإثبات على أن ” الموظفون والمكلفون بخدمة عامة لا يشهدون ولو بعد تركهم العمل عما يكون قد وصل الى عملهم في أثناء قيامهم به من معلومات لم تنشر بالطريق القانوني ولم تأذن السلطة المختصة في إذاعتها ، ومع ذلك فلهذه السلطة أن تأذن لهم الشهادة بناء على طلب المحكمة أو أحد الخصوم ” ، كما نصت المادة 66 من هذا القانون على أنه ” لا يجوز لمن علم من المحامين أو الوكلاء أو الأطباء أو غيرهم عن طريق مهنتهم أو صنعته بواقعة أو معلومات أو يفشيها ولو بعد انتهاء خدمته أو زوال صفته ، ما لم يكن ذكرها له مقصودا به ارتكاب جناية أو جنحة ، ومع ذلك يجب على الأشخاص المذكورين أن يؤدوا الشهادة عن تلك الواقعة أو المعلومات متى طلب منهم ذلك ممن أسرها إليهم على ألا يخل ذلك بأحكام القوانين الخاصة بهم .(مدحت عبد العزيز ، قانونا الإجراءات الجنائية ص167)
قدرة الشاهدة الذهنية : فيجب أن يراعي القاضي العوامل الشخصية اليت في قدراته الذهنية وبالتالي تؤثر في قيمة الشهادة ، وتتمثل هذه العوامل أساس في خلق الشاهد وحسن سيرته وسنه ، ومدى تعرضه للكذب المرضي أو ضعف الذاكرة ، وما لديه من مصلحة شخصية أو عاطفية أو ميل لأحد الخصوم ، فضلا عن العوامل العقلية المؤثرة في إظهار الحقيقة وتتوافر هذه العوامل بوجه خاص في الأطفال والنساء والشيوخ والمريض وقت الاحتضار .
وقد أجازت المادة 82 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية التي أحالت إليها المادة 287 من قانون الإجراءات الجنائية ، رد الشاهد إذا كان غير قادر على التمييز لهرم أو حداثة أو مرض أو لأى سبب آخر بما مقتضاه أنه يتعين على محكمة الموضوع إن هى رأت الأخذ بشهادة شاهد قامت منازعة جدية حول قدرته على التمييز أن تحقيق هذه المنازعة بلوغا الى غاية ، الأمر فيها للاستيثاق من قدرة هذا الشاهد على تحمل الشهادة أو ترد عليها بما يفندها . (مدحت عبد العزيز ، مرجع سابق ص174)
الخبير : والخبير حكم محايد يبدي رأيه الموضوعي في مسألة فنية ، وبالتالي ينبغي لضمان حياديته ألا يكون سبق له إبداء رأى في موضوع مسألة الخبرة المعروضة عليه ، ومخالفة ذلك تعني المساس بفكرة حقوق الدفاع من ناحية ، كما تعنى الإخلال بمبدأ حظر جمع الشخص بين صفتين متعارضتين في أمر الدعوى الجنائية .
وينبغي أن يحلق الخبير اليمين ، وإلا ترتب على مخالفة ذلك البطلان ، ويلاحظ أنه منذ صدور قانون 6 أغسطس 1975 في فرنسا (م802 أ.ج فرنسي) أصبح بطلان الخبرة لعدم أداء الخبير اليمين مشروطا بالإخلال بحقوق الدفاع .
المترجم : يتعين عليه حلف اليمين قبل أدائه للترجمة ، وهذا إجراء جوهري يترتب على مخالفاه بطلان الإجراءات اللاحقة عليه .
ومؤدى ما يجب توافره في شخص المترجم من حيادية وموضوعية ألا يجوز اختياره من بين أعضاء المحكمة أو كتابها ، ولا من بين الشهود أو أطراف الدعوى الجنائية ، ويظل هذا الحظر قائما بصرف النظر عن رضاء المتهم .
ولا يجوز بالتالي أن يضطلع بعمل الترجمة في الدعوى أحد الشهود فيها سواء كان من الشهود الذين تم إعلانهم بمقتضى قائمة إعلان الشهود ، أو كان من بين الذين سمعت شهادتهم استعمالا لسلطة المحكمة التقديرية .
ولكن لا بطلان يترتب على انتداب مترجم سبق إعلانه كشاهد لكنه لم يؤد الشهادة لعدول الأطراف عن سماع شهادته متى كان مستوفيا لباقي الشروط الأخرى التي يستوجبها القانون .
المدعى والمسئول بالحق المدني : والمسئول المدني هو الشخص المكلف بحكم الاتفاق أو بحكم القانون بالإشراف والرقابة على المتهم بسبب صغر سنه أو سبب حالته الجسمية أو العقلية ، وإما بسبب علاقة التبعية التي تربط المتهم به .
ويجوز له أن يتدخل كطرف منضم باختياره ، كما يحق للنيابة العامة أن تدخله للحكم عليه بالمصاريف المستحقة للحكومة ولو لم يكن في الدعوى مدع بحقوق مدنية. (م253/2 أ.ج)
ثانيآ : المحل : –
من مقومات الإجراء الجنائي أن يكون له محل يرد عليه ، أو موضوع يشكل مضمونه ، وبصرف النظر عن الجدل الفقهي الدائر حول مدى صواب القول بمحل أو موضوع الإجراء الجنائي ، فالثابت أن لهذا الأخير مضموما إجرائيا معينا يسنهدفه القانون ، ويرتب عليه آثاره القانونية ، وبالتالي يستوي القول – فيما يبدو لما – بمحل أو بموضوع الإجراء الجنائي متى كان واضحا أن الأمر لا يعدو في الحالتين أن يعبر عن المضمون الإجرائي للعمل سواء تمثل في صورة واقعة كالقبض أو التفتيش أو المعاينة ، أو في صورة تصرف ما كتحريك الدعوى ، أو إحالتها أمام المحكمة ، أو الحكم الصادر ، أو الطعن فيه أو تعلق بشخص ما كالشاهد أو المحكوم عليه ، لكن المتهم أن يأتي هذا المضمون الإجرائي متوافرا على شرطين أساسيين :-
أولهما : أن يكون موضوع العمل الإجرائي محددا ، ثانيهما : أن يكون مطابقا لأحكام القانون .
وتخلف أى من هذين الشرطين يؤدي الى بطلات العمل الإجرائي .
– التجهيل الناشئ عن تجهيل الموضوع الاجراء الجنائى : –
موضوع العمل الإجرائي قد يلحقه البطلان لكونه مجهلا أى غير محدد ، ولا قابلا للتحديد ، ويتضح ذلك – حسبما يستخلص من أحكام محكمة النقض في مجالات عدة كالقبض والتفتيش والندب وغيرها .
– البطلان الناشئ عن عدم مطابقة الموضوع لاحكام القانون : –
هذه المخالفة لا تقتصر فحسب على أحكام قانون الإجراءات الجنائية ، بل تشمل أيضا أحكام قانون العقوبات الموضوعي ، بل وقد تمتد لأحكام بعض الفروع القانونية الأخرى كالقانون الدولي العام .
ومثال مخالفة الموضوع لأحكام القانون الأمر سماع شاهد ممنوع عليه أداء الشهادة والطعن في حكم لا يجوز الطعن فيه .
ثالثآ : السبب : –
وسبب العمل الإجرائي هو في أبسط تعريف له المبرر القانوني لاتخاذه ، وهو ما يفترض سندا قانونيا ما يفضى على العمل مشروعيته الإجرائية على نحو معيب هذا العمل ويبطله إذا تخلف سببه .
وثمة ملاحظتان في خصوص فكرة سبب العمل الإجرائي أولهما : اختلاط هذه الفكرة مع فكرة أركان العمل الإجرائي أو شروطه ، لكن يظل السبب هو المبرر أو السند القانوني الذي أوجب المشرع توافره لاكتمال الإجراء وتأكيد صحته ، ثانيهما: تباين الجزاء المترتب على تخلف سبب العمل الإجرائي ، فقد يتمثل هذا الجزاء غالبا في البطلان ، لكنه قد يأخذ أحيانا صورة عدم القبول أو السقوط ، لكن في كافة الأحوال يظل العمل الإجرائي معيبا لعدم اكتمال مقوماته .
وقد ينشأ البطلان المتعلق بسبب العمل الإجرائي من مباشرة بعض إجراءات وأوامر التحقيق أو من مباشرة إجراءات المحاكمة كالبطلان الناشئ عن تخلف سبب التفتيش : وتقرر المادة 46/1 من قانون الإجراءات الجنائية المصري أنه في الأحوال التي يجوز القبض قانونا على المتهم يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يفتشه .
وهكذا يتمثل سبب تفتيش الشخص في توافر حالة تلبس تبرر القبض عليه وتفتيشه ، وصدور أمر أو إذن بذلك من سلطة التحقيق . أما تفتيش المنازل ، فقد أصبح منذ صدور حكم المحكمة الدستورية العليا في 2 يونيو 1984 منوطا بصدور إذن قضائي مسبب ، ولم يعد جائزا تفتيش المنازل استنادا الى محضر توافر حالة التلبس .
وهكذا وضعت المحكمة الدستورية العليا حدا لما ثار من خلاف حول مدى دستورية نص المادة 47 من قانون الإجراءات الجنائية التي كانت تجيز تفتيش منزل المتهم في حالة التلبس بالمخالفة لما ينص عليه الدستور من أن المنازل حرمة فلا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب ، ولهذا تعطل حكم نص المادة 47 أ .ج.
ويبطل تفتيش الشخص متى انتفى المبرر القانوني لهذا التفتيش . فغلا يجوز لرجل الضبط أن يقوم بتفتيش شخص لم تتوافر في حقه إحدى حالات التلبس ، ولم يكن قد صدر إذن بتفتيشه من سلطة التحقيق .
وأيضا كالبطلان الناشئ عن تخلف سبب الأحكام الجنائية : وهناك فرق بين تسبيب الحكم وسببه فتسبيب الحكم يعني أن يشتمل هذا الأخير على مجموعة بيانات معينة تمثل ضمانا لا غنى عنه لحسن سير العدالة نحو يكفل الرقابة على هذا الحكم والاطمئنان إليه ، والتسبيب من هذا المنظور الواسع يعبر عن مجمل أسباب الحكم التي هى بدورها مجموعة الأسانيد والحجج الواقعية والقانونية التي أفضت الى منطوق الحكم . أما السبب فهو يمثل السند القانوني للحكم بالعقوبة ، وهو ما يعني على وجه التحديد من ناحية بيان الواقعة التي تثبت ارتكاب المتهم لها ، وتحققت مسئوليته عنها ، ومن ناحية أخرى ذكر نص القانون أو التكييف القانوني الذي يجرم هذه الواقعة ويعاقب عليها .
ويمكن تلمس الفارق بين تسبيب الحكم وبين سببه في طبيعة كل منهما ومضمونه ففيما يتعلق بطبيعة كل منهما يمثل تسبيب الحكم ضمانة لصحته ، وبالتالي الاطمئنان إليه وإعمال الرقابة عليه ، ويبدو التسبيب من هذه الناحية أقرب ما يكون الى الشروط الشكلية اللازمة لصحة الحكم . بينما يعتبر سبب الحكم أحد مقوماته التي لا يقوم بدونها ، وهو بالتالي شرط موضوعي لازم ليس فحسب لصحة الحكم بل الى ابتنائه ووجوده أصلا . فليس من حكم ذلك الذي لا يبين منه الواقعة التي تثبت إسنادها الى المتهم ، أو وصفها القانوني وهو ما يمكن استخلاصه من نص القانون وفيما يتعلق بمضمون كل منهما فالتسبيب يستوعب السبب ، إذ هو يمثل مجمل الأسانيد والحجج التي أفضت في النهاية الى منطوق الحكم بما في ذلك الواقعة ووصفها القانوني ، ويترتب على عدم تسبيب الحكم بطلانه بينما يقضي تخلف سبب الحكم الى انعدامه . (راجف فيما تقدم سليمان عبد المنعم ، مرجع سابق ص340 وما بعدها)
** التمسك بالبطلان : –
– شروط التمسك بالبطلان : –
يشترط لصحة التمسك بالبطلان ما يلي :-
(1) المصلحة في التمسك بالبطلان :
القاعدة أن السلطة أو الحق في التمسك بالبطلان لا تنشأ إلا لمن له مصلحة في تقريره ، والقاعدة أنه لا يقبل أى طلب أو دفع لا يكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقررها القانون ، ولا يشترط في المصلحة أن تكون محققة ، بل يكفي مجرد احتمال الفائدة . (عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)
ويقصد بالمصلحة هنا الفائدة الشخصية التي تعود على المتمسك بالبطلان سواء بطريق مباشر أو غير مباشر .
والمصلحة تتكون من عنصرين :
1- أن يكون البطلان مترتبا على مخالفة قاعدة إجرائية مقررة لمصلحة من يتمسك بالبطلان .
2- أن يترتب على تقرير البطلان فائدة شخصية .
وقد قضت محكمة النقض بأنه ” لا وجه للمتهم في أن يتمسك ببطلان الإجراءات التي تمت في حق غيره من المتهمين ” (نقض 2/3/1954 مجموعة الأحكام س5 ص405 رقم 134)
وفي البطلان النسبي يفصل بين مبدأ البطلان في ذاته وبين شرط المصلحة في الدفع به ، فبطلان الإجراء شيء ، وأن المصلحة في الدفع به شيء آخر ، فهى تبحث شروط المصلحة في الدفع قبل صحة الدفع موضوعا ، فإذا انتفت المصلحة قضت بألا جدوى من الطعن ، بغير حاجة للتعرض لموضوع البطلان إن كان ثمة بطلان قد وقع .
وإذا كانت صفة البطلان في ذاتها تستقل عن شرط المصلحة في الدفع به ، إلا أن ذلك لا ينفي وجود روابط مع ذلك بين الأمرين في الطعن بالنقض ، كتلك الروابط القائمة بين المصلحة في الطعن وبين كثير من الأسباب الأخرى اللازمة للفصل فيه والمستمدة من البطلان في الحكم أو في الإجراءات . (عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)
(2) ألا يكون المتمسك بالبطلان سبباً في حصوله :
فيشترط ألا يكون المتمسك بالبطلان قد تسبب أو ساهم في وقوعه ، ويستوي في ذلك أن تكون مساهمته عن قصد أو كانت بإهماله .
كما يستوي في ذلك أن يكون المتسبب هو الخصم ذاته أو بواسطة مدافع عنه ، ومثال ذلك لا يجوز للمتهم أن يدفع ببطلان إعلانه بمحل إقامته إذا كان هو قد أعطى بيانا غير صحيح عن هذا العنوان . (عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)
(3) ألا تكون الغاية من الإجراء الباطل قد تحققت :
فيشترط للتمسك بالبطلان ألا تكون الغاية تحققت من الإجراء الباطل لأن يتحقق الغاية يصح البطلان .
** أحكام نقض بشأن التمسك بالبطلان الاجرائى : –
-لا صفة لغير من وقع في حقه إجراء ما أن يدفع ببطلانه ولو كان يستفيد منه لأن تحقق المصلحة في الدفع لاحق لوجود الصفة فيه ، ومن ثم فإنه ليس للطاعن أن يثير الدفع ببطلان ما أثبته مأمور الضبط القضائي من أقوال المتهمات في الدعوى.
(نقض 11/12/1972 مجموعة القواعد القانونية ص23 ص1367 ، نقض 4/10/1983 مجموعة القواعد القانونية س34 ص157)
-عدم جواز تمسك المتهم ببطلان إجراءات المحاكمة إذا كان سبب البطلان غير متعلق به بل بغيره .
(جلسة 16/2/1942 طعن رقم 706 سنة 12ق)
-أن ما يثيره الطاعن من خلو محاضر جلسات محكمة ثاني درجة من إثبات حضور المدعى بالحقوق المدنية ، مردود بأنه مادام هذا الإجراء يتعلق بغيره ، فإنه لا يجوز له الطعن ببطلان ذلك الإجراء إذ أن الطعن بالنقض لبطلان الإجراءات التي بنى عليها الحكم لا يقبل ممن لا شأن له بهذا البطلان .
(الطعن رقم 651 لسنة 47ق جلسة 7/11/1977 س28 ص921)
-جرى قضاء محكمة النقض أنه يجب على الطاعن لكى يكون له التمسك ببطلان الحكم لعدم توقيعه في الميعاد القانوني المنصوص عليه في المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية أن يحصل من قلم الكتاب على شهادة دالة على أن الحكم لم يكن إلى وقت تحريرها قد أودع ملف الدعوى موقعا عليه على الرغم من انقضاء ذلك الميعاد – ولما كان المستفاد مما هو مثبت بالشهادة – المقدمة من محامي الطاعن مع تقرير أسباب الطعن – أن مسودة الحكم وحدها هى التي أودعت في الميعاد وأن الحكم ذاته موقع عليه من رئيس الجلسة والكتاب لم يودع ملف الدعوى إلى وقت تحريرها ، وإذ ما كان الحاصل أنه حتى هذا التاريخ كان قد مضى أكثر من ثلاثين يوما على صدور الحكم فقد ران عليه البطلان المنصوص عليه في المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية ويتعين لذلك نقضه .
(الطعن رقم 146 لسنة 35ق جلسة 17/5/1965 س16 ص479)
-للنيابة مثل المتهم والمدعى بالحق المدني حق على العموم في التمسك بأوجه البطلان المتعلقة بالنظام العام سواء كان الحكم بالبراءة أو بالعقوبة لأن الشارع وضع نصا عاما ولكن وجود المدافع وضع في القانون إلا أن لا يصر بأى وده من الوجوه النيابة العمومية التي ليس لها بناء على ذلك أى فائدة من التمسك به . (جلسة 30/1/1904 المجموعة الرسمية ص5 ق97)
** وسيلة التمسك بالبطلان : –
أولا : الدفع بالبطلان : –
-الدفع بالبطلان أثناء التحقيق :
إذا وقع البطلان أثناء التحقيق سواء في الإجراءات التي يباشرها المحقق من تلقاء نفسه أو بناء على انتداب منه ، فلا يملك أن يفصل فيه ، بل يكون الاختصاص منعقدا لمحكمة أعلى منه درجة ، لأن القاضي لا يفصل في الدفوع والطلبات المتعلقة بالإجراءات التي باشرها هو ، بل يتعين أن تكون الدفوع الموجهة إليه تتعلق بإجراءات غير التي باشرها هو ، إلا أن النيابة متى شعر المحقق أن أحد إجراءات التحقيق قد أصابه البطلان فإنه يعمد الى تفادي إهدار الدليل المستمد منه والذي قد يضيع إذا طال أمد الخصومة ، وذلك بإعادة الإجراء على الوجه الصحيح .
أما الدفوع الأخرى بالبطلان فيجوز التمسك بها أمامه ، وهى التي تتعلق بالبطلان الذي تم قبل افتتاح التحقيق في الإجراءات التي باشرها مأمور الضبط القضائي بدون انتداب منه .
(عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)
وعلى ذلك فللنيابة العامة أن تصدر قراراً ببطلان القبض والتفتيش الذي قام به مأمور الضبط القضائي بناء على حالة تلبس .
وإذا شاب البطلان أحد إجراءات التحقيق الابتدائي ذاتها ، فلقد خول القانون للنائب العام سلطة إلغاء الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية الصادر من النيابة العامة في مدى ثلاثة شهور تالية لصدوره ، وهى سلطة غير مقيدة .
-الدفع بالبطلان أثناء المحاكمة :
إذا دخلت الدعوى الجنائية في حوزة المحكمة كان الخصوم أن يبدو أمامها ما يعن لهم من الدفوع ببطلان إجراءات التحقيق بغية التوصل الى إهدار الدليل المستمد منها ومحكمة الموضوع حينما تقرر بطلان إجراءات التحقيق إنما تغفل ذلك في حدود سلطتها في تكوين عقيدتها بناء على أدلة صحيحة في القانون .
ولا تلزم المحكمة بالرد على الدفع ببطلان إجراء التحقيق إلا إذا أرادت الاعتماد في قضائها على الدليل المستمد منه وهى في غير هذه الحالة غير مكلفة بالرد عليه طالما أنها اتسقت دليلها من إجراءات أخرى صحيحة ، ولا يؤثر بطلان التحقيق على دخول الدعوى الجنائية حوزة المحكمة ، فالقانون يعطى المحكمة المرفوع إليها الدعوى بتكليف الحضور سلطة الأمر بتصحيح هذا التكليف بعد أن تبينت بطلانه ، ويتم التصحيح بحضور المتهم .
ويلاحظ إذا تم رفع الدعوى الجنائية بطريق الإحالة يكون قرار الإحالة الصادر من قاضي التحقيق نهائيا بالنسبة الى جميع الخصوم والنيابة وحدها هى التي يجوز لها استئناف هذا القرار طبقا لنص المادة 164 من قانون الإجراءات الجنائية .
ومتى أصبح أمر الإحالة نهائيا سواء لأن الخصم لا يملك الطعن فيه أو لأن النيابة طعنت فيه ورفض طعنها فإنه لا يجوز لمحكمة الموضوع أن تتعرض للدفع ببطلان هذا الأمر بالقبول أيا كان سبب البطلان وذلك لأن منطق بطلان هذا الأمر يؤدي الى إحالة الدعوى الى سلطة التحقيق بعد دخولها حوزة المحكمة بقرار نهائي . (توفيق الشادي ، مرجع سابق ص448 رقم 288)
ثانيآ : الطعن فى الاحكام : –
إذا شاب البطلان الحكم سواء بعيب في ذاته أو في الإجراءات التي يبنى عليها ، فإنه لا سبيل الى معالجة هذا البطلان إلا بطريق الطعن المقررة في القانون ، وتنقسم طرق الطعن الى قسمين : طريقان يراد بهما إعادة النظر في الخصومة أمام المحكمة وهما المعارضة والاستئناف ، وفيهما تنقل الخصومة برمتها الى المحكمة وللخصوم أن يتمسكوا أمام محكمة الدرجة الثانية ببطلان الإجراءات التي بنى عليها الحكم المطعون فيه .
أما الطريقان الآخران فهما طريقين غير عاديين وهما النقض وإعادة النظر ، ويجوز الطعن بطريق النقض لبطلان في الحكم في ذاته أو بطلان في الإجراءات ، إذا كان البطلان متعلقا بالنظام العام ، ولا يجوز التمسك بالبطلان المتعلقة بمصلحة الخصوم لأول مرة أمام محكمة النقض ، ويشترط في كل الحالات ألا يستلزم إثبات البطلان تحقيقا موضوعا ، ولمحكمة النقض أن تنقض الحكم المنعدم ولو لم يتمسك الطاعن بذلك .
أما إعادة النظر ، فقد نظم المشرع حالاته في المادة 441 أ.ج وليس من بينها حالة تتعلق ببطلان الحكم ، ومن ثم فلا يجوز اللجوء الى هذا الطريق للتوصل الى بطلان الحكم .
(عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)