You cannot copy content of this page
البينة على من يدعي خلاف الأصل
البينة على من ادعى في القانون المصري – مبدأ البينة على من ادعى – عجز المدعي عن إثبات دعواه – على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدين إثبات التخلص منه – على المدعي إثبات دعواه – الوقائع المنتجة في الدعوى – الأحكام العامة في الإثبات – المادة الأولى من قانون الإثبات
– ولكن قاعدة “البينة على من أدعى، واليمين على من أنكر” تحول بساطتها دون مواجهة الصعوبات التي تعرض في العمل. فقد يقع أن المدعي، حتى في الدعوى التي رفعها، لا يُكلف بالإثبات، بل يُكلف خصمه وفقاً لطبيعة وضع كل منهما.
فمن رفع دعوى على جاره يطالبه بسد المطل، لا يُكلف – وهو المدعي في الدعوى – بإثبات أن جاره فتح المطل دون أن يكون له حق ارتفاق، بل الجار – وهو المدعى عليه – هو الذي يثبت أن له حق ارتفاق، يجيز فتح المطل. ففي هذا المثال يقع عبء الإثبات على المدعى عليه لا على المدعي. لأن طبيعة الوضع تقضي بخلو العقار من حقوق الارتفاق حتى يثبت ذو المصلحة عكس ذلك.
وكذلك فمن يرفع دعوى على خصمه يطلب الحكم لها فيها ببراءة ذمته من دين أو التزام يطالبه به خصمه، فالمدعي في دعوى براءة الذمة لا يُكلف بإثبات براءة ذمته، بل على خصمه المدعى عليه أن يثبت أن ذمة المدعي مشغولة بدين له لم يف به. لأن طبيعة الوضع تقضي بأن الأصل هو براءة الذمة وانشغالها عارض، وعلى من يدعي خلاف الثابت أصلاً إثبات ما يدعيه من انشغال الذمة.
ومن ثم، فإن القول بأن المدعي هو الذي يحمل عبء الإثبات لا يستقيم في جميع الفروض، فوجب إذن البحث عن قاعدة تكون أكثر انضباطاً. وقد وضعت قاعدة في هذا الصدد من شقين، تستجيب لطبائع الأشياء. فقيل إن: “من يتمسك بالثابت أصلاً لا يُكلف بإثباته، أما من يدعي خلاف الأصل فعليه هو يقع عبء إثبات ما يدعيه”. ذلك أن من يتمسك بالثابت أصلاً، وإن كان من الجائز ألا يكون عل حق من ناحية الواقع والعدالة، إلا أنه من ناحية القانون – ومن أجل استقرار التعامل – يجب أن يحمى، فيترك على الأصل دون أن يتكلف عناء أي إثبات. هذا هو الشق الأول من القاعدة. أما من يدعي خلاف الأصل، فهو يستحدث جديداً لا تدعمه قرينة “بقاء الأصل على أصله”، فعليه أن يثبت هذا الجديد حتى يتمتع بحماية القانون. وهذا هو الشق الثاني.
وهنا نرى الفقه الإسلامي يستجيب لهذا المبدأ. فمن قواعده المقررة أن: “الأصل براءة الذمة”، وأن “الحادث يضاف إلى أقرب أوقاته”، وأن “الأصل بقاء ما كان على ما كان”، وأن “الأصل في الصفات العارضة العدم”، وأن “ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد دليل على خلافه”، وأن “المنكر هو من يتمسك ببقاء الأصل”.
وقد قضت محكمة النقض المصرية – في هذا الصدد – بأن: “المقرر – في قضاء محكمة النقض – أنه إذا أدعى المنكر في الدعوى خلاف الظاهر فيها، يقع عليه عبء إثبات ما يخالفه، سواء كان مدعي أصلاً في الدعوى أم مدعى عليه فيها”.
(نقض مدني في الطعن رقم 1808 لسنة 50 قضائية – جلسة 3/6/1987 مجموعة المكتب الفني – السنة 38 – ع2 – صـ 759).
وقد تواترت أحكام محكمة النقض المصرية على أنه: “تنص المادة الأولى من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 على أنه على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدين إثبات التخلص منه، فالأصل هو براءة الذمة وانشغالها عارض ويقع عبء الإثبات على عاتق من يدعى خلاف الثابت أصلاً مدعياً كان أو مدعى عليه”.
(نقض مدني في الطعن رقم 916 لسنة 48 قضائية – جلسة 26/12/1983 مجموعة المكتب الفني – السنة 34 – الجزء الثاني – صـ 1098 – فقرة 3).
كما قضت محكمة النقض المصرية بأن:- “مؤدى نص المادة 172 / 1 من القانون المدني أن المشرع استحدث في نطاق المسئولية التقصيرية تقادماً قصيراً يقضى بسقوط دعوى التعويض الناشئة عن عمل غير مشروع بانقضاء ثلاث سنوات وجعل من شروط هذا التقادم أن يبدأ سريان مدته من اليوم الذي يعلم فيه المضرور بالضرر الحادث ويقف على شخص من أحدثه فإذا لم يعلم بالضرر الحادث أو يقف على شخص من أحدثه، فلا يبدأ سريان هذا التقادم القصير، ولم يرد في النص المذكور ذكر تاريخ وقوع الحادث ولا ما يفيد افتراض علم المضرور بالضرر الحادث والوقوف على شخص محدثه من هذا التاريخ، والأصل عدم العلم، وقد ادعى الطاعنان في الدفع المبدى منهما بسقوط الدعوى بالتقادم علم المطعون ضدهما بالضرر الحادث وبشخص من أحدثه قبل رفع الدعوى بثلاث سنوات، فيكون عليهم عبء إثبات ذلك، إذ أن المشرع عنى بتحديد من يقع عليه عبء الإثبات مستهدياً في ذلك بالمبدأ العام في الشريعة الإسلامية والذي يقضى بأن البينة على من ادعى و اليمين على من أنكر، والمراد بمن أدعى ليس من رفع الدعوى بل كل خصم يدعى على خصمه أمراً على خلاف الظاهر، سواء كان مدعياً في الدعوى أو مدعى عليه”.
(نقض مدني في الطعن رقم 392 لسنة 52 قضائية – جلسة 23/1/1983 مجموعة المكتب الفني – السنة 34 – صـ 282 – الفقرة 2).
ومن المقرر في قضاء محكمة النقض المصرية أن:- “النص في المادة الثانية من اللائحة الجمركية على أنه يجوز فيما وراء حدود دائرة المراقبة الجمركية نقل البضائع بحرية وذلك فيما عدا الاستثناءات الواردة بها. ومن مقتضى هذا النص أن يكون الأصل فى البضائع الموجودة فيما وراء حدود هذه الدائرة أنها تعتبر خالصة الرسوم الجمركية وأن يكون مدعى خلاف هذا الأصل هو المكلف قانوناً بإثباته”. (نقض مدني في الطعن رقم 58 لسنة 19 قضائية – جلسة 22/2/1951 مجموعة المكتب الفني – السنة 2 – صـ 366 – فقرة 1).
ومن المقرر في قضاء محكمة النقض أن: “المدعى ملزم بإقامة الدليل على ما يدعيه سواء أكان مدعى أصلاً فى الدعوى أم مدعى عليه فيها. ولئن كانت الطاعنة مدعى عليها فى الدعوى إلا أنها تعتبر فى منزلة المدعي بالنسبة للدفع المبدى منها بعدم اختصاص المحكمة محلياً بنظر الدعوى وتكون مكلفة قانوناً بإثبات ما تدعيه لأنها إنما تدعى خلاف الظاهر وهو ما أثبت فى صحيفة افتتاح الدعوى من أن إعلانها قد تم بمحل إقامتها المحدد فى القاهرة”.
(نقض مدني في الطعن رقم 38 لسنة 45 قضائية – جلسة 12/1/1977 مجموعة المكتب الفني – السنة 28 – صـ 232 – فقرة 2).
ومن المقرر في قضاء محكمة النقض المصرية أن: “الأصل فى الإجراءات أن تكون قد روعيت، وعلى من يدعى أنها خولفت إقامة الدليل على ما يدعيه، كما لا يجوز له أن يجحد ما أثبته الحكم إلا بالطعن بالتزوير”.
(نقض مدني في الطعن رقم 107 لسنة 40 قضائية – جلسة 2/6/1979 مجموعة المكتب الفني – السنة 30 – صـ 505 – فقرة 1. ونقض مدني في الطعن رقم 1088 لسنة 48 قضائية – جلسة 24/5/1984 مجموعة المكتب الفني – السنة 35 – صـ 1410 – فقرة 1).
ومن المقرر في قضاء محكمة النقض المصرية أن:- “الأصل – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – خلو المكان لمالكه، فيكفى الشركة المطعون ضدها إثباتاً لواقعه الغصب التى تقيم عليها دعواها أن تقيم الدليل على وجود الطاعن فى العين محل النزاع المملوكة لها، لينتقل بذلك عبء إثبات العكس على عاتق الطاعن “المغتصب” بوصفه مدعياً خلاف الأصل ويثبت أن وجوده بالعين يستند إلى سبب قانوني يبرر ذلك”.
(نقض مدني في الطعن رقم 133 لسنة 55 قضائية – جلسة 14/12/1989 مجموعة المكتب الفني – السنة 40 – صـ 330 – فقرة 1).