You cannot copy content of this page

التحقيق الابتدائى فى المحاكمات الجنائية

التحقيق الابتدائى فى المحاكمات الجنائية

 

 

** المقصود بالتحقيق الابتدائى : – 
هو مجموعة من الإجراءات تستهدف التنقيب على الأدلة في شأن جريمة ارتكبت وتجميعها ثم تقديرها لتحديد مدى كفايتها لإحالة المتهم الى المحاكمة ، ويمثل التحقيق الابتدائي المرحلة الأولى للدعوى الجنائية ، وهى المرحلة التي تسبق المحاكمة ، وقد وصف التحقيق بأنه “ابتدائي” لأن غايته ليست كامنة فيه وإنما يستهدف التمهيد لمرحلة المحاكمة ، وليس من شأنه الفصل في الدعوى بالإدانة أو البراءة ، وإنما مجرد استجماع العناصر التي تتيح لسلطة أخرى ذلك الفصل . (علي ذكي العربي ، ج1 رقم 747 ص380 ، عمر السعيد رمضان رقم 215 ص251)

** أهمية التحقيق الابتدائى : –
تتمثل أهمية التحقيق الابتدائي في أنه ” مرحلة تحضيرية” للمحاكمة ، إذ يكفل أن تعرض الدعوى الجنائية على القضاء وهى معدة لأن يفصل فيها ، ومن شأن التحقيق الابتدائي اكتشاف الأدلة قبل الإحالة الى المحاكمة واستظهار قيمتها واستبعاد الأدلة الضعيفة ، واستخلاص رأى مبدئي في شأن قيمة هذه الأدلة ، فتستطيع المحكمة أن تنظر في الدعوى وقد اتضحت عناصرها وتكشف أهم أدلتها ، فيدعم ذلك الاحتمال في أن يجئ حكمها أدنى الى الحقيقة والعدالة (Garraud, II, no 762 P.2 : Metle et Vitu, II, ni. 1102. P. 322)
ويتصل بذلك أن بعض الأدلة لا يتيسر التنقيب عنه وقت المحاكمة ، وإنما يتعين أن يكون ذلك في وقت معاصر لارتكاب الجريمة ، ومن ثم كان دور التحقيق الابتدائي التنقيب عن أدلة الجريمة في الوقت الملائم لذلك ، وللتحقيق الابتدائي أهميته كذلك في أنه يكفل ألا تحال الى المحاكمة غير الحالات التي تتوافر فيها أدلة كافية تدعم احتمال الإدانة ، وفي ذلك توفير وقت القضاء وجهده ، وصيانة لاعتبار المتهم من أن يمثل أمام القضاء إذا كانت الأدلة ضده غير كافية . (محمود نجيب حسني ، مرجع سابق ص503)

** مدى الالتزام بإجراءات التحقيق الابتدائى : –
لم يشترط القانون في جميع الجرائم إجراء التحقيق الابتدائي قبل إحالتها الى القضاء .
فيشترط ذلك في الجنايات فقط فلابد من التحقيق مع المتهم أولاً قبل إحالته الى القضاء .
أما في الجنح والمخالفات ، فللنيابة العامة سلطة تقديرية في أن تجري التحقيق أو لا تجريه ، ويعني ذلك أنه في هذه الجرائم اختياري .
وقد بينت المادة 79 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي مدى الالتزام بإجراء التحقيق الابتدائي ، فنصت على أن ” التحقيق الابتدائي إلزامي في الجنايات ، وجوازى في الجنح ما لم يقرر القانون خلاف ذلك ، وجوازى كذلك في المخالفات ”
أما في قانون الإجراءات الجنائية المصري فقد أجازت المادة 63 للنيابة العامة أن تحيل المتهم بالجنحة أو للمخالفة الى المحاكمة بناء على أعمال الاستدلال ، أى دون أن تجري بناء على أعمال الاستدلال ، وتعلل هذه التفرقة بأن الجرائم اليسيرة يكفي تحقيقها في جلسة المحاكمة لاستظهار عناصرها ، دون حاجة الى أن يسبق ذلك تحقيق ابتدائي ، أما الجرائم غير اليسيرة فلابد أن يمهد لتحقيقها في الجلسة تحقيق سابق .
ويكشف ذلك عن اختلاف دور التحقيق الابتدائي في الجنايات عنه في الجنح والمخالفات ، فهو في الأخير مجرد وسيلة لتكشف الحقيقة وجمع الأدلة ، فإذا قدرت النيابة العامة توافر ذلك دون تحقيق فلا حاجة بها الى إجرائه ، أما في الجنايات فللتحقيق الابتدائي – بالإضافة الى ذلك – دور ثان ، فهو ضمان للمتهم ومن ثم تلتزم النيابة العامة بإجرائه ، ولو كانت الحقيقة في شأن الجريمة والمسئولية عنها واضحة كل الوضوح . (محمود نجيب حسني ، شرح قانون الإجراءات الجنائية 1988 الطبعة الثانية دار النهضة العربية ص615)

** نطاق التحقيق الابتدائى : –
يتسع نطاق التحقيق الابتدائي ليشمل جميع الإجراءات التي تستهدف الكشف عن الحقيقة في شأن ارتكاب الجريمة ونسبتها الى المتهم ، ويتسع كذلك للأوامر التي يتمثل فيها استخلاص نتيجة هذه الإجراءات ، والتصرف في التحقيق بالإحالة أو بالأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى ، وقد بين الشارع إجراءات التحقيق الابتدائي وحدد شروط صحة كل إجراء (المواد 64-152 من قانون الإجراءات الجنائية) ولكن هذا البيات لم يورده الشارع على سبيل الحصر فكل سبيل لكشف الحقيقة مباح للمحقق طالما كان مطابقا للقانون ، ولم يفرض الشارع على المحقق ترتيبا معينا فيما يتخذه من إجراءات التحقيق ، ولم يلزمه بأن يجريه في مكان معين ، بل ترك ذلك لحسن تقدير ، فله أن يرسم خطته الحقيقية وفق ما يراه ملائما لذلك . (نقض 25 ديسمبر سنة 1956 مجموعة أحكام محكمة النقض س7 رقم 364 ص1325 ، 28 مارس سنة 1977 س28 رقم 84 ص393 ، 11 يونيو سنة 1979 س30 رقم 143 ص669)
ورغم أن عمل المحقق يرد على الماديات الإجرامية المتصلة بارتكاب الجريمة ونسبتها الى المتهم ، فإن عمله ينصب كذلك على معنويات الجريمة ، فعليه أن يتحقق من توافرها ويحدد نوعها كى يصل الى تكييف صحيح للجريمة التي ينسبها الى المتهم ، ولما كان التحقيق الابتدائي تمهيدا للمحاكمة ، وغايته إمداد القاضي بالعناصر التي تكفل له إصدار حكم مطابق للقانون ، كان من الضروري أن يتناول التحقيق شخصية المتهم وعوامل إجرامه كى يعين القاضي على استعمال سليم لسلطته التقديرية في تحديد العقوبة ، وتعيين التدبير الاحترازي الذي يجوز له أو يجب عليه في بعض الحالات أن ينطق به ، وقد نص الشارع الفرنسي على تحقيق شخصية المتهم ، وجعله إلزاميا في الجنايات وموازيا في الجنح (م81 من قانون الإجراءات الجنائية الفقرة السادسة) وإجراء هذا التحقيق جائز في القانون المصري دون شك ، ومن المصلحة إجراؤه في كثير من الحالات ، استنادا الى مبدأ شمول نطاق التحقيق الابتدائي كل ما يمد القاضي بعناصر التطبيق الصحيح للقانون .
ولا يقتصر عمل المحقق على الوقائع التي تساند لاتهام ، بحيث يتجه فحسب الى التنقيب عن أدلة ضد المتهم ، وإنما يتناول كذلك الوقائع التي قد تنفي مسئوليته أو تخفف فيها ، وتمثل أدلة لمصلحته ، فمهمة المحقق أن يتحرى الحقيقة الموضوعية ، ويقدم للقضاء صورة كاملة لعناصر الدعوى ، ما كان منها ضد مصلحة المتهم ، وما كان في مصلحته . (Stefani, Levasseur, et Bouloc, II no.461. P.471)
ولقد رخص القانون للمحقق في سبيل كشف الحقيقة سلطات عديدة كأن يخرق حقوقا أساسية للأفراد ، كحرمة المسكن والحرية الفردية وسرية المراسلات ، وحصيلة عمل المحقق هى نشوء أدلة قانونية مكتملة العناصر ، وللمحقق أن يباشر بنفسه إجراءات التحقيق ، وله أن يندب لها من يحل محله في مباشرتها ، ويعني ذلك اتساعا كبيرا في نطاق التحقيق الابتدائي ، والاختصاصات التي خولها الشارع للمحقق .

** القواعد الاساسية التى تحكم سلطة التحقيق : –
مهما اتسع نطاق التحقيق الابتدائي وسلطات المحقق ، فثمة قواعد أساسية تفرض الحدود على هذا النطاق وتضع قيودا على هذه السلطات ، فلا يقتصر التزام المحقق على نصوص القانون الآمرة ، وإنما عليه أن يستهدي كذلك بروح القانون ومبادئه العامة ، وعلى سبيل المثال ، فإنه إذا استعمل سلطته التقديرية في القبض أو الحبس الاحتياطي أو التفتيش تعين عليه أن يستهدف بها مجرد الكشف عن الحقيقة ، فإن استهداف بها غاية سوى ذلك (كشفاء حقد شخصي أو خدمة غرض سياسي) كان عمله باطلا ، ويتعين على المحقق أن يلتزم حيادا كاملا بيان الاتهام والدفاع ، فلا يجوز له أن يتحيز ضد المتهم ويعتبر أن واجبه مقتصر على استظهار أدلة ضده ، وإنما عليه – كى يقدم الى القضاء صور ة كاملة للدعوى – أن يستظهر كذلك الأدلة التي في مصلحة المتهم ، وعليه أن يقرر أن لا وجه لإقامة الدعوى ضده إذا ل م يرجح لديه احتمال إدانته ، ويتعين على المحقق أن يل تزم نزاهة مطلقة في عمله ، فلا يجوز له أن يلتجئ الى أسلوب خداع ، كأن يقدم الى المتهم سندا يعلم أنه مزور لحمله على الاعتراف ، أو يحرض شخصا على شهادة زور ضد المتهم ، أو يقلد – في اتصال تليفوني – صوت شخص يثق فيع المتهم ، ليحصل منه على معلومات تفيد التحقيق . (Roux. II s 28.319)
ويتفرع عن ذلك حظر التجاء المحقق الى أسلوب إكراه مادي أو معنوي أيا كان مقداره ، وحظر التجائه الى الأساليب الفنية الحديثة التي تحمل المتهم على قول ما لم تتجه إرادته – وهى حرة – الى قوله ، إذ يعني ذلك أن التحقيق قد شوه الحقيقة الشخصية ، أى الحقيقة من وجهة نظر المتهم ، فلم يمد القضاء بعنصر ينبغي أن يطلع عليه دون تحريف .

** الدور الاجرائى للتحقيق الابتدائى : –
على الرغم من أهمية التحقيق الابتدائي كمرحلة أساسية للدعوى الجنائية ، ومن أنه ينتج أدلة قانونية كاملة ، إلا أن دوره الإجرائي محدود فلا يجوز أن يتضمن فصلا في الدعوى ، فليس من اختصاص المحقق أن يصدر قرارا فاصلا في موضوع الدعوى ، إذ يناقض ذلك تعرف التحقيق الابتدائي بأنه مجرد تمهيد لمرحلة الفصل في الدعوى ، ودور التحقيق الابتدائي محدود من وجهة ثانية ، فلا يجوز للمحكمة أن تقتصر على مجرد الاعتماد على الأدلة التي أنتجها التحقيق الابتدائي ، إذ يتناقض ذلك مبدأ أساسيا ، هو مبدأ (شفوية المحاكمة) وإنما على القاضي أن يعيد تحقيق الدعوى (تحقيقا نهائيا) فتطرح من جديد الأدلة التي أنتجها التحقيق الابتدائي ، ويتاح لجميع أطراف الدعوى مناقشتها على مسمع من القاضي ، ويتاح لكل منهم أن يواجه الآخر برأيه وتقديره لكل دليل ، وتطبيقا ذلك ، فإن الحكم يخطئ إذا اعتمد على دليل نتج عن التحقيق الابتدائي دون أن يطرحه على المناقشة في الجلسة ثم يقره فيحيله الى دليل قضائي يسوغ أن يعتمد عليه الحكم . (26 مايو سنة 1969 مجموعة أحكام محكمة النقض س20 رقم 155 ص769 ، 13 أكتوبر سنة 1969 س20 رقن 210 ص1069 ، 20 أكتوبر سنة 1969 س20 رقم 222 ص1129 ، 18 فبراير سنة 1974 س25 رقم 23 ص148 ، 15 مارس 1976 س27 رقم 66 ص316)
ويتصل بذلك أنه ليس من سلطة القضاء أن يقتصر على تقرير بطلان إجراء من إجراءات التحقيق الابتدائي ، إذ يعني أنه ينصب نفسه مهيمنا على سلطة التحقيق الابتدائي ، ويناقض ذلك ما ينبغي الاعتراف به من استقلال وذاتية لهذه السلطة ، وإنما ينحصر اختصاص القضاء في تقرير الدليل الذي نتج عن الإجراء المعيب ، ثم إهداره إذ تبين أن عيل الإجراء قد جرد الدليل من عناصر قيمته . (نقض 15/1/1945 مجموعة القواعد القانونية ج6 رقم 460 ص603)
وإذا تبين للقضاء أن التحقيق الابتدائي غير مستوف ، أو ثبت بطلان أغلب إجراءاته ، فلا يجوز إعادته لسلطة التحقيق لكى تستوفيه أو تصحح الإجراءات الباطلة ؟ فقد استنفدت في شأنها اختصاصها ، وإنما على القضاء أن يعيد تحقيق الدعوى ، فيكمل ثغراته أو يصحح عيوبه ، وله أن يندب أحد أعضائه .
ومن ثم يكون الدليل المستمد من التحقيق التكميلي الذي تقوم به النيابة العامة بناء على ندب المحكمة إياها في أثناء سير المحاكمة باطلا ، وهو بطلان متعلق بالنظام العام لمساسه بقواعد التنظيم القضائي التي تحدد نظام التقاضي وواجب المحكمة في مباشرة جميع إجراءات الدعوى بنفسها ، أو ندب أحد أعضائها أو قاضيا آخر في حال تعذر تحقيق الدليل أمامها ، ومن ثم فلا يصحح هذا البطلان رضاء المتهم أو المدافع عنه بهذا الإجراء المخالف للقانون . (نقض 16/5/1961 مجموعة أحكام محكمة النقض س12 رقم 100 ص581 ، 9/2/1976 س27 رقم 27 ص183)
ولا يصلح عيب التحقيق الابتدائي سببا للطعن بالنقض ابتداء ، أى لا يجوز أن يطرح هذا العيب على محكمة ال نقض لأول مرة ، وإنما يتعين على ذي المصلحة أن يطرح العيب على محكمة الموضوع ، فإذا لم تهدر الدليل المستمد من الإجراء الباطل انعكس عيب الإجراء على الحكم الذي اعتمد عليه فشاب البطلان للحكم ذاته ، وصار الطعن بالنقض موجها الى هذا الحكم . ( نقض 29/1/1963 مجموعة أحكام محكمة النقض س14 رقم 11 ص47 ، 8/1/1979 س30 رقم 4 ص24 ، 6/6/1980 س31 رقم 143 ص742 ، والدكتور محمود نجيب حسني ، مرجع سابق ص616 وما بعدها)

** خصائص إجراءات التحقيق : –
1- أنها تهدف إلى معرفة الحقيقة . فوظيفة سلطة التحقيق الأساسية هى المساهمة في الفصل في الدعوى الجنائية ويتوقف هذا الفصل على كشف الحقيقة التي تتمثل عناصرها في مدى وقوع الجريمة وسببها إلى المتهم . فضلا عن تحديد ملامح شخصية هذا المتهم حتى تكون واضحة أمام المحكمة عندما تقرر الجزاء الملائم له ، وبناء على هذا التحديد ، فإن إجراء التحقيق هو الذي يهدف إلى معرفة الحقيقة ، ويفيد هذا التعرف في تمييزه عن إجراء الاتهام باعتبار أن هذا الإجراء الأخير لا يهدف إلى غير إدخال الدعوى في حوزة القضاء الجنائي (سوا كان من قضاء التحقيق أو قضاء الحكم) وموالاتها بالطلبات من أجل الفصل فيها ، على أن هذا التعريف لا يصلح لتمييز إجراء التحقيق عن إجراء الاستدلال الذي يهدف بدوره إلى معرفة الحقيقة ، ولذلك رأى البعض إضافة عنصر آخر إلى هذا التعريف ، وهو لحظة مباشرة الإجراء فقال بأن العمل لا يعتبر من إجراءات التحقيق ما لم يصدر إلا بعد تحريك الدعوى الجنائية ، وذهب البعض الآخر إلى اشتراط أن يكون هذا العمل قد صدر من قاضي التحقيق ، فإذا لن تتوافر هذه الصفة فيمن باشر الإجراء لا يعتبر من إجراءات التحقيق ، ويلاحظ أن الرأيين المذكورين – وهما الفرنسي – لا يصلحان في القانون المصري ، وذلك لأن النيابة العامة تباشر التحقيق الابتدائي ، وهى تتمتع بصفات ثلاثة هى الضبط القضائي ، والاتهام ، والتحقيق الابتدائي ، وهو ما لا يتوافر في القانون الفرنسي إذ لا تباشر سلطة التحقيق غير التحقيق الابتدائي وحده ، وبالتالي فإن معيار الصفة الذي يمكن الاستناد إليه في القانون الفرنسي لا يصلح أساس لتمييز إجراء التحقيق عن غيره من الإجراءات في القانون المصري ، ما لم يصدر هذا الإجراء من قاضي التحقيق بعد انتدابه لذلك من رئيس المحكمة الابتدائية (م6 إجراءات) كما أن معيار لحظة مباشرة الإجراء ليس حاسما وذلك لأن النيابة العامة بحكم جمعها بين سلطتى الاتهام والتحقيق قد تحرك الدعوى الجنائية ضمنا عن طريق مباشرتها إحدى إجراءات التحقيق ، وبالتالي فإن تحريك الدعوى الجنائية لا يتم إلا من خلال مباشرة أول إجراء من إجراءات التحقيق ، أى أن تحريك الدعوى الجنائية في هذه الحالة لا يتم استقلالها عن التحقيق الابتدائي .
ولا صعوبة بالنسبة إلى الإجراءات الذاتية التي خولها القانون للنيابة العامة بوصفها سلطة تحقيق التي تهدف إلى معرفة الحقيقة ، كالقبض والتفتيش والحبس الاحتياطي والاستجواب ، فهى من إجراءات التحقيق . إنما تثور الدقة بالنسبة إلى غيرها من الإجراءات المشتركة مع مرحلة الاستدلالات والتي تهدف الى معرفة الحقيقة كالمعاينة وسماع الشهود ، إذا باشرتها النيابة العامة ، وفي هذه الحالة تعتبر من إجراءات التحقيق إذا التزمت النيابة العامة الشروط الشكلية التي يوجبها القانون لصحة هذه الإجراءات ، ومنها تدوينها بواسطة كاتب التحقيق وتحليف الشهود والخبراء اليمين .
ومن هذا يبين أن ذاتية بعض الإجراءات من جهة ، والتزام الشروط الشكلية من جهة أخرى ، هو الذي يكشف عن طبيعتها القانونية عندما تباشرها النيابة العامة ، وكل هذه الإجراءات تتجه نجو تحقيق غرض واحد هو معرفة الحقيقة .
2- تتميز كافة إجراءات التحقيق بالمعنى الضيق بعنصر القهر أى المساس بالحرية الشخصية : فقد خول القانون قضاء التحقيق من أجل تحقيق مهمته في البحث عن الحقيقة أن يباشر سلطة في إكراه ذوي الشأن للامتثال لتنفيذ إجراءاته ويبدو ذلك فيما يملكه من أوامر الضبط والإحضار والقبض والتفتيش والحبس الاحتياطي وتحليف الشهود والخبراء اليمين ومعاقبة الشاهد لعدم الإدلاء بشهادته أو لعدم حلفه اليمين .

** أوامر التحقيق : –
تملك سلطة التحقيق بجانب اختصاصها في مباشرة التحقيق (بالمعنى الضيق) والتي تهدف إلى معرفة الحقيقة ، اختصاصات أخرى في مباشرة بعض الإجراءات التي تفصل في نزاع معين ، وتسمى بأوامر التحقيق . ففي خلال مرحلة التحقيق الابتدائي قد يدفع الخصوم ببعض الدفوع ، كالدفع بعدم الاختصاص أو أن يقدموا بعض الطلبات كطلب الإفراج عن المتهم أو طلب رد الأشياء المضبوطة ، مما يثير نزاعا معينا يتعين الفصل فيه . كما أنه من ناحية أخرى ، فإن سلطة التحقيق في ختام مرحلة التحقيق الابتدائي يجب أن تفصل في قيمة الأدلة المطروحة عليها ، وذلك بالتصرف في التحقيق سواء بإحالة الدعوى إلى محكمة الجنايات في الجنايات أو إلى محكمة الجنح في الجنح ، ويتم الفصل في المنازعات المطروحة عليه ، والتصرف في التحقيق عن طريق إصدار ما يسمى بأوامر التحقيق ، ويبين مما تقدم أن هذه الأوامر تصدر عنه في حدود ولايته القضائية بالفصل في النزاع Pouvoir de juridiction بخلاف إجراءات التحقيق بالمعنى الضيق فإنها تصدر في حدود سلطته القضائية في التحقيق Pouvoir d’insituction .
وتبدو أهمية الفرق بين أوامر التحقيق وإجراءاته بالمعنى الضيق ، في أن الأول بحكم فصلها في نزاع معين أو تصرفها في التحقيق – تخضع بحسب الأصل – للطعن فيها أمام الدرجة الثانية لقضاء التحقيق وهى محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة .
وقد اتجه البعض إلى الاستفادة من التمييز بين أوامر التحقيق وإجراءات التحقيق ، وذلك بقصر الأوامر على قاضي التحقيق وتخويل الإجراءات للنيابة العامة ، وقد أخذ بهذا الاتجاه مشروع دوندييه دي فابر سنة 1949 لتعديل قانون تحقيق الجنايات الفرنسي القديم الذي اقترح أن تتولى النيابة العامة سلطة التحقيق الابتدائي تحت رقابة قاضي التحقيق .
وواقع الأمر أن كلا من النوعين يرتبط بالآخر تمام الارتباط وقضاء التحقيق في كلا النوعين يتصرف إما بوصفه حارسا للحريات أو باعتباره جهة فصل في المنازعات.

** الاوامر الادارية لقضاء التحقيق: –
يباشر قضاء التحقيق بجانب سلطته القضائية في التحقيق ، أو ولايته في الفصل والتصرف في التحقيق – سلطة ولائية تخول له مباشرة بعض الإجراءات الإدارية ، وتتميز هذه الإجراءات بأنها لا تهدف إلى معرفة الحقيقة التي يرتكز عليها إثبات حق الدولة في العقاب ، كما لا يعتبر فاصلا في نزاع معين أو تصرفا في التحقيق ، وإنما تهدف إلى تحقيق غرض واد هو مجرد تسهيل الاستمرار في التحقيق وحسن إدارته ، ومثال هذه الإجراءات الأمر بضم بعض الأوراق أو بضم دعويين للارتباط فيما بينها ، وتأجيل التحقيق إلى جلسة أخرى .
وتتميز هذه الأوامر بأنها ذات طبيعة داخلية بحتة فلا تؤثر في حقوق الخصوم ، كما أنها لا تؤثر مباشرة في سير التحقيق ، وبناء على الطبيعة الإدارية لهذه الأوامر ، فإنها لا تعتبر من إجراءات التحقيق ، وبالتالي فهى لا تقطع التقادم . (د/ أحمد فتحي سرور ، مرجع سابق ص460 وما بعدها)

** المبادئ الاساسية فى التحقيق الابتدائى : –
أولا : الجهات المختصة بالتحقيق الابتدائى : –
أستقلال لسلطة المختصة للتحقيق الابتدائى
التحقيق الابتدائي مرحلة متميزة من مراحل الدعوى الجنائية ، فهى متميزة عن مرحلة المحاكمة التي تعقبها ، وهى متميزة كذلك عن الاتهام الذي يسبق بالضرورة كل تحقيق ويحدد له الموضوع الذي تدور في نطاق أعماله ، وذاتية التحقيق الابتدائي تفرض – في المنطق المجرد – أن يعهد به إلى سلطة مستقلة : مستقلة عن سلطة الاتهام ، ومستقلة كذلك عن سلطة المحاكمة .

** أستقلال سلطة التحقيق الابتدائى عن سلطة الاتهام : –
بين الاتهام والتحقيق الابتدائي اختلاف أساسي ، سواء من حيث الدور أو التكييف القانوني ، فدور الاتهام هو تحريك الدعوى الجنائية ، ثم تجميع الأدلة التي تساند الاتهام ، وتدعيمها لدى القضاء ، ويمثل الاتهام دور الادعاء في الدعوى الجنائية ، فهو المدعى ، ومن ثم كان بالضرورة طرفا يواجه المتهم ، ويقف منه موقف الخصومة ، أو على الأقل موقف من يسعى في غير مصلحته ، وجوهر عمل الاتهام هو تقديم طلبات وعرض الأسانيد الواقعية والقانونية التي تدعمها ويترتب على ذلك اتصاف أعمال الاتهام بطابع تنفيذي إداري ، باعتبارها تمثل سعى الدولة إلى تنفيذ القانون ، والاتهام عمل مستمر طالما استمرت الدعوى ، لا ينتهي بإحالتها إلى القضاء بل يستمر في صورة تمثيل الادعاء بتقديم الطلبات والطعن في الحكم والسعى إلى تنفيذه .
أما التحقيق الابتدائي ، فدوره مختلف تماما : إذ هو التنقيب عن أدلة الدعوى جميعا ، ما كان منها ضد مصلحة المتهم وما كان في مصلحته ، ثم الترجيح بينهما – في حدية تامة ، وبغير رأى مسبق فيه انحياز ضد المتهم – واتخاذ قرار بمدى كفاية الأدلة لإحالة المتهم إلى المحاكمة ، ويعني ذلك أن سلطة التحقيق لا تقف موقف الخصومة من المتهم ، بل أنها تسعى إلى اكتشاف الحقيقة ، وسواء بعد ذلك كانت ضد المتهم أم لمصلحته ، فهى تمثل على هذا النحو حكما محايدا بين الاتهام والمتهم ، ويفترض التحقيق الابتدائي أن الاتهام قد قام من قبل بدوره في تحريك الدعوى وعرض طلباته وتدعيمها ويعني ذلك أن التحقيق يفترض وجود سلطة اتهام إلى جانبه ذات اختصاص مختلف ، وهذه الوظيفة للتحقيق الابتدائي تخلع على أعماله الصفة القضائية إذ هى موازنة بين طلبات وأسانيد متعارضة ثم ترجيح بينها ، وينتهي التحقيق الابتدائي حتما بدخول الدعوى في حوزة القضاء . (انظر بالتفصيل في تطور التشريع المصري منذ صدور قانون تحقيق الجنايات الأول سنة 1883 ، للأستاذ علي ذكي العربي ، ج1 رقم 547 ص283)

** خطة المشرع المصرى فى الفصل بين سلطة الاتهام والتحقيق الابتدائى : –
تردد الشارع المصري كثيرا في هذا الشأن ، وحين صدور قانون الإجراءات الجنائية قرر الشارع الفصل بين السلطتين ، فجعل الاتهام من اختصاص النيابة العامة ، وجعل التحقيق الابتدائي في الجنايات من اختصاص قاض يندب لذلك ويتفرغ له ، هو (قاضي التحقيق) .
وقد كانت المادة 199 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أن ط للنيابة العامة أن تباشر التحقيق في مواد الجنح طبقا للأحكام المقررة لقاضي التحقيق ” ن ويعني ذلك أن مباشرة قاضي التحقيق للتحقيق كانت وجوبية في الجنايات ـ فلا يجوز أن تباشره النيابة العامة ، ولكنه جوازى في الجنح ، إذ للنيابة أن تحيل الدعوى إلى قاضي التحقيق إذا رأت ذلك في مصلحة العدالة .
ولكن الشارع عدل عن هذا الفصل بالمرسوم بقانون رقم 353 لسنة 1952 الذي جعل للنيابة العامة الاختصاص بالتحقيق الابتدائي ، فصارت بذلك تجميع بين سلطتى الاتهام والتحقيق .
وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا المرسوم بقانون أنه ط تبين من العمل أنه من المستحين عدم الاستمرار في هذا النظام الجديد – جعل التحقيق بمعرفة القاضي وجوبيا في مواد الجنايات وجوازيا كطلب النيابة في مواد الجنح – والعودة الى النظام السابق الذي كان متبعا بمقتضى قانون تحقيق الجنايات الملغي ، فتعود للنيابة سلطة التحقيق في الجنايات أيضا ولا يندب قضاة معينون في دائرة كل محكمة ابتدائية للتحقيق بل يترك للنيابة الحرية في مخابرة رئيس المحكمة الابتدائية لندب أحد قضاة المحكمة لمباشرته إذا رأت النيابة العامة لظروف خاصة في مواد الجنايات أو الجنح فائدة في تحقيق الدعوى بمعرفة قاض . وحتى يستكمل باقي أطراف الدعوى ضماناتهم رؤى أن يطعى الحق للمتهم للمدعى بالحقوق المدنية في مود الجنايات أو الجنح أن يطلب من رئيس المحكمة الابتدائية ندب أحد قضاة المحكمة لمباشرة التحقيق ، ويصدر قرار رئيس المحكمة قد هذا الشأن بعد سماع أقوال النيابة العامة ود تركت حرية التقدير في إجابة هذا الطلب أو رفضه لرئيس المحكمة وقد نص على أن هذا القرار غير قابل للطعن ، وعلى النيابة العامة أن تستمر في التحقيق حتى يباشره القاضي المندوب في حالة صدور قرار بذلك ، وفي إعطاء هذا الحق للمتهم وللمدعى بالحقوق المدنية من الضمان ما يكفل الاطمئنان العام على سير التحقيق ” .
لكن الشارع لم يجعل ذلك قاعدة مطلقة ، فثمة حالات يتولى التحقيق الابتدائي فيها قاض ، على ما نفصله فيما بعد .

** تقدير خطة الشارع المصرى بشأن التحقيق الابتدائى : –
إن الخطة التي يقررها الشارع المصري في جمعه بين الاتهام والتحقيق الابتدائي في اختصاص النيابة العامة يصعب الدفاع عنها . فقد تقدم الاختلاف بين طبيعة الاتهام وطبيعة التحقيق مما يقتضي أن يعهد بكل منهما الى سلطة مستقلة ، وبالإضافة الى ذلك ، فإن اعتبارات العدالة ، والحرص على ضمانات الحريات الفردية والاهتمام بأن تكون نتيجة التحقيق موضع الثقة من الرأى العامة والمتهم والقضاء ، كل ذلك يقتضي أن يتولى التحقيق شخص محايد لم يتول الاتهام من قبل ولا يظن أن له رأيا مسبقا ينحاز به ضد المتهم : ذلك إن جمع سلطة واحدة بين الاتهام والتحقيق يجعلها أميل الى تدعيم الاتهام باعتبارها التي وجهته ، ويعني ذلك أن يكون اهتمامها الغالب بجمع الأدلة ضد المتهم ، وأن ينزل الى المرتبة الثانية اهتمامها بتمحيض الأدلة في مصلحته ، وإذا لم تفعل ذلك حقيقة فإن الرأى العام والمتهم والقضاء يظنون بها ذلك وكل هذه العيوب تزول لو عهد بالتحقيق الابتدائي الى سلطة غير سلطة الاتهام ، إذ يتاح لها أن تتولاه في حياد بين الاتهام والمتهم ، فليس لها رأى مسبق ، ولا انحياز مفترض ، ومن ثم ينظر الرأى العام الى نتيجة التحقيق في ثقة واطمئنان ، ولم يأت الشارع بحجة مقنعة تدعم مذهبه : فقد قيل بصعوبة توفير العدد الكافي من قضاة التحقيق ، وهو قول بعيد عن الحقيقة في الوقت الحاضر .
وقبل بعد ذلك أن التشريع المقارن يميل الى هذا الجمع ، وهذا القول غير صحيح ، فاتجاه التشريعات الحديثة هو تقدير الفصل بين سلطتى الاتهام والتحقيق ، وقبل في النهاية بأن في الجمع بين الوظيفتين في اختصاص النيابة تبسيطا للإجراءات ، خاصة وأن صلة القاضي بمأموري الضبط القضائي محدودة ، وهذا القول غير حاسم . فللقاضي المتفرغ للتحقيق سيكون له ذات الفعالية والنشاط اللذين يتصف بهما حاليا عضو النيابة العامة المحقق ، ولابد أن تقوم الصلة الوثيقة بينه وبين مأموري الضبط القضائي ، إذ طبيعة عمله تفرض ذلك ، وإنما يتميز القاضي عن عضو النيابة العامة بالحياد والتخصص في عمل واحد والارتفاع فوق مظنة التأثر بسبق توجيه الاتهام ، ولعل الشارع قد لاحظ عيوب هذا الجمع ، فأجاز في حالات عديدة أن يتولى التحقيق قاض ، وقد كان الأجدر به تفادي هذه العيوب إطلاقا بتقدير الفصل بين السلطتين .
وقد يكون الدفاع الوحيد الممكن عن خطة الشارع أن النيابة العامة جزء من السلطة القضائية ، ولدى أعضائها كفاءة القاضي الفنية وضميره المهني ، ولكن يبقى العيب المتمثل في جمع شخص واحد بين اختصاص متعارضين ، والاحتمال الغالب في أن يتأثر أحدهما وهو (التحقيق الابتدائي) باعتبارات مستمدة من الآخر ولا تلتئم مع طبيعته ، ومن ثم تشوهما . (محمود نجيب حسني ، مرجع سابق ص620 : 624)

 

** سلطة التحقيق : –
أولا : الجهة الاصلية وهى النيابة العامة :
فالنيابة العامة هى سلطة التحقيق الأصلية ولا تحيض القضاء بالتحقيق إلا على وجه عارض .
وقد نصت المادة 199 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه ” فيما عجا الجرائم التي يختص قاضي التحقيق بتحقيقها وفقا لأحكام المادة 64 تباشر النيابة العامة التحقيق في مواد الجنح والجنايات طبقا للأحكام المقررة لقاضي
التحقيق … ”
ولما كان أعضاء النيابة العامة – وفقا للقانون الحالي – ليسوا قضاء بالمعنى الدقيق ، فإن ولايتهم القضائية تقتصر على أعمال التحقيق الابتدائي وتقتصر على أعمال التحقيق الابتدائي وتنحسر عنهم بمجرد انتهاء هذا التحقيق ودخول القضية في حوزة المحكمة . ( نقض 16/5/1961 مجموعة الأحكام س13 رقم 110 ص581 ، وقد قضت محكمة النقض بأن دخول الدعوى في حوزة المحكمة يوجب عليها عند تعذر تحقيق دليل أمامها أن تندب لذلك أحد أعضائها أو قاضيا آخر – ليس لها أن تندب لذلك النيابة العامة لزوال ولايتها وانتهاء اختصاصها (نقض 2/10/1967 مجموعة الأحكام س18 رقم 188 ص891)
وبعد ذلك لا يبقى للنيابة العامة سوى دورها الأصلي كخصم شكلي في الخصومة الجنائية ، وكما بينا من قبل ، فإن أعضاء النيابة العامة يستمدون سلطتهم في التحقيق من القانون نفسه لا من وكالتهم للنائب العام . (أحمد فتحي سرور ، مرجع سابق ص485 وما بعدها)
” تحديد النيابة المختصة محليا بالتحقيق الابتدائي :
لا تكون إجراءات التحقيق الابتدائي صحيحة إلا إذا باشرتها النيابة المختصة بذلك محليا ، أما إذا باشرتها نيابة غير مختصة كانت باطلة بطلانا متعلقا بالنظام العام ، ويخضع تحديد النيابة المختصة للقواعد العامة التي نصت عليها المادة 217 من قانون الإجراءات الجنائية فهى النيابة التي ارتكبت الجريمة في دائرة اختصاصها ، أو التي يقيم المتهم فيها ، أو التي قبض عليه فيها ، وتطبيقا لذلك كانت النيابة التي يقيم المتهم فيها مختصة ولو كانت الجريمة د ارتكبت في دائرة اختصاص نيابة أخرى ، وقبض عليه في دائرة اختصاص نيابة ثالثة . (نقض 12/5/1954 مجموعة أحكام محكمة النقض س5 ر قم 210 ص622 ، 5/2/1968 س19 رقم 19 رقم 23 ص124)
ولكن ثمة نظم تدخل التعديل على القواعد السابقة أهمها الندب والضرورة الإجرائية .
فالندب يعني أن يكلف عضو النيابة بالعمل في غير النيابة التي يتبعها ، وينبغي عليه أن يصير مختصا بما تختص به النيابة التي ندب لها ، وهو اختصاص لم يكن له قبل الندب ، ويصدر الندب عن النائب العام أو عن المحامي العام . فسلطة النائب العام في الندب نصت عليها المادة 121 من قانون السلطة القضائية في قولها ” للنائب العام حق نقل أعضاء النيابة بدائرة المحكمة المعينين بها ، وله حق ندبهم خارج هذه الدائرة لمدة لا تزيد على ستة أشهر ” ، وعلى هذه السلطة أن الأصل في اختصاص عضو النيابة أنه عام تبعا لوكالة النائب العام وهى عامة بطبيعتها ، ومن ثم كان النائب العام أن يكلف عضو النيابة العمل في خارج النيابة التي ألحق بها . (نقض 15/11/1965 مجموعة أحكام محكمة النقض س16 رقم 166 ص865)
وبالنسبة لسلطة المحامي العام في الندب فله الحق في ندب عضو في دائرته للقيام بعمل عضو آخر بتلك الدائرة عند الضرورة فقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة 121 من قانون السلطة القضائية على أن ” للمحامي العام حق ندب عضو في دائرته للقيام بعمل عضو آخر بتلك الدائرة عند الضرورة ” ، ويعني ذلك أن للمحامي العام أن يندب عضو نيابة جزئية تتبعه الى جزئية أخرى تتجه كذلك ، فيصير مختصا بما تختص به النيابة الأخيرة التي ندب لها . ( نقض
14/6/1960 مجموعة أحكام محكمة النقض س11 رقم 111 ص582 ،
6/3/1977 س28 رقم 71 ص334)
ويتصل بذلك أن وكيل النيابة الكلية يختص بكل ما يقع في دائرة اختصاص النيابة الكلية ، أى أنه يختص محليا بما يختص به المحامي العام الذي يعمل معه ” ، وذلك بناء على تفويض رئيس النيابة أو من يقوم مقامه تفويضا أصبح على النحو الذي استقر عليه العمل في حكم المفروض بحيث لا يستطاع نفيه إلا بنهى صحيح ” (نقض أول مايو سنة 1956 مجموعة أحكام محكمة النقض س7 رقم 199 ص708 ، 13/2/1977 س28 رقم 50 ص226)
وبناء على ما تقدم فإن الإجراء الذي يتخذه وكيل النيابة الكلية في شأن جريمة تختص بها نيابة جزئية تتبع هذه النيابة الكلية يعتبر إجراء صحيحا .
أما نظرية (الضرورة الإجرائية) فمؤداها أنه إذا باشر عضو النيابة التحقيق في دائرة اختصاصه المكاني ثم استوجبت ظروف التحقيق ومقتضياته متابعة الإجراءات وامتدادها الى خارج هذه الدائرة ، فإن الإجراءات التي يتخذها في هذا المكان الذي لا يختص به أصلا تعد صحيحة ، وتطبيقا لذلك ، فإنه إذا كان عضو النيابة مختصا لأن الجريمة ارتكبت في دائرة اختصاصه أو لأن المتهم يقيم في هذه الدائرة ، فبدأ التحقيق مع المتهم ، ولكنه هرب الى خارج هذه الدائرة ، فإن لعضو النيابة أن يتتبعه ويقبض عليه في المكان الذي فر إليه ، على الرغم من أنه لم يكن في الأصل مختصا باتخاذ أى إجراء في هذا المكان ، وسند الضرورة الإجرائية أن التحقيق في شأن جريمة هو كل متجزئ فيكفي أن يكون عضو النيابة مختصا به كى يختص بجميع إجراءاته ، وبالإضافة الى ذلك ، فإن الضرورة تملي اتخاذ الإجراء على الفور ، لأن التراخي فيه قد يجعل اتخاذه بعد ذلك غير ممكن إطلاقا ، أو غير ممكن على الوجه الذي يحقق مصلحة التحقيق .
وقد قضت محكمة النقض بأنه ” من المقرر في صحيح القانون أنه متى بدا وكيل النيابة المختص في إجراءات التحقيق بدائرة اختصاصه المكاني ، ثم استوجبت ظروف التحقيق ومقتضياته متابعة الإجراءات وامتدادها خارج تلك الدائرة ، فإن هذه الإجراءات منه أو ممن يندبه لها تكون صحيحة لا بطلان فيها ” (نقض 30/6/1959 مجمعة أحكام محكمة النقض س10 رقم 159 ص731)
والأصل أن عضو النيابة مختص بالإجراء الذي اتخذه ، ذلك أن (الأصل في الإجراء صحته) ومن ثم لا تلتزم المحكمة بأن تتحرى اختصاص المحقق ، وإنما على من يدعى عدم اختصاص أن يدفع بذلك ويقيم الدليل عليه . ( محمود نجيب حسني ، مرجع سابق ص627 وما بعدها)

ثانيآ : قاضى التحقيق : –
فإلى جانب النيابة العامة كسلطة تحقيق أصلية ثمة قاضي التحقيق الذي احتفظ له الشارع باختصاص عارض وشبه استثنائي بالتحقيق الابتدائي .
وقاضي التحقيق هو ما قضا يندبه رئيس المحكمة الابتدائية بناء على طلب النيابة ليتولى التحقيق في جناية أو جنحة ، وإما مستشار تندبه الجمعية العامة لمحكمة الاستئناف بقرار منها يصدر بناء على طلب يقدمه وزير العدل الى محكمة الاستئناف وذلك ليتولى هذا المستشار تحقيق جريمة معينة أو جرائم من نوع معين .
وبدون طلب من النيابة أو طلب من وزير العدل ، لا يمكن أن ينهض بالتحقيق قاض أو مستشار إذ لا تكون له أصلا أية ولاية في النهوض بالتحقيق ، فهو في الأصل من شئون النيابة العمومية بوصفها سلطة التحقيق الأصلية .
فتنص المادة 64 على أنه ” إذا رأت النيابة العامة في مواد الجنايات أو الجنح أن تحقيق الدعوى بمعرفة قاضي التحقيق أكثر ملائمة بالنظر الى ظروفها الخاصة جاز لها في أية حالة كانت عليها الدعوى ، أن تطلب الى رئيس المحكمة الابتدائية ندب أحد قضاة المحكمة لمباشرة هذا التحقيق ” .
وتنص المادة 65 على أنه ” لوزير العدل أن يطلب من محكمة الاستئناف ندب مستشار لتحقيق لجريمة معينة أو جرائم من نوع معين ويكون الندب بقرار من الجمعية العامة وفي هذه الحالة يكون المستشار المندوب هو المختص دون غيره بإجراء التحقيق من وقت مباشرته للعمل .
وتنص المادة 67 على أنه ” لا يجوز لقاضي التحقيق مباشرة التحقيق في جريمة معينة إلا بناء على طلب من النيابة العامة أو بناء على إحالتها إليه من الجهات الأخرى المنصوص عليها في القانون (16 مكرر) ” .
ومؤدى هذا النص أن قاضي التحقيق لا يستطيع مد اختصاصه في جريمة غير ذلك التي ندب أصلا لتحقيقها . فإذا تناول بالتحقيق جريمة أخرى غير ما كان للنيابة أو للمتهم أن يدافع بعدم اختصاصه بتحقيقها ما لم تكن هذه الجريمة الأخرى مرتبطة ارتباطا لا يقبل التجزئة لوحدة المخطط الجنائي مع الجريمة موضوع التحقيق أصلا ومتحدة معها في الغاية ، ففي غير هذه الحالة من الارتباط بوحدة الغاية ارتباطا لا يقبل التجزئة ، لا يكون لقاضي التحقيق أن يتجاوز الجريمة المعهود إليه بتحقيقها الى جريمة أخرى ولو كانت هذه مرتبطة بتلك ارتباط راجعا الى وحدة المكان أو وحدة الزمان فحسب دون وحدة المخطط ووحدة الغاية .
ويتم الندب إما بقرار من رئيس المحكمة الابتدائية أو من الجمعية العامة لمحكمة الاستئناف حسب الأحوال ، ويكون لكل منها حرية اختيار القاضي أو المستشار المندوب للتحقيق دون معقب ، ولها تغيير المندوب للتحقيق إذا طرأ مانع يحول دون استمراره في التحقيق وفي هذه الحالة الأخيرة يمارس كل منهما ولايته في تعيين المندوب دون الحاجة الى طلب جديد من صاحب الشأن ودون ثبوت هذا المانع طبقا للقانون فلا يجوز لرئيس المحكمة الابتدائية ولا للجمعية العامة لمحكمة الاستئناف تغيير المندوب للتحقيق مهما كانت الأسباب .
ويصدر قرار الندب بناء على طلب النيابة العامة أو المتهم ، أو المدعى بالحقوق المدنية . فإذا قدم الطلب من النيابة العامة وجب على رئيس المحكمة إجابتها الى طلبها ما لم يكن الاختصاص المحلي بتحقيق الجريمة لمحكمة أخرى .
ويكون اختيار القاضي الذي سيتولى التحقيق من شأن رئيس المحكمة وحده . أما إذا قدم الطلب من المتهم أو من المدعى بالحقوق المدنية فإنه يجب ألا يتعلق التحقيق بموظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منع أثناء تأديته لوظيفته أو بسببها ، وفي هذه الحالة تخضع إجابة هذا الطلب لتقدير رئيس المحكمة بعد سماع أقوال النيابة العامة . (انظر الدكتور محمود مصطفى ، مرجع سابق ص241)
ويلاحظ أن اختلاف سلطة رئيس المحكمة في قبول طلب الندب على ضوء ما إذا كان الطالب هو النيابة العامة أو غيرها واضح من صياغة المادة 64 إجراءات التي تركت تقدير الندب لرئيس المحكمة في حالة تقديم الطلب من غير النيابة العامة .
ويكون قراره غير قابل للطعن سواء من جانب المتهم أو المدعى المدني أو النيابة العامة . بل ولا يترتب على تقديم هذا الطلب سلب سلطة النيابة العامة في التحقيق ، ويلاحظ أن الندب في هذه الحالة قد يتم قبل مباشرة النيابة العامة التحقيق أو أثناءه ، ولا يجوز بطبيعة الحال متى دخلت القضية في حوزة المحكمة.

** اختصاص قاضي التحقيق :
يكون قاضي التحقيق مختص بالجريمة التي باشر التحقيق فيها فإن كان غير مختص يكون تحقيقه باطل بطلانا متعلقا بالنظام العام تطبيقا للقواعد العامة .
ولا تبدأ ولاية قاضي التحقيق إلا إذا صدر القرار بندبه ، أما قبل ذلك فيبقى للنيابة اختصاصها بالتحقيق .
والحقيقة أن اختصاصات قاضي التحقيق أضيق بكثير من اختصاصات النيابة ذلك لأنه محصور في تحقيق جريمة معينة بذاتها لا يمكن إلا أن تكون جناية أو جنحة إذ لا شأن له بالمخالفات في حين أن النيابة تختص بكل الجرائم ولو كانت الجريمة مخالفة .
وهو يتميز عن النيابة في قيامه بالتحقيق من ناحية أنه قاض ليس لأحد أن يباشر عليه سلطة أمر أو توجيه ، من قبيل تلك التي تميز بها التدرج الرئاسي في النيابة ، فلأنه قاض لا يخضع إلا لسلطان ضميره .
ولا يجوز للنيابة العامة أن تباشر إجراء تحقيق في جريمة صدر قرار بندب قاض لتحقيقها ، إلا إذا ندبها القاضي لذلك تطبيقا للمادة 70 من قانون الإجراءات الجنائية ، ولا يجوز للنيابة العامة – من باب أولى – أن تسحب الدعوى من القاضي ، إذا لم تكن راضية عن تحقيقه ، لتستعيد سلطتها عليها ، ولا يجوز لها أن تتصرف فيها بعد صدور قرار الندب ، فقد غدا ذلك من اختصاص القاضي وحده .
ولذلك فإنه إذا أحالت النيابة الدعوى الى المحكمة بعد ندب قاضي التحقيق لها كانت الدعوى غير مقبولة ، وإذا قررت أن لا وجه لإقامتها فقرارها باطل بطلانا متعلقا بالنظام العام ، ولا يحول بين القاضي وبين الاستمرار في مباشرة التحقيق ، ولقاضي التحقيق سلطة كاملة في تحقيقه ، فليس للنيابة إشراف عليه ، ولا يلتزم بطلباتها ، إذ لا تعدو أن تكون مجرد طرف في الدعوى التي يتولى تحقيقها .

(نقض 20/11/1956 مجموعة محكمة النقض س7 رقم 324 ص1167)

 

واختصاص قاضي التحقيق (عيني) فمن ناحية يقتصر على الجريمة التي ندب لتحقيقها ، فلا يجوز له أن يمد اختصاصه الى جريمة أخرى ، إلا إذا كانت مرتبطة بالأولى ارتباطا لا يقبل التجزئة ، ومن ناحية ثانية ، فإن قاضي التحقيق لا يتقيد بشخص المتهم بالجريمة الذي أشار إليه طلب الندب أو قرار الندب ، وإنما له أن يمد تحقيقه الى كل شخص تثور ضده شبهات كافية لمساهمته في هذه الجريمة .
وقد قضت محكمة النقض بأنه ” الأصل أن قاضي التحقيق ولايته عينية ، فليس له أن يباشر التحقيق إلا في نطاق الجريمة المعينة التي طلب منه تحقيقها دون أن يتعدى ذلك الى وقائع أخرى ، ما لم تكن تلك الوقائع مرتبطة بالفعل المنوط به تحقيقه ارتباطا لا يقبل التجزئة ”

(نقض 22/12/1959 مجموعة أحكام محكمة النقض س10 رقم 218 ص1055)

 

فإذا ما فرغ قاضي التحقيق من مهمته المحدودة المعهود بها إليه ، وه التحقيق في قضية معينة ، أرسل أوراق التحقيق الى النيابة العامة كى تقدم له طلباتها كتابة خلال ثلاثة أيام إذا كان المتهم محبوسا وعشرة أيام إذا كان مفرجا عنه وأخطر باقي الخصوم ليبدو هم الآخرون أقوالهم وهم المتهم والمدعى المدني والمسئول عن الحقوق المدني (م 153) ثم يصدر قراره إما بألا وجه لإقامة الدعوى وإما بإقامتها سواء أمام المحكمة الجزئية في الجنح والمخالفات أم بالإحالة الى مستشار الإحالة في الجنايات (م 154 ، 155 ، 156 ، 158)
ويكون للنيابة وللمدعى بالحقوق المدنية استئناف القرار بألا وجه لإقامة الدعوى (م161 ، 162) أمام محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة ، كما يكون للنيابة أن تستأنف قراره الإحالة الى المحكمة الجزئية باعتبار الواقعة جنحة أو مخالفة قد قدرت أنها جناية (م 164) .
وعلى هذا الوجه تنتهي مهمة قاضي التحقيق ، وواضح أن اختصاصه محدود بالقياس الى اختصاصات النيابة . فهو يمثل مرحلة التحقيق فحسب ، ولا يكون له بعد نهاية هذه المرحلة أى اختصاص ، بينما النيابة كما رأينا يمتد اختصاصها الى ما بعد التصرف في التحقيق ، فتباشر الدعوى أمام قضاء الحكم ، سواء أكان التحقيق قد تولته هى أم كان الذي تولاه قاضي التحقيق ، ثم تتابع الأمر بعد ذلك للطعن في حكم بالاستئناف والطعن فيه بالنقض ولتنفيذ الحكم النهائي …. الخ

” مستشار التحقيق :
قلنا فيما سبق أن قرار ندب قاضي التحقيق يصدر بناء على طلب النيابة العامة أو المتهم أو المدعى بالحقوق المدنية .
لكن قد يصدر قرار الندب بناء على طلب وزير العدل ، وفي هذه الحالة يكون قاضي التحقيق بطبيعة الحال بدرجة مستشار ، ولا يشترط لهذا الندب أن تكون الجريمة المندوب تحقيقها من الجنايات بل يستوي أن تكون من الجنح أو الجنايات ، وقد راعى المشرع في ذلك أن بعض القضايا قد تحتاج الى ضمانات غير عادية أو خبرة من نوع خاص .
وقد نصت المادة 65 من قانون الإجراءات الجنائية على أن ” لوزير العدل أن يطلب من محكمة الاستئناف ندب مستشار لتحقيق جريمة معينة أو جرائم من نوع معين ، ويكون الندب بقرار من الجمعية العامة ، وفي هذه الحالة يكون المستشار المندوب هو المختص دون غيره بإجراء التحقيق من وقت مباشرته ” .
وعلى تخويل وزير العدل هذه السلطة أن بعض الجرائم يتطلب تحقيقها خبرة خاصة أو يقتضي توفير ضمانات من نوع خاص . (د/ توفيق محمد الشاوي ، مجموعة الإجراءات الجنائية المادة 65 ص51)
وتلتزم محكمة الاستئناف بالاستجابة الى طلب الوزير ، وبمجرد صدور القرار بندبه يصير وحده المختص بالتحقيق ، ويخضع مستشار التحقيق لما يخضع له قاضي التحقيق من أحكام . (د/ ادوارد غالي الذهبي ، رقم 264 ص344)

ثالثا : الجهات المكملة : –
هناك جهات أخرى تختص بمباشرة إجراءات تكميلية للتحقيق الذي بدأته جهة التحقيق الأصلية أو البديلة حسب الأحوال وهى القاضي الجزئي وغرفة المشورة .
والقاضي الجزئي المقصود به هو قاضي المحكمة الجزئية التي تتبعه النيابة المختصة ، فإذا كان التحقيق تقوم به النيابة الكلية أو المتخصصة تعين الالتجاء الى القاضي الجزئي المختص .
وهو يختص بما يلي :
1-مد الحبس الاحتياطي الذي تأمر به النيابة العامة (والذي لا تزيد مدته عن أربعة أيام) وذلك لمدة أو لمدد متعاقبة لا يزيد مجموعها عن خمسة وأربعين يوما (م202/2) وله أن يقرر في هذه الحالة الإفراج عن المتهم بكفالة أو حبسه احتياطيا (م205/1) .
2-الإذن للنيابة بتفتيش غير المتهم أو منزل غير منزله (م206/1)
3-الإذن للنيابة العامة بضبط المراسلات أو البرقيات ومراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية وتسجيل المحادثات الشخصية (م 206/3) .

محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة :
وتتشكل هذه المحكمة من ثلاثة من قضايا المحكمة الابتدائية ، كما هو الشأن في كافة دوائر محاكم الجنح المستأنفة .
وتباشر هذه المحكمة اختصاصا مزدوجا الأول : كسلطة تحقيق ، والثاني : كدرجة ثانية لقضاء التحقيق ، زهى تباشر هذا الاختصاص سواء كان التحقيق قد بدأت النيابة العامة أو قاضي التحقيق ، وبالنسبة الى النوع الأول من الاختصاص ، فإنها تختص بمد الحبس الاحتياطي في الأحوال الآتية :
1-إذا لم ينته التحقيق ورأت سلطة التحقيق مد الحبس الاحتياطي زيادة على المدة المخولة للقاضي (وهى خمسة وأربعين يوما) فلها أن تقرر الحبس مددا متعاقبة لا تزيد كل منها على خمسة وأربعين يوما إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك أو الإفراج عن المتهم بكفالة أو بغير كفالة (م43/1 إجراءات)
2-إذا أحيل المتهم الى محكمة الجنايات تختص هذه المحكمة في غير دور انعقاد محكمة الجنايات إما بحبسه إن كان مفرجا عنه أو الإفراج عنه إن كان محبوسا (م151/3 إجراءات) .
3-في حالة الحكم بعدم الاختصاص تكون هذه المحكمة هى المختصة بالنظر في طلب الإفراج أو الحبس الى أن ترفع الدعوى الجنائية الى المحكمة المختصة (م1514/3 إجراءات) .
وبالنسبة الى النوع الثانية من الاختصاص ، فإنها تختص بالفصل في الاستئناف المر فوع إليها ضد أوامر سلطة التحقيق (النيابة العامة أو قاضي التحقيق) إلا إذا كان الأمر المستأنف صادرا بأن لا وجه لإقامة الدعوى في جناية فيرفع الى محكمة الجنايات منعقدة في غرفة المشورة
(م167 ، 210/3 إجراءات) المعدلتان بالقرار بقانون رقم 170 لسنة 1981 .
ويلاحظ أن القانون لم يرد به نص صريح يخول المحكمة سلطة إجراء تحقيق تكميلي أو التصدي للموضوع وإتمام التحقيق كما كان مخولا لغرفة الاتهام والتي حلت محلها المحكمة الاستئنافية منعقدة في غرفة المشورة في هذا الشأن .
إلا أن هذا لا يحول دون تخويل محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة بوصفها جهة تحقيق تكميلية عند نظر مد الحبس الاحتياطي أو عند فحص الاستئناف المرفوع إليها ، سلطة إجراء تحقيق تكميلي حتى تستكمل عناصر الحقيقة قبل الفصل في طلب مد الحبس أو في الاستئناف .
( مدحت عبد العزيز ص130 وما بعدها ، مرجع سابق)
رابعاً : الجهة الاستئنافية (مأمور الضبط القضائي)
سبق وأن أشرنا ما المقصود بمأمور الضبط القضائي عند دارسة الاستدلال ، وأشرنا إلى أن القانون قد خول قسطا من سلطة التحقيق حيث تقتضي السرعة والضرورة ذلك ، فأجاز له في حالة التلبس سلطة القبض والتفتيش (م34 ، 47 ، 49 إجراءات) كما أجاز القانون للنيابة العامة ولقاضي التحقيق ندبه للتحقيق في حدود ما نص عليه أمر الندب وبالقيود التي نص عليها القانون .
(أحمد فتحي سرور ، مرجع سابق ص486 : 491)

** أحكام محكمة النقض بشأن سلطة التحقيق الابتدائى : –
-لا يوجب القانون في مواد الجنح والمخالفات أن يسبق رفع الدعوى أى تحقيق ابتدائي ، فهو ليس بشرط لصحة الحكم إلا في مواد الجنايات ، وإذ كان الأصل في المحاكمات الجنائية أن يحصل التحقيق فيها أمام المحكمة ، ومادامت المحكمة قد حققت بنفسها الدعوى واستمعت الى أقوال المدعى بالحقوق المدنية وبنت قضائها على روايته وعلى ما استبان لها من الإطلاع على أوراق الدعوى ومستنداتها ، فإن ما يثيره الطاعن من دعوى البطلان يكون غير سديد . (نقض 4/11/1973 مج س24 ق897)
-لما كان إذن النيابة العامة بالتفتيش قد صدر كتابة ، وقد أجاز لمأمور الضبط القضائي الذي ندب للتفتيش أن يندب غيره من مأموري الضبط القضائي لإجرائه ، فإنه لا يشترط في أمر الندب الصادر من المندوب الأصيل لغيره من مأمور الضبط القضائي أن يكون ثابتا بالكتابة ، لأن من يجري التفتيش في هذه الحالة لا يجريه باسم من ندبه له وإنما يجريه باسم النيابة العامة الآمرة.
(نقض 23/1/1978 مجموعة المكتب الفني س29 ص83)
-الإذن بالتفتيش عمل من أعمال التحقيق التي يجب إثباتها بالكتابة ، وبالتالي فهو ورقة من أوراق الدعوى . (نقض 9/10/1961 مجموعة المكتب الفني س12 ص774)
-لا يشترط في التحقيق الذي تجريه النيابة أن يسفر عن أدلة جديدة أكثر مما تضمنته تحريات رجال الضبطية القضائية .نقض جلسة 30/5/1955 س6 ق306 ص1043)
-مجرد إحالة الأوراق من النيابة العامة الى أحد رجال الضبط القضائي لا يعد انتدابا له لإجراء التحقيق إذ أنه يجب لاعتباره كذلك أن ينصب الندب على عمل معين أو أكثر من أعمال التحقيق – فيما عدا استجواب المتهم – لا على تحقيق قضية برمتها ، ومن ثم كان المحضر الذي يحرره مأمور الضبط القضائي بناء على هذه الإحالة هو مجرد محضر جمع الاستدلالات لا محضر تحقيق . فإذا ما قررت النيابة حفظه جاز لها رفع الدعوى الجنائية ، دون صدور أمر من النائب العام بإلغاء هذا القرار إذ أن أمر الحفظ المانع من العود الى إقامة الدعوى الجنائية ، إنما هو الأمر الذي يسبقه أو يقوم به أحد رجال الضبط القضائي بناء على انتداب منها في الحدود المشار إليها .
(نقض 23/1/1965 مجموعة المكتب الفني س16 ص885)
-لما كان من المقرر أن الأمر بتسجيل المحادثات التي تجرى في مكان خاص هو عمل من أعمال التحقيق ينبغي على النيابة العامة أن تقوم به بنفسها أو عن طريق ندب من تراه من مأموري الضبط القضائي عملا بنص المادة 200 من قانون الإجراءات الجنائية التي تجيز لكل من أعضاء النيابة العامة في حالتى إجراء التحقيق بنفسه أن يكلف أى مأمور من مأموري الضبط القضائي بهض الأعمال التي من خصائصه فلا يجوز من ثم – ندب مأمور الضبط القضائي لتسجيل المحادثات ، كما لا يجوز لمأمور الضبط القضائي الذي ندبته النيابة العامة – من باب أولى أن يندب لإجراء التسجيل – ولو كان مفوضا في الندب – شخصا من غير مأموري الضبط المختصين مكانيا ونوعيا لإجرائه ، وإلا إذا كان التسجيل باطلا . (الطعن رقم 2463 لسنة 55ق جلسة 1/1/1986 س37 ص9)
-من حيث أن البين من الإطلاع على محضر جلسة المحاكمة في 17 مايو سنة 1994 أن المدافع عن الطاعن دفع ببطلان الإذن بتسجيل أحاديث الطاعن الخاصة لصدوره من القاضي الجزئي لمأمور الضبط القضائي مباشرة دون ندب النيابة العامة للأخير لتنفيذه . لما كان ذلك ، وكانت المادة 95 من قانون الإجراءات الجنائية تجيز لقاضي التحقيق أن يأمر بإجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاثة أشهر ، وكانت المادة 199 من ذات القانون تنص على أنه فيما عدا الجرائم التي يختص قاضي التحقيق بتحقيقها وفقا لأحكام المادة 64 – وليس من بينها الحالة التي في الدعوى الراهنة – تباشر النيابة العامة التحقيق في مواد الجنح والجنايات طبقا للأحكام المقررة من قاضي التحقيق مع مراعاة ما هو منصوص عليه في المواد التالية ومنها المادة 206 من القانون المشار إليه التي أجازت للنيابة العامة تسجيل محادثات جرت في مكان خاص بشرط الحصول مقدما على أمر مسبب بذلك من القاضي الجزئي بعد إطلاعه على الأوراق ، بيد أن سلطة القاضي الجزئي في هذا الصدد محدودة بمجرد إصداره الإذن أو رفضه دون أن يخلع عليه القانون ولاية القيام بالإجراء موضوع الإذن بنفسه إذ أنه من شأن النيابة العامة – كسلطة تحقيق – إن شاءت قامت به بنفسها أو ندبت من تختاره من مأموري الضبط القضائي ، وليس للقاضي الجزئي أن يندب أحد هؤلاء مباشرة لتنفيذ الإجراء المذكور . لما كان ذلك ، وكان الثابت من الإطلاع على المفردات المضمونة أن وكيل النيابة المختص استصدار إذنا من القاضي الجزئي بتسجيل المحادثات الخاصة بالطاعن بناء على ما ارتآه من كفاية محضر التحريات المقدم إليه لتسويغ استصدار الإذن بذلك ، إلا أن القاضي الجئي ندب مباشرة أحد مأموري الضبط القضائي لتنفيذه ، ولما كان مأمور الضبط القضائي قد قام بهذا التسجيل الصوتي للطاعن دون أن يندب لذلك من النيابة العامة فإنه يقع باطلا لحصوله على خلاف أحكام القانون ومن ثم يبطل الدليل المستمد منه ، ومتى تقرر هذا البطلان فإنه يبطل جميع الآثار والإجراءات التي ترتبت عليه بما في ذلك التفتيش الذي انبنى عليه وما أسفر عنه من ضبط مبلغ نقدي ولا يجوز التعويل على شهادة الضابط – من شهود الإثبات – الذين أجروا التسجيل والتفتيش والضبط الباطلين ولا على شهادة….. خبير الأصوات الذي قام بمضاهاة الأصوات بما ورد بهذا التسجيل إذ ما بنى على باطل فهو باطل . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه لم يعرض إيرادا وردا لدفع الطاعن ببطلان هذا التسجيل – للسبب سالف البيان – كما عول الحكم ضمن ما عول عليه على أدلة الثبوت المستمدة من هذا التسجيل والسالف الإشارة إليها رغم بطلانه فإن الحكم يكون مشوبا بالبطلان ومخالفة القانون والقصور في التسبيب ، ولا يغني في ذلك ما ذكره الحكم المطعون فيه من أدلة أخرى عول عليها في قضائه بالإدانة لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأى الذي انتهت إليه المحكمة أو الوقوف على ما كانت تنتهي إليه من نتيجة لو أنها تفطنت الى بطلان هذا الدليل . لما كان ما تقدم ، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإعادة بغير حاجة الى بحث باقي أوجه الطعن . (الطعن رقم 19833 لسنة 64ق جلسة 7/6/2003)
-من حيث إن البين من الإطلاع على محضر جلسة المحاكمة في 17 مايو أن المدافع عن الطاعن دفع ببطلان الإذن بتسجيل أحاديث للطاعن الخاصة لصدوره من القاضي الجزئي لمأمور الضبط القضائي مباشرة دون ندب النيابة للأخير لتنفيذه . لما كان ذلك ، وكانت المادة 95 من قانون الإجراءات الجنائية تجيز لقاضي التحقيق أن يأمر بإجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص متى كان ذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو في جنحة معاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاثة أشهر ، وكانت المادة 199 من ذات القانون تنص على أنه فيما عدا الجرائم التي يختص قاضي التحقيق بتحقيقها وفقا لأحكام المادة 64 – وليس من بينها الحالة التي في الدعوى الراهنة – تباشر النيابة العامة التحقيق في مواد الجنح والجنايات طبقا للأحكام المقررة من قاضي التحقيق مع مراعاة ما هو منصوص عليه في المواد التالية ومنها المادة 206 من القانون المشار إليه التي أجازت للنيابة العامة تسجيل محادثات جرت في مكان خاص بشرط الحصول مقدما على أمر مسبب بذلك من القاضي الجزئي بعد إطلاع على الأوراق ، بيد أن سلطة القاضي الجزئي في هذا الصدد محدودة بمجرد إصداره الإذن أو رفضه دون أن يخلع عليه القانون ولاية القيام بالإجراء موضوع الإذن بنفسه إذ أنه من شأن النيابة العامة – كسلطة تحقيق – إن شاءت قامت به بنفسها أو ندبت من تختاره من مأموري الضبط القضائي ، وليس للقاضي الجزئي أن يندب أحد هؤلاء مباشرة لتنفيذ الإجراء المذكور . لما كان ذلك ، وكان الثابت من الإطلاع على المفردات المضمونة أن وكيل النيابة المختص استصدر إذنا من القاضي الجزئي بتسجيل المحادثات الخاصة إلا أن القاضي الجزئي ندب مباشرة أحد مأموري الضبط القضائي لتنفيذه ، ولما كان مأمور الضبط القضائي قد قام بهذا التسجيل الصوتي للطاعن دون أن يندب لذلك من النيابة العامة فإنه يقع باطلا لحصوله على خلاف أحكام القانون ومن ثم يبطل الدليل المستمد منه ، ومتى تقرر هذا البطلان فإنه يتناول جميع الآثار والإجراءات التي ترتبت عليه بما في ذلك التفتيش الذي انبنى عليه وما أسفر عنه من ضبط مبلغ نقدي ولا يجوز التعويل على شهادة الضابط – من شهود الإثبات – الذين أجروا التسجيل والتفتيش والضبط الباطلين ولا على شهادة ….. خبير الأصوات الذي قام بمضاهاة الأصوات بما ورد بهذا التسجيل إذ ما بنى على باطل فهو باطل . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه لم يعرض إيرادا وردا لدفع الطاعن ببطلان هذا التسجيل – للسبب سالف البيان – كما عول الحكم ضمن ما عول عليه في أدلة الثبوت المستمدة من هذا التسجيل والسالف الإشارة إليها رغم بطلانه فإن الحكم يكون مشوبا بالبطلان ومخالفة القانون والقصور في التسبيب ، ولا يغني في ذلك ما ذكره الحكم المطعون فيه من أدلة أخرى عول عليها في قضائه بالإدانة لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأى الذي انتهت إليه المحكمة أو الوقوف على ما كانت تنتهي إليه من نتيجة لو أنها تفطنت الى بطلان هذا الدليل . لما كان ما تقدم ، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإعادة
(الطعن رقم 19833 لسنة 64ق جلسة 7/6/2003)

** سرية التحقيق الابتدائى : –

لقد نصت المادة 75 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه ” تعتبر إجراءات التحقيق ذاتها والنتائج التي تسفر عنها من الأسرار ويجب على قضاة التحقيق وأعضاء النيابة العامة ومساعديهم من كتاب وخبراء وغيرهم ممن يتصلون بالتحقيق أو يحضرون بسبب وظيفتهم أو مهنتهم عدم إفشائها ، ومن يخالف ذلك منهم يعاقب طبقا للمادة 310 من قانون العقوبات ” .
وقد عللت المذكرة الإيضاحية هذه السرية بأنها ” ضمان لسير التحقيق في مجراه الطبيعي ، وعدم المساس بمصالح الأفراد بغير مقتضى ” .
والمشرع بذلك قد ميز بين التحقيق الابتدائي والمحاكمة ، فإجراءات المحاكمة علنية ، إذ نصت المادة 267 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه ” يجب أن تكون الجلسة علنية ” ، وهذا الاختلاف بين مرحلتى الدعوى يفسره اختلافهما من حيث الدور الإجرائي ، وما يقتضيه من ضمانات .
ويعني مبدأ سرية التحقيق الابتدائي أن جمهور الناس لا يصرح لهم بالدخول في المكان الذي يجرى التحقيق فيه ، ولا تعرض محاضر التحقيق لإطلاع الناس ، ولا يجوز للصحف وغيرها من وسائل الإعلام إذاعتها .
وليست سرية التحقيق الابتدائي مبدأ مطلقا ، وإنما هى نسبية ، فالأصل أنه لا سرية إزاء أطراف الدعوى ووكلائهم ، ولكن إزالة السرية بالنسبة للأطراف ليست بدورها قاعدة عامة ، فثمة قيود واستثناءات ترد عليها .
والعلة من سرية التحقيق الابتدائي أن إجراءات هذا التحقيق تستهدف التنقيب عن أدلة قد يحاول المتهم – أو غيره ممن قد تكون لهم المصلحة في ذلك إخفاءها أو تشويهها ، ولذلك كان التحقيق مقتضيا خطة بارعة وتدبيرا محكما لالتقاط هذه الأدلة واستظهارها وتجميعها ، ويتعين أن يجرى ذلك في سرية ، تفاديا لمحاولات الإفساد أو التشويه ، ويعلل السرية كذلك الحرص على صيانة استقلال المحقق وحياده من التأثير المفسد لوسائل الإعلام التي قد تتخذ اتجاها متحيزا ضد المتهم أو لمصلحته . (عدلي عبد الباقي ، شرح قانون الإجراءات الجنائية ج1 ص279)
وبالإضافة الى ذلك ، فالمشرع قد أراد أن يصون الرأى العام والأخلاق العامة من التأثير السيئ لنشر تفاصيل ارتكاب الجريمة ، وما تذرع به المتهم من أساليب إجرامية اتسمت بالوحشية أو استهانة بالقيم الاجتماعية أو سلطة الدولة ، ويريد الشارع أن يحمي اعتبار المتهم ، فقد يثبت فيما بعد أنه برئ فلا يكون محل لأن تنشر شبهات ثارت ضده وتبين بعد ذلك فسادها ، ويعلل السرية في النهاية أن العلة التي اقتضت علانية المحاكمة لا تتوافر لها ، فقد أراد الشارع بهذه العلانية أن يكون الرأى العام رقيبا على إجراءات تحدد مركز المتهم من حيث الإدانة أو البراءة ، ولما كنت إجراءات التحقيق الابتدائي ليس من شأنها ذلك ، فإنه لا مبرر لتنصيب الرأى العام رقيبا عليها .

** أجل سرية التحقيق الابتدائى : –
لأن السرية مبدأ يلازم التحقيق الابتدائي ، فإن أجلها انتهاء التحقيق بالتصرف فيه . فإذا انتهى بالأمر بألا وجه لإقامة الدعوى بقيت السرية ، أما إذا انتهى بإحالة الدعوى الى القضاء زالت السرية بالضرورة ، إذ المحاكمة علنية ، وذلك ما لم تقرر المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام أو محافظة على الآداب . (Merle vitu. II. No 1107, p.327.)

** أنتفاء السرية بالنسبة للخصوم : –
لقد نصت المادة 77 من قانون الإجراءات الجنائية على أن ” للنيابة العامة وللمتهم وللمجني عليه وللمدعي بالحقوق المدنية وللمسئول عنها ولوكلائهم أن يحضروا جميع إجراءات التحقيق …” .
وتحقيقا لهذه نصت المادة 78 على أنه ” يخطر الخصوم باليوم الذي يباشر فيه القاضي إجراءات التحقيق وبمكانها ” ، وعلى إزالة سرية التحقيق إزاء أطراف الدعوى هو توفير الضمانات لهم بتمكينهم من رقابة إجراءاته والاطمئنان الى سلامتها ، وإثارة أسباب بطلانها في الوقت الملائم ، وهى من ناحية ثانية تمكين كل خصم من العلم بالأدلة التي تقدم ضده ، فيتاح له إبداء رأيه فيها ودحضها ، فيكون من شأن ذلك أن يعطي قيمتها الحقيقة .

** أنتفاء السرية بالنسبة لوكلاء الخصوم : –
نصت المادة 77 من قانون الإجراءات الجنائية في فقرتها الأخيرة على أنه ” للخصوم الحق في استصحاب وكلائهم في التحقيق ” ، ويعلل ذلك بالدور الرئيسي الذي صار المدافع وخاصة مدافع المتهم ، يحتله في الإجراءات الجنائية ، وهذا الدور لا يتاح له أداؤه إلا إذا علم بإجراءات التحقيق ، ويعلل كذلك بأن حضور المحامي إجراءات التحقيق ويمثل من الرقابة على المحقق بما يحول بينه وبين التورط في مخالفة القانون ، وبالإضافة الى ذلك فهو يمد المتهم بشعور بالطمأنينة يتيح له أن يحسن عرض وجهة نظره ، وفي ذلك مصلحة للتحقيق .
يتبين لنا أنه كما للمتهم حق في حضور أحد إجراءات التحقيق فللمدافع عنه حق الحضر كذلك ، وقد عبر المشرع عن ذلك في الفقرة الأخيرة من المادة 125 من قانون الإجراءات الجنائية حيث نصت على أنه ” في جميع الأحوال لا يجوز الفصل بين المتهم ومحاميه الحاضر معه أثناء التحقيق ” .
والحق الذي قرره الشارع للمتهم والمدافع عنه في حضور التحقيق الابتدائي لا يعني أن يتحول التحقيق الى إجراءات مواجهة بحيث يتناظران مع الاتهام ويواجه كل طرف الآخر ، على مثال ما يجرى في المحاكمة ، ذلك أن الشارع لم يعط المتهم والمدافع عنه مركزا مناظر لما أعطاه للاتهام . فإذا طلب المتهم أو المدافع اتخاذ إجراء فللمحقق السلطة التقديرية في أن يجيبه الى طلبه أو ألا يجيبه ، ولا يجوز للمدافع أن يتكلم إلا إذا أذن المحقق ، ويعني ذلك أن علة حق المتهم والمدافع في الحضور هى مجرد رقابة سير التحقيق درء الاحتمال التعسف ، وتجميعا للمعلومات التي تتيح رسم خطة الدفاع ، ولكن زوال السرية بالنسبة للخصوم ووكلائهم ليس قاعدة مطلقة ، فقد أراد الشارع عليه استثنائين عاد فيهما الى أصل السرية بالنسبة للخصوم أنفسهم ، وهذان الاستثناءان هما : الضرورة والاستعجال .

أولا : سرية التحقيق الابتدائى إزاء الخصوم للضرورة : –
لقد نصت الفقرة الأولى من المادة 77 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه ” لقاضي التحقيق في غيبتهم (أى غيبة الخصوم) متى رأى ضرورة ذلك لإظهار الحقيقة ، وبمجرد انتهاء تلك الضرورة يبيح لهم الإطلاع على التحقيق ”
والعلة من ذلك هو خشية أن يؤدي حضور المتهم أو غيره من الخصوم الى إحباط جهود المحقق في التنقيب عن الأدلة . مثال ذلك أن يخشى المحقق أن يكون حضور المتهم أثناء سماع الشهادة منطويا على إرهاب للشاهد على نحو لا يقول معه كل ما يريد ، والمحقق هو الذي يقدر الضرورة التي تقتضي السرية ، والمراد بها ضرورة السرية لإظهار الحقيقة . (نقض 7/12/1936 مجموعة القواعد القانونية ج4 رقم 18 ص20) وفيه قالت المحكمة أن حق النيابة العمومية في إجراء التحقيق في غيبة وكلاء الخصوم ليس مطلقا ، بل يشترط أن يكون ضروريا لإظهار الحقيقة (نقض 25/3/1940 ج5 رقم 84 ص151) وفيه قالت المحكمة أنه وإن كان من حق المتهم أن يحضر التحقيق الذي تجريه النيابة في التهمة الموجهة إليه ، إلا أن القانون قد أعطى النيابة – استثناء من هذه القاعدة – حق إجراء التحقيق في غيبة المتهم إذا رأت لذلك موجبا ، فإذا أجرت النيابة تحقيقا في غيبة المتهم ، فذلك من حقها ، ولا بطلان فيه ” .
ويتعين على المحقق أن يزيل السرية بمجرد انتهاء الضرورة لذلك ، فإن أبقاها على الرغم من زوال الضرورة كانت الإجراءات التي باشرها في سرية باطلة كذلك بطلانا متعلقا بالنظام العام .
والسرية إذا ما توافرت دواعيها إنما تكون أثناء مباشرة الإجراء ، فإذا اتخذ حققت السرية غايتها ، فليس لاستمرارها مبرر ، ومن ثم لم يكن من شأنها أن تحول دون إطلاع الخصوم على المحضر الذي أثبت فيه الإجراء ، وذلك كى يرتبوا دفاعهم على مقتضى النتيجة التي أسفر عنها . (نقض 4/1/1976 مجموعة أحكام محكمة النقض س27 رقم 1 ص9)
وقد أخرج الشارع من سلطة المحقق في فرض السرية تفتيش المنازل ، فنص المادة 92 من قانون الإجراءات الجنائية الذي قرر حصول التفتيش بحضور المتهم أو من ينيبه عنه إن أمكن ذلك ، وإذا حصل التفتيش في منزل غير المتهم يدعى صاحبه للحضور بنفسه أو بواسطة من ينيبه عنه إن أمكن ذلك ، واعتبر ذلك ضمانا لكل منهما ، قد صيغ في عبارة عامة توحي بأنه لا وجه لتقرير استثناء عليه استنادا الى الضرورة . (نقض 9/11/1959 مجموعة أحكام محكمة النقض س10 رقم 183 س857)

ثانيآ : سرية التحقيق الابتدائى إزاء الخصوم للأستعجال : –
فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 77 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه ” لقاضي التحقيق أن يباشر في حالة الاستعجال بعض إجراءات التحقيق في غيبة الخصوم ، ولهؤلاء الحق في الإطلاع على الأوراق المثبتة لهذه الإجراءات ” ، وعلة هذه السرية أن مصلحة التحقيق قد تقتضي اتخاذ إجراء معين في وقت محدد ، فإذا أرجئ حتى يخطر الخصوم ويحضروا فقد لا يستطاع اتخاذ هذا الإجراء على الإطلاق ، أو لا يستطاع اتخاذه في الوقت الملائم لذلك ؟ أو على النحو الذي تتحقق به مصلحة التحقيق . مثال ذلك أن تقتضي مصلحة التحقيق سماع شاهد مهدد بالموت أو مضطر لسفر إلى غير عودة قريبة ، فإذا أرجئ سماع الشهادة إلى حين حضور الخصوم فقد لا تسمع قط ، ومع ذلك فإن أهميتها في الدعوى قد تكون حاسمة ، ومثال ذلك أيضا أن تقتضي مصلحة التحقيق إجراء معاينة لمكان الواقعة على الفور قبل أن تمتد يد التشويه إلى أدلة الجريمة ، والمختص بتقدير الاستعجال ومدى اقتضائه اتخاذ إجراء في غيبة الخصوم هو المحق ، وتراقب محكمة الموضوع تقديره ، فإذا لن تقره عليه كان الإجراء الذي اتخذه في غيبة الخصوم باطلا .
وهذه السرية ليست مفروضة بقرار المحقق ، وإنما دعت إليها ظروف واقعية ، ومن ثم جاز لمن استطاع الحضور من الخصوم أن يحضر . (محمود مصطفى ، رقم 198 ص261 ، عمر السعيد رمضان ، رقم 224 ص362 ، مأمون محمد سلامة ص436 ، محمود نجيب حسني ص630 : 635)

** حضور المحامى للتحقيق الابتدائى : –
فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 125 إجراءات المضافة بالقانون رقم 37 لسنة 1972 على أنه في جميع الأحوال لا يجوز الفصل بين المتهم ومحاميه الحاضر معه أثناء التحقيق وتقتصر مهمة المحامي في هذه الحالة على مراقبة حيدة التحقيق الابتدائي وإبداء ما يعن له من دفوع وطلبات أو ملاحظات على أقوال الشهود ، سواء كتابة أو شفاهة ، على أنه لا يجوز للمحامي الكلام إلا إذا أذن له المحقق ، وإذا لم يأذن له وجب إثبات ذلك في المحضر (م124/3 إجراءات) .
كما أوجب القانون على المحقق دعوى محامي المتهم في جناية للحضور – إن وجد – قبل استجوابه أو مواجهته وذلك في غير حالة السرعة بسبب الخوف من ضياع الأدلة (م124/1 إجراءات) .
وضمانا لفاعلية حق المتهم في الاستعانة بمحاميه أثناء التحقيق فيجوز له الاختلاء بمحاميه قبل التحقيق دون حضور أحد من رجال السلطة .
فقد نصت المادة 141 إجراءات على عدم الإخلال بحق المتهم بالاتصال دائما بالمدافع عنه بدون حضور أحد .
ويلاحظ أن حضور المحامي مرتبط بإسباغ صفة المتهم على وكيله ، فهنا وهنا فقط يصبح هذا المتهم طرفا في الخصومة الجنائية ، أما قبل ذلك أى في مرحلة الاستدلالات فإنه يكون مجرد مشتبه فيه ولا يجوز له وفقا للقواعد العامة الاستعانة بمحام إلا أن المادة 52 من القانون رقم 17 لسنة 1983 بشأن إصدار قانون المحاماة نصت على أنه ” يجب على ….. دوائر الشرطة ….. أن تقدم له التسهيلات التي يقتضيها القيان بواجبه وتمكينه من الإطلاع على الأوراق والحصول على البيانات وحضور التحقيق مع موكله وفقا للقانون ولا يجوز رفض طلباته بغير مسوغ قانوني .
والاستعانة بمحام أثناء التحقيق الابتدائي أمر جوازى للمتهم سواء في الجنح أو في الجنايات ، وخلافا لذلك فقد نصت بعض التشريعات العربية السوري واللبناني والتونسي والمغربي على وجوب تعيين محام للمتهم في جناية في التحقيق الابتدائي .
وإذا قرر المحقق سرية التحقيق ، فالأصل أنه لا يجوز للمحامي حضور هذا التحقيق لأنه يخضع لما يسري على موكله ، هذا ما لم يسمح له المحقق بالحضور إذا لم تضار مصلحة التحقيق بذلك من يملك الأكثر يملك الأقل .

** الاطلاع على التحقيق : –
لقد منح القانون الخصوم حق الإطلاع على التحقيق ولا تبدو لهذا الحق فائدته إلا قبل استجواب المتهم أو عند إجراء التحقيق في غيبتهم .
فقد أجازت المادة 125 إجراءات للمحامي الإطلاع على التحقيق في اليوم السابق على الاستجواب أو المواجهة ما لم يقرر المحقق غير ذلك .
كما نصت المادة 77/1 ، 2 إجراءات على أنه ” عند مباشرة التحقيق في غيبة الخصوم ، يبيح لهم المحقق بمجرد انتهاء الضرورة الإطلاع على التحقيق ، كما أن لهم في حالة الاستعجال الحق في الإطلاع على الأوراق المثبتة لإجراء التحقيق . (نقض 4/1/1976 مجموعة الأحكام س27 رقم 1 ص9)
وتأكيدا لحق الخصوم في الإطلاع على التحقيق ، نص القانون على أنه للمتهم وللمجني عليه وللمدعي بالحقوق المدنية وللمسئول عنها أن يطلبوا على نفقتهم أثناء التحقيق صورا من الأوراق إذا كان نوعها إلا إذا كان التحقيق حاصلا بغير حضورهم بناء على قرار صادر بذلك . (م84 إجراءات)
ويلاحظ أنه وفقا للمادة 77/1 ، 2 إجراءات ، فإن للمتهم ذاته بغير وساطة محاميه حق الإطلاع على أوراق التحقيق الذي يتم في غيبته ، وهو ما يعبر عن قاعدة عامة في هذا الخصوص أكدها تقرير لجنة حقوق الإنسان نحو المبادئ المتصلة بالحق في عدم الخضوع للقبض أو الحبس التعسفي ، وقد تضمن حق الإطلاع للمتهم ومحاميه سواء بسواء ، أما ما ورد في المادة 125 إجراءات بشأن السماح للمحامي بالإطلاع على التحقيق قبل يوم الاستجواب ، فذلك بمناسبة دعوة هذا المحامي لحضور الاستجواب (م124 إجراءات) لا لقصر حق الإطلاع على المحامي وحده دون المتهم ، وخلافا لذلك فقد اتجهت بعض التشريعات الى قصر حق الإطلاع على المحامي وحده (م147 إجراءات ألماني ، م118 إجراءات فرنسي) .
وحرمان المتهم أو محاميه من مباشرة حق الإطلاع يؤثر في حيدة المحقق ويلقي ظلالا من الريبة على المحقق .
وإذا كان قاضي التحقيق هو الذي يباشر التحقيق فللنيابة العامة الإطلاع في أى وقت على الأوراق لتقف على ما يجري في التحقيق على ألا يترتب على ذلك تأخير السير فيه .
ويراعى إذا كانت أوراق المحضر أو التقارير مكتوبة بلغة لا يفهمها المتهم أن ترفق هذه التقارير بلغة يفهمها .
ولا شك أن احترام حق الدفاع يتطلب إما ترجمة كافة المحاضر والأوراق بلغة يفهمها المتهم ، أو تمكين المتهم من فهم ما جاء بها بواسطة مترجم .
وقد قضت محكمة النقض المصرية بأنه ” إذا كان المتهم قد تمسك بأنه لا تصح مساءلته على أساس تقارير في الدعوى مكتوبة باللغة الإنجليزية ، ومع ذلك إدانته المحكمة استنادا الى هذه التقارير دون ترجمتها ، فهذا عيب في الإجراءات يقتضي نقض حكمها ” (نقض 20/12/1948 مجموعة القواعد في 25 عاما ج رقم 184 ص116 ، وانظر الدكتور أحمد فتحي سرور ، مرجع سابق ص475 : 479)

** أحكام نقض بشأن التحقيق الابتدائى : –
-الأصل أن من حق المتهم أن يحضر التحقيق الذي تجريه النيابة في تهمة موجهة إليه ، إلا أن القانون قد أعطى النيابة استثناء من هذه القاعدة حق إجراء التحقيق في غيبة المتهم إذا رأت لذلك موجبا ، فإذا أجرت النيابة تحقيقا ما في غيبة المتهم فيكون ذلك من حقها ولا يطلان فيه ، كل ما للمتهم هو التمسك لدى محكمة الموضوع بما قد يكون في التحقيقات من نقص أو عيب حتى تقدره وهى على بينة من أمرها . (نقض جلسة 14/6/1979 س39 ق146 ص685)
-إجراء التحقيق الابتدائي في غير جلسة علنية لا يترتب عليه أى بطلان .
(نقض 28/12/1948 مجموعة القواعد القانونية ج5 ق84 ص151)
-مقتضى نص المادة 75 من قانون الإجراءات الجنائية أن إجراءات التحقيق من الأسرار التي لا يجوز لمن أشار إليهم النص إفشائها . (نقض جلسة 9/11/1959 س10 ص857)
-لما كان القانون قد أباح للمحقق أن يباشر بعض إجراءات التحقيق في غيبة الخصوم مع السماح لهؤلاء بالإطلاع على الأوراق المثبتة لهذه الإجراءات ، وكانت الطاعنة لم تدع أمام محكمة الموضوع بأنها منعت من الإطلاع على أقوال الضابط التي تقول أنه أدلى بها في غيبتها في تحقيقات النيابة ، فإن ما أثارته في هذا الصدد أمامها لا يعدو أن يكون دفاعا قانونيا ظاهر البطلان ، ولا على المحكمة إن هى التفتت عنه ولم ترد عليه . (الطعن رقم 1471 لسنة 45ق جلسة 4/1/1976 س27 ص9)
-يجوز للنيابة العامة إجراء التحقيق في غيبة المتهم إذا لم يتيسر حضوره ، وكل ما يكون للمتهم هو أن يتمسك لدى المحكمة بما يراه من عيب فيقع تقدير ذلك في سلطة المحكمة بوصف أن تحقيق النيابة دليل من أدلة الدعوى التي تستقل المحكمة بتقديرها ، ومجرد غياب المتهم عند سؤال الشاهد ليس من شأنه أن يبطل أقواله . (نقض جلسة 7/3/1971 س22 ق47 ص194)
-إنه وإن كان من حق المتهم أن يحضر التحقيق الذي تجريه النيابة في التهمة الموجهة إليه إلا أن القانون قد أعطى النيابة استثناء من هذه القاعدة – حق إجراء التحقيق في غيبة المتهم إذا رأت لذلك موجبا ، فإذا ما أجرت النيابة تحقيقا في غيبة المتهم فذلك من حقها ولا بطلان فيه ، على أن الأصل أن العبرة عند المحاكمة هى بالتحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها ولا يرجع الى التحقيقات الابتدائية إلا إذا تعذر على المحكمة تحقيق الدليل بنفسها ، وفي هذه الحالة يجب ألا يكون الدليل مخالفا للقانون وهذه الصورة وحدها هى التي يصح فيها التمسك ببطلان الدليل المستمد من التحقيقات الأولية .
(نقض جلسة 25/3/1940 مجموعة القواعد القانونية ج5 ق84 ص151)
-عدم حضور المحامي تحقيق النيابة ما يترتب عليه بطلان الحكم ، لأن المادة 34 تحقيق جنايات تجيز له – من جهة – التحقيق في غيبة المتهم ومحاميه ، ولا تحتم – من جهة أخرى – حضور المحامي وإلا كان العمل باطلا . (نقض جلسة 8/11/1928 مجموعة القواعد القانونية ج1 ق6 ص15)
-للنيابة العامة أن تمنع محامي المتهم من حضور التحقيق في حدود الرخصة الممنوحة لها طبقا للمادة 24/1 ، 2 تحقيق جنايات . (نقض 1/3/1948 مجموعة القواعد القانونية ج7 ق550 ص510)
-المعاينة التي تجريها النيابة عن محل الحادث لا يلحقها البطلان بسبب غياب المتهم وقد إجرائها إذ المعاينة ليست إلا إجراء من إجراءات التحقيق يجوز للنيابة أن تقوم به في غيبة المتهم ، إذا رأت لذلك موجبا ، وكل ما يكون للمتهم هو أن يتمسك لدى محكمة الموضوع بما قد يكون قي المعاينة من نقص أو عيب حتى تقدره المحكمة وهى على بينة من أمرها كما هو الشأن في تقدير سائر الأدلة .
(نقض جلسة 9/6/1952 س3 ق393 ص1050)
-إن المعاينة ليست إلا إجراء من إجراءات التحقيق ، فيجوز للنيابة أن تقوم بمعاينة محل الحادثة في غيبة المتهم ، وله أن يتمسك لدى محكمة الموضوع بما قد يكون في المعاينة من نقص أو عيب حتى تقدها المحكمة وهى على بينة من أمرها كما هو الشأن في تقدير شهادة الشهود .
(نقض 25/3/1940 مجموعة القواعد القانونية ج5 ق84 ص151)
-يجوز للنيابة أن تقوم بالإطلاع على الأوراق في مرحلة التحقيق في غيبة المتهم إذا هى رأت لذلك موجبا ، ولا يبطل غياب المتهم هذا الإجراء ، وكل ما يكون له هو أن يتمسك لدى محكمة الموضوع بما قد يكون فيه من نقص وعيب حتى تقدره المحكمة وهى على بينة من أمره كما هو الشأن في سائر الأدلة . (نقض جلسة 20/2/1961 س12 ق45 ص251)
-إن حق النيابة العمومية في إجراء التحقيق في غيبة وكلاء الخصوم ليس مطلقا بل يشترط أن يكون ذلك ضروريا لإظهار الحقيقة ، ومع ذلك إذا كانت المحكمة قد قررت في حكمها ما يستفاد منه أن حق النيابة هذا مطلق من كل قيد فلا مصلحة للمتهم في الطعن على حكمها لهذا النظر الخاطئ مادامت هى لم تعول في الحكم إلا على التحقيق الحاصل أمامها .
(نقض جلسة 7/12/1936 مجموعة القواعد القانونية ج4 ق18 ص20)
-أن مجرد تخوف الشاهد وخشيته من رجال الشرطة لوجودهم أثناء سؤاله بالتحقيق لا يصح اتخاذه ذريعة بإزالة الأثر القانوني المترتب على تلك الأقوال متى اطمأنت المحكمة الى صدقها ومطابقتها للواقع . ( نقض جلسة 21/12/1970 مج س21 ص1239)
-إن المادة 333 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه ” يسقط الحق في الدفاع ببطلان الإجراءات الخاصة بجمع الاستدلالات أو التحقيق الابتدائي أو التحقيق بالجلسة في الجنح والجنايات ، إذا كان المتهم محام وحصل الإجراء بحضوره بدون اعتراض منه ” ، وإذا كان ذلك ، وكان الطاعن لا ينازع في أسباب طعنه في أن التحقيق معه تم في حضور محاميه الذي لم يبد ثمة اعتراض على إجراءات التحقيق ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولا .
(نقض جلسة 27/6/1971 مج س22 ص521)
-إن القانون رتب البطلان على عدم السماح – بغير مقتض – لمحامي المتهم بالإطلاع على التحقيق أو الإجراءات التي أجريت في غيبته . ( نقض جلسة 15/3/1956 مج س7 ص361)
-من المقرر أنه ليست في حضور ضابط الشرطة التحقيق ما يعيب إجراءاته ، إذا أن سلطات الوظيفة في ذاته لما يسبغه على صاحبه من اختصاصات وإمكانيات لا يعد إكراها مادام هذا السلطان لم يستطل على المتهم بالأذى ماديا كان أو معنويا ، كما أن مجرد الخشية لا يعد قرين للإكراه المبطل للاعتراف لا معنى ولا حكما . (نقض جلسة 22/6/1970 مج س21 ص918)
-لما كان القانون قد أباح للمحقق أن يباشر بعض الإجراءات التحقيق في غيبة الخصوم مع السماح لهؤلاء بالإطلاع على الأوراق المثبتة لهذه الإجراءات ، وكانت الطاعنة لم تدع أمام محكمة الموضوع بأنها منعت من الإطلاع على أقوال الضابط التي تقول أنه أدلى بها في غيبتها في تحقيقات النيابة ، فإن ما أثارته في هذا الصدد أمامها لا يعدو أن يكون دفاعا قانونيا ظاهر البطلان ، ولا عن المحكمة إن هى التفتت عنه ولم ترد عليه . (نقض جلسة 4/1/1976 مج س27 ص9)
-حق النيابة العامة في منه وكيل المتهم عن الحضور وقت استجوابه إياه رعاية لمصلحة التحقيق أمر سائغ ولا يصح نقدها عليه . (جلسة 5/2/1934 مجموعة القواعد القانونية ج3 ق197 ص265)
-دفع محامي المتهم ببطلان التحقيق وما تلاه من إجراءات استنادا الى عدم تمكين النيابة له قبيل التصرف في التحقيق من الإطلاع على ملف الدعوى وعدم السماح له بالاتصال بالمتهم ، هذا الدفع لا محل له إذ أن القانون لا يرتب البطلان إلا على عدم السماح بغير مقتضى لمحامي المتهم بالإطلاع على التحقيق في اليوم السابق على استجواب المتهم أو مواجهته بغيره أو الإطلاع على التحقيق أو الإجراءات التي أجريت في غيبته . ( نقض جلسة 15/3/1956 س7 ق107 ص361)
– أنه مع افتراض أن ما أدلى به المحامي واتخذه الحكم عمادا له في قضائه بالبراءة ، يعد في حكم الأسرار التي وصلت الى علمه بسبب مهنته ويحظر القانون عليه البوح بها أو إفشائها ، فإن ذلك لا يقدح في سلامة الحكم لما هو مقرر ، من أنه وإن كان يشترط في دليل الإدانة أن يكون مشروعا إذ لا يجوز أن تبنى إدانة صحيحة على دليل باطل في القانون ، إلا أن المشروعية ليست بشرط واجب في دليل البراءة ، ذلك بأنه من المبادئ الأساسية في الإجراءات الجنائية أن كل متهم يتمتع بقرينة البراءة الى أن يحكم بإدانته بحكم نهائي وأنه الى أن يصدر هذا الحكم به الحرية الكاملة في اختيار وسائل دفاعه بقدر ما يسعفه مركزه في الدعوى وما ينتاب نفسه من عوامل الخوف والحرص والحذر وغيرها من العوارض الطبيعية لضعف النفوس البشرية . (الطعن رقم 1172 لسنة 36ق جلسة 31/1/1967)
-لما كان ما يثيره الطاعن بأسباب الطعن من أن التحقيق كان يجرى في إدارة الشرطة مردودا بأن اختيار المحقق لمكان التحقيق متروك لتقديره حرصا على صالح التحقيق وسرعة إنجازه .
(الطعن رقم 6027 لسنة 53ق جلسة 19/2/1984 س35 ص163)

** تدوين التحقيق الابتدائى كتابيآ : –
لقد نص المشرع على مبدأ تدوين التحقيق الابتدائي في المادة 73 من قانون الإجراءات الجنائية التي قضت بأن ” يستصحب قاضي التحقيق في جميع إجراءاته كاتبا من كتاب المحكمة وقع معه المحاضر ، وتحفظ هذه المحاضر مع الأوامر وباقي الأوراق في قلم كتاب المحكمة ” .
مفاد ذلك أن جميع إجراءات التحقيق يجب أن تثبت كتابه في محضر يعد لذلك ، ويتفرع عن ذلك أنه لا يجوز إثبات حصول الإجراء بغير المحضر الذي دون فيه ، أى استبعاد طرق الإثبات الأخرى في هذا الشأن .
والعلة الكامنة وراء أهمية تدوين إجراءات التحقيق تتمثل في الحاجة الى إثبات حصول الإجراء والظروف التي اتخذ فيها والأثر الذي ترتب عليه ، وذلك في وضوح وتحديد ، والكتابة هى التي توفر ذلك ، بالإضافة الى غاية التحقيق ليست كامنة فيه ذاته ، وإنما تعرض إجراءاته ونتائجها بعد الفراغ منها على قضاء الحكم لكى يفصل في الدعوى على أساس منها ، ويقتضي ذلك بداهة إثبات الإجراءات في محاضر يتكون منها (ملف الدعوى) الذي يعرض فيما بعد على القضاء .
والمحقق لا يقوم بتدوين المحضر بنفسه فقد اشترط المشرع أن يتولى تدوين المحضر كاتب يتفرغ أثناء التحقيق لهذا العمل ، وذلك حرصا من المشرع على أن يتفرغ المحقق للجانب الفني من التحقيق ، فيتاح له أن يستغرق ويركز ذهنه فيه ، ويدير خطته الفنية ، ويتحرى صحته القانونية ، فلا يشغله عن ذلك مجهود التدوين المادي ، وقد خشى الشارع أن يجئ انشغال المحقق بماديات التدوين على حساب الجانب الفني والقانوني للتحقيق ، فلا تكون له القيمة التي يريدها له . (د/ محمد مصطفى القللي ، ص202)
ويتعين أن يكون الكاتب الذي يصحب المحقق ويدون محاضر التحقيق مختصا بهذا العمل ، وقد عبر الشارع عن هذا الشرط في قوله أنه (كاتب من كتاب المحكمة) التي ينتمي إليها قاضي التحقيق (أو التي ألحقت بها النيابة التي ينتمي إليها عضو النيابة المحقق) وهذا الشرط تطبيق للقواعد العامة في اعتبار الاختصاص شرطا لصحة الإجراء .
والأصل أن يترتب على انتفاء هذا الشرط بطلان المحضر باعتباره محضر تحقيق ، وإن ساغ أن يتول الى محضر استدلال . (نقض 20/2/1961 مجموعة أحكام محكمة النقض س12 رقم 40 ص233 ، 2/2/1975 س26 رقم 144 ص659)
ولكن نظرية الضرورة تتدخل لتضع قيدا على هذا الأصل . فإذا دون المحضر كاتب غير مختص ، وكانت الضرورة هى التي اقتضت ذلك ، فإن المحضر يعتبر صحيحا كمحضر تحقيق ، ويختص المحقق بتقدير توافر الضرورة ، وترتقبه في ذلك محكمة الموضوع . (نقض 22/3/1955 مجموعة أحكام محكمة النقض س6 رقم 224 ص692)
فإذا اعتبرت المحكمة الضرورة غير متوافرة بطل المحضر كمحضر تحقيق ، وإن صح كمحضر استدلال .
وقد تتخذ الضرورة صورة الاستعجال كما لو كان الكاتب المختص متغيبا لسبب ما ، وكان انتظار حضوره يعني ألا يتخذ الإجراء في وقته الملائم . (نقض 24/11/1952 مجموعة أحكام محكمة النقض س4 رقم 55 ص135)
ولكن قد تتخذ صورة استشعار الحرج من الاستعانة بالكاتب المختص لاعتبارات تتصل بحسن سير التحقيق ، كما لو كان هذا الكاتب قريبا للمتهم أن المجني عليه بحيث يحتمل أن يشوه بيانات المحضر لمصلحة قريبة أو كان مجرد حضوره في التحقيق حائلا بين أحد أفراد الشهود وإدلائه بما يريد قوله .
وإذا استعان المحقق بغير الكاتب المختص فلا يشترط أن يفصل ظروف الضرورة التي دعته الى ذلك ، بل أنه لا يشترط أن يذكر صراحة توافرها ، وإنما يفترض توافرها ، تطبيقا لقاعدة أن الأصل في الإجراء الصحة . (نقض 18/5/1959 مجموعة أحكام محكمة النقض س10 رقم 118 ص535 ، 29/5/1961 س12 رقم 119 ص622)
” الأثر المترتب على عدم الاستعانة بكاتب مختص لتدوين المحضر :
يترتب على عدم الاستعانة بكاتب مختص لتدوين المحضر بطلان المحضر كمحضر تحقيق ، ولكن استجماعه على الرغم من ذلك الشروط المتطلبة في محضر الاستدلال يؤدي الى صحته كمحضر استدلال ، وذلك تطبيقا لنظرية (تحول الإجراء) . ( د/ محمود نجيب حسني ، مرجع سابق ص636 : 638)

المبحث الثانى: إجراءات التحقيق الابتدائى : –
إجراءات التنقيب عن الادلة :
أولا : الانتقال والمعاينة : –
المعاينة من أهم الإجراءات فى التحقيقات الجنائية وهى عصب التحقيق ودعامته ولها المرتبة الأولى بالنسبة لسائر إجراءات التحقيق الأخرى لأنها تعبر عن الواقع تعبيرا أمينا صادقا لا تعرف الكذب ولا الخداع ولا المحاباة وتعطى المحقق صور صحيحة واقعية لمكان الجريمة وما فيه فى ماديات وآثار للجانى أو للجناة وتكشف عن كيفية تنفيذ الجريمة منذ بدايتها حتى نهايتها ولهذا كانت المعاينة من أقوى الأدلة الجنائية التى يطمئن اليها المحقق الجنائى بل أنها تفوق فى قوتها الاعتراف برغم الرأى الذى يقول بأن الاعتراف سيد الأدلة . إذ قد يعترف المتهم نتيجة ما تعرض له من وسائل الإهانة أو الإكراه أو التعذيب فهو اعتراف باطل لا يلتفت إليه وأخر يعترف للتظليل لامر فى قراره نفسه أما المعاينة فيه وإن كانت صماء الا أنها تترجم عن الواقع ولهذا أدعى إلى الثقة والاطمئنان .
( المستشار أنور عاشور – موسوعة التحقيق الجنائى العملى – ص114).
ويقصد بالمعاينة مشاهدة واثبات الحالة القائمة فى مكان الجريمة والأشياء التى تتعلق بها وتفيد فى كشف الحقيقة واثبات حالة الأشخاص الذين لهم صلة بها كالمجنى عليه فيها وبعبارة أخرى اثبات كل ما يتعلق بماديات الجريمة . (الدكتورة فوزية عبد الستار).
وعلى ذلك فالمعاينة أثبات مباشر ومادى لحالة الأشخاص والأشياء والأمكنة ذات الصلة بالحادث . ويكون ذلك من خلال رؤيتها أو فحصها فحصا مباشرا بواسطة عضو النيابة أو من يندبه من مأمورى الضبط القضائى – والمعاينة ليست الا إجراء من إجراءات التحقيق بجور للنيابة أن تقوم به فى غيبة المتهم إذا لم يتيسر حضوره .( م 294 من التعليمات العامة للنيابات ).

وينتقل عضو النيابة المحقق إلى أى مكان كلما رأى ذلك ليثبت حالة الامكنة والأشياء والأشخاص ووجود الجريمة ماديا وكل ما يلزم إثبات حالته . (م295من التعليمات العامة للنيابات)
ويجب على عضو النيابة أن ينتقل فى الوقت المناسب إلى مكان الحادث ويعاينه بحضور المتهم والشهود وبصفه دقيقا مع ايضاح ما تستلزم مصلحة التحقيق ايضاحه من اتجاهات أو مسافات ويبحث عما يكون لمكان الحادث من الآثار المادية التى يحتمل أن تفيد فى كشف الحقيقة ويضع رسما تخطيطا لمكان الحادث كلما أمكن ذلك وكانت له فائدة ى استجلاء كيفية وقوع الحادث على أن يسترشد فى ذلك كله بمن يرى فائدة الاسترشاد بهم من الاشخاص الذين لهم علاقة بالحادث .
( م 296 من التعليمات العامة للنيابات).
وقد نصت المادة 90 من قانون الإجراءات الجنائية على أن ينتقل قاضى التحقيق إلى أى مكان كلما رأى ذلك ليثبت حالة الامكنة والاشياء والاشخاص ووجود الجريمة ماديا . وبكل ما يلزم اثبات حالته.

** والمعاينة إجراء من إجراءات التحقيق التى يترك أمر تقدير لزوم القيام إلى السلطة التى تباشرها : –
” والمعاينة إجراء من إجراءات التحقيق التى يترك أمر تقدير لزوم القيام إلى السلطة التى تباشرها ويجوز للنيابة القيام بها فى غيبة المتهم إذا رأت لذلك موجبا ولا يترتب على ذلك البطلان ويجوز للمتهم فى هذه الحالة التمسك أمام محكمة الموضوع بما شاب المعاينة من نقص أو عيب :
وقد قضت محكمة النقض بأن : لما كان الطاعن الثالث لا ينازع فى أن وكيل النيابة المختص هو الذى أجرى التحقيق ، فلا يهم بعد ذلك المكان اختاره المحقق لإجراء التحقيق والذى يترك حق اختياره لتقدير حرصا على صالح التحقيق وسرعة إجرائه .( الطعن رقم 2082 لسنة 48ق جلسة 11/6/1979 س30 ص669). وبأنه” من المقرر أن المعاينة التى تجريها النيابة لمحل الحادث لا يلحقها البطلان بسبب غياب المتهم ، إذ أن تلك المعاينة ليست الا إجراء من إجراءات التحقيق يجوز للنيابة ان تقوم به فى غيبة المتهم إذ هى رأت لذلك موجبا ، وكل ما يكون للمتهم هو أن يتمسك لدى محكمة الموضوع بما قد يكون فى المعاينة من نقص أو عيب حتى تقدرها المحكمة وهى على بينة من أمرها كما هو الشأن فى سائر الأدلة” . (الطعن رقم 164 لسنة 34ق جلسة 11/5/1964 س15 ص362).وبأنه” أن ما أثير بأسباب الطعن من أن التحقيق كان يجرى فى دار الشرطة مردود عليه بأن اختيار المحقق لمكان التحقيق متروك لتقديرها حرصا على صالح التحقيق وسرعة إنجازه”
(نقض جلسة 21/2/1977 س28 ص281). وبأنه” من المقرر أن المعاينة ليست الا إجراء من إجراءات التحقيق يجوز للنيابة أن تقوم به فى غيبة المتهم” نقض جلسة 3/4/1977 س28 ص441). وبأنه” لا محل لم يثيره الطاعن من الإخلال بحقه فى الدفاع بسبب عدم حضور محاميه معه أثناء إجراء معاينة النيابة ، ذلك أن المادة 124 من قانون الإجراءات الجنائية التى يتمسك بها خاصة باستجواب المتهم فى الحالات وبالشروط المبينة فيها” .( الطعن رقم 164لسنة 34ق جلسة 11/5/1964 س15 ص362). وبأنه” أن المعاينة من إجراءات التحقيق التى يترك أمر تقدير لزوم القيام بها الى السلطة التى تباشره” .( الطعن رقم 659 لسنة 28ق جلسة 16/6/1958 س9 ص676).
ويجوز للمحكمة أن تجرى المعاينة أثناء نظر الدعوى سواء بناء على طلب الخصوم أو من تلقاء نفسها لكشف الحقيقة طبقا لمفاد نص المادة 291 من قانون الإجراءات الجنائية .
ويجب على مأمور الضبط القضائى فى حالة التلبس بجناية أو جنحة أن ينتقل فورا الى محل الواقعة ، ويعاين الآثار المادية للجريمة ، ويحافظ عليها ، ويثبت حالة الإمكان والأشخاص ، وكل ما يفيد فى كشف الحقيقة ، ويسمع أقوال من كان حاضرا ، أو من يمكن الحصول منه على إيضاحات فى شأن الواقعة ومرتكبها .
ويجب عليه أن يخطر النيابة العامة فورا بانتقاله ويجب على النيابة بمجرد إخطارها بجناية متلبس بها الانتقال فورا الى محل الواقعة .( م 31 من قانون الإجراءات الجنائية ).
وقد قضت محكمة النقض بأن : ان حالة التلبس توجب على مأمور الضبط القضائى – طبقا للمادة 31 من فانون الإجراءات الجنائية – الانتقال فورا إلى محل الواقعة ومعاينة الآثار المادية للجريمة والمحافظة عليها ، فضلا عن انها – طبقا للمادتين 34،46 من هذا القانون – تبيح له أن يقبض على المتهم الحاضر الذى توجد دلائل كافية على اتهامه وان يفتشه . (الطعن رقم 1421 لسنة 55ق جلسة 30/5/1985 س36 ص736) وبأنه “من المقرر انه يكفى لقيام حالة التلبس ان تكون هناك مظاهر خارجية تنبئ بذاتها عن وقوع الجريمة – وأنه لا يشترط ان يكون من شاهد هذه المظاهر قد تبين ما هية الأشياء محل الجريمة ، وإذ كانت هذه الجريمة جنحة معاقبا عليها بالحبس الذى تزيد مدته على ثلاثة أشهر وكانت قد توافرت لدى مأمور الضبط القضائى – وفقا لما تشير اليه ملابسات الواقعة وظروفها التى أثبتها الحكم – دلائل جدية وكافية على اتهام المطعون ضده بارتكابها فإنه من ثم يكون له يأمر بالقبض عليه مادام انه كان حاضرا وذلك عملا بالمادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 37 لسنة 1972 المتعلق بضمان حريات المواطنين كما يجوز له تفتيشه عملا بما تخوله المادة 46 من القانون السالف الذكر .( الطعن رقم 1846 لسنة 51ق جلسة 19/12/1981 س32 ص1144). وبأنه” الخطاب الموجه الى مأمور الضابط القضائى فى المادة 31 إجراءات جنائية بشأن سماع الحاضرين فى محل الواقعة انما يتعلق بحالة قيامه بضبط الجريمة المتلبس بها ، فإذا كان الضابط قد نفذ أمر النيابة فى حدود المهمة التى ندب لها ، وهى مهمة الضبط والتفتيش المأذون بها ، فإن للمتهم أن يطلب من النيابة – التى أخطرت بالواقعة وباشرت التحقيق – أن يسمع من يرى لزوما لسماعهم من الشهود ، كما أن له أن يلعن شهوده بالحضور أمام المحكمة فإذا لم يفعل شئ يعيب الحكم “( نقض جلسة 4/12/1961 – مجموعة القواعد القانونية س12 ص955).
ولمأمور الضبط القضائى عند انتقاله فى حالة التلبس بالجرائم أن يمنع الحاضرين من مبارحة محل الواقعة أو الابتعاد عنه حتى يتم تحرير المحضر ، وله أن يستحضر فى الحال من يمكن الحصول منه على إيضاحات فى شأن الواقعة. (م 32 إجراءات جنائية).
وعلى ذلك فإن المادة 31،32 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت على مأمور الضبط القضائى أخطار النيابة بانتقاله فى الجرائم المتلبس بها . وجرى العمل على قصر الإخطار على الجنايات والجنح الهامة فحسب لتقرر النيابة ما إذا كان هناك وجه لانتقالها أم لا . كما أوجبت نفس الفقرة على النيابة العامة بمجرد إخطارها بجناية متلبس بها الانتقال فورا الى محل الواقعة وقد يترتب على عدم الإخطار أو عدم الانتقال مسئولية إدارية على المخالف لكن لا يترتب على أيهما بطلان ما .( الدكتور رؤف عبيد).
ويجب على مأمورى الضبط القضائى أن يقبلوا التبليغات والشكاوى التى ترد اليهم بشأن الجرائم وأن يبعثوا بها فورا الى النيابة العامة . ويجب عليهم وعلى مرؤسيهم أن يحصلوا على جميع الإيضاحات ويجروا المعاينات اللازمة لتسهيل تحقيق الوقائع التى تبلغ إليهم أو التى يعملون بها بأية كيفية كان وعليهم أن يتخذوا جميع الوسائل التحفظية اللازمة للمحافظة على أدلة الجريمة . ويجب أن تثبت جميع الإجراءات التى يقوم بها مأمور الضبط القضائى فى محاضر موقع عليها منهم يبين بها وقت اتخاذ الإجراء ومكان حصوله . ويجب أن تشمل تلك المحاضر زيادة على ما تقدم توقيع الشهود والخبراء الذين سمعوا . وترسل المحاضر إلى النيابة العامة مع الأوراق والأشياء المضبوطة .( م24 من قانون الإجراءات الجنائية ).

** الهدف من إجراء المعاينة : –
يهدف من إجراء المعاينة هدفين :
الأول : جمع الأدلة التى تخلفت عن الجريمة كرفع البصمات وقص الأثر وتحليل الدماء ………… الخ وكل ما يفيد فى كشف الحقيقة سواء لانه استخدام فى إحداث الجريمة أو تخلف عنها .
الثانى : إعطاء المحقق فرصة ليشاهد بنفسه على الطبيعة مسرح الجريمة حتى يتمكن من تمحيص الأقوال التى أبديت حول كيفية وقوع الجريمة وتقدير المسافات ومدى الرؤية وغيرها .
ويجب على المحقق عند إجراء المعاينة إثبات حالة المكان ووصفه تفصيليا وبيان مدى امكان وقوع الجريمة بالشكل الذى ورد على لسان المجنى عليه والشهود ، وكذلك اثبات حالة الأشخاص والأشياء الموجودة بمكان الجريمة ورفع الآثار المتعلقة بها ، ويقوم بعمل التجارب المختلفة وتصوير الحادث.
ويجب الإسراع فى الانتقال للمعاينة حتى لا يتطرق الشك الى الدليل المستفاد منها ، إذا ما انقضت فترة بين وقوع الجريمة وإجراء المعاينة تسمح بأن يتمكن الجانى من إزالة العناصر المادية التى تفيد كشف الحقيقة .
ومن المقرر أن المعاينة ليست الا إجراء من إجراءات التحقيق وبالتالى لا يجوز للنيابة أن تقوم به فى غيبة المتهم الا فى حالة الضرورة والاستعجال .
ولا تثريب على مخالفة واجب الانتقال للمعاينة فى الجنايات المتلبس بها أى بطلان فى الإجراءات .
والتأخير فى إجراء المعاينة يخضع فقط لتقدير محكمة الموضوع من حيث الدليل المستمد منهما .( راجع فى كل ما سبق المستشار عز الدين الدناصورى والدكتور عبد الحميد الشواربى – المرجع السابق ) .

** يجوز للمحكمة أن تنتقل الى محل الواقعة لإجراء المعاينة سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم : –
للمحكمة أن تنتقل الى محل الواقعة لإجراء المعاينة سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم ويتم ذلك بانتقال أعضاء المحكمة بكامل تشكيلها أى بصحبة عضو النيابة وكاتب الجلسة وذلك باعتبار أن الجلسة تكون منعقدة قانونا فى مكان المعاينة و بالتالى تخضع لكافة القواعد التى تحكم التحقيق النهائى ويتطلب أعلان المتهم والمدعى المدنى للحضور وتكون المعاينة باطلة إذا أجريت فى غيبة النيابة أو كاتب الجلسة أو إذا أجريت فى جلسة لم يعلن لها المتهم ويبطل الحكم بالإدانة إذا اعتمد على نتائج المعاينة .
كما يجوز للمحكمة أن تندب أحد أعضائها لإجراء المعاينة . ويجب أن يتبع عند اتخاذ هذا الإجراء القواعد التى تحكم إجراءات المحاكمة فيجب أخطار الخصوم بمكان المعاينة وزمانها ليتمكنوا من الحضور أثناء إجرائها . ويظل هذا الالتزام بالأخطار ولو كانت جلسات المحاكمة سرية . ذلك أن السرية لا تسرى على الخصوم ووكلائهم ويجب أن يحرر محضر بأعمال المعاينة ويترتب على مخالفة هذه الإجراءات بطلان الحكم الذى يستند الى المعاينة .
ويجب أن نلاحظ أن حصول المعاينة بغير استيفاء الشروط لقانونية لا يؤدى الى بطلان الحكم الذى يصدر فى الدعوى إلا إذا كانت المعاينة من الاسباب التى بنى فى عليها هذا الحكم فإذا لم يستند اليها القاضى فى حكمه بل استند إلى أدلة أخرى فى الدعوى فلا يمكن التمسك ببطلان المعاينة . ويجوز للمحكمة أو لمن تعينه من قضائها تعيين أهل خبرة فى حال الوجود بالمحل ليباشروا الأعمال المطلوبة منهم فى الحال بعد تحليفهم اليمين أو سماع الشهود الذين يرى استشهادهم بعد تحليفهم .( فوزية
عبد الستار – جندى عبد الملك و أحمد فنحي سرور ).
وقد قضت محكمة النقض بأن: لما كان ما يثيره الطاعن من عدم استجابة المحكمة لطلبة بإجراء معاينة وتجرية ضوئية لمكان الحادث مردودا بما هو مقرر من أن طلب المعاينة الذى لا يتجه الى نفى الفعل المكون للجريمة ولا الى استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود بل كان مقصودا به اثارة فى الدليل الذى اطمأنت إليه المحكمة يعتبر دفاعا موضوعيا لا تلتزم المحكمة بإجابته ولا يستلزم منها ردا صريحا بل يكفى الرد عليه مستفاد من الحكم بالإدانة .( طعن رقم 1417 لسنة 53ق جلسة 27/2/1984). وبأنه” إذا كان ما يثيره الطاعن فى خصوص قعود النيابة عن إجراء معاينة لمكان الحادث وإرسال العصا المضبوطة للطب الشرعى للتحقيق من أنها استخدمت فى الحادث لا يعدو أن يكون تعييبا الذى جرى فى المرحلة السابقة على المحاكمة مما لا يصلح أن يكون سببا للطعن على الحكم لا يبين من محضرى جلسة المحكمة أن الطاعن قد طلب إلى المحكمة تدارك هذا النقص فليس له من بعد أن ينعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها ولم تر هى حاجة لإجرائه بعد أن اطمأنت إلى صحة الواقعة كما رواها الشهود” ( الطعن رقن 389 لسنة59 ق جلسة 16/11/1989) وبأنه” ومن حيث أن البين من الحكم المطعون فيه أنه اعتمد من بين الأدلة التى عول عليها فى إدانة الطاعنين – على المعاينة بيد أية اكتفى بالإشارة اليها دون أن يورد فحواها أو يبين وجه استدلاله بها . لما كان ذلك وكان من المقرر أنه يجب إيراد الأدلة التى تستند إليها المحكمة وبيان مؤداها فى الحكم بيان كافيا فلا تكفى مجرد الإشارة إليها بل ينبغى سرد مضمون الدليل وذكر مؤداه بطريقة وافية يبين منها مدى تأييده للواقعة كما اقتنعت بها المحكمة ومبلغ اتفاقه مع باقى الأدلة التى أقرها الحكم حتى يتضح وجه استدلاله بها إذ فات الحكم المطعون فيه بيان مؤدى ما اشتملت عليه المعاينة ووجه استناده إليها فإنه يكون مشوبا بالقصور الذى يبطله ويوجب نقضه والإعادة دون حاجة لبحث باقى أوجه الطعن” ( الطعن رقم 698 لسنة 59ق جلسة 30/1/1991).وبأنه” أن طلب المعاينة إذا كان من الطلبات المهمة المتعلقة بتحقيق الدعوى إظهارا لوجه الحق فيها فإن عدم إجابته أو الرد عليه ردا مقبولا يبطل الحكم الصادر بالإدانة فإذا كانت المحكمة – فى جريمة إحراز مخدر – قد رفضت طلب الدفاع عن المتهم بالانتقال لمعاينة المقهى وكان هذا الرفض قائما على ما قالته من أن معاينة النيابة أثبتت ضيق المشرب أما عرض الحشيش فى مكان مكشوف فيدل على جرأة المتهمين فى حين أن المتهم يبنى هذا الطلب على أنه كان يستطيع وهو يجلس بالمقهى أن يرد أفراد القوة قبل دخولهم لضبطه . وكانت المعاينة التى استندت اليها المحكمة خلوا مما أسس عليه المتهم طلبه فإن الحكم الصادر بإدانة المتهم يكون باطلا متعينا نقضه” .( الطعن رقم 1340 لسنة 28ق جلسة
19/12/1958). وبأنه” إن اعتماد المحكمة على محضر انتقال أجرته هيئة المحكمة التى نقض حكمها لا يعيب الحكم ومادام الدفاع عن المتهم لم يكن قد طلب الى المحكمة أن تنتقل هى بنفسها للمعاينة ولم يوجه أى اعتراض على ما هو ثابت فى محضر الانتقال المذكور”.( الطعن رقم 495 لسنة 14ق جلسة 15/5/1944).وبأنه” متى كان الدفاع قد قصد من طلب أن تحقق المحكمة من حالة الضوء لتتبين مدى صحة ما أدلت به الشاهدة زوجة المجنى عليها فى شأن رؤية الجناة عند مقارفتهم الجريمة . وهو من الطلبات الجوهرية لتعلقه بتحقيق الدعوى لإظهار الحقيقة فيها . وكان ما قالته المحكمة – من أنه لا جدوى من إجراء تلك المعاينة لان جسم المجنى عليه متحرك ومن الطبيعى أن تكون اصابته فى الامكنة التى أوضحها الطبيب الشرعى فى تقديره بسبب حركته إبان الحادث – لا يصلح ردا على هذا الطلب – فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوبا بالقصور والإخلال بحق الدفاع مما يتعين النقض والإحالة” .( الطعن رقم 1457 لسنة 39ق جلسة 10/11/1969).وبأنه” لما كان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن فى شأن طلب اجراء معاينة للحديقة التى حصل بها الضبط لبيان ما إذا كانت مسورة من عدمه ورد عليه بقوله ” ان معاينة النيابة التى تطمئن اليها المحكمة أوردت ان الحديقة محل الضبط ليس عليها سور فإن ما أثاره الدفاع فى هذا الخصوص يكون قائما على غير سند ” وكان ما أورده الحكم فيما تقدم يستقيم به اطراح دفاع الطاعن بشأن طلب إجراء المعاينة وكان هذا الدفاع لا يتجه الى نفى الفعل المكون للجريمة ولا الى استحالة حصول الواقعة بل كان المقصود أثاره الشبهة فى الأدلة التى اطمأنت اليها المحكمة ويعتبر دفاعا موضوعيا لا تلتزم المحكمة بإجابته كان ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص لا يكون له محل” (الطعن رقم 278 لسنة 54ق جلسة 30/10/1984) وبأنه” متى كان الحكم قد استند فى ادانة المتهم – بين ما استند إليه – إلى المعاينة محل الحادث دون أن يورد مؤدى هذه المعاينة أو يذكر شيئا عنها ليوضع وجه اتخاذها دليلا مؤيدا لأدلة الإثبات الأخرى التى بينها بالرغم من أن المتهم استشهد بهذه المعاينة نفسها على براءاته مما أسند إليه فإنه يكون قاصر البيان” .( الطعن رقم 175 لسنة 27ق جلسة 2/4/1957). وبأنه” إن المحكمة هى الملاذ الذى يتيعن أن يتفسح لتحقيق الواقعة وتقصيها على الوجه لصحيح غير مفيدة فى ذلك بتصرف النيابة العامة فيما تثبته فى قائمة شهود الإثبات أو تسقطه من أسماء الشهود الذين عاينوا الواقعة أو يمكن أن يكونوا عاينوها وإلا انتفت الجدية فى المحاكمة وانغلق باب الدفاع فى وجه طارقه بغير حق وهو ما تأباه العدالة أشد الإباء” .(الطعن رقم 22442 لسنة 59ق جلسة 4/2/1990). وبأنه” لا يعيب الحكم أن يطمئن الى المعاينة التى أجريت فى التحقيق الابتدائى فى غيبة المتهم .( الطعن رقم 1723 لسنة 27ق جلسة 20/1/1958).وبأنه” إذ كان الحكم المطعون فيه قد عرض لطلب الطاعن الأول إجراء معاينة للمكان الذى قبل بإقامته به ورد على بقوله ” فمردود بأن المعاينة التى تلتزم بها المحكمة إنما هى تلك التى تنصب على نفى الفعل المكونة للجريمة واستحالة وقوع الجريمة بالصورة التى رواها شهود الإثبات أما إذ كانت تقوم فى واقع الأمر على النيل من دليل الإثبات فى الدعوى كما هو الحال فى الدعوى الراهنة فإن الأمر مرده اطمئنان المحكمة وإقناعها للدليل المقرر فى الدعوى وإذا اطمأنت المحكمة لأقوال شهود الإثبات وعولت عليها لإدانتها عنها لما كان ذلك فإن هذا الطلب فى غير محله وتقضى المحكمة برفضه فإن هذا حسبه ليستقيم قضاؤه وذلك بأن من المقرر أن طلب المعاينة إذ كان لا يتجه إلى نفى الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود بل كان يعد دفاعا موضوعيا لا تلتزم المحكمة بإجابته ومن ثم فلا محل لتعيب الحكم بالإخلال بحق الدفاع” .( الطعن رقم 22 لسنة 60ق جلسة 10/7/1990).وبأنه” من المقرر أن طلب المعاينة هو من إجراءات التحقيق ولا تلتزم المحكمة بإجابته طالما أنه لا يتجه الى نفى الفعل المكون للجريمة أو إثبات استحالة حصول الواقعة . وكان الهدف منه مجرد التشكيك فى صحة أقوال الشهود . وإذا كان الحكم المطعون فيه قد رد على طلب إجراء المعاينة بأن المحكمة لا ترى محلا لأجابته اطمئنانا منها الى سلامة تصوير رجال الضبط لحصول الواقعة وبما مؤداه أن الدفاع لم يقصد من ذلك الطلب سوى اثارة الشبهة فى أدلة الثبوت التى اطمأنت اليها المحكمة فإن فى هذا الذى أورده ما يكفى ليبرأ من دعوى القصور فى التسبيب” .( الطعن رقم 861 لسنة 42ق جلسة 1/10/1972).وبأنه” لما كان الحكم المطعون فيه قد عول فى إدانة الطاعن من بين ما عول عليه من الأدلة على المعاينة التى أجرتها المحكمة وساق مؤداها بقوله ” وثبت أيضا من المعاينة التى أجرتها المحكمة وجود تجريف بالباب المضبوط يمكن وضع الميزان والمخدر والنقود فيه بسهولة كما يمكن إخراج ذلك منه فإن ما يثيره الطاعن بشأن المعاينة إن هو إلا جدل فى تقييم الدليل المستند منها – بعد أن أجرتها بنفسها بما لا يجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها فى شأنه” (الطعن رقم 3279 لسنة 62ق جلسة 62ق جلسة 18/10/1993) وبأنه” متى كان الحكم قد استظهر واقعة الدعوى وبنى إدانة المتهم على أدلة لها أصلها الثابت فى أوراق الدعوى فلا يهم بعدئذ أن يكون قد ورد بالمعاينة التى أجريت فى الدعوى من بعض الوقائع ما يخالف ما أخذت به المحكمة من تلك الأدلة . إذ أن تأخذ من الأدلة ما تطمئن إليه وتطرح ماعداه .( الطعن رقم 888 لسنة 19ق جلسة 1/11/1949). وبأنه” متى كان الطاعن لم يتمسك فى مرافعته أمام الهيئة الجديدة التى نظرت الدعوى بطلب إجراء المعاينة فإن المحكمة لا تكون ملزمة بإجابته ولا تثريب عليها إذا هى لم ترد عليه”.(الطعن رقم 2047 لسنة 37ق جلسة 4/3/1968).وبأنه” لما كان لا يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن قد طلب إلى المحكمة إجراء معاينة لمكان الضبط فليس له بعد أن ينعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها ولم تر هى حاجة الى إجرائه بعد أن اطمأنت الى صحة الواقعة كما رواها شاهد الإثبات” (الطعن رقم 1604 لسنة 48ق جلسة 22/1/1979).وبأنه” لا يعيب الحكم أن يكون قد استند فيما استند إليه من أدلة الى المعاينة التى أجراها وكيل شيخ الخفراء فإن ذلك مما يخوله له نص المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية باعتبار وكيل شيخ الخفراء من بين المرءوسين لمأمورى الضبط القضائى”
( الطعن رقم 1166 لسنة 25ق جلسة 31/1/1956).

** التعليمات الخاصة بالنيابة العامة الخاصة بالمعاينة : –
مادة (297) : على عضو النيابة أن يهتدى فى تحديد الوقت الذى يباشر المعاينة فيه بمدى جدواها فى ذلك الوقت فى توجيه التحقيق الوجهة السليمة فإذا أنكر المتم ما أسند إليه عند سؤاله تعين إجراء المعاينة قبل الاستجواب لاحتمال أن تكون مواجهة المتهم بنتيجتها ذات فائدة فى إظهار الحقيقة أما فى حالة الاعتراف فتجب المبادرة الى استجواب المتهم قبل المعاينة .
مادة (298) : على عضو النيابة أن يعنى حين قيامه بمعاينة محل الحادث بالبحث عما عسى أن يكون الجانى قد تركه فيه من آثار تفيد فى كشف الحقيقة كآثار الأقدام وبصمات الأصابع وبقع الدم وغيرها وعليه فى سبيل ذلك أن بفحص بدقة وعناية تأمين الأشياء التى يحتمل أن يعلق بها أثر لبصمات الأصابع كالزجاج والخزف والمعادن والخشب المصقول والشمع والورق وما شاكلها . ويجب عليه أن يحافظ على هذه الأشياء وعلى كل شئ يشتبه فى أن تكون عليه بصمة لاصبع أو أثر لقدم إذا لم تكن جهة الإدارة قد سبق أن تحفظت عليه . وأن يتخذ الإجراءات اللازمة لمنع تعرضها للمؤثرات الجوية وعدم امتداد أى يد إليها .
ويكون رفع بصمات الأصابع وآثار الأقدام بمعرفة مندوب من مصلحة تحقيق الأدلة الجنائية وإذا لم يتيسر ذلك فيجرى رفعها بمعرفة أحد رجال الضبط القضائى وعلى من يرفع الأثر أن يضع عليه أسمه وتاريخ رفعه ورقم القضية الخاصة .
مادة (299) : لعضو النيابة عند المعاينة الا يقتصر على إثبات حالة الأشياء بل يحسن أن تكون فى ذهنه صورة احتمالية لوقوع الجريمة وفقا لرواية الشهود أو تحريات مأمور الضبط القضائى حتى يعنى بإثبات كل ما يتصل بها وصولا الى الحقيقة.
مادة (300) : يتعين إثبات ما يبديه الحضور والشهود من ملاحظات أثناء إجراء عضو النيابة للمعاينة وذلك فى المحضر الذى يخصص لها من إشارة فى الرسم التخطيطى الى الأمكنة التى يرد ذكرها فى هذه الملاحظات .
مادة (301) : يجب أن يضع عضو النيابة رسما تخطيطيا للمكان الذى قام بمعاينته يبين فيه مكان الحادث وما وجد به والسافات المختلفة له وما يتعلق بما وجد به من آثار من بيان الجهات الأصلية فى الرسم . حتى تكون الصورة واضحة لمن يطلع عليه . وإذا تيسر التقاط بعض الصور الفوتوغرافية للمكان كان ذلك أو فى بالغرض.
مادة (302) : تجب العناية فى المعاينات الخاصة بجرائم القتل بذكر الحالة التى وجدت عليها الجثة من ناحية وضعها وموقعها بالنسبة الى المكان الذى وجدت فيه بالقياس الى الجهات الأصلية ثم وصف ما يبدو على الجثة من آثار وصفا تفصيليا دون المساس بها . ثم بيان الحالة العامة للمكان الذى توجد به الجثة من ناحية بعثره بعض محتوياته أو وجودها مرتبة وفتحات المكان من نوافذ وأبواب وحالة كل منها . وكل ما يفيد فى كشف الحقيقة .
مادة (303) : يمتنع على عضو النيابة أن يضمن محضر المعاينة أى استنتاج لما يعتقده مستخلصا من المعاينة التى باشرها . وإنما يترك هذا الى حين مناقشة من يقوم بسؤالهم أو عند التصرف فى الدعوى أو عند المرافعة أمام المحكمة.
مادة (304) : لا يجوز لعضو النيابة فحص موضع الجريمة بجسم المجنى عليه فى جرائم هتك العرض ونحوها وإنما يندب لذلك ذو الخبرة من الأطباء ممن تتيح لهم مهنتهم مشاهدة هذه المواضع وتوقيع الكشف الطبى عليها .
ويجب على عضو النيابة أن يتخذ ما يلزم من الاحتياطات للتحفظ على ملابس المجنى عليهم أو المتهمين فى هذه الجرائم لتحليل أو فحص ما تحمل من آثار الجريمة .
مادة (305) : يسترشد بالقواعد الآتية عند التمييز بين الآثار التى يمكن الانتفاع بمضاهاتها والآثار التى تصلح لذلك تفاديا من انتداب الخبراء بغير فائدة:
1- يشترط لبصمات الأصابع أن تكون على جسم أو سطح ناعم ونظيف بدرجة مناسبة كالخشب المصقول أو الزجاج أو المعادن أو المرآة أو ما شابه كل ذلك .
2- الارض المغطاه بأعشاب وحشائش أو نباتات أخرى لا يظهر عليها آثار الاقدام فى أغلب الاحيان .
3- الارض الجافة أو المحروثة حديثا لا تمكن حالتها غالبا من طبع علامات القدم المميزة عليها ولا يظهر عليها شكل القدم جيدا . وعلى ذلك فالآثار التى توجد عليها لا يمكن الانتفاع بها فى غالب الاحيان .
4- الارض المروية حديثا والتى تغمرها المياه بكثرة تكون الآثار المتروكة بها عبارة عن حفر لا يستفاد منها .
5- وجود تشقق جسيم بالارض قبل أو بعد حدوث الاثار بها يمنع من إمكان المضاهاة عليها .
6- الارض الرملية التى يحدث فيها انهيار الرمال بكثرة لا يمكن معرفة حقيقة الأثر الموجود عليها .
وعلى العموم فإنه يشترط فى اثار الاقدام أن تكون واضحة وأن يكون مميزا بها شكل القدم والأصابع حتى تتيسر المضاهاة عليها وتقديمها للمحكمة كدليل أو قرينة يمكن الآخذ بها فى القضايا الجنائية .
مادة (306) : تجب العناية فى جرائم الزرع غير المحصود بحيث تكون وافية ويستدل منها كلما أمكن إذا كان فاعلوا الجريمة أكثر من شخصين لما يترتب على معرفة ذلك من اعتبار الواقعة جناية أو جنحة .
مادة (307) : إذا اقتضت مصلحة التحقيق استدعاء أحد موظفى وزارة الزراعة لمعاينة زراعة متلفة فتخابر بذلك الجهة الرئيسية له على أن يبين لها سبب استدعاء الموظف ونوع العمل المطلوب إجراؤه لتوفد الموظف المختص بذلك .
مادة (308) : يلاحظ إجراء المعاينة فى جرائم الأثر بحضور المهندس المختص ويخطر تفتيش الاثار بما يتم فى القضايا من التصرفات أو بما يصدر فيها من أحكام.
مادة (309) : على أعضاء النيابة أن يحرروا بأنفسهم معاينة لمكان الحادث فى جرائم القتل الخطأ والإصابة باهمال كلما وجدوا فائدة من وراء ذلك مع ارفاق رسوم تخطيطية يراعى فى إعدادها الوضوح والدقة .

1 Comment

  1. ahmed says:

    – ضمانات المتهم في مرحلة التحقيق الابتدائي .
    – حقوق المتهم في مرحلة التحقيق .
    – التحقيق الابتدائي في القانون المصري .
    – حقوق المتهم في مرحلة المحاكمة .
    – ما هو التحقيق الابتدائي .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Howdy,
Search exact
Search sentence
Ad2
Ad1