You cannot copy content of this page

المسئولية الجنائية لخطأ الطبيب فى القانون المصرى

واجبات الطبيب والمسئولية الجنائية عن الخطآ الطبى وصورة 

 

– تمهيد : –
تتطلب ممارسة الأعمال الطبية والجراحية المساس بسلامة جسم الإنسان ، ولما كان المشرع الجنائى يجزم أفعال المساس بسلامة الجسم- فى صورة الضرب أو الجرح أو اعطاء مواد ضارة – فإن الأعمال الطبية والجراحية تتطابق مع النموذج القانونى لجرائم المساس بسلامة الجسم . ومع ذلك لا تسرى أحكام القانون الخاصة الضرب والجرح على الطبيب أو الجراح إذا ما اضطر – وهو يزاول مهنته – إلى التعرض لأجسام المرضى بالإيذاء . وإنتفاء المسئولية الجنائية عن هذه الأفعال لا يرجع إلى حسن الباعث أو انتفاء القصد الجنائى لدى الطبيب أو الجراح ، إذ أن جريمة الضرب أو الجرح العمد تتوافر عناصرها لو كان محدث الجرح طبيبا أو جراحا يعمل لخير المريض وشفائه ، متى ثبت أنه أتى الفعل المادى وهو يعلم أن من شأنه المساس بجسم المريض . وكذلك لا يستند إنتفاء المسئولية إلى رضاء المريض بأعمال التطبيب أو الجراحة ، لأن القانون لا يعتد برضاء المجنى عليه فى جرائم الاعتداء على الجسم أو الحياة . ولا يقبل من الجانى أن يدفع بأنه ارتكب الفعل تلبية لطلب المصاب أو القتيل .

وفى الحقيقة تنتفى المسئولية الجنائية للطبيب أو الجراح بسبب إباحة الأعمال الطبية أو الجراحية التى يباشرها على جسم المريض . ذلك أن هذه الأعمال وأن مست مادة الجسم ، إلا أن ذلك من أجل صيانته وحمايته والحفاظ عليه حتى يسير سيرا طبيعيا ، وليس اهدار مصلحته أو ايذائه . فالأعمال الطبية والجراحية ليست من قبيل الاعتداء على الحق فى سلامة الجسم ، ومن ثم ينتفى الاعتداء على الحق وتزول علة التجريم وتتعين الإباحة . وتقوم هذه الأخيرة على أساس حق الطبيب فى مزاولة مهنته بإجراء الجراحة ، أو بوصف الدواء ومباشرة اعطائه للمريض . وقد ورد النص على هذا الحق فى المادة 60 من قانون العقوبات التى تنص على أنه ” تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة ” . ومن المسلم به أن كلمة (الشريعة) الواردة فى هذا النص تنصرف إلى الأحكام المقررة بمقتضى الشريعة الاسلامية ، وايضا بمقتضى القوانين المختلفة . وعلى ذلك يتمتع الطبيب أو الجراح بسبب إباحة إذا كان الفعل الذى أتاه على جسم المجنى يعد عملا طبيا مستوفيا لشروطه .

(د/ محمود نجيب حسنى – نقض 28/3/1938 – مجموعة القواعد القانونية – جـ ع – رقم 188 – ص184 – ونقض 16/5/1938 – مجموعة القواعد القانونية – جـ ع – رقم 222 – ص230 – ونقض 25/12/1944 – مجموعة القواعد القانونية – جـ6 – رقم 422 – ص567) .

 

– أولا : العمل الطبى : –

يعرف البعض العمل الطبى بأنه ” ذلك العمل الذى يقوم به شخص متخصص من أجل شفاء الغير ، طالما استند هذا العمل إلى الأصول الطبية المقررة فى علم الطب . فاللجوء إلى العلم من أجل شفاء المريض هو الذى يميز الطب عن أعمال السحر والشعوذة” كما يعرفه البعض الآخر بأنه ” ذلك الجانب من المعرفة الذى يتعلق بموضوع الشفاء وتخفيف المرض ووقاية الناس من الأمراض” . ولكن يعاب على هذين التعريفين أنهما قصرا نطاق العمل الطبى على العلاج ووقاية الناس من الأمراض ، دون الأعمال الأخرى التى تكون غايتها المحافظة على صحة الإنسان وحياته . ولذلك فإننا ننضم إلى الفريق الذى يعرف العمل الطبى بأنه ” كل عمل يكون ضروريا أو ملائما لاستعمال الطبيب حقه فى ممارسة المهنة الطبية ” . أو هو ” العمل الضرورى والملائم لتحقيق الغرض الاجتماعى الذى يستهدفه الطب كعلم وفن ” (د / محود نجيب حسنى)
فيدخل فى الأعمال الطبية – من غير شك – كل ما يتعلق بالكشف عن المرض (مثل الفحوص البكترولوجية والتحاليل الطبية)، وتشخيصه ووصف الأدوية واعطاء الاستشارات الطبية والعقاقير وإجراء العمليات الجراحية . لعلاجه من أجل تحقيق الشفاء منه أو تخفيف آلامه أو الحد منها . كما يدخل فى الأعمال الطبية الوقاية من الأمراض والمحافظة على صحة الإنسان الجسمية والنفسية ، أو تحقيق مصلحة اجتماعية يقرها المجتمع . (د/ اسامة عبد الله قايد – المسئولية الجنائية للأطباء – ص55 – نقض 15/10/1957 – المرجع السابق ص876) .

 

ثانيآ : شروط أباحة العمل الطبى : –

يشترط لإباحة الأعمال الطبية توافر عدة شروط ، الهدف منها ضمان حصر العمل الطبى المباح فى المجال الذى يفيد المجتمع ، وحتى لا يساء استعماله فينقلب شرا يصيبه ، فيشترط أن يكون الطبيب أو الجراح مرخصا له فى مباشرة الأعمال الطبية ، وأن تكون هذه الأعمال قد وقعت برضاء المريض أو ممن يعتد برضائه فى ظروف خاصة ، ,ان تكون الغاية من هذه الأعمال هى العلاج . فإذا لم يعمل الجراح أو الطبيب داخل هذه الحدود كان مسئولا عما يتسبب عن فعله مسئولية عمدية أو غير عمدية . (د/ محمود نجيب حسنى – د / محمود مصطفى – المرجعان السابقان) .
1) الترخيص القانونى بمزاولة المهنة :
حتى يكون العمل الطبى مباحا يجب أن يباشره شخص مرخص له قانونا بمزاولة مهنة الطب . ويقتضى ذلك الحصول على بكالوريوس الطب والجراحة ، ثم الحصول على ترخيص الجهة المختصة بمباشرة مهنة الطب . وعلة هذا الشرط أن المشرع لا يثق فى غير من رخص لهم بمزاولة الأعمال الطبية ، إذ هم الذين تتوافر لديهم الدراية والخبرة العلمية للقيام بعمل طبى أو جراحى مطابق للأصول العلمية من أجل شفاء المريض . (د/ محمود نجيب حسنى – المرجع السابق) .
والترخيص بمزاولة مهنة الطب قد يكون عاما شاملا لجميع أعمال المهنة ، وقد يكون خاصا بمباشرة أعمال معينة منها . وفى هذه الحالة لا تتحقق الإباحة إلا إذا كان العمل داخل فى حدود الترخيص المقرر .
وقد قضت محكمة النقض بأن : حق القابلة لا يتعدى مزاولة مهنة التوليد مباشرة غيرها من الأعمال ومن بينها عمليات الختان التى تدخل تحت عداد ما ورد بالمادة الأولى من القانون رقم 415 لسنة 1954 التى قصرت على من كل طبيبا مقيدا اسمه بجدول الأطباء بوزارة الصحة وبجدول نقابة الأطباء البشريين . واجراؤها عملى الختان يكون خروجا عن نطاق ترخيصها ، ومن ثم تسأل عن جريمة عمدية . (نقض 11 مارس سنة 1974 ، مجموعة أحكام محكمة النقض ، س25 ، رقم 59 ص263 ، وأنظر أيضا نقض 4 يناير سنة 1937 ، مجموعة القواعد القانونية ، جـ4 ، رقم 34 ، ص31 ، ونقض 13 يونيو سنة 1939 ، مجموعة القواعد القانونية ، جـ4 ، رقم 407 ،
ص576)
وقد أجاز القانون استثناء لطائفه خاصه من غير الاطباء -كالممرضات -ممارسة بعض الاعمال الطبيه كان حكمهم فى ذلك حكم الطبيب بالنسبه للاعمال المرخص لهم بمزاولتها .
فقد قضى بأن “الحلاق الذى يجرى عملية حقن تحت الجلد يسأل جنائيا عن احداث الجرح العمد رغم رخصه الجراحه الصغرى التى بيده اذ هى على حسب القانون الذى اعطيت على مقتضاه لا تبيح اجراء هذا الفعل .(نقض 23اكتوبر سنة 1939 مجموعة القواعد القانونيه ج 4 رقم 417 ص 585 )
ولا يقبل من المتهم الدفع بأنه حاصل على بكالوريوس فى الطب وأنه ارتكب الفعل بناء على طلب المريض والحاحه او بان الغرض الذى قصد اليه وهو شفاء المريض قد تحقق أو بأنه لم يقع منه خطأ فنى او مادى اذ ان فعله قد وقع غير مشروع ابتداء فيسأل عن نتائجه كغيره من الناس عن جريمة عمديه .

وقد قضت محكمة النقض بأن : لا تغنى شهادة الصيدليه أو ثبوت دراية الصيدلى بعملية الحقن عن الترخيص لمزاولة مهنة الطب وهو ما يلزم عنه مساءلته عن جريمة احداثه بالمجنى عليه جرحا عمديا ما دام أنه كان فى مقدوره أن يمتنع عن حقن المجنى عليه مما تنتفى به حالة الضروره .

(نقض 13 ديسمبر سنة 1960 مجموعة احكام النقض س11 رقم 176 ص 904 ) .

وبأنه ” الأصل أن أى مساس بجسم المجنى عليه يجرمه قانون العقوبات وقانون مزاولة مهنة الطب ،وانما يبيح القانون فعل الطبيب بسبب حصوله على اجازة علمية طبقا للقوانين واللوائح ، وهذه الاجازة هى اساس الترخيص الذى تتطلب القوانين الخاصة بالمهنة الحصول عليه قبل مزاولتها فعلا .وينبنى على القول بأن اساس عدم مسئولية الطبيب استعمال الحق المقرر بمقتضى القانون ان من لايملك حق مزاولة مهنة الطب يسأل عما يحدثه بالغير من جروح وما اليها باعتباره معتديا – اى على اساس العمد – ولايعفى من العقاب إلا عند قيام حالة الضرورة بشروطها القانونية :تقضى 2مارس سنة 1981، مجموعة أحكام محكمة النقض ،س32،رقم 31،ص196. وانظر فى نفس المعنى نقض24 اكتوبر سنة 1932، مجموعة القواعد القانونية ،جـ2، رقم 1،ص1039، ونقض 18فبراير سنة 1952،مجموعة احكام محكمة النقض ،س3،رقم 26،ص698) .
وانظر عكس ذلك نقض 27مايو سنة 1935 ، ومجموعة القواعد القانونية ،جـ4،رقم 417،ص585حيث قضت محكمة النقض بأن التمورجى اذا ادخل قسطرة فى قبل المريض بطريقة غير فنية فأحدث جرحين بالمثانة ومقدم القبل يسأل عن جريمة القتل الخطأ.

2) رضاء المريض :
لا يكون العمل مباحا إلا إذا رضى المريض به . فرضاء المريض سابق لمباشرة العمل الطبى عليه .وعله هذا الشرط هى رعاية ما لجسم الانسان من حصانه ، بحيث لايجوز لاحد ان يمس به إلا برضاء صحيح من المريض (د/حسن محمد الجدع – دمحمد صبحى محمد نجم – محمود نجيب حسنى) ويجب ان يكون رضاء المريض صحيحا ، وهو لا يكون كذلك إلا إذا كان حرا ومتبصرا وصادرا عن ذى اهلية . فإذا وقع المريض فى غلط أو تدليس أو اكراه فإن رضاؤه يتجرد من القيمة القانونية وكذلك يجب أن يكون رضاء المريض مبينا على اساس من العلم المستنير بطبيعة ونوعية ومخاطر النتائج المحمله للعمل الطبى الذى ينصرف اليه رضاؤه وإلا كان الطبيب مسئولا .ذلك أنه لا يتسنى للمريض قبول أو رفض تحمل مخاطر العلاج الا بعد تبصيره بحقيقه هذا العلاج ومدى ما ينطوى عليه من مخاطر (د/محمود نجيب حسنى – المرجع السابق)

ويجب ايضا ان يصدر الرضاء عمن هو اهل له . ومتى كان المريض بالغا رشيدا متمتعا بكامل قواه العقلية ، فإن رضاؤه المتبصر بالتدخل العلاجى او الجراحى لايثير مشكلة . أما إذا كان فى وضع لايسمح له بأبداء ذلك الرضاء لكونه فى غيبوبة او عديم الاهلية (الصبى دون السابعة) او ناقصها ( القاصر) فإنه يلزم ان يصدر الرضاء باجراء التدخل الطبى او الجراحى ممن ينصبه القانون ممثلا له . وبالنسبة للقصر فإن الامر يدق بالنسبة للسن التى يعد عند بلوغها أهلا للرضاء بمباشرة الاعمال الطبية على جسده . وفى هذا السديد يرى البعض – وبحق – انه لامحل فى تحديد السن هنا للرجوع الى قواعد القانون المدنى ، ولا محل كذلك للرجوع الى السن التى يحددها قانون العقوبات لبلوغ الاهلية الجنائية ، اذ يتعلق هذا التحديد بموضوع مختلف ، وانما ينبغى الاعتداد بالسن التى يكون الشخص قادرا ببلوغها على ادراك مغزى تصرفه وتقدير خطورته . وعلى ذلك اقترح البعض أن تكون سن الاهلية الطبية هى الخامسة عشره . واستندوا فى ذلك الى المادة 6 من قانون رقم 158 لسنة 1950 بشأن مكافحة الامراض الزهريه التى تنص على أنه ” إذا كان المريض حدثا دون الخامسة او معتوها يقع التكليف بمعالجته على …والديه او وليه او على رئيس المؤسسه التى يوجد بها ” كما تنص المادة 5/1من قانون الاجراءات الجنائية على أنه ” إذا كان المجنى عليه فى الجريمة لم يبلغ خمس عشر سنه كاملة أو كان مصابا بعاهة فى عقله ، تقدم الشكوى ممن له الولاية عليه ” فالمستفاد من هذين النصين ان المشرع اعترف بإرادة مستقلة للشخص عن ارادة من له الولاية عليه ببلوغه سن الخامسة عشره من عمره. (د/ حسن محمد ربيع – د/محمود نجيب حسنى – د/ محمد مصطفى القللى) ورضاء المريض قد يكون صريحا وقد يكون ضمنيا . كما لو ذهب المريض الى غرفة العمليات بعد ان علم بنوع العملية التى تقتضيها حالته . ولكن لايستفاد الرضاء ضمنا من مجرد ذهاب المريض الى عيادة الطبيب، واذ ان الاعمال الطبية متنوعه . وقد يرضى المريض ببعضها دون البعض الاخر . وتطبيقا لذلك قضت محكمة douai بأنه ” يجب على الطبيب قبل اجراء العملية الجراحية ان يحصل على رضاء المريض أو من يشمله بسلطته وعلى الاخص اذا كان من المحتمل ان تؤدى العملية الى نتائج خطيره ، وعندئذ يتعين على الطبيب ان يعطى المريض صورة صحيحة عن تلك المخاطر وإلا كان مسئولا.(د/محمود محمود مصطفى – محمود نجيب حسنى) وعلى ذلك اذا اجرى الجراح عملية جراحية للمريض بدون رضائه او رضاء من يمثله ، فإن هذا الفعل يكون غير مشروع لمساسه بسلامة جسم المجنى عليه وتكامله الجسدى ، ولم تكن ثمة ضرورة لتدخله . وفى هذه الحاله يسأل الطبيب او الجراح مسئولية عمدية كأى شخص عادى ، حتى ولو قصد بفعله العلاج واستفاد منه المريض . ومسئولية الطبيب – فى هذه الحالة – مستقله تماما عن المسئولية التى تنشأ عن اخطائه المهنية (د/محمود نجيب حسنى – د/رمسيس بهنام – د/حسن ربيع) .

3) قصد العلاج :
لا يكون العمل الطبى مشروعا إلا إذا قصد به علاج المريض أما إذا لم يتوافر قصد العلاج زال حق الطبيب وإنعدم قانونا بإنعدام علته وزوال أساسه ، وجرى عليه حكم القانون اسوه بسائر الناس ، فيسأل عن فعله جنائيا . وتطبيقا لذلك قضى بمعاقبة طبيب قام بإجراء عملية بتر عضو من أعضاء جسم شخص بقصد تسهيل تخليصه من الخدمة العسكرية . رغم ان هذه العملية قد تمت برضاء المجنى عليه وبناء على رجائه، او اذا حصل الطبيب على رضاء إمراة باستئصال مبيض التناسل لها على الرغم من ان حالتها الصحية لاتستدعى هذا التدخل الطبى . كذلك يسأل الجراح جنائيا عن جريمة عمدية اذا قام باجراء جراحه يعلم انه لاجدوى منها، لكنه اجراها لمجرد ابتزاز مال المجنى عليه ، أو أن يوقع الكشف الطبى على إمراة اشباعا لشهوة لديه ، أو لمجرد اجراء تجربه علمية (د/حسن ربيع – ونقض 11/3/1974- مجموعة احكام محكمة النقض -س25، رقم 59-ص263) ولايؤثر فى قيام مسئولية الجراح أو الطبيب ولا يمحو جريمته رضاء المجنى عليه بالفعل غير المشروع الذى وقع على جسمه . ذلك أن سلامة جسم الانسان من النظام العام وحمايتها أمر يقتضيه الصالح العام ، ولا يجوز الخروج على هذا الأصل إلا إذا كان فعل المساس بسلامة الجسم يحقق فائدة للانسان ذاته بعلاجه من مرض الم به ، وعلى ذلك فإن رضاء المجنى عليه باطل ولا يعتد به ، لأن الهدف العلاجى يعد بمثابة شرط من شروط إباحة العمل الطبى (د/ رؤف عبيد – د/ محمود محمود مصطفى ) . ويتعلق بوجوب انصراف نية الطبيب إلى العلاج كشرط لإباحة أعماله الطبية مسألة جراحة التجميل ، وجراحة التجميل هى العمليات التى لايقصد بها شفاء علة ، وإنما اصلاح تشويه خلقى او طارئ – لاينال الصحة بضرر ، إذ أنه لايهدر مصلحة الجسم فى السير الطبيعى العادى ، ولكنه مؤثر فى شكل الانسان ، لانه يلحق ضرر بقيمته الشخصية والاجتماعية. فعمليات التجميل تهدف الى اعطاء عضو من اعضاء الجسم او جزء من الشكل الطبيعى او الفطرى ، بإزالة التشوية الذى يصيب الانسان بأمراض نفسيه تؤثر فى شخصيته . ذلك ان العلاقة وثيقه بين نفسية الانسان وصحته إذا أن التجميل يعطى للانسان مسرة وسعادة التى هى احدى شروط الصحة .( د/محمود نجيب حسنى رقم 125 -ص181- المرجع السابق) .

وجراحات التجميل أصبحت من العمليات المشروعة التى تجيزها الشريعة الاسلامية ، كما امر القضاء بدخولها فى نطاق العمل الطبى . وفى هذا الصدد قضت محكمة lyon بأن الطبيب الذى يجرى إزالة الشعر الغزير من جسم سيده باستخدام العلاج الكهربائى لايعد مسئولا عن الضرر الذى يترتب على علاجه ، طالما لم يقع منه تقصير فى العلاج. (د/محمود نجيب حسنى – المرجع السابق – رقم 183 -ص187) .

 

ثالثا : حكم المعمل الطبى إذا تخلف شرط من شروط الاباحة : –

تقضى القواعد العامة بأنه اذا تخلف شرط من شروط الاباحة استتبع ذلك القول بأن الفعل غير مشروع . ذلك ان الفعل خاضع اصلا لنص تجريم ، فلا يخرج من نطاقه الا اذا توافر سبب اباحة بكل شروطه . وانتقاء احد هذه الشروط يعنى انتفاء سبب الاباحة ذاته . فاذا لم يكن العمل ذاته طبيبا وفقا للتعريف الساب ق، فلا تثور على الاطلاق فكرة الاباحة ولو كان الذى يأتيه طبيبا.
ولكن قد لا تقوم المسئولية الجنائية على الرغم من انتفاء بعض شروط الاباحة أو كلها إذا توافرت حالة الضرورة ، كما تحددها المادة 61من قانون العقوبات . ومن القواعد الشرعية المقررة ايضا ” أن الضرورات تبيح المحظورات “وفى القران الكريم : فمن اضطر غير باغ ولاعاد فلا إثم عليه” .وفى الحديث الشريف ” رفع عن امتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه” وعلى ذلك إذا صدر العمل من غير طبيب . أو لم يقترن به رضاء المريض ، أو لم يكن العمل فى ذاته طبيا ، ولكن ثبت أن ثمة خطرا جسيما على وشك الوقوع يهدد صحة المريض ، ولم يكن من سبيل الى دفعه بغير هذا العمل ، امتنعت مسئولية مرتكبه . (أ/عبد القادر عودة – المرجع السابق -د/ محمود نجيب حسنى – ونقض 20/2/1968 مجموعة احكام محكمة النقض -س19رقم 46- ص254) .

 

– تعريف الخطأ الطبى وأنواعة :  – 

– تعريف الخطاء الطبى : –

وهو ” اخلال الجانى عند تصرفه بواجبات الحيطة والحذر التى يفرضها القانون ، وعدم حيلولته تبعا لذلك دون ان يفضى الى حدوث النتيجة الاجرامية فى حين كان ذلك فى استطاعته ومن واجبه” (د/محمود نجيب حسنى- ص129-بند143 – المرجع السابق) .

– أنواع الخطاء الطبى : –

تتعدد الاخطاء التى يقع بها الطبيب وسنذكر منها فقط فى هذا الفصل بعض الانواع ومنها الاهمال والرعونه وعدم الاحتراز كما يلى :

أولا : الاهمال
يجب على الجراح قبل اجراء العملية ان يفحص المريض من كافة النواحى دون الاقتصار على فحصه من ناحية المرض الذى يشكو منه ،فاذا ما أدانت محكمة الموضوع الجراح الذى تسبب باهماله وعدم احتياطه فى كسر ساق مريض أثناء تحريك ترابيزة العمليات التى كان يرقد عليها وهو مخدر وذلك بسبب عدم ملاحظته ان الساق كانت مربوطة فيها وبها مرض معين يقتضى عدم تحريكها فان حكمها يكون صحيحا لا طعن فيه .
وإذا ما اخطأ الطبيب فى علاج المريض بالاشعة مما ترتب عليه احتقان باطن القدم فيجب ان يتحمل نتيجة خطئه ولايقلل من مسئوليته أن تكون مضاعفات المرض قد نتجت عن تداخل مجمل الاظافر إذ أن الطبيب المختص كان عليه ان ينبه المريض الى طول فترة شفائه وضرورة تجنب كل تهيج للبشرة فى المطفة المصابة واما وهو لم يفعل يكون قد اضاف الى خطئه عنصرا اخر من عناصر الخطأ او وهو عدم الاحتياط .
ويكون مسئولا الجراح الذى يترك فى جوف طفل فى اثناء عملية جراحية إحدى ضمادات ثلاثة استعملها فى العملية وذلك لانه لم يتخذ اقل احتياط لتفادى نسيانه فى جوف المريض فلم يربطهما بخيوط ويشبكها بملقط ، كما يفعل الجراحون عادة ، ولم يثبت ان ترك الضمادة فى جوف المريض قد دعت اليه ظروف قاهرة ،فعدد الضمادات المستعمله فى العملية ثلاثة فقط كما ان البحث عنها لم يكن يحتاج الى زمن طويل يعرض حياة المريض للخطر ، ثم ان الطبيب قد تمادى فى خطئه عندما اخفى عن الوالدين حقيقة ما حدث فلما ارتفعت درجة حرارة المريض بسبب الضمادة التى تركها فى جوفه او همهم ان حالته تحتاج لعملية اخرى واجرى العملية لا لان حاله العلاج تقتضيها بل لمجرد البحث عن الضمادة ومع ذلك لم يجدها حتى خرجت من نفسها عن طريق الشرج .

وقد قضت محكمة النقض بأن : إذا عرض الحكم لبيان ركن الخطأ المسند الى المتهم الثانى (طبيب) بقوله:”أنه طلب الى الممرض والتمرجى ان يقدما له بنجا موضوعيا بنسبة 1% دون أن يصيق هذا المخدر ودون ان يطلع على الزجاجة التى وضع فيها ليتحقق مما إذا كان هو المخدر الذى يريده أم غيره ، ومن ان الكمية التى حقنت بها المجنى عليها تفوق الى اكثر من ضعف الكمية المسموح بها ، ومن أنه قبل أن يجرى عملية جراحية قد تستغرق ساعة فأكثر دون يستعين بطبيب خاص بالمخدر ليفرغ هو إلى مباشرة العملية ، ومن ان الحادث وقع نتيجة مباشرة لاهماله وعدم تحرزه بأن حقن المجنى عليها بمحلول “البونتوكايين” بنسبة 1%وهى تزيد عشر مرات عن النسبة المسموح بها فتسممت وماتت ” – فإن ما اورده الحكم من ادلة على ثبوت خطأ الطاعن من شأنه ان يؤدى الى ما رتبه عليها – اما ما يقوله المتهم من ان عمله فى مستشفى عام قائم على نظام التقسيم والتخصص بعفية من ان يستوثق من نوع المخدر وصلاحيته وانه مادام ذلك المخدر قد اعد من موظف فنى مختص واودع غرفة العمليات – فإنه فى حل من استعماله دون اى بحث- هذا الدفاع من جانب المتهم هو دفاع موضوعى لاتلتزم المحكمة بالرد عليه . بل أن الرد عليه مستفاد من أدلة الثبوت التى اوردتها المحكمة على خطأ المتهم واسست عليها ادانته ، وهو ما اولته – بحق – على انه خطأ طبى وتقصير من جانب المتهم لايقع من طبيب يقظ فى نفس الظروف الخارجية التى احاطت بالطبيب المسئول بما يفيد انه وقد حل محل اخصائى التخدير ،فإنه يتحمل التزاماته ومنه الاسيثاق من نوع المخدر”

(نقض جنائى 26/1/1959الطعن رقم 1332س38ق) .

وبأنه” متى كان الحكم وقد انتهى الى تبرئة المطعون ضده من جريمتى القتل والاصابة الخطأ والتماس العذر له واسقاط الخطأ عنه نظرا لزحمة العمل ولانه لايوجد بالوحده الطبية سوى إناء واحد يقطر فيه الماء او يحضر فيه الطرطير مما أوقعه فى الغلط ، والى أن من مات من الاطفال كان فى حالة مرضية متقدمة تكفى وحدها للوفاة الا ان الحقن عجل بوفاتهم مما يقطع رابطة السبية بين الخطأ- بغرض ثبوته فى حقه – وبين الموت الذى حدث . وما ذكره المحكم من ذلك سواء فى نفية الخطأ او فى القول بانقطاع رابطة السببية خطأ فى القانون ذلك بأنه مادام ان المطعون ضده وهو – طبيب مزج الدواء بمحلول الطرطير بدلا من الماء المقطر الذى كان يتعين مزجه فقد اخطأ سواء كان قد وقع فى هذا الخطأ وحده او اشترك معه الممرض فيه ، وبالتالى وجبت مساءلته فى الحالتين لان الخطأ المشترك لايجب مسئولية اى من المشاركين فيه ولان استثياق الطبيب من كنه الدواء الذى يتناوله المريض او فى ما يطلب منه ، فى مقام بذل العناية فى شفائه وبالتالى فان التقاعس عن تحريد والتحرز فيه والاحتياط له ، إهمال يخالف كل قواعد المهنة وتعالمها وعليه ان يتحمل وزره ، كما ان التعجيل بالموت مرادف لاحداثه فى توافر علاقة السببية واستجاب المسئولية ، ولايصح الاستناد الى ارهاق الطبيب بكثرة العمل مبررا لاعفائه من العقوبة وان صلح ظرفا لتخفيفها ”

(نقض جنائى 20/4/1970 مجموعة احكام محكمة النقض س21-ص26) .

وبأنه ” إذا كان الحكم الصادر بادانه المتهم – فى جريمة القتل الخطأ – قد اثبت خطأ المتهم الاول ( صيدلى ) فيما قاله : من انه حضر محلول “البونتوكابيبن ” كمخدر موضعى بنسبة 1% وهى تزيد على النسبة المسموح بها طبيا وهى 1/800% ومن انه طلب اليه تحضير “نوفوكايين”بنسبة 1% فكان يجب عليه ان يحضر “البونتوكايين ” بما يوازى فى قوته هذه النسبة وهى 1/1000 أو 8001 ولا يعفيه من المسئولية قوله ان رئسيه طلب معه تحضيره بنسبة 1% طالما انه ثبت له من مناقشة هذا الرئيس فى التليفون انه لايدرى شيئا من كنه هذا المخدر ومدى سميته ، هذا الى جانب انه موظف مختص بتحضير الادوية ومنها المخدر ، ومسئول عن كل خطأ يصدر منه ،ومن انه لجأ فى الاستفسار عن نسبة تحضير هذا المخدر الى زميل له قد يخطئ وقد يصيب . وكان لزاما عليه ان يتصل بذوى الشأن فى المصلحة التى يتبعها أو الاستعانة فى ذلك بالرجوع الى الكتب الفنية الموثوق بها ” كالفارماكوبيا”ومن إقراره صراحة بانة ما كان يعرف شيئا عن هذا المخدر قبل تحضيرة فكان حسن التصرف يقتضية ان يتاكد من النسب الصحية التى يحضر بها ، فلا ينساق فى ذلك وراء نصيحة زميل له ، ومن انة لم ينبة المتهم للتأنى وغيرة من الاطباء ممن قد يستعملون هذا المحلول بانة استعاض بة عن “النو فو كايين “فإن ما أثبته الحكم من اخطاء وقع فيها المتهم يكفى لحمل مسؤليتة جائيا ومدنيا”

(الطعن رقم 1332-نقض جنائى -26/1/1959-28ق) .

وبأنه “وبما أن محصل الاتمام فى هذة القضية هو أن الدكتور المتهم اجرى للفتاة عملية استخراج حصوة من المثانة وانة بسبب خطئة وعدم احتياطه وعدم عمل الدرنقة اللازمة سهل امتداد التقيح من المثانة الى البريتون وحصل التهاب بريتونى نشأت عنه الوفاة وبعد ان فرقت المحكمة بين خطأ الطبيب الفنى وخطئه المادى واوجبت عقابه على الثانى فى كافة الاحوال انتهت الى ادانة الطبيب عن خطئه واهماله اللذان كانا لهما الاثر المباشر فى الالتهاب البريتونى الذى نشأت عنه الوفاة وذلك لانه: – اولا – لم يضع ورنقة داخلية والحاله توجب ذلك ولاوضع قسطرة لنحل محل الدرنقة المذكورة وليراقب بها البول – ثانيا – واذا سلم بأنه وضع القسطرة فانه لم يراقب البول وكان واجبا عليه مادام يرى اتخاذ القسطرة وسيلة الدرنقة الداخلية اما ان يبقى المريضة فى عيادته وتحت ملاحظته المستمرة واما ان يتردد عليها يوميا لمراقبة تطورات البول( وقد تبين من اقوال حضرة الدكتور سرور أنه لا يسمح فى حالة كهذه بانتقال المريض قبل سبعة أيام وأنه يأخذ على أهل المريض اقرار بمسئوليتهم اذا حتموا نقل مريضهم ) ولا يصح ان يرد على هذا بعدم القدرة المالية لان الطبيب كان يجب عليه ان يبحث هذه الوجهة قبل اجراء العملية لابعدها فاما ان يقبل – العملية تحت مسئوليته ويؤدى واجبه كاملا فيها بما يعرض عليه واما ان يرفض ذلك فيتحمل اهل المريض المسئوليه ويرسلوه الى مستشفى او يتركوه يموت ميتة أخرى لا مسئولية عليه فيها . كما ان الطبيب المتهم لم يتوجه للمريضة فى هذه القضية إلا بعد اليومين وبناء على طلب اهلها فوجد ارتفاعا فى حرارتها كان سببه بلا شك عدم مراقبة البول منذ العملية وعدم اجراء الدرنقة الداخلية ثالثا – كان واجبا عليه ساعة ان زارها وراى الحرارة مرتفعة ان يشق ثانية المثانة ويدرنفها ولكنه لم يفعل ذلك وقد اجمع الاطباء بضرورته وقالوا انه كان اجراء مفيد للمريضة وانه اجراء حتمى على كل حال رابعا – مع عدم صلاحية الدرنقة الخارجية كوسيلة فى حالة المجنى عليها للتصرف ، فانه وضع الدرنقة فى اعلى الجرح بطريقة غير اصولية باجماع حضرات الاطباء – خامسا – على فرض انه وضعها بأسفل الجرح حسب الاصول فانه لم يبرز المريضة الا مرة واحدة وبعد يومين من تاريخ نقلها فأهمل بذلك تغيير الدرنقة الخارجية التى يلزم حسب رايه هو تغييرها كل 24 ساعة مما يجعلها مشبعة بالسائل ولا فائدة فيها وهذا يساعد على امتداد الالتهاب الذى ظهرت اثاره يوم زيارته لها بارتفاع الحرارة وبعد ارتفاع الحرارة لم تكن الدرنقة الخارجية وسيلة صالحة لانه كان يجب على المثانة ودرنقتها ودنفة داخلية كاجماع الاطباء . سادسا – انه وصل الى البريتون اثناء خياطة الجرح بغرزة ، وهذه الغرزة ان لم تكن سببا مستقلا كافيا لاحداث التهاب بريتونى فانها لاشك من الاسباب التى ساعدت على امتداد عدوى المثانة الى البريتونى كما قرر الدكتور عبد العزيز حلمى وعبد الوهاب مورو سابعا- ان هذه الاسباب مجتمعه كافيه فى نظر المحكمة لاعتبار ان الالتهاب البريتونى ناتج عن التهاب العدوى المثانية الناتجة عن عدم درنقة مثانة ودرنقة داخلية وعدم مراقبة البول لمعرفة ما اذا كان به صديد أم لا وعدم الشق على المثانة وقت حصول ارتفاع الحرارة فورا مما يجعل الصديد يتراكم ويمتد الى الانسجة الخلويه على الوجه المبين بالصفة التشريحية وان الالتهاب البريتونى الناشئ عن امتداد هذه العدوى الى البريتون وقد نشأت عند الوفاة مباشرة فالمادة 302ع (قديم) منطبقة ومتوفرة الاركان القانونية ” (محكمة الجيزة26/1/1935 محامان س15-ص471) .

ثانيآ : الرعونة : –
إذا ما اصيب المريض بحروق جلدية بسبب حدوث ماس فى اسلاك التيار الكهربائى الموصل الى ( ترابيزة )العمليات بسبب خطأ الممرضة ،فان المسئولية تشمل ايضا كل من مدير المستشفى والجراح الذى اجرى العملية ، اذ ان الاشراف على الاجهزة وصيانتها واعادتها الى حالتها الطبيعية باصلاحها هو واجب مفروض على المستشفى ومن ثم فان الاخلال به يعتبر من قبيل الخطأ الذى يمكن لبسته الى القائمين والمشرفين على العمل بالمستشفى – وخصوصا الجراح الذى كان عليه ان يحتاط ويحرص على سلامة الاجهزة – حتى لا تحدث بالمريض اية اصابات وهو تحت تأثير المخدر .

ويكون مسئولا الجراح عن اهماله ورعونته حينما يجرى عملية جراحية فى الفخذ الايمن بدلا من الايسر بينما لو رجع الى الدوسيه الخاص بالمريض لو وجد ان صورة الاشعة والبيانات المدونة بالكارت الخاص به تشير الى موضع العملية الصحيح . ومن ثم كان فى استطاعته تجنب الوقوع فى هذا الخطأ لو تذرع بالحيطة والعناية ، لذلك يصح عقابه عن جنحة – الاصابة الخطأ .

وتعتبر الممرضة قد ارتكبت خطأ واضحا يستوجب مساءلتها عندما تعطى المريض من تلقاء نفسها حقنة فى العرق بدون استشارة الطبيب او بناء على امره . وتكون المستشفى مسئولة عن التعويض وفقا للقواعد العامة فى المسئولية المدنية . كما يكون الجراح مسئولا اذا ما امر الممرضة بأن تعطى للمريض دواء معينا دون ان يخدرها من عدم اعطائه عن طريق العرق .

وقد قضت محكمة النقض بأن : الاثار الحيوية الموجودة برأس الجنين الذى عثر عليه الطبيب الشرعى بالتجويف البطنى تشير الى انه وقت اجراء عملية الاجهاض كان الجنين مازال حيا وغير متعفن كما يقرر المتهم ، وانه يفسر تشخيص المتهم لوفاة الجنين نتيجة لعدم سماعه ضربات قلب الجنين ، وانه فى مثل هذه المدة من الحمل التى وصلت اليها المجنى عليها ما كان ينبغى استعمال جفت البويضة لاستخراج الجنين على عدة اجزاء كما قرر المتهم ، فضلا عما ظهر من وجود تمزيق كبير بالرحم ، وان ذلك مفاده ان المتهم قد اخطأ فى الطريقة التى اتبعها فى انزال الجنين الامر الذى ادى الى حدوث الوفاة نتيجة تمزق الرحم وما صحبه من نزيف وصدمه عصبية . وانتهى الطبيب الشرعى فى تقريره الى ان ذلك فى رايه يعتبر خطأ مهنيا جسيما . وانه عما يزيد من مسئولية الطبيب المتهم انه قد فوت على المجنى عليها فرصة علاجها على يد اخصائى بعدم تحويلها الى احدى المستشفيات ثم خلص الحكم الى ثبوت الاتهام المسند الى الطاعن فى قوله : ” ومن حيث انه يبين مما تقدم ان التهمة الاولى ثابته فى حق المتهم من اقوال الشهود سالفة الذكر . وقد جاءت قاطعة الدلالة على ان المتهم اجرى عملية اجهاض للمجنى عليها ادوث بحيلتها ومن اقوال المتهم نفسه ، وقد اعترف باجرائه تلك العملية مستعملا جفت البويضة ، ومن التقرير الطبى الشرعى . وقد ثبت منه انه ما كان ينبغى للمتهم استعمال ذلك الجفت وهو يدرك ان المجنى عليها فى الشهر الخامس الرحمى ، كما ان استعمال تلك الالة قد ادى الى احداث تمزيق كبير بالرحم ، وان ذلك يعتبر خطأ مهنيا جسيما من المتهم . ولما كان ذلك ، وكانت القاعدة ان الطبيب او الجراح المرخص له بتعاطى اعمال مهنية لايسأل عن الجريمة العمدية وانما يسأل عن خطئه الجسيم ، وكان المتهم قد اخطأ فى اجراء تلك العملية خطأ جسيما فأهمل ولم يتبع الاصول الطبية ولا ادل على جسامة خطئه من تركه رأس الجنين وقد وجدها الطبيب الشرعى بالتجويف البطنى عند تشريح جثة المجنى عليها . ولما كان ذلك قد أدى مباشرة الى وفاة المجنى عليها فإنه يتعين ادانة المتهم طبقا للمادة 238 من قانون العقوبات ”

( نقض جنائى 8/1/1968رقم 1920-27ق) .

قد قضت محكمة جنح مصر المستأنفة بأن : ” …. وحيث ان الذى ثبت للمحكمة من التحقيق واقوال المتهم بالبوليس واجابته على اسئلة جناب الطبيب الشرعى ان المتوفاه عرضت على حضرة الدكتور اسماعيل بك صدقى قبل الوفاه مكشف عليها ووجد عندها ضيقا فى الحوض ولم يتمكن من تحديد قياس الحوض بالضبط بسبب وجود امساك عندها فأعطاها مسهلا وطلب منها ان تحضر له فى الصباح بغير فطور لاعادة فحصها جيدا فحضرت واعاد الكشف عليها وتاكد من ضيق الحوض فأخبر والدتها بذلك واشار عليها بعدم توليدها بالمنزل اذ يتقرر اجراء العملية اللازمة لها وافهمها انه لو دعى لتوليدها بالمنزل لرفض ذلك وان الاحسن هو البحث من الآن على مستشفى او منزل صحى والانفاق على توليدها وانه بعد ذلك عرضت المتوفاة على المتهم وكان ذلك قبل الولادة بشهر تقريبا فتبين من الفحص انها حامل فى الثامن وان عندها زلال فى البول وان وضع الجنين مستعرض فى البطن فنيه عليها بتعاطى اللبن فقط والمشى ساعتين كل يوم وطلب حضورها بعد ذلك لإعادة الكشف فحضرت له بعد عشرين يوما تقريبا فوجد ان الجنين لايزال مستعرضا وعلم من المتوفاه انها لاتتبع ما اشار عليها به ، فأكد عليها بضرورة اتباع ارشاداته المذكورة والا فلا لزوم لطلبه لانه مصمم على عدم المجئ فى هذه الحالة . وقد دعى للولادة فى 12/11/1925الساعه الثامنه والربع صباحا فوجد ان المجنى بالقاعدة وجيب المياه متفجر وعنق الرحم مفتحة تسمح بدخول اليد والقاعدة منحشرة فى الحوض وحالة الدم جيدة والانقباضات الرحمية قوية ومتتابعة فعمل حقنة كافور للولادة لتقوية القلب وقد امكه فى الساعة الثالثة والنصف افرنكى صباحا ان ينزل الساقين والذراعين ثم احس ان الراس كبيرة واسوه حالة المجنى عليها اجتهد فى اخراج الجنين بواسطة الجذب لانهاء الوضع لان الدم كان ينزف واستمر على ذلك حتى الساعة الخامسة والنصف صباحا حيث انفصل الجذع عن الراس التى بقيت داخل الرحم ثم حضر الدكتور ايلى الذى طلبه المتهم بعد أن ساءت الحالة فرأى هذا الاخير ان الحالة خطيرة جدا واشار بنقل المجنى عليها للمستشفى وهناك توفيت والراس داخل الرحم قبل ان يعمل لها العملية.

وقد تبين من التحقيق أيضا أن المتهم عندما رأى صعوبة فى إخراج الجنين طلب معونة زوج المتوفاة وخالتها فى جذب الجنين فأخذا يجذبانه معه وثبت انه استعمل عنفا شديدا فى هذا الجذب حتى انفصلت الدماغ عن الجذع داخل الرحم ثم تبين ايضا ان المتوفاه كانت نزفت كثيرا حتى اغمى عليها وان الدكتور منشه لم يطلب استدعاء طبيب الا للمعاونه بعد ان ساءت الحالة واغمى على المتوفاة مع أهلها استشاروه فى احضار طبيب اخر قبل ان تسوء الحالة لهذة الدرجة فرفض . وتبين ان المتهم كان يجذب ساقى الجنين وكان يستعمل الجفت وطلب من الزوج مساعدته فى استعماله باحكام المسمار حتى لايلفت وثبت من اقوال الدكتور ابلى تجار بمحضر البوليس (شاهد نفى) انه عندما دعى للذهاب للوالدة طلب منه اخذ اللازم معه لاخراج الراس فذهب وهناك اخبره المتهم ان الراس كبيره وأنها بقيت فى داخل الرحم اثناء جذب الجنين واخبره ان عددا ولكن لايمكن اخراج الراس بها لان الراس كبيرة ونظرا لانه راى الحالة خطيرة جدا ان الدكتور ايلى تجار اشار بنقل الوالدة للمستشفى فنقلت وتوقف هناك كما سبق بيانه . وحيث انه يرى من الوقائع المتقدمة ومما ذكره جناب الطبيب الشرعى تفصيلا فى تقريره بمحضر الجلسة ان المتهم ارتكب عدة غلطات كانت سببا فى حصول نزيف تسببت عنه الوفاة وهى . أولا : عدم اتخاذه اى حيطه لمنع الخطر فى بادئ الامر مع ما شاهده من حالة المتوفاه قبل الولادة بشهر ثم بعشرة ايام من وضع الجنين فى البطن بالحالة السابقة الذكر وضيق الحوض وكان الواجب عليه ان يتوقع تعسر الولادة وتفهيمه آل المتوفاة حقيقة الأمر والإشارة عليهم بضرورة اجراء الولادة بالمستشفى او عمل الترتيب اللا زم اذ راى انهم صمموا على ان تكون الولاده بالمنزل كما حصل مع الدكتور … … لا ان يذهب و حده طمعا فى الاجر الذى اتفق عليه ودون ان يتخذ اى حيطه حتى انه اهمل فى اخذ العدد الكافية التى يمكن ان يحتاج ايها فى مثل هذه الحالة غير الاعتيادية كما هو ثابت من التحقيق واقوال الدكتور ايلى تجار شاهد النفى بمحضر البوليس . ثانيا: انه عندما باشر الولادة فعلا ووجد ان الحالة صعبة كما تقدم لم يبادر بارسال الوالدة الى المستشفى أو طلب طبيبا آخر لمعونته فى الوقت المناسب قبل ان يستفحل الخطر مع ان ال المتوفاة عرضوا عليه ذلك فرفض ، ولم يطلب استدعاء طبيب اخر الا بعد ان ساءت الحالة وحصل نزيف شديد واغمى على المتوفاة. ثالثا: الاستمرار فى جذب الجنين مدة من الزمن واستعمال العنف فى الجذب مع ما تبين من كبر حجم رأس الجنين ومع علم المتهم بوجود ضيق فى الحوض خصوصا بعد أن جرب أن طريقة الجذب لم تفده فى انزال الراس لوجود عائق ميكانيكى يمنع من مرور الراس من الحوض فلا معنى لاستمرار الجذب بالكيفية المذكورة بعد ذلك مدة عشر دقائق او ربع ساعة او نصف ساعة مع وجود العائق المذكور ومع علم المتهم أن كل دقيقة تمر تؤثر على الوالدة وتقربها من الخطر شيئا فشيئا مع ان المسموح به ان الطبيب يستعمل طريقة الجذب لحد محدود بقدره الفنيون بمدة لايصح ان تزيد على خمس دقائق ويقولون انه بعد ذلك من المؤكد ان الجنين يموت . وفى هذه الاحوال تكون السرعة واجبة جدا ويجب على كل حال ان يكون الجذب فنيا بحيث يجذب الجنين فى اتجاه معين مع اتخاذ الحيطة لجعل الراس تدخل فى الحوض بأقصر اقطارها فإذا ما اتخذ الطبيب هذه الاجراءات مرة ومع علمه بأن الحوض ضيق والرأس كبيرة فكان يجب عليه ان يوقف هذه الاجراءات ويتخذ غيرها وهى ثقب الراس بثاقب الرأس ليصغر حجمها ويسهل نزولها … رابعا : ان طلب المتهم معاونة ال المتوفاة له فى جذب الجنين مع ان الجذب يجب ان يكون فنيا كما تقدم وما كان له ان يستعين بمثلهما فى هذا العمل الفنى الخطير وهمالا يدريان فيه شيئا . اما ما ذكره الدفاع بالقاء مسئولية فصل الراس عن الجسم على ال المتوفاة فلا يمكن الاخذ به لأن المتهم هو الذى طلب هذه المعاونة منهم فهو المسئول عن ذلك وما كان فى استطاعتهم فى هذا الوقت الحرج عدم معاونته فيما يطلب وكان الواجب يقضى عليه فى مثل هذه الحالة بسرعة طلب طبيب اخصائى لمعاونته فى هذا الأمر أو يأمر فورا بإرسال الوالدة للمستشفى كما اشار بذلك الدكتور ايلى بمجرد ان حضر ورأى الحالة سيئة . وحيث انه لا شك أن كل هذه أخطأ جسيمة يجب ان يسأل المتهم عنها” (جنح مستأنف مصر – 2/1/1927 المجموعة الرسمية رقم 11 -28ص2) .

وقد قضى بأن” الطبيب الذى يعمل عملية جراحية بعضد مريضة فينشأ عنها نزيف غزير يستدعى علاج خمسين يوما يكون قد ارتكب خطأ جسيما اذا اتضح ان حدوث النزيف تسبب عن قطع شرايين صغيرة فى محل العملية وعدم ربطها ثانية مع ان الاصول الطبية كانت تقضى بذلك ومن ثم يكون مسئولا جنائيا ومدنيا” (استئناف مصر – 19/4/1904 – الاستقلاق س3 – ص105) .

إذا ما اعطى الطبيب المريض حقنة فى العرق فنتج عنها خراج بذراعه وتبين من اقوال الخبراء ان الخراج قديكون نجم اما عن اهمال الطبيب فى تنظيف الحقنة تنظيفا كافيا وتعقيمها كما يقضى بذلك الواجب، واهمل فى إدخال ابرة الحقنة فى العرق ادخالا محكما فتسرب من جراء ذلك جزء من مادة الطرطير خارج العرق مع ان واجب كل طبيب ان يجرى التجربة اللازمة كى يتأكد من دخول الابرة فى العرق تماما وهى ان يجذب الحقنة فاذا ظهر دم بها كان ذلك دليلا على نجاح الحقنة ، فأنه يكون مسئولا فى كل من الحالتين. (محكمة شفاء الجزيئة – مشار اليه فى رساله الدكتوراه للدكتور محمد فائق الجوهرى – ص366) .

ثالثآ : عدم الاحتراز : –
يكون الجراح مسئولا عندما يعالج مرضا فى حلق سيدة باجراء عملية جراحية خطيرة ترتب عليها قطع الشريان السبائى فأصيبت بنزيف انتهى الى وفاتها وذلك لانه لجأ الى عملية خطيرة لا لزوم لها فى منطقة تؤدى اقل حركة خاطئة فيها الى موت المريضة ، خصوصا وانها كانت مصابة بتهيج عصبى شديد كان يقتضى تأجيل العملية . وقد جازف باجراء العملية رغم كل ذلك ولغير ضرورة عاجلة فى الوقت الذى كان يمكن فيه ان يقتصر على بتر جزء من اللوزة ليس غير .

طبيب أمراض النساء الذى يهمل فى القيام بالعلاج الوقائى اللازم اجراؤه مادة بالنسبة للاطفال حديثى الولادة وذلك بوضع نترات الفضة فى عينى الطفل يكون مسئولا عن الالتهابات الخطيرة التىحدثت فى عينيه للاخلال بهذا الواجب مما ترتب عليه فقدان الطفل لبصره . ولايدرأ عنه المسئولية الادعاء بأن هذه الالتهابات كان سببها فى الاصل امراض ميكروبية اخذها الطفل عن والداته اذا ان هذا المرض يمكن اكتشافه بسهولة كما ان تحصين الطفل ضده بوضع نترات الفضة فى العينين يعتبر من الاحتياطات العادية الواجب اتخاذها .

وقد قضت محكمة النقض بأن : حيث أنه يبين من الحكم الابتدائى المؤبد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه انه حصل واقعة الدعوى بما موجزء ان المجنى عليه مورث المطعون ضدهم ) كان يعمل حدادا بشركة مصر للبترول ( الطاعنة الاخرى) وفوجئ أثناء عمله بدخول جسم غريب فى عينيه اليسرى فأخرجه ، ولما توجه الى طبيب الشركه احاله الى الطاعن بوصفه اخصائيا فى الرمد تعاقدت معه الشركة على علاج العاملين بها ، وبعد ان اوقع الكشف الطبى عليه حقنه فى عينيه واجرى له جراحة فى عينيه معا ثم صرفه بعد ساعة من اجرائها وظل يتردد على الطاعن بسبب تورم عينيه ووجهه حوالى اربعين يوما للعلاج الى ان تحقق فيما بعد انه فقد ابصاره مع انه كان سليم البصر قبل لجراحة التى لم يستأذن الطاعن فى اجرائها ولم يجرى مخصوصا قبلها وقد تخلفت لديه بسبب الطاعن عاهة مستديمة وهى فقد بصره كلية وبعد أن عرض الحكم لبيان مختلف التقارير الطبية الفنية المقدمة فى الدعوى واقوال واضعها اثبت ان المجنى عليه لم يكن فى حاجة الى الجراحة بالسرعة التى اجراها له الطاعن ، عول فى ثبوت خطأ الطاعن على ما اورده من تقرير اخصائى مصلحة الطب الشرعى الدموى من انه كان يتعين على الطاعن اجراء الفحوص الباطنية والمعملية اللازمة التى توجيها الاصول الفنية للمريض قبل الجراحة ، وان اجراء الجراحة فى العين معا قد يعرض المريض الى مضاعفات اذا أصابت العينين معا بسبب بؤرة مستكنه او عدوى خارجية او اثناء الجراحة قد تفقدهما الابصار معا وهو ما حدث فى حالة المجنى عليه وان الجراحه لو اجريت على عين واحده فقط لامكن اتخاذ الاجراءات الواقيه ضد الحساسيه عند اجراء الجراحه على العين الاخرى ، ولما حدثت المضاعفات فى العينين معا مما ادى الى فقدهما الابصار كلية ، فضلا عن ان الطاعن لم يستبق المريض فى سريره لبضعة ايام بعد الجراحه واضاف الحكم ان الطاعن اخصائى فى فإنه يطالب ببذل عناية اكبر من التى يطالب بها غيره من الاطباء العموميين ويجب ان يتوخى غاية الحذر فى علاجه كما يبين من الحكم المطعون فيه ان المحكمة الاستئنافية بعد ان اخذت بأسباب الحكم المستأنف أضافت اليها ما أورده تقرير الطبي الشرعى الاخير تعليقا على – تقارير رؤساء اقسام الرمد فى جامعات اسكندرية وعين شمس واسيوط – الذين ندبتهم المحكمة من أن “المريض كان يشكو من حالة مرضية بعينيه هى اعتام بعدسة كل منهما مضاعف لحالة التهاب قيحى قديم ( كتراكتا مضاعفة ) وان هذه الحالة كانت تستلزم علاجا جراحيا لاستخراج العدستين – المعتمتين وقد قام المتهم باجراء العملية الجراحية اللازمة بعيادته الخاصة على العينين معا وفى جلسة واحدة دون ان يقوم بتحضير الحالة على الوجه الأكمل باجراء المزيد من التحاليل والابحاث المعملية اللازمة استبعاد الوجود بؤرة عفنه بالجسم وتأكدا من نظافة الملتحمة من الجراثيم الضارة ، اكتفاء بتحليل عينه من بول المريض عن السكر وقياس ضغط دمه علما بأن الاجراء الجراحى ما كان عاجلا فى الوقت الذى اجرى فيه وما كان ليضار لو استغرق فترة اجراء هذه الابحاث والتحليلات ثم سمح للمريض بمغادرة العيادة بعد الساعة من اجراء العملية دون ان يوفره له راحة بالفراش اكتفاء بثقته فى تأمين جرح العملية بالغرز اللازمة ، على ان الحالة قد تضاعفت بالتهاب قيحى داخل العينين أدى إلى ضمورها وفقد ابصارهما بصفه كلية على الرغم من محاولة تدارك الحالة المضاعفة بالعلاج المناسب وأن ما قام به المتهم على نحو ما سلف هى أمور يجيزها الفن الطبى ولا تعد كل منها على حده خطأ مهنيا من جانبه إلا أنه يتفق مع الخبراء الثلاثة السابق ندبهم فى أن اختيار المتهم لهذا الاسلوب العلاجى وقيامه باجراء العملية للمريض فى العينين معا فى جلسة واحدة تحت كل هذه الظروف دون اتخاذ الاحتياطات التامه لتأمين نتيجتها كان اختيارا وليد شعور زائد عن المألوف بالثقة بالنفس حجب عنه التزام الحيطة الواجبة التى تتناسب مع طبيعة الاسلوب الذى اختاره فى مثل هذه الحالات تأمينا لنتيجة العملية التى قصده المريض من اجلها وهى الحفاظ على نور من ابصاره وبذلك يكون قد عرضة لحدوث المضاعفات السيئة فى العينين معا فى وقت واحد الامر الذى انتهى الى فقد ابصارهما كلية وبذلك يكون المتهم مسئولا عن النتيجة التى انتهت اليها حالة المريض وهى فقد ابصاره لا بسبب خطأ علمى وانما كان نتيجة عدم تبصر شخصى منه وهو أمر معنوى تقديرى ليس له ميزان خاص “. لما كان ذلك . وكان من المقرر ان ايراد الحكم الاستئنافى اسبابا مكمله لأسباب حكم محكمة اول درجة – الذى اعتنقه – مقتضاه ان يأخذ بهذه الاسباب فيما لايتعارض مع الأسباب التى اضافها , وكانت محكمة الموضوع – بما لها من سلطة فى تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبة جنائيا او مدنيا – وقد قررت ان الطاعن قد أخطأ بقيامه باجراء الجراحه فى العينين معا وفى وقت واحد مع عدم الحاجة أو الإسراع فى إجراء الجراحة وفى كل الظروف – والملابسات المشار اليها فى القارير الفنية – وهو اخصائى – دون اتخاذ الاحتياطات التامة كافة لتامين نتيجتها والتزام الحيطة الواجبة التى تتناسب وطبيعة الاسلوب الذى اختاره فعرض المريض بذلك – لحدوث المضاعفات السيئة فى العينين معا فى وقت واحد ، الامر الذى انتهى الى فقد ابصارهما بصفة كلية ، فإن هذا القدر الثابت من الخطأ يكفى وحده لحمى مسئولية الطاعن جنائيا ومدنيا ذلك انه من المقرر ان اباحة عمل الطبيب مشروطة بأن يكون ما يجريه مطابقا للاصول العلمية القرره ، فإذا فرط فى اتباع هذه الاصول او خالفها حقت عليه المسئولية الجنائية بحسب تعمده الفعل ونتيجته او تفصيره وعدم تحرزه فى اداء عمله ، واذا كان يكفى للعقاب على جريمة الاصابة الخطأ ان تتوافر صورة واحدة من صور الخطأ التى اوردتها المادة 244من قانون العقوبات ، فإن النفس على الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون فى هذا الخصوص يكون غير سديد ”

( نقض جنائى11/2/1973 – الطعن رقم 1566 42ق)

وبأن ” حيث أن الحكم المطعون فيه فى سياق بيانه لواقعة الدعوى قد أورد العناصر التى يتوافر فيها ركن الخطأ فيما نسب الى الطاعن ، فقال أن المصاب عرض على المتهم الثانى المفتش للصحة فأثبت ان به اصابات من عقر كلب وظل يعالجه فترة ادعى بعدها انه شفى فى حين كانت تبدو منه حركات غربية لاحظها اقارب المجنى عليه بعد خروجه من عيادة المتهم الثاثى فذهب خال المجنى عليه يرجوه فى ان يرسله لمستشفى الكلب لمعالجته فرفض للطاعن ، ثم ذكر الحكم ان الخطأ الذى وقع من الطاعن هو امتناعه عن ارسال المصاب الى مستشفى الكلب ليعطى المصل الوافى اخذا بما جاه بتقرير الطبيب الشرعى من ان الاصابات كما وصفت بتقرير الطبيب الكشاف تقع بالانف والجبهة مما كان يتحتم معه ارسال المصاب فورا لاجراء العلاج بالحقن دون انتظار ملاحظة الحيوان العاقر . وقال الحكم ان تصرف الطبيب على النحو الذى تصرف به كان سببا فى وفاة المصاب . وفيما أثبته الحكم من ذلك ما يدل على ان المحكمة قد استظهرت وقوع الخطأ من الطاعن الذى ادى الى وفاة المجنى عليه . لما كان ذلك وكانت المادة 238 من قانون العقوبات التىطبقتها المحكمة على جريمة الطاعن لا تستلزم توافر جميع مظاهر الخطأ الواردة بها . واذن فمتى كان الحكم قد اثبت توافر عنصر الاهمال فى حق المتهم ” مفتش الصحة “بعدم اتباعه ما يقضى به منشور وزارة الداخلية رقم 23لسنة 1927الذى يقضى بارسال المعقورين الى مستشفى الكلب ، ولوقوعه فى خطأ يتعين على كل طبيب ان يدركه ويراعيه بغض النظر عن تعليمات وزارة الصحة – فإن ما يثيره الطاعن من عدم العلم بهذا المنشور لصدوره قبل التحاقه بالخدمة لا يكون له اساس ، وذلك ان الطبيب الذى يعمل مفتشا للصحة يجب عليه ان يلم بكافة التعليمات الصادرة لأمثاله وينفذها سواء أكانت قد صدرت قبل تعييه ، أم بعد ذلك ”

(نقض جنائى 3/1/1953 مجموعة احكام محكمة النقض ، س4 ع3ص133) .

 

– صور الخطاء الطبى : –

أولا : الخطآ فى التشخيص: – تبدأ جهود الطبيب فى علاج المريض بتشخيص المرض . وهذه المرحلة من مراحل العلاقة بين الطبيب والمريض أهم وأدق هذه المراحل جميعا ففيها يحاول الطبيب تعرف ماهية المرض ، ودرجته من الحظورة ، وتاريخه وتطوره مع جميع ما يؤثر فيه من ظروف المريض من حيث حالته الصحية العامة وسوابقه المرضية وأثر الوراثة فيه ثم يقرر بناء على ما تجمع لديه من كل ذلك نوع المرض الذى يشكوه المريض ودرجة تقدمه . ويحتاج الأمر من الطبيب على الأخص إذا كان يزور المريض للمرة الأولى ، ولم تكن سبقت له به معرفة . أن يعنى بفحصه وأن يتجنب التسرع أو الإهمال فى الفحص وأن يحاول أن يطبق معارفه وقواعد فنه تطبيقا صحيحا ، حتى يتفادى كل خطأ فى التشخيص ويجب عليه أن يحيط عمله بجميع الضمانات التى يصفها العلم والفن تحت تصرفه لابداء رأى أقرب ما يكون إلى الصواب ، وأبعد ما يكون عن الخطأ فيجب عليه أن يستعين بآراء الاخصائيين فى كل حالة يدق عليه فيها التشخيص كما يجب عليه أن يستعين بجميع الطرق العلمية للفحص كالتحاليل بأنواعها والفحص البكتربولوجى ، والتصوير بالأشعة . كلما كان ذلك لازما للتثبت من الحالة وصحة التقدير ، وكان فى متناول يده فإذا اهمل ذلك وتسرع فى تكوين رأيه فإنه يكون مسئولا عن جميع الأضرار التى تترتب على خطئه فى التشخيص . (د/ محمد فايق الجوهرى – المرجع السابق – ص394 وما بعدها) .

ومن المقرر الآن أن كل خطأ فى التشخيص مهما كان يسيرا يرتب مسئولية الطبيب مادام أنه لا يمكن أن يصدر من طبيب يقظ يمر بنفس الظروف التى كان يمر بها المتهم . (د/ أحمد فتحى سرور – المرجع السابق – ص567 وما بعدها) .

إذا كان الخطأ يشكل جهلا واضحا بالمبادئ الأولية للطب المتفق عليها من قبل الجميع والتى تعد الحد الأدنى الذى يتفق مع أصول المهنة الطبية .
2. والغلط فى التشخيص لا يشكل بالضرورة خطأ طبيا ، فمثل هذا الغلط يمكن أن يثير مسئولية الطبيب إذا تم عن جهل جسيم بأوليات الطب أو عن إهمال فى الفحص كأن يتم بطريقة سطحية وسريعة أو غير كاملة .
3. إذا كان الغلط فى التشخيص غير مغتفر كما إذا كانت علامات وأعراض المرض من الظهور بحيث لا تفوت على طبيب مثل الذى قام بالتشخيص .
4. إذا كان الخطأ ينطوى على إهمال واضح من قبل الطبيب لا يتفق مع ما جرى عليه العمل فى مثل هذه الحالات . فعادة يقوم الطبيب – لمعرفة المرض – بكثير من التحريات حول الأعراض والحالة العامة والسوابق المرضية والتأثيرات الوراثية وشكوى المريض . وهو يستعمل فى ذلك جميع الوسائل التى يضعها العلم تحت تصرفه حتى يصل إلى معرفة الداء . فيسأل الطبيب إذا كان خطؤه فى التشخيص راجعا إلى عدم استعمال الوسائل العلمية الحديثة التى اتفق على استخدامها فى مثل هذه الأحوال كالسماعة والأشعة والفحص الميكروسكوبى . ولا يعفى الطبيب من المسئولية فى هذه الحالة إلا إذا كانت حالة المريض لا تسمح باستعمال الوسيلة المتبعة أو كانت الظروف الموجود بها المريض لا تؤهل لذلك كوجودة فى مكان منعزل.
وقد أدان القضاء الطبيب الذى أخطأ فى التشخيص بسبب عدم استعماله الأشعة والفحص الكهربائى إذ جرى العمل على استخدام مثل هذه الوسائل فى الحالة المعروضة .
5. وإذا كان الخطأ فى التشخيص راجعا إلى استخدام الطبيب لوسائل مبحورة وطرق لم يعد معترفا بها علميا فى هذا المجال وأدانت المحاكم الطبيب بسبب استعماله طرق طبية قديمة مهجورة فى الكشف على سيدة حامل ، لاسيما وأن من شأن هذه الطريق الإضرار بالجنين .
6. ويسأل الطبيب أيضا عن الخطأ فى التشخيص إذا كان راجعا إلى عدم استشارته لزملاء له أكثر تخصصا فى المسائل الأولية اللازمة حتى يتبين طبيعة الحالة المعروضة عليه – وكذلك إذا أصر على رأيه رغم تبينه من خلال آراء زملائه لطبيعة خطئه فى التشخيص وأدانت المحكمة الطبيب الذى سافر بعد إجرائه العملية وترك المريض فى رعاية زملاء له تبين لهم خطأ التشخيص وعند عودته لم يشاطر الزملاء رأيهم وأصر على تشخيصه رغم وضوح العلامات الظاهرة التى تشير إلى غير ذلك .
ومما تجدر الإشارة إليه أن التشخيص الطبى يعتبر من المسائل الفنية البحتة التى لا تستطيع المحكمة بنفسها أن تشق طريقها لإبداء رأى فيها دون الاستعانة بالخبير ، على أن رأى الخبير فى هذه الحالة يخضع لتقديرها . وهى إذ تأخذ به أو تطرحه يجب أن تستند إلى أدلة سائغة صحيحة وإلا كان حكمها باطلا . (د/ أحمد فتحى شرور – المرجع السابق) .

ثانيآ : رفض علاج المريض : –
بظهور الاتجاهات الحديثة فى نسبية الحقوق ووظيفتها الاجتماعية كان له أثر فعال فى تقييد تلك الحرية المطلقة للطبيب فهناك واجب إنسانى وأدبى على الطبيب تجاه المرضى والمجتمع الذى يحيا فيه تفرضه عليه اصول ومقتضيات المهنة.
إلا أن هذا لا يعنى بوجود إلتزام على الطبيب بقبول علاج كل من الطبيب منه ذلك . بهذا الالتزام يتحدد بنطاق معين ، وفى ظروف معينة .
ويبدو هذا الالتزام واضحا فى الحالة التى يوجد فيها الطبيب فى مركز المحتكر ، بمعنى أنه فى الظروف القائمة لا يوجد سواء لإسعاف وعلاج مريض سواء أكان ذلك راجعا لمكان وزمان العمل أم للظروف الملحة التى وجد فيها المريض ، أم لطبيعة عمل الطبيب ، وذلك كوجود المريض فى مكان ناء ولم يكن هناك سوى طبيب معين لإنقاذه أو علاجه او فى ساعه معينه من الزمان لا يوجد فيها غيره وكذلك وجود المريض فى حالة خطره تستدعى التدخل السريع والفورى من قبيل الطبيب الحاضر او المتخصص . والطبيب الذى فى مصلحه حكوميه او مسشفى عام ليس له ان يرفض علاج احد المرضى الذين ينبغىعليه علاجهم اى ممن يدخلون فى نطاق اختصاصه .ونفس الحكم بالنسبه للطبيب او المسشفى الخاص الذى يتعاقد مع رب العمل عل علاج العاملين فرفض الطبيب للعلاج هنا يثير مسؤليته التعاقديه .
وكما يسأل الطبيب عن عدم الاستجابه فى الظروف السابقه فانه يسال كذلك فى حالة التأخير عن الحضور أو التدخل لانقاذ المريض ويقدر التأخير قاضى الموضوع على ضوء مدى ظروف الطبيب وارتباطه ومشاغله ومدى خطورة الحالة المعروضة أمامه وبصفة خاصة مدى حسن أو سوء نيته .
وتثور مسئولية الطبيب كذلك فى الحالات التى ينقطع فيها الطبيب عن معالجة المريض فى وقت غير لائق وبغير مسوغ قانونى وإن كان ” هناك حالات يجد الطبيب لنفسه فيها مبررا لترك المريض ، فلو أن المريض أهمل فى اتباع تعليمات الطبيب أو تعمد عدم اتباعها ، أو لو أنه استعان بطبيب آخر خفية عن الطبيب الذى يعالجه مما يؤذى كرامة هذا الأخير ، أو لأنه امتنع عن دفع أجر الطبيب فى مواعيده لجاز للطبيب ترك علاجه ، بشرط هام هو ألا يكون فى ظرف غير لائق أى غير مناسب لمريض ، وإلا تحمل الطبيب مسئولية الترك أى ما ينشأ عنه من أضرار .
إلا أنه طبقا للقواعد العامة فإن الطبيب لا يفلت من المسئولية فى الحالات السابقة ، إلا إذا قام الدليل على وجود القوة القاهرة أو الحادث الفجائى كإستحالة الزيارة أو التأخير بسبب عطل فى المواصلات أو ظروف مرضية . كذلك إذا استطاع الطبيب أن يثبت أن حضوره لم يكن ليجدى المريض خطأ . وأخيرا فإنه لو ثبت أن أهمل المريض يستطيعون طلب طبيب آخر فى حالة عدم حضور الطبيب المتخلف . (د/ محمد فائق – المرجع السابق – ص388 وما بعدها) .
فلم يقبل القضاء الفرنسى إقامة مسئولية طبيب المستشفى لاخراجه طفل يسبب عدم وجود سرير عقب عملية جراحية رغم احتياجه لعمل كمادات وغيارات نظرا لأنه فى إمكان الأم للقيام بها أو اصطحابه إلى المستشفى لعملها .
ولكنه قبل مسئولية الطبيب الذى امتنع عن التدخل بمناسبة حالة وضع رغم إبلاغه بخطورة الحالة وبصعوبة الظروف المحيطة بها . (د/محمد حسين منصور – المرجع السابق – ص26 وما بعدها) .

ثالثآ : ترك المريض : –

لا شك فى ترك الطبيب لمريضه بعد قبوله علاجه إخلالا بعقد العلاج من جانبه وهو لا يجوز له مادام المريض فى حاجة إلى جهوده . ولا تنفى المسئولية عن الطبيب فى هذه الأحوال إلا إذا حالت بينه وبين ذلك قوة قاهرة كانقطاع المواصلات أو المرض .
وقد قررت محكمة فى سنة 1909ان الطبيب الذى يشرع فى معالجة المريض ، ثم يتركه ، يرتكب اهمالا يعرضه لفقد اتعابه اذا ترك مسكنه دون ان يترك عنوانه ، او يترك طبيبا آخر بدلا منه ، لانه طالما ان المريض فى حاجة اليه ، ولا يصح ان ينقطع عن هذا العلاج فجأة.
غير ان هناك حالات يجد الطبيب لنفسه فيها مبررا لترك المريض ، كأن يهمل فى إتباع تعليماته او يستعين بطبيب اخر خفية عنه ، مما يعرض كرامته ذى . او يمتنع عن دفع الاجر فى مواعيده .ففى مثل هذه الاحوال يجوز للطبيب ان يترك المريض ، بشرط ان لايكون الترك فى ظرف غير لائق اى غير مناسب للمريض والا تحمل الطبيب مسئولية ما ينشأ عن ذلك من اضرار .
وتشدد المحاكم بصدد مسسئولية الطبيب ازاء المريض فى احول التخدير حيث يوجب عليه النيابه به حتى يضيق فى حالة عادية من الصحة . ولكن هناك أحوالا لا تنتهى فيها مسئولية الطبيب قبل المريض بمجرد الفحص أو الزيارة كما إذا دعى لإبداء الرأى بشأنه أو لمجرد إعطائه شهادة بحالته .
وقد نوهنا سابقا إلى حكم محكمة جنح الجيزة فى سنة 1935 بصدد مسئولية الطبيب عن عدم وضع المريضة تحت ملاحظته فى عيادته والتردد عليها يوميا حيث تستدعى حالتها ذلك وأنه لا يخليه من هذه المسئولية أن تكون المريضة فقيرة ، لأن الطبيب كان يجب عليه أن يبحث هذه الوجهة قبل إجراء العملية لا بعدها فإما أن يقبل العلاج تحت مسئوليته ويؤدى واجبه فيها كاملا بما يعرض عليه ، وإما أن يرفض فيتحمل أهل المريضة المسئولية ويرسلونه إلى المستشفى أو يتركونه يموت ميتة أخرى لا مسئولية عليه فيها . (جنح الجيزة 26/1/1935 – المحاماه س15 القسم الثانى 491 – ص216) . (راجع فى تفصيل ما سبق د/ محمد فائق الجوهرى – المرجع السابق) .

رابعآ : رفض المريض للعلاج : –

إذا كان رضاء المريض بالعلاج أو التدخل للطبى يعد أمرا ضروريا ، فإنه من الضرورى أن يكون لرفض المريض أثره القانونى على تحديد المسئولية الطبية ، إذ يعفى الطبيب من المسئولية . إذا رفض المريض صاحب الأهلية للكاملة أو الرضاء الصحيح التدخل الطبى .
ولكن يثور الشك حول مسئولية الطبيب عندما يكون تدخله ضروريا وتستدعيه حالة المريض ، فهنا يشترط القضاء لتخلص الطبيب من المسئولية إثبات رفض المريض كتابة لتدخله . إذ يسأل الطبيب عن الرحيل المبكر للمريض من المسشتفى بعد إجراء العملية الجراحية ، وما ينتج عن ذلك من اضرار ، حيث كان ينبغى على الطبيب الحصول كتابة من المريض على ما يثبت رفضه للبقاء . (د/ محمد حسين منصور – المرجع السابق – ص32 وما بعدها)

خامسآ : رضاء المريض : –

نصت المادة 60 عقوبات التى يستمد منها الطبيب الإباحة وعدم المسئولية عن بعض أعماله على أنه ” لا تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة ” . ويستلزم تطبيق هذا المبدأ توافر ثلاثة شروط : الشرط الأول : وجود ترخيص بمباشرة مهنة الطب . والشرط الثانى : رضاء المريض بالعلاج إما صراحة وإما ضمنا . والشرط الثالث : مراعاة أصول وقواعد المهنة وعدم ارتكاب خطأ عمدى أو غير عمدى . (د/ رمسيس بهنام – المرجع السابق – ص364 وما بعدها) .
– وسنقتصر حديثا على الشرط الثانى موضوع البحث :
فعدم موافقة المريض على العلاج يهدم ركنا أساسيا وشرطا لازما لإنطباق نص المادة 60ع على عمل الطبيب إذ لا يمكن القول بأن ذلك الحق مقرر بمقتضى القوانين واللوائح حال كون ما تضمنه مرهون بموافقة المريض على العلاج . ومن ثم يكون كل ما يجربه الطبيب بغير هذا الرضاء يكون عملا غير مشروع يستوجب مساءلته . (محمد خطاب وشفيق رزيق – المرجع السابق ص197) .
فإذا أعمل الطبيب مبضع الجراحة فى جسم إنسان لم يكن قد رضى بذلك ، اعتبرت الواقعة جريمة جرح عمد رغم وجود رخصة مزاولة الطب والجراحة . (د/ رمسيس بهنام – المرجع السابق – ص369) .

ولذلك فإنه يجب على الطبيب يحسب الأصل – عدم الالتجاء إلى علاج المريض ، أو المساس بجسمه دون الحصول على رضائه سلفا . فهذا الرضاء يقتضيه احترام الحرية الشخصية للفرد إذ لكل إنسان حقوق مقدمة على جسمه لا يجوز المساس بها بغير رضائه ، وكل اعتداء على هذه الحقوق يرتب مسئولية على من ارتكبه ، ولقد كان الدافع إليه صالح المريض . ولكن الخلاف فى مدى تقيد الطبيب فى أعمال التطبيب والجراحة بهذا الشرط . (د/ أحمد فتحى سرور – د/ محمود محمود مصطفى) .

ويرى البعض أن إعفاء الطبيب من المسئولين عن الإضرار التى يسببها لمريض فى مزاولته العادية لمهنته يرجع إلى وجود عقد يربط بينه وبين المريض يتعهد بمقتضاه الطبيب من جانبه بأن يقوم بعلاج المريض بما تقضى به المحكمة والأصول ، كما يقدم المريض من جانبه للطبيب أجرا عن تلك المهمة . فإذا نفذ الطبيب التزامه فى غير خطأ منه ولا تقصير فلا مسئولية عليه ، ولو ترتب على المعالجة ضرر بالمريض أساس الإعفاء من المسئولية فى العلاج للطبى يرجع إلى

رضاء الشخص الذى أجرى له الطبيب العلاج أو العملية الجراحية . (د/ محمد فائق الجوهرى – المرجع السابق) ولكن رضاء المريض لايعنى اعفاء الطبيب من المسئولية بل انه يسأل طبقا للقواعد العامة عن الخطأالصادر منه اثناء العلاج او الجراحة ، فاذا بذل العناية المطلوبة ، لم يكن مسئولا عن الاضرار الناشئة من اجراء تدخله . (د/ محمد حسين منصور – المرجع السابق) .
وتزداد أهمية الحصول على رضاء المريض كلما كان العلاج أو الجراحة امرا ينطوى على كثير من المخاطر فقد شددت المحاكم مسئولية الطبيب الذى حقن المريض بمادة ينطوى استعمالها – بحسب تعليمات الشركة التى تضعها على قدر من الخطورة مما يتطلب معه إلى جانب الحيطة أخذ رضاء المريض بذلك .

ومما يجدر ملاحظته أن التزام الطبيب بالحصول على موافقة المريض لا يقتصر على العلاج الذى يشير به فقط بل يجب على الطبيب أن يحيط المريض علما بكافة النتائج والمضاعفات التى قد تحدث بسبب ذلك العلاج ، ويحصل على موافقته بشأنها . (د/ محمد فائق وشفيق رزيق – د/ رمسيس بهنام) .

– من من يصدر الرضاء : –
وينبغى – من حيث المبدأ – أن يصدر الرضاء من المريض نفسه – طالما أن حالته تسمح له بذلك وأن رضاءه يعقد به قانونا . (د/ محمد حسين منصور – المرجع السابق – ص30) .
على أنه لا يلزم فى الرضاء أن يعبر عنه المريض صراحة بالقول أو بالكتابة بل يكفى أن يكون معبرا عنه ضمنا بأن يكون مستفادا من مسلك المريض .
وإن كان المريض غير أهل للتعبير عن رضائه أو كان فاقد الوعى ، فإنه يكفى أن يصدر الرضاء ممن له فى شأنه سلطة قانونية أو من أقرباء يفترض فيهم أنهم رعاية الطبيعيون . (د/ رمسيس بهنام – المرجع السابق – ص369) .

– حالات لايلزم رضاء المريض : –
ويمكن الاستغناء عن رضاء المريض فى الحالات التى يكون فيها فى وضع لا يسمح له بإبداء ذلك الرضاء لكونه فى غيبوبة أو ناقص الأهلية أو عديمها فهنا يلزم رضاء ممثلية القانونيين أو أقربائه المقربين . (د/ محمد حسين منصور – المرجع السابق – ص30) .
ولا يلزم الرضاء كذلك فى الوضع الذى تقتضى فيه حالة المريض التدخل السريع وعدم انتظار أخذ رأى ممثلين أو أقربائه كمن هو فى حادث . ويثور الأمر أيضا عند إجراء العمليات الجراحية حيث تقتضى الضرورة أحيانا إجراء عملية جراحية أخرى ملازمة ولا تحتمل الانتظار . (د/ محمد حسين منصور – المرجع السابق – ص30) .
ولا يلزم أخيرا رضاء المريض فى الحالات التى يلزم القانون الطبيب فيها بالتدخل كإجراء التحقيق والتطعيم وحوادث العمل والفحوص العسكرية . (د/ محمد حسين منصور – السابق المرجع – ص31) .

– انعدام الرضا وتكيف المسئولية : –

هل يكون الطبيب مسئولا إذا أغفل الحصول على رضاء المريض ، أو من يمثله ولم تكن ثمة ضرورة لتدخله ؟ وما نوع هذه المسئولية . هل هى عمدية أم غير عمدية ؟
بطبيعة الحال أن الطبيب الذى لا يحصل على رضاء المريض أو من يمثله حالة كونه فى غير حالة الضرورة يكون مسئولا . إما من نوع المسئولية فقد ذهبت بعض المحاكم الفرنسية إلى أن عدم اهتمام الطبيب بالحصول على رضاء صحيح إهمال منه وعدم احتياط . ولكنه لا يكفى وحده أساسا للمسئولية الغير عمدية ، بل يلزم أن يكون الضرر مسببا عن إهمال من نوع آخر فإذا أجريت عملية جراحية طبقا للأصول الفنية دون وقوع أى خطأ من الطبيب فلا مسئولية عليه مهما كان الضرر لأنه لم يكن نتيجة لعدم الرضاء .
وبعبارة أخرى لا تكون ثمة علاقة سببية بين الخطأ والضرر الذى حصل وهذا الرأى مؤدى إلى استبعاد رضاء المريض كشرط من شروط إباحة أعمال التطبيب والجراحة ، وهو ما لا يمكن التسليم به ، ولعل الصحيح أن مسئولية الطبيب عن خطئه فى الحصول على رضاء المريض مقدما مستقلة تمام عن المسئولية التى تنشأ بسبب الخطأ فى العلاج فعدم رضاء المريض يجعل علاج الطبيب عملا غير مشروع بداءة فيكون مسئولا عنه مسئولية عمدية كأى شخص عادى . (د/ رمسيس بهنام – د/ محمود محمود مصطفى) .

– كيفية أثبات رضاء المريض : –
قد يكون رضاء المريض بالعلاج الذى أشار به الطبيب ومضاعفاته ونتائجه ثابتا بالكتابة ، وهذا أقوى أنواع أو له الإثبات . ولا يحتاج إلى شرح أو تفصيل
وقد يكون الرضاء ضمنيا مستفادا من قرائن الأحوال والظروف التى تم فيها العلاج ، كطلب المريض من الأطباء تحويله إلى أخصائى ، فإن ذلك يعنى ضمنا قبول تدخل هذا الأخير وعلاجه وفى هذه الحالة يقع عبء الإثبات على عاتق المريض الذى يزعم أن الطبيب لم يحصل على موافقته .
وإثبات الرضاء فى مثل هذه الأحوال يخضع لتقدير قاض الموضوع بحسب الأدلة والقرائن المطروحة أمامه دون رقابة عليه من محكمة النقض ودوج الاحتياج إلى أى خبير فنى أو الخوض فى مجادلات ونقاض علمى . (محمد خطاب وآخر – المرجع السابق) .
وقد قضى بأن ” إذا ما افهم الطبيب المريضة بأنه سيعطيها حقنه فقط فقبلت تحت هذا التأثير واعطاها حقنة مخدرة وكشف عليها وهى تحت تأثير المخدر بمنظار فلما أفاقت وجدت الدم يسيل من رحمها ونقلت بسبب ذلك إلى المسشتفى وظلت فيه زمنا أجريت لها فيه عملية تفريغ الرحم فإن ما قام به الطبيب يستوجب مساءلته لأنه إذا كان يجوز للطبيب فى مقامه بوظيفته المرخص له بها وفى سبيل المحافظة على صحة الناس اتخاذ ما يلزم من وسائل الطب بقصد العلاج فإن ذلك شروط بأن يرضى المريض بذلك رضاء غير مشوب وأن يمارس الطبيب عمله فى حدود قواعد المهنة الطبية ، فإذا ما خالفت هذه السنة فقد خرج عن قواعد المهنة الطبية وواجباته كطبيب ووجبت مساءلته . (جنايات الاسكندرية – قضية رقم 340 لسنة 1938 – 25/11/1941) .

سادسآ : خطآ العلاج : –

بعد تشخيص المرض كمرحلة أولى يصف الطبيب الدواء ويحدد طريقة العلاج الملائمة ولا يلتزم الطبيب بنتيجة معينة كشفاء المريض ، ولكن كل ما عليه هو بذل العناية الواجبة فى اختيار الدواء الملائم للمريض بغية التوصل إلى شفائه أو تحسين حالته ما أمكن .
ولا يسأل الطبيب عن الطريقة التى يعالج بها مريضه إذا رآها أكثر موافقة للمريض ولمزاجه ، ولا يلتزم باتباع آراء الغالبية من الأطباء وله أن يطبق علاجا خاصا به شرط أن يكون العلاج مبنيا على أسس علمية سليمة ومعترفا بها لأنه يجب أن تترك للطبيب حرية التصرف حسب مهارته وتجاربه .
كما يجب على الطبيب أن يعطى علاجه دون تعريض المريض لخطر لا تدعو إليه الحاجة ولا يتناسب مع الفائدة المرجوة ما لم تكن حالة المريض ميئوسا منها .

ويجب عليه أيضا استشارة الاخصائيين إذا وجد نفسه إزاء حالة فوق مستوى علمه ، وإذا اشترك فى استشارة يجب عليه أن يتبع رأى الاخصائيين الذين شاركوه ، وعليه إخطار أهل المريض بالنتيجة وموافقته أو عدم موافقته على العلاج وإذا لم يوافق فله أن ينسحب أما إذا وافق فهو مسئول عن نتيجة العلاج ولا عبرة بالقول بأنه لم يكن موافقا عليه .
وعليه أن يطلب إرسال المريض إلى المسشتفى إذا رأى أن حالته لا تسمح بعلاجه فى المنزل .
كما أن عليه الالتزام بمراعاة الحيطة فى وصف العلاج وضبط الجرع التى تتناسب مع حالة المريض وبنيته وسنه ومقاومته ودرجة احتماله للمواد التى يحتويها الدواء .

ويسأل الطبيب عن الخطأ فى العلاج إذا كان ذلك يدل على إهمال أو جهل بالمعارف الأولية والقواعد الأساسية للطب ، ويقع الجهل عادة من عدم اتباع القواعد المتفق عليها فى العلاج ، أو إعطاء جرعة أكبر أو أقل من اللازم لذا يجب على الأطباء التدقيق فى كتابة التذكرة الطبية والتأكد من أنها مطابقة للمرض ولحالة المريض مع الدقة فى بيان طريقة الاستعمال .
كما يسأل إذا أخطأ خطأ ضارا فى وصف الدواء سواء كان ذلك لنقض معارفه أو إهمالا منه .
كذلك يسأل الطبيب إذا أعطى المريض دواء من الأدوية المعروفة بسميتها نتيجة زيادة حساسية المريض لها ولم يبصر المريض بذلك وحدث للمريض تسمم نتيجتها ، وعلى الطبيب عند استعمالها مراقبة المريض عن كثب لتوجيهه ، مع الأمر بوقف العلاج إذا حدثت بوادر مضاعفات ولكنه لا مسئولية على الطبيب إذا هو زاد الجرعة زيادة فى تأثير الدواء طالما أنه لن تخرج فى ذاتها عن الحد المعقول وكان الضرر ناجما عن حساسية لدى المريض لم يكن للطبيب أن يثبته لها .

– التطبيقات العملية لخطاء العلاج : –

يضم أرشيف مصلحة الطب الشرعى عددا كبيرا من قضايا الوفاة المفاجئة فور حقن البنسلين فى العضل ، والواقع أن البنسلين كان يعد بعد اكتشافه فى أواخر الأربعينات عقارا سحريا يشفى جميع الالتهابات وجهز للاستعمال فى وقت كان الطب فى أحوج ما يمكن إليه بسبب صعوبة علاج الالتهابات المختلفة التى لم يكن لها أى علاج إلا مركبات السلفا البسيطة البطيئة المفعول ، ولكن نجاحه فى العلاج لم يكن سهلا فقد كان الحقن بالنسلين يصطحب فى بعض الأحيان بصدمة استهدافية تؤدى إلى الوفاة خلال دقائق بل إن هذه المضاعفة انتشرت إلى استعماله فى صورة مرهم للعين ثم إلى الممرضات اللائى يقمن بحقن المرضى بالبنسلين .

وفى الحالات الأولى من هذه المضاعفات كان يكتفى بالقول أن وفاة المريض من حساسية استهدافية لديه تجاه البنسلين دون التفكير فى مساءلة الطبيب الذى قام بالحقن على أساس أنه يتعذر علمه بوجودها أو احتمال حدوث المضاعفة مسبقا .

ثم اصبح الأطباء يقومون بعملية اختبار الحساسية للتأكد من وجودها لدى المريض من عدمه حماية لأنفسهم من مغبة حسبان خطأ منهم فى حالة وفاة المحقون ، ولم يعد فى الإمكان مساءلة طبيب قام بإجراء الاختبار حتى لو توفى المريض بسبب صدمة استهدافية كذلك أثير فى ذلك الوقت أن اختبار الحساسية نفسه قد يؤدى إلى صدمة استهدافية تؤدى إلى الوفاة .

وقد وصلت كثير من القضايا إلى النيابة والمحاكم ولكن مصيرها كان إلى الحفظ أو الحكم بغرامة وتعويض بسيط إلا فى حالة واحدة حكم فيها بحبس طبيب ثلاثة أشهر بعد أن حقن مريضة كبيرة السن بعد أن قام بعملية بسيطة لها . وتوفيت خلال دقائق من الحقنة وقد تأيد الحكم استثنائيا ولكنى لم أتابعه فى التقصى بعد ذلك رغم أنى كنت متأكدا أن نسبة الوفاة إلى البنسلين مشكوك فيها ، لأن السيدة كانت مسنة جدا واحتمال وفاتها طبيعيا كان أمرا واردا بسبب تقدمها فى السن كما أن الحقنة التى أعطيت لها كانت تحوى مادة البروكايين وهو عقار يمكن أن يؤدى إلى الوفاة نتيجة الحساسية وأنه مما لا يمكن التعرف على وجود حساسية من ناحية أى وسيلة من الوسائل .
ومن زمن طويل تحضرنى هذه الواقعة فقد كنت طبيبا مبتدئا وحضرت إلى ممرضة تشكو آلاما شديدة نتيجة الطمث فأمرت بإعطاء حقنة نوفالجين لها فى الوريد ، وبعدها توفيت ووضح من فحص الجثة أن الوافة كانت نتيجة حساسية استهدافية لمادة النوفالجين لم يمكننى أن أتوقعها أو أتلافاها وانتهى الأمر على ذلك ، وقد اتصلت بعد ذلك بالشركة التى أفادتنى بوضوح أن النوفالجين لا يمكن أن يؤدى إلى الصدمة الاستهدافية القاتلة ، وأن الحساية التى قتلت هذه الممرضة كانت تلوث الحقن بمادة البنسلين وليست نتيجة الحساية للنوفالجين وقد رضيت بهذا الرأى ولكن الأيام أثبتت لى أن للنوفالجين حساسية قد تؤدى إلى الوفاة وأن على الطبيب تحاشيها بعمل الاختبار المناسب أو سؤال المريض .

سابعآ : اخطاء الجراحة : –

لا شك فى أن الجراحة أجل المهن الطبية للإنسانية وكان اعطاؤها لها كثيرا رغم خطرها ولذا احتاجت إلى مزيد من العناية أكثر مما تطلبه العلاجات العادية الأخرى الطبية ، فلا يحق للجراح أن يجرى جراحة إلا بعد تفكير عميق وبشرط أن تكون متاعب المريض غير محتملة أو منذرة بما هو أصعب أو أخطر وأن تكون الجراحة وعلى الأخص إذا كانت دقيقة خطرة لازمة لإنقاذ الحياة لأن إنقاذ الحياة وإنقاذ المريض من آلامه وتعبه أمر نبيل حقا .

ولابد قبل الجراحة من الحصول على رضا المريض بعد أن يكون على بينة بحقيقة وضعه وطبيعة العلاج المطلوب له وموافقته وقبوله العملية مع علمه بكل تفاصيلها وامكانياتها ومضاعفاتها المحتملة .

ولا مانع من حصول الطبيب على موافقة مكتوبة إذا رأى ذلك وخاصة فى حالات استئصال الأعضاء منعا لما قد يطرأ مستقبلا لتوضيح الأمور .
ولا تجرى العملية بدون رضا المريض إلا للضرورة وفى الحالات المستعجلة التى تقضى بإنقاذ حياة المريض الذى يكون فى وضع لا يسمح له بالتعبير عن الرضا وذلك كحالة الطبيب الذى يضطر أثناء جراحة للقيام بعملية أكثر خطورة مما توقع فى البداية .

وهنا يكون التعبير ممن يمثل المريض قانونا أو اقربائه وإلا بتعرض الطبيب للمساءلة ومهمة الطبيب فى هذه الحالة أن يثبت حصوله على الرضا القانونى أو أن يثبت المريض تخلف رضاه ، وتزداد أهمية التزام الطبيب بإعلام المريض والحصول على رضاه إذا تطلب الأمر التدخل الجراحى وبصفة خاصة إذا انطوى ذلك على قدر من المجازفة والخطورة حيث يعتبر القضاء الطبيب مسئولا إذا كذب على المريض بالمبالغة فى وصف حالته لحمله على قبول عملية خطرة مكلفة .

كذلك لا يسأل الجراح إذا رفض إجراء عملية مشكوك فى نتائجها وإن كان عليه ألا ينكص عن إجراء عملية لمجرد أنها خطيرة طالما أن الحالة تستدعى ذلك ولا يسأل الجراح عن طريقة إجراء العملية طالما أنه مسلم بها علميا ، وإذا اتبع قواعد فنه ولم يحصل منه خطأ ما فلن يسأل مهما كانت نتيجة العملية كذلك لن يسأل إذا أهمل الاحتياطات التى يوجبها الفن بسبب السرعة أو الظروف الشاذة المصاحبة للعملية ، ويسأل الجراح إذا تجاهل أصول الفن الطبى ، كأن يهمل تنظيف جرح أو غسله وإزالة ما به من أجسام غريبة .
ويسأل الجراح إذا ترك شيئا فى جوف المريض بعد عملية بالبطن كغطاء أو قطعة من الشاش ولكن ذلك يخضع لشروط سوف نأتى إليها فيما بعد .

وفيما يختص بالجروح فعلى كل طبيب أن ينتبه إلى احتمال تلوث الجرح بالتيتانوس ولن يكلفه هذا شيئا ولكن قد يكلف المريض حياته وعندما يجد الطبيب نفسه إزاء جرح متسخ وخاصة من التلوث بالأرض فإنه يرتكب خطأ جسيما إذا لم يحقن المصاب بالمصل الواقى ضد التيتانوس ، ما لم يثبت أنه ليس فى طبيعته الأصلية ولا فى الظروف ما يحتم هذا الإجراء علما بأن الحقن بهذا المصل قد تكون له مضاعفات لا يسأل عنها الطبيب إذا رأى أن الحالة كانت تستدعى الحقن .

وفى حالات الكسور والخلع لا يسأل الطبيب إلا إذا أخطأ خطأ فادحا فى التشخيص أو أهمل فى العلاج ولكن لا مسئولية عليه من الأضرار التى تترتب على علاجه إذا لم يخطئ .

والقضاء المصرى أخذ بمثل هذه المبادئ منذ أدان طبيبا أجرى عملية بدون مرض ونشأ عنها نزيف بعد أن اتضح أن النزيف سببه شرايين قطعت لم يقم الطبيب بربطها مع أن الأصول الطبية كانت تقضى بذلك .

ويتبقى على الطبيب قبل إجراء عملية ما أن يقوم بفحص المريض الفحص الذى تستدعيه حالته وتقتضيه طبيعة الجراحة المزمع عملها على أن يشمل الفحص الحالة العامة للمريض مع التحاليل المعملية اللازمة للتأكد من سلامته وعدم وجود أى أمراض جانبية يمكن أن تؤثر على سلامته بعد التدخل الجراحى وبعد التخدير .

وعلى سبيل المثال فإن جميع الجراحين الآن سواء فى المدن والأقاليم فى حالات العمليات الكبرى والمتوسطة لابد لهم من عمل فحص باطنى لدى طبيب ، وفحص للقلب بالرسام الكهربائى . وتحليل للدم عن السكر والبولينا وغير ذلك حتى لا يتضح أثناء العملية أو بعدها أن المريض عنده حالة مرضية غير ظاهرة قد تؤثر على حياته أثناء العملية أو بعدها .

ومن أكثر الأخطاء شيوعا فى الجراحة ترك شاشة أو آلة جراحية بالبطن فقد اصيب مهندس بالاسكندرية فى الستينات من مصادمة سيارة ونقل إلى المستشفى وأجريت له عملية لاستكشاف البطن ووجد بعض كدمات بجدر الأمعاء ونزف داخلى بسيط من أوعية ، وعمل له ما لزم من العملية ثم أرسل بعد العملية إلى سريره وبعدها بدأ يشعر بآلام فى البطن مع ارتفاع فى درجة الحرارة واستمر علاجه بالدواء فترة حوالة أسبوعين دون جدوى وازدادت حالته سوءا ثم طلب أحد الأطباء عمل اشعة للبطن وتبين وجود جفت جراحى بجوار المعدة فأجريت له عملية ثانية لاستخراجه وتمت العملية واستخرج الجفت ، ولكن حالة المريض ساءت بعد العملية وانتهت الحالة بوفاته من شلل الأمعاء .

هذه حالة خطأ لا جدال فيها من جانب الجراح والحكيمة التى تساعده أثناء العملية لأن الحكمية تحضر منضدة العمليات بعدد محدد من الأدوات الجراحية والفوط الجراحية تسلمها للطبيب لاستعمالها ، وبعد انتهاء العملية عليها أن تقوم بعد الأدوات وعدد الفوط التى أحضرتها وأن تراجع الطبيب إذا وجدت نقصا فيها ، وعلى الطبيب ألا يقفل جرح البطن إلا بعد أن تؤكد له الحكيمة ان جميع الآلات والفوط قد استعيدت .
ومثل هذه العملية تؤكد مسولية الجراح إذا كانت العملية بسيطة وعدد الفوط والجفوت المستعملة قليلا .

وهناك عدد ضخم من الحالات التى حدث فيها ذلك وجميعها يسند الخطأ فيه إلى الجراح وحكيمة العمليات لأنهما يشتركان فيه .
ولكن الجراح يخلى من المسئولية إذا كانت العملية على درجة من الخطورة بحيث يتحتم إجراؤها بمنتهى السرعة أو إذا كانت من الصعوبة والجسامة بحيث يستدعى استعمال عددا كبيرا من الشاش بالعشرات مما يسهل معه عملية الخطأ فى عددها أو كانت حالة المريض قد تدهورت بالدرجة التى تستدعى إنهاء العملية فورا ومن ذلك فإن نسيان فوطة شاش فى البطن يمكن فى حالات خاصة عدم اعتباره خطأ لكن مجرد حادث جراحى لا يسأل عنه الجراح ولكن قبل اعتباره كذلك لإخلاء مسئوليته يجب أن يقوم الدليل على أن ترك الفوطة كان نتيجة ضرورة علاجية أو قوة قاهرة .

والفوطة التى تترك فى البطن بعد أى عملية ما تؤدى إلى التهاب موضعى وقد تؤدى إلى تقيح محدود داخل البطن ولكن الجسم قد يستطيع أن يحيطها بحوصلة من الأنسجة الليفية الملتهبة ، وقد تستمر داخل البطن فترات شهور أو أكثر وقد كان لى الحظ أخيرا بمتابعة حادثة حالة حدثت سنة 1942 لسيدة بعد عملية بالرحم وتركت فيها فوطة كبيرة استمرت فى بطنها سنة وشهرا وكانت تعانى أثناءها من آلام بالبطن أو نوبات إسهال أو قئ حتى خرجت ذاتيا عن طريق الشرج .

وهذا مما يجعل من يتهم بترك فوطة فى البطن بعد عملية البطن أن يدافع بأن الفوطة متروكة من عملية سابقة إذا كانت العملية السابقة قد تمت خلال عام سابق أو نحو ذلك ، ومن المتعذر أن يثبت أن العملية السابقة لم يتبعها آلام أو مغص أو اضطرابات بالبطن ، وأن الاضطرابات لم تبدأ إلا بعد العملية الثانية التى انتابها المغص ، وذلك حتى يثبت أن السبب وجود الفوطة فى البطن .

أخطأ طبيب متخصص الأنف والأذن والحنجرة حديث التخصص قام بإجراء عملية استئصال اللوزتين لطفل وقام بحشو بلعوم الطفل بقطعة من الشاش لمنع تسرب الدماء الخارجة من الجراحة ونزولها إلى المرئ والقصبة الهوائية وبعد إنتهاء العملية نسى إزالة الحشو الذى وضعه فى حنجرة المريض وأدى إلى وفاته اختناقا ، ولم تكن هناك أى عيوب فى تحضير المريض أو التخدير وجميع مقومات التداخل ولكن ترك هذه الشاشة كان خطأ واضحا ، وقد حاول الطبيب إثبات أن الشاشة تشبعت بالدم بحيث أصبح لونها يضاهى لون الغشاء المخاطى للبلعوم . وقد أخذ الطب الشرعى بعذره واعتبر خطأه خطأ لا يرقى إىل مرتبة الخطأ المهنى .

ثامنآ : أخطاء التوليد وأمراض النساء : –
إن مضاعفات التوليد كثيرة جدا ويرجع ذلك إلى تعهد التوليد إلى الدايات والقابلات رغم ضآلة معلوماتهن الطبية بل أكثر من 75% من الولادات فى مصر تتم عن طريقهن وفى المنازل القروية ويؤدى ذلك إلى كوارث لا يكلفها القانون .
وفن أمراض النساء شأنه فى ذلك شأن أى فن طبى يتعرض لنفس القواعد التى تتعرض لها باقى القوانين الطبية من ناحية التشخيص والعلاج والإجراءات الجراحية ومن النادر تعرض طبيب أمراض النساء للخطأ فى العلاج الدوائى والتشخيص ولكن معظم الخطأ يكمن فى العمليات الجراحية وخاصة فى عمليات الكحت نتيجة الاضطرابات فى عملية الطمث أو فى عمليات تفريغ متحصلات الرحم الحامل فى حالات الإجهاض ، وفى هذه الحالات يكمن الخطر فى عمليات التفريغ وما قد يحدث عنها من نزيف أو ثقب للرحم وقد عرضت على مصلحة الطب الشرعى مئات من قضايا المسئولية فى حالات عن انثقاب الرحم فى عمليات الكحت والتفريغ قد يحدث حتى فى اليد المدربة بسبب رخاوة جدار الرحم ، وخاصة فى حالات الحمل وقد كان مجالا لحفظ المئات من هذه القضايا على أساس أنه مادام الأخصائى قد يخطئ فلا جناح فى إعفاء الطبيب الحديث من ذلك وبالرغم من ذلك فقد تحتم إثبات الخطأ على بعض الأطباء الذين لم يثبت فقط ضدهم هذا الخطأ بل تمادوا فيه بقطع الأمعاء أو تسلخها أو غير ذلك من الأخطاء غيلا المعقولة .

أما عن أخطاء الولادة فهى كثيرة جدا . فمن المتعارف عليه أن الحمل يبدأ البويضة بواسطة الحيوان المنوى للرجل ومن ذلك يبدأ نمو الجنين داخل الرحم ثم تتكون بعد ذلك المشيمة التى تتصل بالرحم ويتصل بها الجنين عن طريق الحبل السرى وهذه المشيمة هى التى تزود الجنين بكل متطلبات غذائه وحياته والتخلص من فضلاته بينما هو يعيش حتى يأون إلى ميلاده .
وتشخيص الحمل يتم عن التاريخ الحيضى للأنثى وعن طريق الفحص المهبلى وعن طريق الفحوص المعملية التى أصبحت تؤدى إلى تشخيص حدوث الحمل بعد أيام من حدوثه والأشعة العادية وفوق الصوتية التى أصبحت توفر تشخيص كل ما يمكن أن يطلبه طبيب الولادة من معلومات عن الحمل والجنين.

وقد تنتاب الحامل قبل الولادة بعض المضاعفات ، ومنها الإجهاض الذى قد ينهى الحمل أو يمكن علاجه فيبقى ثم يأتى قئ الحمل وتلف الكبد وانقلاب الرحم الحامل والمول الحوصلى وتسمم الحمل وأمراض المشيمة والأغشية وغيرذلك .
كذلك من مضاعفات الحمل – الحمل خارج الرحم .
كذلك فهناك العديد من الأمراض التى قد تكون موجودة أثناء الحمل وتشمل الحميات والدرن وأمراض القلب والصدر والكلى وأمراض الدم والسكر وأمراض الجهاز العصبى والزائدة الدودية وأورام الجهاز التناسلى .
ثم يأتى الوقت المحدد للولادة فتبدأ وتستمر تدرجيا حتى ينتهى بخروج الجنين من الرحم ثم يعقب ذلك نزول المشيمة وانتهاء الوضع على ذلك والولادة يمكن أن تتم تحت إشراف داية أو قابلة أو طبيب مادامت عادية دون تداخل فعلى منهم ، وقد يعمد الأطباء إلى إعطاء المريضة عناصر التخدير المختلفة ليقلل آلامها أو تنشيط انقباضات الرحم فى حالة تكاسلها .
ويجب على الداية أو القابلة أو الطبيب بعد ذلك أن تلازم الوالدة فترة لا تقل عن ساعة بعد الولادة للاطمئنان على سلامتها وعلى سلامة المولود .
على أن الولادة قد تأخذ طريقا خاطئا لعدم نزول الجنين فى الوضع الطبيعى وفى حالة الولادة لتوأمين وحالات سقوط الحمل السرى وحالات ضيق الحوض بأنواعه المختلفة .
كما قد تكون الولادة غير طبيعية بسبب أورام الرحم والمبيضين وتصلب عنق الرحم وتصلب العجان أو اضطرابات انقباض الرحم واسنداد الولادة بجميع اسبابه .
بل ذلك إصابات الولادة وأهمها تمزق الرحم والمهبل والفرج والعجان وانقلاب الرحم والنزيف ما قبل الولادة والنزيف العرضى والتصاق المشمية والنزيف بعد الولادة .
لكل هذا فإنه وإن كان من الممكن السماح للقابلات والأطباء حديثى التخرج بممارسة الولادة العادية إلا أن ظهور أى مضاعفة تهدد الحمل أو الولادة يجب أن تحول فورا للأخصائى القادر على علاجها فى أقرب مستشفى وقيام الداية أو القابلة بعلاجها يعتبر خطأ منها تسأل عنه كذلك يجب على الطبيب الممارس غير الأخصائى أن يرسل هذه الحالات إلى المسشتفى ما لم تكن أحوال الضرورة أقصى وأسرع منه .
وبعد إنتشار الوحدات الصحية فى جميع أنحاء القطر يجب على الحامل أن توالى حملها فى هذه الوحدات لاكتشاف كل ما يمكن من انحرافات فى حالة الحمل قبل وصول الحامل إلى موعد الولادة لتصحيحها وعلاجها فى الوقت المناسب وعند حصول الولادة لا مانع من قيام الداية أو القابلة أو حكمية الوحدة من القيام بعملية التوليد طالما أنه ليس هناك موانع تحول دون ذلك أما إذا اتضح وجود انحرافات فى حالة الحمل مثل ضيق الحوض أو وجود سكر أو زلال أو مرض فى القلب فلابد من إحالة الحامل إلى المختصين وتوليدها بمعرفتهم وكل من يحاول غير ذلك يتعرض لمسئولية الخطأ الطبى .
كذلك فإن التوليد فى المنزل أمر طبيعى جدا فى مصر ولا غبار عليه ، ولكن بالنسبة للحالات التى لا توجد فيها ما قد يؤثر على الولادة الطبيعية .
والغالبية من حالات أخطاء التوليد التى تصل إلى مصلحة الطب الشرعى هى حالات تعسر الولادة التى تسبب تمزق الرحم وحالات إساءة استعمال جفت الولادة فى الحالات التى لا يجوز استعماله فيها أو الحالات التى يكون استعماله فيها على جانب كبير من الصعوبة . ولابد فى هذه الحالة من النقص الدقيق ومعرفة دوافع الطبيب للقيام بالعملية ومدى ما كان يمكنه الاستفادة منه من وسائل للعلاج والعوامل التى كانت تعوقه دون ذلك .
ويحضرنى فى هذا المقام قصة طبيب حديث التخرج كان يعمل طبيبا مقيما بأحد المستشفيات المركزية واستدعى لحالة ولادة عسرة وارتأى استعمال الجفت فيها رغم قلة خبرته فى هذا المجال مما أدى إلى إصابة الجنين ووفاته وإصابة الأم بتمزق فى الرحم استدعى نقلها إلى المستشفى حيث أجريت لها عملية لاستكمال الولادة وخياطة الرحم الممزق . وقد حكمت المحكمة عليه بالحبس ستة شهور وتأيد الحكم استئنافيا .
وتحديد مسئولية الطبيب فى حالات التوليد وإصابة الجنين أو وفاته وإصابة الحامل أو وفاتها أمر عسير جدا ويتطلب استقصاء كل دقيقة فى الحالة للوصل إلى الرأى السليم .
وكل ما يمكن أن يسديه طبيب قديم إلى زملائه الصغار ناقصى الخبرة ألا يجعلوا الكسب المادى أو محاولة الظهور مقصدهم بل يجب أن يكون صالح الحامل والمولود نصب أعينهم ، وأن يكون ذلك جليا فى أعينهم وإذا كان ذلك قد يفقدهم قروشا فإن سوف يكسبهم حمدا ويحول دون تعرضهم لمسئولية قد تخسرهم آلاف الجنيهات فضلا عن سوء السمعة والخسران المعنوى والمادى .

تاسعآ : اخطاء الاشعة : –

الأشعة من الاكتشافات الهامة فى علم الطب ، فالأشعة السينية التى اكتشفت فى اواخر القرن التاسع عشر قفزت بامكانيات الاطباء فى التشخيص الى اكثر من ضعف ما تسمح بة امكانياتهم العادية دون اشعة كما ان استعمالها فى العلاج كان لة دور كبير فى تحسين قدرة الاطباء على علاج المرضى أمراض معينة خاصة امراض الجلد والعظام والاورام .
على ان استعمال الاشعة فى العلاج يجب ان يتم بحذر وعناية شديدة ولايلجأاليها الا فى حالة عدم جدوى استعمال علاجات اخرى تقليدية .
كذلك فان الفحص بالاشعة يؤدى الى مضاعفات فى حالة الاسراف فية دون مبرر .
كذلك قد يحدث مضاعفات اخرى كثيرة بسبب عدم صلاحية الجهاز المستعمل .
وقد أدانت المحاكم اطباء عديدين فى حالات الحروق الناتجة عن الاشعة من وضع المريض فى وضع خاطىء تحت جهاز الاشعة ومن استعمال اجهزة قديمة غير صالحة او من الخطأ فى تقدير الجرعة او إطالة مدة التعرض للاشعاع .
وقد تسنى لى خلال فترة الستينيات الاطلاع على حالتين من حالات المسئولية عن العلاج بالاشعة .
أولاهما لسيدة فى الخامسة والثلاثين من عمرها ظهر ورم فى ثديها وقام على علاجها اثنان من اكبر اساتذة الطب فى الاشعة والجراحة وبعد استئصال الورم ارسل للفحص الباثولوجى لدى اثنين من اساتذتة فقررا ان الورم خبيث واعطيت علاجا بالاشعاع وأدى الاشعاع الى تقرحات شديدة بجلد الصدر ونزيف ثانوى بالابط من الاوعية الدموية بالابط ادى الى غرغرينا بالطرف العلوى الايمن مما يتطلب بتره ، وكانت النتيجة مهولة جدا وخاصة بعد ان ارسلت المريضة الورم المستأصل الى الخارج لفحصة بمعرفة اخصائى فى الاورام فأرسل لها تقريرا بان الورم ليس ورما ولكنة درن بالثدى واقامت السيدة هذه القضية مطالبة عقاب الاطباء للخطأ مع طلب تعويض كبير عما اصبها من اضرار ولكن بعد استعراض ما قام بة الاطباء انةلايمكن نسبة اى خطأ او اهمال الى اى منهم لانهم قاموا بواجباتهم على وجه سليم وماحدث من مضاعفات بعد ذلك كان خارجا عن ارادتهم ويعتبر من قبل سوء الحظ الشديد فى حالتها .
والحالة الثانية حالة عامل كبير السن شكا من آلام شديد بظهرة وبعمل اشعة عادية لة تبين ان عندة زوائد بالعمود الفقرى وتآكلها فى الغضاريف وقد اعطى العلاج الدوائى اللازم لفترة طويلة دون جدوى ثم ارتأى الطبيب المعالج علاجه بجلسات الاشعة العلاجية وارسل الى المستشفى حيث وضع له برامج جلسات لفترات محدده ولعدد 12جلسة وبعد انتهائها فوجئ المريض بظهور قرحة فى ظهره استمرت دون تحسن لسنوات وقد تقدم المريض بشكوى ضد طبيب قسم الاشعة بالمستشفى على اساس ان ممرضة القسم كانت تتركه تحت جهاز الاشعة لفترات تجاوز الفترات المقررة له ولكنه لم يمكن إثبات ذلك ورفضت مصلحة الطب الشرعى مساءلة الطبيب على اساس انه لم يصدر عنه خطأ يستوجب المساءلة وقد ايدها فى ذلك استاذ الاشعة بكلية الطب الذى قرر ان القرحة يمكن ان تكون نتيجة حساسية لدى المريض تجاه الاشعة .
هذا من ناحية الاشعة العلاجية ومن ناحية الاشعة التشخيصية فتلزم الدقة فى قراءتها فقد قضت محكمة بأن عدم اكتشاف وجود كسر فى صورة الاشعة لايمكن ان يحل الا على احد امرين كلاهما يوجب للمساءلة وهما الاهمال والافتقار الى الخبرة الفنية المتطلبة فى الاخصائى وكذلك يسأل من يفسر الاشعة تفسيرا يختلف بوضوح عن الواقع لان تكوينه العملى ودقة تخصصه لايتفقان مع الوقوع فى مثل هذا الخطأ ولنفس السبب لايسأل غير الاخصائى اذا لم يتمكن من التعرف على وجود كسر بالاشعة .

عاشرآ : أخطاء التخدير : –

التخدير من اجل النعم التى افاضها الله على عباده فقد اعان التخدير على منع الشعور بالالم فى الكشف على الاجزاء المؤلمة من الجسم وعلى تسهيل علاج الكسور دون الم وعلى اجراء العمليات التى تحتاج سكوتا عاما من المريض وعلى التوليد دون ألم راحة للحامل والوليد واذا كانت تحدث فيه اضرار احيانا رغم العناية الفائقة الا ان ذلك لم يمنع من انتشاره بصورة هائلة فى جميع فروع الطب .
والتخدير اما ان يكون موضعيا عن طريق الحقن الموضعى الذى يستعمل عند الجراحات البسيطة جدا وعمليات العين وهذا التخدير يمكن ان يقوم به الجراح نفسه دون الاستعانة بأخصائى فى التخدير وان كان اطباء العيون قد اقتنعوا اخيرا ان وجود اخصائى للتخدير بجوارهم اثناء العملية تحت المخدر الموضعى يساعدهم كثيرا على التفرغ للعملية وترك مراقبة حالة المريض لاخصائى التخدير .
وهناك التخدير النخاعى ومن الممكن ان يقوم به أى اخصائى فى الجراحة دون وجود طبيب تخدير اذا كان يحسنه ، ولكنه يعد ذلك سوف يبقى موزع الفكر بين حالة المريض والعملية ولذا يفضل الجراحون ان يقوم ايضا احد اخصائى التخدير باجرائه ويقوم بعد ذلك على مراقبة حالة المريض ويتحمل نتيجة ما قد يطرأ من مضاعفات نتيجة التخدير النخاعى وهى كثيرة .
وهناك النوعية الاخيرة من التخدير ، وهما التخدير الوريدى والتخدير الاستنشاقى ووجود طبيب للتخدير اثناءهما امر واجب لامناص منه .
وعلى الجراح او اخصائى التخدير فحص المريض قبل التخدير لمعرفة حالة قلبه ومدى احتماله للمخدر مع التأكد من خلو معدته من الطعام.
ورغم انه حتى ازمان قريبة كان يعد من الحكمة ان يقوم الطبيب الجراح بتخدير المريض تخديرا عاما عن طريق الاستنشاق ثم يجرى له عملية بسيطة كاستئصال اللوزتين الا ان ذلك قد اصبح فى يومنا هذا امرا مستحيلا .
وقد عاصرت قضية من هذا النوع فى الستينات اتهم فيها طبيب اخصائى فى امراض الانف والاذن والحنجرة بالتسبب فى وفاة مريض فى عيادته بعد اجراء عملية استئصال اللوزتين ، وكان المريض يعانى من ضيق فى صمامات القلب والتهاب مزمن باللوزتين وارتأى الطبيب اجراء عملية استئصال اللوزتين لة بعيادتة وبعد تحقينة قام بتخديرة بنفسة بجهاز حديث للتخدير فى عيادتة ، ةاجرى العملية لة وتركة فى العيادة وانصرف ، وبعد ساعتين ذهب ممرض الى منزل الطبيب واخطرة ان حالة المريض سيئة فعاد الى العيادة ووجدة قد توفى ، واثبت التشريح ان الوفاة بسبب أو زيما رئوية حادة .وقد ادانتة مصلحة ل الطب الشرعى على اساس قيامه بالتخدير دون اخصائى مختص وتركه المريض بلا رعاية بعد العملية وعلى اساس هذا حكمت محكمة أول درجة بإدانته ، ولكن فى الاستئناف استطاع ان يحظى بشهادة من بعض اساتذة الطب بأن قيامه بالتخدير بنفسه ليس فيه سابقة خطأ لانه خبير بذلك بسب قيامه بالتخدير وبالعملية فى نفس الوقت طول حياته ومن طبيعة عمله كأخصائى فى امراض الانف والاذن والحنجرة لاتشابك كثيرا مع اعمال التخدير ، وان الوفاة لم تكن بسبب العملية او التخدير ولكن نتيجة الحالة المرضية الموجودة بقلب المريض وبناء على ذلك حكمت المحكمة ببراءته ورفض الدعوى المدنية .
وأخطار التخدير الموضعى تنقسم الى قسمين او لهما تجاوز الجرعة الدوائية المفروضة وهو امر كثير الحدوث ويعد خطأ من جانب الطبيب القائم بعملية الحقن يسأل عنه اذا امكن اثباته .
أما الاعراض التى تحدث نتيجة الجرعات من المخدر الموضعى على الجهاز العصبى والجهاز الدورى والحساسية الاستهدافية والاثار الموضعية الناشئة عن الحساسية للمخدر فلا يسأل عنها الطبيب لانه لايمكن التكهن بحصولها مسبقا او تلافيها .
أما التخدير النخاعى فهو كثير المضاعفات ومن اولها كسر الابرة اثناء اعطائها فى النخاع وما لم تكن الابرة قديمة او صدئة فلا مجال لمساءلة الطبيب عن ذلك .
وبعد ذلك يأتى اهم مضاعفات الحقن النخاعى وهو انخفاض الضغط ورغم انه يمكن ان يسأل عنه الطبيب إلا أنه يجب أن ينتبه الى حدوثه بوجود اخصائى التخدير ليدرا اخطاره وخطره على الحياة فهو السبب الاساسى للوفاة من هذا النوع من التخدير واذا كان الطبيب قد تنبه الى حصوله وعالجه بالطرق المناسبة فلا جناج عليه اذا مات المريض .
وهناك بعد ذلك بعض المضاعفات التىلاقيمة لها من الناحية الطبية الشرعية حيث لاتكون موضوع مساءلة وهى الصداع وشلل العصب السادس المجنى .
وأخيرا تأتى مضاعفات العمود الفقرى والسحايا والحبل الشوكى نتيجة الحقن النخاعى ، فإن العقاقير التى تحقن فى النخاع قد تحدث اثرا ساما فى المسافة تحت العنكبوتية ما يؤثر على السحايا واعصاب والخلايا العصبية بالحبل الشوكى القريبة من موضع الحقن ، وقد يؤدى ذلك الى شلل بالاعصاب يؤدى الى عجز للمريض ولكن قبل ان يؤكد ذلك يجب ان تراجع حالة المريض حيث قد تكون حالة هؤلاء المرضى راجعة الى اسباب اخرى غير التخدير ، وهذه المضاعفات كثيرة جدا ولكن لايسأل عنها الطبيب لعدم امكان توقعها او تلافيها فلا يعد مسئولا عنها .
ومن المضاعفات المحتملة فى حالات التخدير النخاعى الالتهاب السحائى القيحى وهو غير التهاب السحائى العقيم الذى يحدث نتيجة الاثر السام لعقاقير التخدير والذى لايسأل عنه الطبيب فالالتهاب القيحى يعنى تسلل الميكروبات الى موضع الحقن النخاعى وهذا النوع من الالتهاب هو ما يجب ان يعطى اهمية بالغة لانه كما يمكن ان يحدث نتيجة عدم تعقيم حقنة النخاع بالدرجة الكافية الا انه قد يحدث رغم تعقيمها فقد ثبت حصول هذه المضاعفة بعد الحقن النخاعى بالبنسلين وهو امر حدوثه غير معقول كما ثبت ان بعض الحالات كانت نتيجة ميكروب فى محلول الملح المعد الذى تغسل فيه بعض الحقن بعد تعقيمها بسبب تلوثها بنوع خاص من الميكروبات اشتهر بالتكاثر فى السوائل المعقمة .
ولكن استعمال التخدير النخاعى فى المرضى الذين يعانون تقيحا خاصة قرب مكان الحقن يمكن ان يؤدى الى هذه المضاعفة ويجب منعه كما ان هناك ما يثبت ان من يعانون من تسمم ميكروبى عفن فى الدم يتعرضون لنفس هذه المضاعفة ان حدثت لاحتمال حصولها نتيجة خطأ يستوجب المساءلة ، كذلك يمكن ان تحدث نفس هذه المضاعفة خارج السحايا ولنفس الاسباب السابقة وبنفس القواعد .
ومن المضاعفات المحتملة للتخدير النخاعى اصابة الغضاريف بين الفقرات فى مكان الحقن ، وهذه المضاعفة كثيرة الحصول جدا بسبب دخول الحقنة التجويف النخاعى وتجاوزه الى موضع الغضاريف الفقرية واصابتها بالتهاب غير قيحى ، مما يؤدى الى ضمور الغضروف وحصول زوائد تؤدى الى الم شديد قد يؤدى الى اعراض عصبية فى الاطفال ، والسبب واضح فى هذه الحالات وهو اختراق الابرة للغضروف او للرباط المحيط به .
وقد ثبت ان حدوث هذه المضاعفة يتحسن بتحسن الطريقة المستعملة للحقن خاصة بعد استعمال حقن اقل سمكا مما كان يستعمل من قبل .
أما باقى المضاعفات للحقن النخاعى مثل النزيف فلا يسأل عنه طبيب التخدير لعدم امكان تلافيه إن حدث .
أما التسلل الصاعد بعد هذا النوع من التخدير فلا مجال لحسابه من مضاعفات هذا النوع من التخدير لانه غالبا ما يكون نتيجة عدوى فيروسية لاعلاقة للتخدير بها .
وأخيرا تأتى الى مضاعفات التخدير الوريدى والاستنشاقى والاثار السامة الناجمة عن مرخيات العضلات التى تستعمل فى التخدير المساعده الجراحة .
فأما عن التخدير الوريدى فلا يسأل الطبيب الا عن الخطأ فى الجرعة أو اعطائها فى الحالات التى لاتتحملها عند وجود امراض بالقلب او الرئتين وكثيرا من الامراض العامة ولهذا يتحتم فى كل حالة يستعمل فيها هذا النوع من التخدير ان يقوم طبيب اخصائى باطنى على فحص المريض لتحديد حالته الصحية العامة ثم يعرض الامر على طبيب التخدير ليبدى رايه فيما قرره الاخصائى الباطنى وتتجلى هنا اهمية تقييم حالة المريض وتقدير صلاحيته لهذا النوع من التخدير .
ومن مضاعفات هذا النوع من التخدير ايضا انسداد الوريد المحقون وهو قطعا أمر لا يسأل عنه الطبيب فقد يحدث دون مسئوليته منه ولكنه الخطأ فى الحقن وإعطاء المخدر داخل الشريان وما قد يؤدى اليه من تلف الذراع وبترها فيسأل عنها الطبيب فى حدود المسئولية الطبية عن الخطأ فى الحقن ويتبع ذلك ايضا خروج المادة المحقونة تحت الجلد وتكوين خراج عقيم بسبب مادة التخدير.
أما عن التخدير الاستنشاقى فهذا النوع من التخدير يحتم وجود اخصائى بتخدير مريض تخديرا عاما لاجراء عملية بسيطة له فلو ترتب على هذا التخدير وفاة المريض فسوف يتهم بالاهمال وعدم التوخى .
ومضاعفات التخدير العام كثيرة جدا من ناحية الجهاز الدورى ومن ناحية الجهاز التنفسى حيث تصل نسببة الوفيات فى هذا النوع من التخدير الى 500:1 او 1000:1 وفى الحالات التى يموت فيها المريض اثناء عملية جراحية تحت مخدر عام قد يكون من العسير تحديد ما اذا كانت الجراحة او التخدير هو السبب فى الوفاة وتخلص مضاعفات التخدير اضطربات النبض وتوقف القلب بسبب زيادة جرعة المخدر او عدم انتظام التخدير او من انعكاسات من احشاء الجسم بسبب الجراحة .
ومضاعفات التخدير من ناحية الجهاز التنفسى عديدة ايضا وقد تؤدى الى الوفاة إلا أنه فى وجود طبيب تخدير مؤهل ومدرب قد يكون من غير الممكن نسبه الوفاة إلى هذه المضاعفات إلا إذا ثبت وجود شئ منها على وجه التحديد بعد تشريح الجثة يمكن ان يسأل عن حصوله طبيب التخدير .
وكل ما يمكن ان يطلب من طبيب التخدير ان يقوم على فحص المريض قبل العملية ثم يقوم بتخديره بالكيفية التى يراها هو ، ثم يراقبه اثناء العملية لتلافى كل ما يمكن ان يحدث من اثر على تنفسه وقلبه اثنائها ثم بعد انتهاء العملية عليه ان يراقب المريض حتى تتم افاقته بالدرجة التى تسمح بعودته الى سريره دون خطر عليه .
وكثيرا ما جوبه الطب الشرعى بحالات تتعطل فيها افاقة المريض بعد انتهاء العملية ولاشك ان ذلك يعنى خطأ ما بالمريض واذا ادى ذلك الى وفاته فلابد من تشريح الجثة لبيان ما اذا كان نتيجة التخدير او لاسباب اخرى مرضية وان كان ذلك كله لن يجدى فى نسبة مسئولية الى طبيب التخدير لان مثل هذه الوفاة تحتمل مئات العوامل التى يتعذر على طبيب التخدير التكهن بها أو ملافاتها إلا بالخبرة القوية التى لاتتحقق الا عن طريق الخبرة الطويلة .
وإذا توفى مريض تحت التخدير العام فلن يؤاخذ القانون الطبيب لانه اعطى المريض عقار التخدير حيث ان التخدير يتطلب وضع المريض فى حالة غيبوبة كاملة او فقد وعى عميق مما يجعله عرضه لامور شتى وحتى لو فرض انه لم تكن هناك اى حالات مرضية غير عادية فى المريض قبل إعطاء المخدر فإنه لجميع العقاقير المستخدمة فى التخدير مثلها فى ذلك مثل كل العقاقير القوية المفعول اعراضا جانبية وقد تؤدى الى وفاة .
وكل ما هو مطلوب من طبيب التخدير عند استعمال عقاقير التخدير ومرخيات العضلات ان يراعى الدقة اللازمة بالنسبة حيرته وتوقعه كأخصائى تخدير ولاشئ يدينه الا الاهمال ويعد طبيب التخدير مهملا اذا قام بإجراء خطير غير ضرورى بمنتهى العناية ولكنه يؤدى الى وفاة المريض .
وكل شخص يمارس مثل هذه الوظيفة يجب عليه ان يعمل الى درجة معقولة من العناية والمهارة وليس معنى ذلك ان يضمن طبيب التخدير عدم وفاة المريض تحت البنج ، ولكن يلزمة بذل الدرجة القبولة من العناية من المهارة وفق مستوى تدريبه وخبرته اما ان يقوم طبيب غير مؤهل او غير مدرب بالتخدير ياستعمال عقار خطير فى حالة امكان الحصول على خدمات طبيب تخدير مؤهل فهو اهمال ، ولا يعنى الحصول على المؤهل توافر الدرجة الكافية من الخبرة ، كما أن العكس صحيح حيث لا يعنى الحصول على المؤهل نقص الكفاية .
وإثبات الاهمال يقع على عاتق المريض أما إثبات عدم وقوع إهمال فيقع على عاتق طبيب التخدير أما قاعدة الخطأ الواضح فلا تطبق على الحالات التى يفترض فيها وقوع إهمال جسيم .
ولا يمكن اتهام طبيب التخدير بالإهمال الا اذا استطاع المريض او اهلة إثبات وقوع ضرر من فعل طبيب التخدير وقد يكون ذلك صعبا فى حالة وفاة المريض فإذا تبين من الصفة التشريحية خلو الجثة من اى شىء غير طبيعى فلا ينهض ذلك دليلا على ان الوفاة بسبب التخدير .
فقد يسقط اى شخص متوفيا فى اى وقت دون سبب واضح يظهر عند التشريح وهو امر كثير بعكس ما يتصور البعض .
وشهادة طبيب التخدير مهمة هامة فى كل الحالات التى تحصل فيها الوفاة فى غرفة العمليات لو امكن فقط اقناع اهل المريض او الوفاة لم تكن نتيجة اهمال ولايزال التخدير جزئيا احد الفنون ، واتباع مجموعة من القواعد لن يحول ابدا دون حصول كارثة فى وقت ما وفضلا عن كل ما تقدم فقد يتوقف القلب اثناء العملية دون انذار الامر الذى لايمكن تجنبه دائما .
وعقاقير التخدير تؤدى الى الغيبوبة وفقد الوعى وحياة اى شخص فاقد الوعى وفى غيبوبة تكون دائما فى خطر وقبول طبيب التخدير الذى باشر طريق التخدير وتفهمه لها دليل مقبول على صلاحيتها .
ولا شك ان نقص المعلومة الدقيقة عن اسباب حوادث التخدير يجعل من الخلافات الخطيرة بين الخبراء امام المحاكم امرا عاديا ونادرا مايستطيع الخبير من تقييم سبب الوفاة .
وعدم وجود مرض معين لايعنى خطأ فى التخدير فقد كانت الوفاة داخل غرفة العمليات دون سبب من قديم الازل شيئا معهودا حتى قبل ظهور التخدير .
والخلاصة ان تحديد مسئولية طبيب التخدير فى وفاة مريض اثناء او بعد عملية جراحية امر عسير حقا الا اذا توافر الصدق فى تقرير الاحداث ومع تشريح الجثة الذى كثيرا ما يمانع فيه أو يعمل بعد فوات الأوان .
ولهذا السبب قرر أنه لم يمكننى أن أتوصل الى التحقيق من السبب الحقيقى لوفاة مريض ثم تخديره وتوفى اثناء التخدير او بعده خلال الاربعين عاما الماضية .
وقد جوبهت حديثا بقصة قام فيها طبيب بإجراء عملية تجملية لشاب فى انفه واستعان فيها بطبيب تخدير قام بتخدير المريض بجهاز حديث مناسب وحدثت اثناء الجراحة اضطربات فى حالة نبض المريض سرعان ما استقامت ثم انتهت العملية ولم يفق المريض من البنج واستمر فى حالة غيبوبة عميقة استدعت نقله الى احد المستشفيات لعلاجه ولكنه توفى بعد ايام قليلة ولم تشرح الجثة ولما عدت الى اسباب عدم افاقة المريض بعد العملية وجدتها تزيد على اكثر من خمسين عاملا منها ما هو مرضى قطعا ولذا قررت ان تحديد سبب الوفاة امر يتعذر لعدم تشريح الجثة ، وان الوفاة قد تكون مرضية ورغم ما ابداه احد اخصائى التخدير من ان هناك سببا محتملا للوفاة وهو زيادة جرعة المخدر واثره على نبض القلب وان ذلك كان يمكن معرفته او استعمل جهاز المونيتور اثناء التخدير ونصح بتعميم هذا الجهاز فى كل العمليات الجراحية تحت التخدير العام ولكن سيادته ام يستطيع تقديم الدليل القاطع على صحة افتراضه وحكم بعدم مسئولية طبيب التخدير حتى امام النقابة .

الحادى عشر : أخطاء الحقن : –

كل طبيب عمل فى الحقل الريفى لعلاج البلهارسيا حيث كان العلاج فى اوائل الخمسينات يتطلب الحقن بالوريد بمادة الطرطير 12حقنة على 24يوما او 12 يوما وكان نصيب كل طبيب يوميا ما لايقل عن مائة مريض ولما كانت مادة الطرطير مادة تهيجية وخروجها خارج الوريد يؤدى الى حدوث خراج عقيم غير ذى ميكروبات يستغرق وقتا طويلا للعلاج وقد كان المفهوم لدى الاطباء انه على اعطاء اكثر من مائة حقنة من هذه المادة لابد ان تكون هناك نسبة مقبولة من الخراريج لاتزيد على خراج او خراجين فى كل الف حقنة وكانت جميع الخراريج التى تحدث تعالج على مستوى الوحدة الصحية وتشفى دون شكوى من المريض .
على أنه حدث يوما ان شكا مريض من حدوث خراج له بعد حقنه فى الوريد وان علاجه استمر طويلا مما منعه من التكسب طول مدة العلاج وقد احالت النيابة القضية الى المحكمة على اساس خطأ فى اعطاء الحقنة وقد ادانته المحكمة على انه خالف الاصول المرعية بالتأكيد من وجود ابرة الحقنة داخل الوريد قبل الحقن وحكمت عليه بغرامة وبتعويض بيسط للمريض عن مدة تعطله .
وإذا كان هذا الحكم لم يستأنف لبساطته فإن على الاطباء ان يعملوا جيدا ان وجود سن الابرة بالكامل داخل الوريد امرا اساسيا لعدم خروج المادة المحقونة الى خارج الوريد والطبيب المتمرس يستطيع ان يحس ما اذا كان سن الابرة كله داخل الوريد او ان جزاء منه فقط هو الذى دخل حتى لايؤدى هذا الخطأ التافه الى خراج قد ينتهى ببتر ذراع المريض .

ومن أخطار الحقن ايضا اذكر هذه الحالة الغريبة فقد اصيب موظف بنوبة هستيرية واخذ يصرخ بدون سبب واستدعيت طبيبة قريبة من مكانه لفحصه وتبين لها ان المريض هستيرى وليس به حالة عضوية حقيقة فقامت بحقنه فى فخذه تحت الجلد بسنتيمتر كامل من الكحولا بقصد استقطاب الألم وحصره فى مكان الحقنة ، وبالتالى وقف الفوضى التى احدثها فى مكان عمله ولكن النتيجة كانت عكسية واستمر صراخة من مكان الحقنة اياما ثم حدث خراج عميق فى مكانها تطلب جراحة وعلاجا بضعة اسابيع وقد شكا المريض الطبيبة للنيابة ثم احيلت القضية للمحكمة وحكمت المحكمة بحبس الطبيبة ثلاثة اشهر على اساس ان ما قامت به لا يميت الى الطب بصلة انه مجرد عملية تعذيب للمريض لا علاقة لها بالطب واعتبرتها خطأ غير فنى يستوجب المساءلة .

ولا شك ان اعطاء الحقن اصبح مشكلة قانونية تبحث عن حل بعد ان قام البعض من الصيادلة باعطائها رغم ان القانون يمنع ذلك اذا يعتبره مزوالة لمهنة الطب دون ترخيض .

وقد قضت محكمة النقض بأن : الصيدلى الذى يعطى الانسان حقنة يرتكب جريمتى الجرح العمد ومزوالة الطب دون ترخيص

( نقض 13/12/1960 مجموعة احكام محكمة النقض س11رقم 176 ص904) .

وأننا نرى أن ما ذهبت إليه محكمة النقض من تجريم اعطاء الصيدلى او اقرار ادعاء بين بإعطاء الحقن لهو جرم وذلك لأن عملية الحقن ليست من البساطة او السهولة كما يعتقد البعض فإن هناك انواعا من الحقن المراد اعطائها كالبنسلين والنوفلجين تحتاج الى اختبار خاص لا يستطيع ان يجريه سوى الطبيب المختص فمثلا اذا اعطى الصيدلى حقنة البنسلين للمريض وقد اجرى له اختيار وكانت النتيجة سلبية وفوجئ بتدهور حالة المريض بعد اعطاء الحقنة مباشرة فلا يستطيع الصيدلى ان يسعفه وذلك لان هذه الحالة تحتاج الى متخصص وقد تدهورت هذه الحالة لان مادة الاختيار لم تكن كافية له مما اظهر نتيجة الاختيار سلبية رغم ان المريض لديه حساسية من البنسلين ولذلك فإن حياة الاشخاص لها قد يسبقها ويجب الحفاظ عليها من العبث والاهمال سواء كانت الحقن من النوع العادى او التى تحتاج الى اختيار معين فيجب ان تعطى بمعرفة الطبيب المختص حتى لا تحدث أى مضاعفات .

وقد قضت محكمة النقض بأن : يعتبر جريمة عمد الجرح الذى يحدثه الحلاق بجفن المجنى عليه باجرائه عملية له ازالة الشعرة غير المرخص له باجرائها ( نقض 4/1/1937 مجموعة القواعد القانونية – جـ4 – رقم 34 – ص31) وقضى بان احداث حلاق جرحين بالمجنى عليه يعتبر جريمة عمدية ، وبأنه لايؤثر فى قيام هذه الجريمة رضاء المصاب بما وقع عليه من جرح .

( نقض 12/6/1939مجموعة القواعد القانونية – ج4- رقم 407 – ص576)

وبأنه ” يعتبر مرتكبا لجريمة جرح عمد وجريمة مباشرة للطب دون ترخيص ، المتهم الذى يعالج المجنى عليه بوضع مساحيق ومراهم مختلفة على مواضع الجروح كان من شأنها احداث تشويه تام لهذه المواضيع

( نقض 27/10/1958 مجموعة القواعد القانونية رقم 208 ص786)

بأن ” مؤدى نص المادة الاولى من القانون رقم 415 لسنة 1954 فى شأن مزوالة مهنة الطب انه لايملك مزوالة هذه المهنة ومباشرة الافعال التى تدخل فى عداد ما ورد با بأية صفة كانت الا من كان طبيبا مقدا اسمه بسجل بسجل الاطباء بوزارة الصحة وبجدول نقابة الاطباء البشريين وذلك مع مراعاة الاحكام المنظمة لمهنة التوليد

( نقض 20/2/1968طعن 1927 – 37ق)

وكذلك قضى بان ” الاصل ان اى مساس بجسم المجنى عليه بجرمه قانون العقوبات وقانون مزوالة مهنة الطب وانما يبيح القانون فعل الطبيب بسبب حصوله على اجازة علمية طبقا للقواعد والاوضاع التى نظمتها القوانين واللوائح وهذه الإجازة هى أساس الترخيص الذى تتطلب القوانين الخاصة بالمهنة الحصول عليه قبل مزوالتها فعلا .

( نقض 20/2/1968 طعن 1927 – 37ق) .

وبأنه ” من لا يملك حق مزاولة مهنة الطب يسأل عما أحدثه التغيير من جروح وما إليها باعتباره معتديا على أساس العمد ، ولا يعفى من العقاب إلا عند قيام حالة الضرورة بشروطها القانونية .

(نقض 20/2/1968 – طعن 1927 – 37ق) .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Howdy,
Search exact
Search sentence
Ad2
Ad1