You cannot copy content of this page
حجية البريد الإلكتروني في الإثبات
يعتبر البريد الإلكتروني من أهم تطبيقات الإنترنت وأكثرها استخداما من الناحية العملية، ولا نبالغ أن نقول أنه يعتبر العمودالفقري لشبكة الإنترنت(1)، ويرجع السبب في ذلك إلي سرعته الفائقة وسهولة استخدامهوتكلفته البسيطة مقارناً بوسائل الاتصال الفوري الأخرى كالفاكس والتلكس.
لقدأصبح متاحاً من خلال البريد الالكتروني أن يرسل أي شخص الى أخر رسالة لأغراض تجاريةأو تعليمية أو حتى لمجرد التسلية، وهي رسائل مكتوبة أو ملفات صوتية أو رسومات وفياحدث تجلياتها تبادلات مرئية بين المرسل والمستقبل تخرج عن نطاق البريد الالكترونيالى نطاق ما يعرف بالاتصال الفيديوي. (2)
ويتطلب التعرض لاستخدام البريدالإلكتروني في إجراءات التقاضي أن نبين ماهيته، وطبيعته القانونية، ومدي حجيته فيالإثبات، وذلك في ثلاث مطالب علي النحو التالي : –
المطلب الأول: ماهية البريد الإلكتروني .
المطلب الثاني: الطبيعة القانونية لعنوان البريد الإلكتروني .
المطلب الثالث: الحجية القانونية للبريدالإلكتروني .
– الطبيعة القانونية لعنوان البريد الالكترونى
الإتجاه الأول : –
أثارت مسألة التكييف القانوني لعنوان البريد الإلكتروني خلافاًكبيراً في الفقه الذي بذل مجهوداً لمحاولة التوصل إلي تكييف قانوني صحيح يخضع لهالعنوان الإلكتروني وبالتالي إدراجه تحت تنظيم قانوني محدد .
ويمكن رد هذهالخلافات إلي أربعة اتجاهات رئيسية ، الاتجاه الأول يري أن عنوان البريد الإلكترونييعتبر من بين عناصر الشخصية القانونية كالاسم والموطن، والاتجاه الثاني يري أنعنوان البريد الإلكتروني عبارة عن بيانات فنية ذات طبيعة شخصية،(1) والاتجاه الثالثيري أن العنوان الإلكتروني فكرة قانونية مستقلة، والاتجاه الرابع يذهب إلي أعتبارالعنوان الإلكتروني من عناصر الملكية الصناعية.
ويذهب الإتجاه الأول إلي أنعنوان البريد الإلكتروني يعتبر صورة جديدة للاسم المدني(2) أو للموطن حيث أن القسمالأيسر من العنوان البريدي يتكون من اسم المستخدم ولقبه، كذلك فإن العنوانالإلكتروني والأسم يتشابهان من حيث الوظيفة، فإذا كان الأسم يميز الشخص عن غيره منالأشخاص داخل المجتمع، فإن العنوان الإلكتروني يميز المشترك عن غيره لدي مورد خدمةالدخول إلي شبكة الإنترنت، ولكن هذا الرأي يثير تساؤلاً هاماً وهو مع أي صورة منصور الأسم يتشابه العنوان الإلكتروني؟ هل يشبه الأسم العائلي أم الأسمالمستعار.
ويخلص هذا الرأي إلي أنه إذا كان عنوان البريد الإلكتروني يأخذ من اسمالشخص وظيفته وشكله في بعض الأحيان، فهو لا يعتبر نوعاًجديداً للأسم وأن كان منالممكن اعتباره تقليداً له، وبالتالي لا يخضع لاحكامه القانونية.(3)
وفي سياقهذا الرأي، والذي يعتبر عنوان البريد الإلكتروني من بين عناصر الشخصية القانونية،حاول البعض مشابهة العنوان الإلكتروني بالموطن Domicile، فالموطن هو مكان الأقامةالمعتاد أو مقره القانوني،(4) وبالتالي فهو يربط الشخص بمكان جغرافي معين.
ولكن هذا الرأي يصطدم بعقبة أن عنوان البريد الإلكتروني يربط الشخص ولكن دون تحديدللمكان فهو يحدد فقط مقدم الخدمة علي شبكة الإنترنت،(5) ولتلافي تلك العقبة ناديهذا الرأي باعتبار هذا الموطن موطن افتراضي Domicile Virtuel وليس موطن حقيقي،ويستند هذا الرأي إلي وصف بعض أحكام القضاء الفرنسي العنوان الإلكتروني بأنه “موطنأفتراضي للأشخاص علي شبكة الإنترنت”، فالمستخدم عندما يقوم بتسجيل عنوان إلكترونيباسمه علي شبكة الإنترنت يكون قد أختار مقراً قانونياً ترتبط به مصالحه ويباشر منخلاله نشاطاً يتمثل في نشر بياناته الشخصية وأسراره الخاصة.
وقد أثيرت فكرة الموطن الافتراضي ومشابهة العنوان الإلكتروني به أمام محكمة استئناف باريس في حكمصادر لها بتاريخ 14 أغسطس 1996 في قضية المدرسة الوطنية العليا للاتصالات ENST،(6) والتي تتلخص وقائعها في قيام أحد الطلبة بإنشاء موقع باسمه عن طريق شبكة المدرسة،وقام بتسجيل أغاني بعض المغنيين المشهورين، وعندما رفعت عليه دعوي التقليد دفع أمامالمحكمة بانتهاك حرمة موطنه الافتراضي علي أساس أن هذا الموقع الذي يملكه الطالبيعد موقعاً خاصاً به لا موطناً عاماً موجهاً إلي الجمهور ومن ثم تجب حمايته وصيانتهبكل أوجه الحماية القانونية الجنائية والمدنية، ولكن المحكمة رفضت الأخذ بهذا الدفعوقالت في أسباب حكمها أن الشخص عندما يصمم موقعاً علي الإنترنت فهو يوجهه إلي كلمستخدمي الإنترنت ولا يقتصر استخدامه علي صاحبه فقط ومن ثم لا يجوز لهذا الشخص أنيعد هذا الموقع موطناً خاصاً ويمنع أحد من الإطلاع عليه.(7)
(1) – د . عبد الهادي فوزي العوضي ، المرجع السابق ، ص32 .
(2) – يعرف الأسم بأنه ” عبارة عن علامة يتميز بها الشخص عن غيره من الأشخاص داخل المجتمع ” . د . عبدالفتاح عبد الباقي ، نظرية الحق ، الطبعة الثانية ، 1956 ، ص35 .
(3) – د . عبدالهادي فوزي العوضي ، المرجع السابق ، ص36 .
(4) – يعرف الموطن بأنه ” المكانالذي يقيم فيه الشخص عادة ” . ( مادة 40 مدني ) ، ويعتبر المكان الذي يباشر فيهالشخص تجارة أوحرفة موطناً بالنسبة إلي ادارة الأعمال المتعلقة بهذه التجارة أوالحرفة ” . ( المادة 41 مدني(
(5) – C, Manara, art. Précité, Dalloz Affaires, No 140, 1999, p279.
(6) – Cour d’‘appel de Paris , 14 aôut 1996, Les Petites affiches , 28/7/1997. No90, p17.
(7) – لمزيد من التفاصيل حولوقائع هذه القضية ، راجع : د . شريف محمد غنام ، المرجع السابق ، ص344 .
الاتجاه الثاني : –
أما الاتجاه الثاني ، يذهب إلي تشبيه عنوان البريدالإلكتروني برقم التليفون، أو رقم القيد في الضمان الأجتماعيsocial security number، وذلك علي أساس أن العنوان الإلكتروني هو عبارة عن مجموعة من الحروفوالأرقام التي يكتبها المستخدم والتي يستلزمها بروتوكول الاتصال.
ويذهب هذاالرأي إلي تشبيه عنوان البريد الإلكتروني بكود الدخول إلي خدمة المينتل Minitel (1) المستخدمة في فرنسا لما بينهما من تشابه من حيث الهيكل الفني والوظيفة، ولكن يعيبهذا الرأي أنه لا يقدم أية فائدة قانونية في تكييف العنوان بسبب أن هذه الأرقامليست لها طبيعة قانونية محددة حتى يمكن أن ننقلها للعنوان الإلكتروني.(2(
________________________________________
(1) – وخدمة منيتل Minitel تتحقق عن طريق جهاز يحمل ذات الاسم ، وقد شاع استخدامه في فرنسا على نطاق واسعاعتباراً من منتصف ثمانينات القرن الماضي ، وتتم هذه الخدمة عن طريق جهاز يشبه جهازالكمبيوتر المنزلي ولكنه صغير الحجم نسبياً ويتكون من شاشة صغيرة ولوحة أزرار تشتملعلى الحروف والأرقام مثل تلك الخاصة بالكمبيوتر وهو وسيلة اتصال مرئية تنقل الكتابةعلى الشاشة دون الصور ، أي أنها وسيلة اتصال بواسطة الكتابة ، ويكفى لاستعماله أنيوصل بخط التليفون ، وقد أخذ مكانة هامة في عالم الاتصالات والمعلومات كما استخدمكوسيلة لإبرام العقود .
– د . أسامة أبو الحسن مجاهد ، استخدام الحاسب الآلي فيالمجال القضائي ، مجلة القضاة ، عدد يناير- يونيو 1990 ، ص61 .
(2) – Glaize,F. et Nappey,A. Le regime juridique du nom de domaine en question, A propos de l’‘affaire oceant, TGI, 1999 ,p8.
الاتجاه الثالث : –
أما الاتجاه الثالث ،فهو علي خلاف الرأيين السابقين فقد ذهب إلي أن العنوان الإلكتروني لا يماثل أويشابه أية فكرة قانونية قائمة، وإنما هو فكرة قانونية مستقلة بذاتها ويستندون فيذلك إلي أن آراء الفقه وأحكام القضاء قد أختلفت في تحديد طبيعته القانونية،(1) ونريأن هذا الرأي ليس إلا محاولة للهروب من وضع تنظيم قانوني محدد يخضع له العنوانالإلكتروني ولذلك لا نتفق معه.
ويخلص هذا الرأي إلي أن العنوان الإلكتروني فكرةقانونية جديدة لا تشابه أي نظام قانوني قائم، ويمكن ان يستمد النظام القانونيالمطبق عليه مجموعة مصادر مثل، مشارطات التسجيل الخاصة به Les chartes de nommages،ووثائق الهيئات المختصة بتسجيله Les documents des organismes de nommages،والعادات Les usages ، وأحكام القضاء La jurisprudence ، وحكم الواقع La pratique.(2)
ونخلص من هذه الأراء الثلاث، أن عنوان البريد الإلكتروني ليس لهطبيعة قانونية واضحة ومحددة، فهو يقترب من الاسم المدني أحياناً، ومن الموطنأحياناً أخري، ويشبه بعض البيانات الفنية، دون ان يتطابق مع اي منها تماماً،وبالتالي يصعب الوصول إلي النظام القانوني الذييحكمه.
________________________________________
الاتجاه الرابع : –
ويذهب الاتجاه الرابع إلي اعتبار العنوان الإلكتروني من عناصر الملكيةالصناعية، فهو مثل العلامة التجارية والاسم والعنوان التجاري واللافتة الإعلانية،ومن ثم يستفيد من التنظيم القانوني لهذه العناصر القائمة، ويعد العنوان الإلكترونيبهذا الوصف أحد العناصر المعنوية للمحل التجاري، إذ يشكل الدعامة الرئيسية التيتقوم عليها السمعة التجارية والاتصال بالعملاء.
ولا شك أن هذا الاتجاه يستندإلي الأهمية الاقتصادية التى يمثلها العنوان الإلكتروني، بصفة خاصة، بالنسبةللمشروعات التجارية التى ترغب فى الاستفادة من خدمة الإنترنت والدخول في عالمالتجارة الإلكترونية.(1(
وأي كانت الاتجاهات الفقهية المختلفة في تفسير طبيعةعنوان البريد الإلكتروني فإن ذلك لا يعني أن عنوان البريد الإلكتروني بلا حماية، بليمكن حمايته عن طريق دعوي حماية الحق في الأسم وذلك أستناداً إلي الرأي الذي يناديبذلك، كما يمكن حماية عنوان البريد الإلكتروني عن طريق دعوى بحماية العلامةالتجارية أو دعوي تقليد العلامة Contrefacon، وأيضاً عن طريق العلامة المميزة التيتدخل في اختصاص السلطة العامة مثال ذلك حالة استخدام العنوان الإلكتروني لأحدالنقابات بدون وجه حق أو بدونصفة.
________________________________________
(1) – تعرف التجارةالإلكترونية بأنها ” كافة الأنشطة التجارية للبضائع والخدمات التي تتم باستخدامتكنولوجيا المعلومات وعبر شبكة اتصال دولية وباستخدام التبادل الإلكتروني للبياناتلتنفيذ العمليات التجارية سواء تمت بين الأفراد أو بين الأفراد والمشروعات ” .
– راجع : د . خالد ممدوح إبراهيم ، إبرام العقد الإلكتروني ، المرجع السابق ، ص40 .
(2) – د . عبد الهادي فوزي العوضي ، المرجع السابق ، ص41 وما بعدها .
حجية البريد الإلكتروني في الإثبات
تمهيد
نظراً لتطور وأنتشارشبكة الإنترنت وتزايد استخدام البريد الإلكتروني في المعاملات التجارية والتصرفاتالقانونية، وإزاء هذا التطور الهائل والسريع كان من الضروري الوقوف على كيفية إثباتالتصرفات القانونية التي تتمم رسائل البريد الإلكتروني، ومعرفة مدى حجية مخرجات هذهالرسائل في الإثبات، لاسيما في ظل القواعد القانونية الحالية للإثبات، أو بعبارةأخرى مدى أمكانية تطويع النصوص الحالية للإثبات لأضفاء الحجية علي الرسائلالإلكترونية لا سيما الغير ممهورة منها بتوقيع إلكتروني.
ولا نبحث في هذاالمجال الحجية القانونية للبريد التقليدي، بل الحجية القانونية للبريد الإلكترونيوتحديد القيمة القانونية لرسائل البريد الإلكتروني ومدي قدرة هذه الرسائل علي تحديدشخص مرسلها ومدي إمكانية نسبة هذه الرسائل إلي مُصدرها خاصة إذا كانت ممهورة أو غيرممهورة بالتوقيع الإلكتروني.
ولا شك أن هذا الوضع يتطلب التعرض لحجية البريدالإلكتروني في الإثبات وذلك في حالة إذا كان غير موقع، وحالة إذا كان ممهور بتوقيعإلكتروني، وحالة إذا كان موصي عليه بعلم الوصول، وهو ما سوف نتعرض له علي نحو مايلي.
أولاً : حجية البريد الإلكتروني الغير مُوقع
يقصد بالبريد غير المُوقعالبريد التقليدي الذي يستخدم في الحياة اليومية وتختلف حجيته بحسب المجال الذييستخدم فيه،(1) وعما إذا كان يستخدم في المعاملات التجارية أو المدنية، وذلك عليالنحو التالي .
أ) حجية البريد الإلكتروني في المواد التجارية والمختلطة:
فيما يتعلق بالمعاملات والمواد التجارية، يأخذ المشرع المصري والفرنسي بمبدأحرية الإثبات Liberté de preuve في شأن المواد التجارية أيا كانت قيمتها وفي شأنالتصرفات المدنية التي لا تزيد قيمتها علي مبلغ معين، وبموجب مبدأ حرية الإثباتيستطيع المدعي إثبات التصرفات القانونية التجارية، أيا كانت قيمتها، والتصرفاتالقانونية المدنية التي لا تزيد قيمتها علي خمسمائة جنيه بأي طريق من طرقالإثبات(2) ، بما في ذلك البينة والقرائن(3) ولا يتقيد بالدليل الكتابي.
وتأكيداً لمبدأ حرية الإثبات في التصرفات التجارية، نصت المادة 69/1 من قانونالتجارة رقم 17 لسنه 1999 علي أنه “يجوز إثبات الالتزامات التجارية أيا كانت قيمتهابكافة طرق الإثبات ما لم ينص القانون علي غير ذلك”. كما نصت الفقرة الثانية من ذاتالمادة علي أنه “فيما عدا الحالات التي يوجب فيها القانون الأثبات بالكتابة فيالمواد التجارية يجوز في هذه المواد إثبات عكس ما اشتمل عليه دليل كتابي أو إثباتما يجاوز هذا الدليل بكافة الطرق”. غير أنه يشترط للأستفادة من مبدأ حرية الإثباتفي المواد التجارية، يجب أن يكون التصرف تجارياً وبين تجار.
وبناء علي ذلك، فإنهوفي نطاق التصرفات والمعاملات التجارية القائمة علي مبدأ حرية الإثبات يمكن اعتباررسالة البريد الإلكتروني قرينة قضائية لاثبات وجود التصرف الذي يتم عبر شبكةالإنترنت، حتى لو زادت قيمة التصرف عن النصاب المقرر للإثبات بالبينة وهو خمسمائةجنيه،(4) إذ أن الأمر يخضع في جميع الأحوال لتقدير القاضي الذي له السلطة التقديريةفي الأخذ بالمحرر الإلكتروني إذا ما إقتنع به أو طرحه جانباً إذا لم يطمئن إليهوساوره الشك قبله.
أما في المواد المختلطة، وهي التصرفات التي يكون فيها أحدطرفيها تاجر يتعاقد لأغراض تجارته والطرف الآخر غير تاجر يتعاقد لأغراضه الشخصية أوالعائلية، فلا يستفاد من حرية الإثبات إلا غير التاجر في حين يتقيد التاجر بطرقالإثبات المدنية.
وعلي ذلك يمكن، مثلاً، للمستهلك الذي يتعاقد مع تاجر عبرشبكة الإنترنت أن يتمسك بالبريد الإلكتروني في الإثبات باعتباره قرينة قضائية، أماالتاجر فلا يكون أمامه قبل المستهلك إلا اتباع القواعد المدنية في الإثبات، بحيثيلتزم بالإثبات كتابة إذا زادت قيمة التصرف عن خمسمائة جنيه، ومن ثم يمتنع عليه أنيتمسك برسالة البريد الإلكتروني في الإثبات.
ب) حجية البريد الإلكتروني فيالمواد المدنية :
ينص قانون الإثبات علي حالات يخرج فيها عن قاعدة وجوب اشتراطالكتابة، وبالتالي جواز إثباتها بجميع الوسائل بما في ذلك البينة والقرائن والخبرة،وهنا يكون لرسالة البريد الإلكتروني حجية في هذا النطاق، وهذه الحالات هي الأتفاقالمسبق بين الأطراف، والتصرفات القانونية التي لا تتجاوز النصاب القانوني، وحالةالاعتداد برسالة البريد الإلكتروني في الإثبات من خلال الاستثناءات علي قاعدة وجوبالدليل الكتابي، ونعرض لها علي النحو التالي.
1- الأتفاق المسبق بينالأطراف علي حجية رسائل البريد الإلكتروني :
يتفق غالبية الفقه(7) على جوازاتفاق الأطراف المعنية على الخروج عن القواعد الموضوعية للإثبات(8) ، دون القواعدالإجرائية، لعدم تعلقها بالنظام العام، ذلك لأن القواعد الإجرائية للإثبات تنظمالإجراءات التي يتعين اتباعها أمام المحاكم ومن ثم لا يملك الخصوم تغييرها أوالاتفاق على خلافها لتعلقها بالنظام العام.
وقد أيدت محكمة النقض ذلك(9) ، إذقضت بأن ” قواعد الإثبات ليست من النظام العام فيجوز الاتفاق صراحة أو ضمناً علىمخالفتها، سكوت الخصوم عن الاعتراض على الإجراء مع قدرته على إبدائه، اعتبارهقبولاً ضمنياً له وتنازلاً عن التمسك بأي بطلان يكون مشوباً به”. وهو ما يعني عدمتعلق قواعد الإثبات الموضوعية بالنظام العام،(10) وبالتالي جواز الاتفاق صراحة أوضمناً على مخالفة أحكامها.
وتعتبر هذه الاتفاقات من قبيل الإعداد المسبق للدليلوالاحتياط لما قد يثور بين الأطراف من نزاع يتعلق بحجيته، وتبديد كل شك يثور حولمصدره أو نسبته إلى الشخص الذي يراد الاحتجاج به. كما تهدف هذه الاتفاقات إلىالتعديل في وسائل الإثبات وطرقه، وفي حجية هذه الوسائل وقوتها فيالإثبات.(11)
وإذا انتهينا إلى اعتبار رسائل البريد الإلكتروني أدلة إثبات، إلاأن حجية هذا الدليل الاتفاقي تبقي خاضعة للسلطة التقديرية للقاضي(12) ، من حيثكونها دليلاً كاملاً أو ناقصاً، فقواعد حجية الأدلة الكتابية تتعلق بالنظام العامباعتبار أن هذه القواعد ترتبط بأداء القضاء لوظيفته ، فهذا الاتفاق لا يجب أن يقفحائلاً أمام ممارسة القاضي لسلطته التقديرية لتقدير حجية الدليل المقدم فيالإثبات.(13)
وهو ما يعني أن رسالة البريد الإلكتروني لا تعتبر بحال دليل إثباتقاطع في النزاع، بل تخضع حجيتها في الإثبات لتقدير القاضي، فهي حجية نسبية، بحيثيستطيع قاضي الموضوع دائماً التحقق من عدم وقوع أي تلاعب أو تحريف في الرسالةالإلكترونية، وفي حالة عدم اقتناعه يمكنه عدم الأخذ بهذه الرسالة.
2- التصرفات القانونية التي لا تتجاوز النصاب القانوني
إذا كان المشرع المصري قدتبني مبدأ حرية الإثبات في التصرفات التجارية، فقد تبني ذات المبدا أيضاً في شأنالتصرفات المدنية التى لا تجاوز قيمتها نصاب الإثبات بالبينة، وهو خمسمائة جنيه،ومن ثم يمكن لطرفي هذه التصرفات إقامة الدليل علي حصولها وعلي مضمونها بالبينةوالقرائن.
ويهدف المشرع من وراء وضع نصاب يكون نصاب يكون الإثبات في نطاقه حراًوفيما يجاوزه مقيداً بالكتابة او ما يقوم مقامها، إلي التيسير علي الأطرافالمتعاملة وعدم إعاقة معاملاتهم اليومية، لأن اشتراط الكتابة لإثبات التصرفات عديمةالقيمة من شأنه إرهاق الناس وزعزعة الثقة في المعاملات.
ولما كانت التصرفاتالمدنية التي لا تزيد قيمتها عن خمسمائة جنية يجوز إثباتها بشهادة الشهود والقرائنالقضائية والخبرة والمعاينة، فيمكن للأطراف تقديم رسالة البريد الإلكتروني كدليلإثبات علي حصول هذه التصرفات أو لإثبات مضمونها، إذا كانت قيمة العملية في حدودالنصاب المقرر.(14)
إلا أنه من الملاحظ أن هذا الوضع سيقتصر علي نطاق ضيق يتمثلفي المعاملات المدنية ضئيلة القيمة،(15) كما أن الاعتماد علي المحرر الإلكترونيبوصفه إحدي وسائل الإثبات المقبولة في ظل مبدأ الإثبات الحر يعني بأنه يخضع في شأنقبوله وتقدير قيمته وحجيته في الإثبات للسلطة التقديرية للقاضي،(16) وبالتالي فإنذلك لا يحقق الاستقرار المنشود في المعاملات الإلكترونية عبر الإنترنت.
3- الاعتداد برسالة البريد الإلكتروني في الإثبات من خلال الاستثناءات علي قاعدة وجوبالدليل الكتابي:
رأينا أن المشرع تبني مبدأ حرية الإثبات بالنسبة للمسائلالتجارية أيا كانت قيمتها والتصرفات المدنية التي التى لا تزيد قيمتها علي خمسمائةجنيه، وفي المقابل فإن كافة التصرفات المدنية التي تزيد قيمتها عن المبلغ المذكورتخضع لمبدأ وجوب الإثبات بالكتابة، ومع ذلك فإن المشرع قد عاد إلي مبدأ حريةالإثبات وأجاز الإثبات بالبينة فيما كان يجوز لإثباته بالكتابة قانوناً، وذلك في حالات استثنائية وردت علي سبيل الحصر هي: –
1- وجود دليل كتابي غير كامل من شأنهأن يجعل التصرف المدعي به قريب الاحتمال ( مبدأ الثبوت بالكتابة ). فقد جاء نصالمادة 62 إثبات علي أنه ” يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة “.
ويتضح من هذا النص أنه حتى يوجد مبدأثبوت بالكتابة فلابد أولاً من وجود كتابة ولا تصلح بذاتها دليلاً كتابياً كاملاً،ولابد أن تكون الكتابة صادرة من الخصم الذي يُحتج عليه بها، وأن يكون من شأن الورقةالصادرة من الخصم أن تجعل التصرف المدعي به قريب الاحتمال وهو أمر يخضع للسلطةالتقديرية لقاضي الموضوع.
ويذهب البعض(17) إلي جواز اعتبار رسالة البريدالإلكتروني مبدأ ثبوت بالكتابة بواسطة عمل نسخة من المحرر الإلكتروني الموجودبصندوق البريد الإلكتروني عن طريق الطباعة وعدم إنكار من يتمسك ضده بها أو يطعنعليها بالتزوير، إلا أن هذا الرأي يصطدم بعقبة تتمثل في صعوبة، إن لم يكن مستحيلاً،التمييز بين أصل الرسالة الإلكترونية والنسخ المستخرجة منها عن طريق الطباعة.
ويخلص الرأي السابق إلي نتيجة مؤداها أن الرسالة الإلكترونية لا تتمتع بالثقةفيما يتعلق بهوية مرسلها ومدي إمكانية نسبة الرسالة إليه وسلامة محتواها، وبالتاليفإن قوتها في الإثبات ستخضع لسلطة القاضي التقديرية، ومدي إلمامه وتفهمه بالنواحيالتقنية الخاصة بتكنولوجيا المعلومات والكمبيوتر والأدوات المعلوماتية.
2- الحالات التي يستحيل فيها الحصول علي دليل كتابي كامل بسبب وجود مانع مادي أو أدبي.
حيث أجاز المشرع الإثبات بشهادة الشهود إذا استحال علي المكلف بالإثبات تقديمسند كتابي، ويستوي أن تكون الاستحالة مادية، أي راجعة لظروف أحاطت بإجراء التصرف،كتلف الدعامة الإلكترونية المثبت عليها الدليل كالأسطوانة المدمجة CD والقرص المرن Disk، او تغير محتواه بسبب العوامل الجوية أو سوء التخزين أو الهجوم الفيروسي,(18)أو ان تكون الاستحالة أدبية لوجود علاقة بين الطرفين تمنع من طلب الحصول علي دليل،كعلاقة القرابة أو الزوجية.
3- حالات فقد السند الكتابي. ويفترض هذا الاستثناءأن الدائن قد راعي القواعد الخاصة بالدليل الكتابي وحصل عليه ولكن يتعذر الإثباتبهذا الدليل لفقده، وهو أمر كثيراً ما يحدث في المعاملات الإلكترونية حيث تتعرضالمحررات الإلكترونية للمحو بطريق الخطأ أو نتيجة اعتراض الرسالة وتحريف ما بها أونتيجة أعمال القرصنة.
________________________________________
(2) – تنص المادة 60/1 منقانون الإثبات المصري علي أنه ” في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانونيتزيد قيمته علي خمسمائة جنيه أو كان غير محدد القيمة، فلا يجوز شهادة الشهود فيإثبات وجوده أو إنقضائه ما لم يوجد إتفاق أو نص يقضي بغير ذلك ” . ويقابل هذهالمادة في القانون الفرنسي المادة 109 من التقنين التجاري الفرنسي المعدلة بالقانونرقم 525 الصادر في 12 يوليو 1980 والتى يجري نصها علي أنه ” يمكن إثبات الأعمالالتجارية في مواجهة التجار بجميع الوسائل ما لم ينص القانون علي خلاف ذلك ” .
(3) – قضت محكمة النقض بأن ” التصرفات التجارية يجوز إثباتها بالبينة والقرائنأيا كانت قيمتها شريطة أن تكون بين تاجرين وبصدد أعمال تجارية ” . ( طعن نقض رقم 228 لسنه 49 ق ، جلسة 1/6/1981(
(4) قضت محكمة النقض بأنه ” إذا كان التصرف حاصلاً بين شخصين وكانبالنسبة لأحدهما مدنياً وبالنسبة للآخر تجارياً ، فإن قواعد الإثبات في الموادالمدنية هي التي تتبع علي من كان التصرف مدنياً بالنسبة إليه وتسري قواعد الإثباتفي المواد التجارية علي من كان التصرف تجارياً بالنسبة إليه ” . ( طعن نقض رقم 3398لسنه 58ق – جلسة 16/5/1990 س41 ع2 ص144 ، مجموعة الربع قرن الثانية ، مجموعةالقواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض في المواد المدنية والتجارية والأحوالالشخصية من 1966 لغاية 1990(
(7) – د . سليمان مرقس ، الوافي في شرح القانونالمدني – نظرية العقد والإرادة المنفردة ، بدون ناشر الطبعة الرابعة ، 1987 ، ص376 . – د . توفيق فرج ، النظرية العامة للالتزامات ، بدون ناشر ، 1969 ، ص99 . – د . محمود جمال الدين ذكي ، الوجيز في النظرية العامة للالتزامات ، 1978 ، ص195 . – د . حسن عبد الباسط جميعي ، إثبات التصرفات القانونية التي يتم إبرامها عن طريقالإنترنت ، دار النهضة العربية ، 2000 ، ص52 وما بعدها .
(8) – ومن ذلك يذهبالبعض إلى أن قواعد الإثبات الموضوعية ليست كلها غير متعلقة بالنظام العام ، حيثيفرق بين القواعد التي تتعلق بأدلة الإثبات وقبولها ، والقواعد المنظمة لحجية أدلةالإثبات وحدود هذه الحجية ، حيث يعتبر الأخيرة متعلقة بالنظام العام لأنها لا تتعلقبمصالح الأفراد الخاصة ، وإنما ترتبط بحسن أداء القضاء لوظيفته . – د . محمد المرسيزهرة ، الحاسوب والقانون ، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي ، 1995 ، ص 175 .
(9) – قضت محكمة النقض بأن ” قواعد الإثبات ليست من النظام العام . أثره . عدم جواز رفضالمحكمة من تلقاء ذاتها الإثبات بالبينة حيث ينص القانون علي أن يكون الإثباتبالكتابة . جواز طلب الخصم الإثبات بالطريقة التي يراها محققة لمصلحته في الدعوى . اعتراض خصمه علي ذلك ، للمحكمة تقدير جدية وقانونية هذا الاعتراض وإجازة الإثبات منعدمه . ( الطعن رقم 772 لسنه 64ق – جلسة 19/12/2002 . المستحدث من المبادئ التيقررتها الدوائر المدنية بمحكمة النقض خلال الفترة من أول أكتوبر 2002 حتى آخرسبتمبر 2003 ، ص4 . )
(10) – طعن رقم 229 جلسة 25/5/1998، مجموعة أحكام النقضالصادرة من الدوائر المدنية س64 ق ، ص324.
ثانياً : حجيةالبريد الإلكتروني المذيل بتوقيع إلكتروني
فى إطار تنمية تكنولوجيا المعلوماتوالاتصالات ومواكبة التطور الهائل فى استخدامها فى كافة المجالات والأنشطة، تمالتفكير فى تطبيق تكنولوجيا التوقيع الإلكتروني، والذى تكمن أهميته فى زيادة مستوىالأمن والخصوصية فى التعاملات، نظرا لقدرة هذه التقنية على حفظ سرية المعلوماتوالرسائل المرسلة وعدم قدرة أي شخص أخر على الاطلاع أو تعديل أو تحريف الرسالة، كمايمكنها أن تحدد شخصية وهوية المرسل والمستقبل إلكترونيا للتأكد من مصداقية الشخصيةمما يسمح بكشف التحايل أو التلاعب .
ولعل هذا هو ما دفع الأمم المتحدة ممثلة فيلجنة القانون التجاري الدولي، الأونسيترال unicitral، إلي إصدار القانون النموذجيبشأن التجارة الإلكترونية سنه 1996 ،(1) والقانون النموذجي بشأن التوقيعاتالإلكترونية الصادر سنه 2001 ،(2) ومعاهدة استخدام وسائل الاتصال الإلكترونية فيالعقود الدولية لسنه 2005 ،(3) وذلك بغرض تنتظيم العقود الإلكترونية الدولية وأضفاءالحجية القانونية عليها .
كما أصدر الاتحاد الأوربي التوجيه الأوربي رقم 93/1999في 13ديسمبر 1999 في شأن التوقيع الإلكتروني ، والذي ألزم الدول الأعضاء بنقلمضمونه في داخل تشريعاتهم الوطنية في خلال 18 شهر . كما أصدرت عدة دول قوانين تنظمالتوقيع الإلكتروني ومنها أمريكا وأنجلترا وسنغافورة ومصر والأمارات العربيةالمتحدة والأردن وتونس والجزائر والبحرين.
وقد أحدث القانون المصري للتوقيعالإلكتروني رقم 15 لسنه 2004 عدة تعديلات جوهرية علي قانون الإثبات، لعل أهمهاالمساواة في الحجية القانونية بين الكتابة علي محرر إلكتروني والكتابة التقليديةعلي محرر ورقي وذلك شريطة تحديد هوية الشخص الذي صدرت منه الكتابة وإمكانية نسبةهذه الرسالة إليه وأن تتم الكتابة وتسجل وتحفظ علي نحو يضمن سلامتها.
مفاد ماتقدم، أن رسالة البريد الإلكتروني الممهورة بتوقيع إلكتروني تتمتع بحجية كاملة فيالإثبات لا تقل عن حجية المحرر العرفي، بحيث يتعين علي القاضي أن يعتد بالرسالةالإلكترونية كدليل كتابي كامل دون أن يكون له سلطة تقديرية حياله.
غير أنه قديحدث أن يحدث تعرض بين المحرر الإلكتروني والمحرر الورقي بحيث يتعارض مضمونالمستندين، وفي هذه الحالة تثور مسألة الترجيح بين المحرر الورقي والمحررالإلكتروني، ولأي منهما تكون الأفضلية كدليل إثبات حاسم في النزاع.
لقد واجهالمشرع الفرنسي هذا الفرض بأن ترك لقاضي الموضوع سلطة تقديرية واسعة في تقدير أي منالدليلين أولي بالترجيح أيا كانت الدعامة التي يثبت عليها المحرر، فقد جاء نصالمادة 1316/2 من القانون المدني المعدلة بالقانون الصادر في 13 مارس 2000علي أنه ” إذا لم يكن هناك نص أو إتفاق بين الأطراف يحدد أسساً أخري فإنه علي القاضي مستخدماًكل الوسائل أن يفصل في التنازع القائم بين الأدلة الكتابية عن طريق ترجيح السندالأقرب إلي الاحتمال أيا كانت الدعامة المستخدمة في تدوينه “.
علي أن سلطة القاضي التقديرية في الترجيح بين الدليلين يحدها بعض الضوابط، فمن ناحية يتعين عدووجود إتفاق بين الأطراف ( كمافي حالة عقود إصدار بطاقات الأئتمان ) ، أو نص قانونيينظم ويحدد الدليل المقبول في الإثبات ( حيث يجب ترجيح المحرر الرسمي علي غيره. وأيضاً يجب أن تتوافر في المحررات المتعارضة الشروط المتطلبة قانوناً لاعتبارهادليلاً كتابياً كاملاً، فإذا كان مثلاً أحد المحررين لا يحمل توقيع فيتم أستبعادهوبالتالي فلا مجال للترجيح بين المحررين.
ولعل السبب في ثقة المتعاملين عبرالإنترنت في اللجوء إلي التوقيع الإلكتروني وجود طرف ثالث أو وسيط بين الطرفينموثوق فيه، وهو طبقاً للقانون المصري هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات والتيتتبع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وهي الهيئة التي أوكل إليها خدمةالتصديق علي شهادات التوقيع الإلكتروني.
وهو ما دفع البعض(6) إلي التساؤل عن نوعالمحرر المكتوب الذي يشكله البريد الإلكتروني، هل هو محرر رسمي أم محرر عرفي؟ ولعلالأجابة علي هذا السؤال تقتضي أن نرجع إلي تعريف المحرر الرسمي والعرفي وفق قانونالإثبات المصري، والذي عرف المحرر الرسمي بأنه “المحرر الذي يصدر عن موظف عام أوشخص مكلف بخدمة عامة وذلك في حدود سلطته واختصاصه وطبقاً للأوضاع القانونية لتوثيقالأوراق الرسمية”. كما عرف المحرر العرفي بأنه “المحرر الذي يتم بين الأفراد طبقاًللعادات ودون تدخل من قبل موظف رسمي”. (م14 إثبات) ، وعليه تعتبر رسالة البريدالإلكتروني التي تحمل توقيع صاحبها محرر عرفي في مجال الإثبات، أما مقدم خدمةالتوثيق الإلكتروني فتنحصر وظيفته في إصدار شهادات التصديق الإلكتروني لمنيطلبها.
ثالثاً : حجية البريد الإلكتروني الموصي عليه
عرف التوجيه الأوربيالصادر في 15 ديسمبر 1997 بشأن القواعد التي تحكم تنمية السوق الداخلي للخدماتالبريدية وتحسين جودتها في المادة 9/2 منه البريد الموصى علي Courrier recommandé بأنه “خدمة تتم وفق إجراءات تكفل ضمان الأرسال ضد مخاطر الفقد أو السرقة أو التلف،وتوفي للمرسل لقاء مبلغ جزافي يدفعه، الدليل علي إيداع الارسال لدي هيئة البريدوكذلك عند الضرورة وبناء علي طلبه لإثبات استلام المرسل إليه له.
ووفقاً للقانون المصري نجد أمثلة علي البريد الموصى عليه، كما في حالة الإعذار، إذ يجب عليالدائن قبل أن يشرع في التنفيذ العيني أو بمقابل أن يعذر مدينة ويكون ذلك بإنذارهأو ما يقوم مقام الإنذار عملاً بنص المادة 219 مدني، بل لقد أوجب القانون ذاته فيبعض الحالات استخدام البريد الموصى عليه كما في حالة الإعلان القضائي إذا لم يجدالمحضر في موطن المعلن إليه شخصاً يصح تسليم صورة الإعلان إليه أو وجد المحلمغلقاً، أو أمتناع من وجد به من استلامه، وجب علي المحضر أن يسلم ورقة الإعلان إليجهة الإدارة في نفس اليوم (م11 مرافعات.
ولا شك أن استخدام البريد الموصى عليهيقدم العديد من الفوائد منها، إثبات عملية الأرسال حيث تتم عن طريق موظف عام،وإثبات عملية الاستلام حيث أن موظف البريد المختص يحصل علي توقيع المرسل إليه ويقومبإثبات ذلك في سجلاته، كما يفيد في إثبات هوية الأطراف.
ويمكن تطبيق تلكالمبادئ علي البريد الإلكتروني الموصى عليه بشرط وجود علاقة بين أشخاص ثلاثة هم: المرسل والمرسل إليه والطرف الثالث محل الثقة وهو مقدم الخدمة.
حيث يقوم الراسلبتعيين هويته لدي مقدم الخدمة – الذي يقوم بدور مصلحة البريد – وذلك إما باختيارأسم الدخول وكلمة دخول سرية، أو أن يحصل علي شهادة مصدق عليها من مقدم الخدمة، هذاالأختيار يبلغ للمرسل إليه وذلك في علم الوصول الذي يقدم إليه للتوقيع عليه حتي يردإليه مره أخري للمرسل، ويقوم مقدم الخدمة بإرسال إيصال للمرسل يثبت حقيقة الارسالوهوية المرسل وعنوان المرسل إليه وساعة وتاريخ الأرسال البريدي.
وبعد ذلك يرسلمورد الخدمة رسالة إلكترونية إلي المرسل إليه يخطره فيها بأن له رسالة يمكن تحميلهامن علي الموقع الإلكتروني الخاص بمورد الخدمة، ويقوم المرسل إليه بالدخول علي هذاالموقع ويبدأ الإجراءات المطلوبة لتعيين هويته بواسطة شهادة التصديق الإلكتروني أوأسم الدخول وكلمة المرور، ويتم اخطار المرسل باختيار المرسل إليه، ثم يضغط هذاالأخير علي أيقونة معينة فيتم تحميل الرسالة، عندئذ يقوم مقدم الخدمة بارسال علمالوصول إلي المرسل مبيناً به تاريخ وساعة إطلاع المرسل إليه علي الرسالة.
ووفق هذا التصور فإن البريد الإلكتروني الموصى علي يؤدي نفس وظائف البريدالتقليدي، بل أنه أفضل منه في أن البريد التقليدي لا يحمل الدليل علي قيام المرسلإليه بقراءته بالرغم من تسلمه له، في حين أن البريد الإلكتروني الموصي عليه يقدمإمكانية إثبات أن المرسل إليه تسلمه وقام بفضه وقراءاته وساعة وتاريخ القراءة.
ومن أجل ذلك تدخل المشرع الفرنسي بالقانون الصادر في 21 يونيه 2004 الخاصبالثقة في الاقتصاد الرقمي، والذي أعطي للحكومة سلطة إصدار الأوامر الخاصة بتعديلالنصوص المطبقة بهدف الوصول إلي إبرام العقود بالطريق الإلكتروني، وإعمالاً لذلك،صدر المرسوم رقم 674/2005 في 16 يونيه 2005، والذي سمح باتمام بعض الشكليات التييستلزمها القانون بطريق إلكتروني، وأصبح البريد الإلكتروني الموصي عليه معترفاً بهمن الناحية التشريعية، ونص المشرع الفرنسي في المادة 1369/8 من القانون المدني عليأن الخطاب الموصي عليه والخاص بإبرام العقد أو تنفيذه يمكن إرسالة بالبريدالإلكتروني.
ولذلك يجب علي المشرع المصري أن يتدخل بتعديل تشريعي ينظم البريدالإلكتروني الموصى عليه ويبين حجيته القانونية وقوته الثبوتية، لا سيما مع تزايدالأفراد في استخدام البريد الإلكتروني في التعامل واتجاه الدولة نحو نظام الحكومةالإلكترونية.