You cannot copy content of this page
حكم المحكمة الادارية العليا رقم 30952 و31314 لسنة 56 القضائية ( عليا ) : عقد إداري - مناط كون العقد إداريًا - العقد الذي تبرمه هيئة المجتمعات العمرانية مع شركة لإقامة مشروع للإسكان الحر على وفق الاشتراطات والقواعد البنائية المعمول بها في الهيئة هو عقد يتصل بنشاط المرفق القائمة عليه هذه الهيئة، فيعد عقد إداريًا متى أخذت فيه بأسلوب القانون العام
جلسة 14 من سبتمبر سنة 2010
الطعنان رقما 30952 و31314 لسنة 56 القضائية عليا
(الدائرة الثالثة)
السادة الأستاذة المستشارون نواب رئيس مجلس الدولة:
1 – سعيد أحمد محمد حسين برغش
2 – د. عبد الفتاح صبري أبو الليل
3 – أحمد محمد صالح الشاذلى
4 – د. سمير عبد الملاك منصور
5 – محمد لطفي عبد الباقي جوده
6 – جعفر محمد قاسم
7 – مجدي محمود بدوي العجرودي
( أ ) عقد إداري – مناط كون العقد إداريًا – العقد الذي تبرمه هيئة المجتمعات العمرانية مع شركة لإقامة مشروع للإسكان الحر على وفق الاشتراطات والقواعد البنائية المعمول بها في الهيئة هو عقد يتصل بنشاط المرفق القائمة عليه هذه الهيئة، فيعد عقد إداريًا متى أخذت فيه بأسلوب القانون العام.
(ب) دعوى – عدم صلاحية القاضي – المعنى الجامع لحالات عدم الصلاحية هو كونها مما تضعف له النفس في الأغلب، وكونها معلومة للقاضي ويبعد أن يجهلها – الخصومة التي تكون بين القاضي وأحد الخصوم والتي تمنعه من الحكم فيما هو مقام أمامه من دعاوى يكون هذا الخصم طرفا فيها هي الخصومة التي يخشى معها أن يميل قلبه عن أن يصدع في حكمه بالحق – إذا كانت بين القاضي والجهة الإدارية خصومة أرسيت بشأنها قاعدة معينة يتم الفصل فيها على أساسها، بحيث تبدو نتيجة الفصل في النزاع محكومة بتطبيقها فلا يشكل النزاع في هذا الحالة خصومة تجعله غير صالح للفصل فيما هو مطروح عليه من منازعات تتعلق بهذه الجهة.
(جـ) دعوى – المصلحة في الدعوى – جري القضاء الإداري على تفسير النصوص التي تشترط المصلحة لقبول الدعاوى تفسيرا ينأى بالمنازعات الإدارية عن أن تكون من دعاوى الحسبة، ويتوافق في ذات الوقت مع طبيعة المنازعات الإدارية والدور الذي يقوم به القضاء الإداري في حراسة الشرعية وسيادة القانون بغير إفراط ولا تفريط، وذلك حسب الظروف والملابسات التي تظهر له في الدعوى – لكل مواطن بل عليه أن يُهب للدفاع عن الملكية العامة وحمايتها على وفق ما يقرره القانون، وتتوفر له الصفة والمصلحة في ذلك – يستوي في ذلك أن تكون الدعوى من دعاوى الإلغاء أو من دعاوى القضاء الكامل، بما في ذلك دعاوى العقود الإدارية.
* المواد المطبقة (جـ):
المادتان (30) و(33) من دستور 1971.
(د) عقد إداري – ليس هناك ما يتأبى وأن تتضمن الدعاوى المتعلقة بالعقود طلبات مستعجلة.
(هـ) دعوى – لجان التوفيق في بعض المنازعات – متى رفعت الدعوى أمام المحكمة المختصة، وكانت الطلبات فيها مستثناة من العرض على هذه اللجان، أو كانت الدعوى قد رفعت بطلبات لجأ المدعي بشأنها إلى لجنة التوفيق المختصة، ثم عدلت الطلبات أمام المحكمة، وكانت الطلبات لا تعدو أن تكون طلبات مكملة للطلب الأصلي أو مترتبة عليه أو متصلة به اتصالا لا يقبل التجزئة؛ فلا يكون ثمة جدوى من اللجوء إلى تلك اللجان بعد تعديل الطلبات(1).
* المواد المطبقة (هـ):
أحكام القانون رقم (7) لسنة 2000.
(و) اختصاص – المقصود بالاختصاص في مجال القانون العام – لا يوجد من يتصرف في شأن عام إلا وهو مفوض في ذلك، لا أصيلا عن نفسه ولا صاحب شأن بذاته، هيئة كان أو مجلسًا أو فردًا، فهو قوام على شأن عام بموجب وصف تمثيلي وصفه تفويضية أتنه من مستند عام، دستورًا كان أو قانونًا أو قرارًا فرديا – الدولة كتنظيم مشخص للجماعة تستمد من هذا التنظيم مبرر قيامها، وشرعية نفاذ القول على الغير بشأن أوضاع الجماعة حفاظًا وضبطًا وتسييرًا وتنمية.
(ز) ولاية – الولاية إما خاصة أو عامة – تكون عامة متى توفر لها مكنة إمضاء القول على غير ليس محددًا ولا محصورا، وهي ما يتعلق بالدولة في الشئون العامة وما يتفرع عن أجهزتها وهيئاتها وأفرادها – هذه الولاية لا تقوم إلا بمستند شرعي من دستور أو قانون أو لائحة أو قرار فردي – ليس من سلطة عامة إلا وهي مقيدة ومحدودة بمستند شرعيتها، وبقدر ما تكون السلطة وبقدر ما تتفسح المكنة بقدر ما ترد القيود والضوابط – لا تصلح إرادة أي من الجهات الإدارية القوامة على المال العام إلا بشروط التفويض الصادر إليها والمنظم لإرادتها من أحكام موضوعية وإجراءات وردت بالتشريعات – الولاية العامة لا تمارس إلا بشرطها المضروب وفي نظامها المعين وبالقيود الضابطة لها.
(ح) عقد إداري – أركانه – ركن الرضا – التعبير عن الإرادة – لا تستوي الإدارة مع الأفراد في حرية التعبير عن الإرادة في إبرام العقود، فمتى حدد المشرع طريقة معينة وإجراءات محددة لإبرام عقود الإدارة تحقيقًا للمصلحة العامة، اختلطت في هذه الحالة طريقة التعبير عن الإرادة بمشروعية الإرادة ذاتها، فلا تكون الإرادة صحيحة ومعتبرة إلا باتباع هذه الطريقة.
(ط) عقد إداري – تخضع لأحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998 وحدات الجهاز الإداري للدولة والإدارة المحلية والهيئات العامة الخدمية والاقتصادية، دون أن يقيد ذلك بما قد يرد من نصوص وأحكام خاصة في القوانين واللوائح المنظمة للهيئات العامة، أو بخلوها من الأحكام التي تنظم إبرام تلك العقود(2).
(ي) قانون – النص الخاص والنص العام – النص العام يلغي الخاص بالنص صراحة على إلغائه، أو باستعمال عبارات في سن أحكامه لا يمكن معها تطبيق هذه الأحكام إلا بالقول بنسخ الأحكام الواردة في التشريع الخاص(3).
(ك) هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة – التصرف في الأراضي المملوكة لها – التمييز بين تصرفها إلى الأشخاص الطبيعيين في قطع من الأراضي للاستخدام الشخصي، وإلى الأشخاص الاعتبارية (الجمعيات الخاصة والنقابات والأندية) لمصلحة أعضائها تحقيقًا لإغراض الإسكان الاجتماعي، وبين البيع للغير للاستثمار وتحقيق الأرباح بإقامة وحدات سكنية وغير سكنية والتصرف فيها للغير – في الحالة الأولى يأتي التصرف في صورة تخصيص لمن تتوفر فيه شروط معينة بغية الاستخدام الشخصي، ويحظر التنازل عن الأرض إلى الغير إلا بضوابط معينة، أما في الحالة الثانية فيأخذ التصرف صورة البيع الخالص بقصد الربح والمضاربة – التصرف في هذه الحالة الأخيرة هو الذي يسري في شأنه قانون تنظيم المناقصات والمزايدات، خلافًا للتخصيص لأغراض الإسكان الاجتماعي الذي تحكمه قواعد التخصيص المنصوص عليها في القانون رقم 59 لسنة 1979 في شأن إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة واللائحة العقارية الخاصة بهيئة المجتمعات العمرانية والأجهزة التابعة لها – العبرة في هذا الصدد بحقيقة التصرف، وليس بالوصف الذي أطلق عليه.
(ل) أملاك الدولة الخاصة – بيعها وتأجيرها – اتخذ المشرع في قانون تنظيم المناقصات والمزايدات من المزايدة العلنية العامة أو المحلية والمظاريف المغلقة سبيلا أصليًا لبيع وتأجير العقارات المملوكة للجهات الخاضعة لأحكام هذا القانون، ولم يسمح المشرع بالبيع أو التأجير بالممارسة المحدودة والأمر المباشر إلا على سبيل الاستثناء، وفي حالات محدودة على سبيل الحصر – هذه الأحكام أحكام آمرة، فالعقد الذي يبرم على خلافها يكون مشوبا بالبطلان.
* المواد المطبقة (ل):
المادتان (30) و(31) من قانون تنظيم المناقصات والمزايدات، الصادر بالقانون رقم (89) لسنة 1998.
(م) هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة – تختص دون غيرها بإنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة – إبرامها عقدا مع شركة خاصة لتتولى إنشاء مجتمع عمراني جديد ومتكامل أمر محظور، من شأنه أن يجعل العقد معيبًا في محله بعيب يجعل منه عقدًا باطلاً.
* المواد المطبقة (م):
المادة (2) من القانون رقم 59 لسنة 1979 في شأن إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة.
(ن) بطلان – قاعدة: “لا بطلان إلا بنص” أضحت قولاً مهجورًا في الفقه والقضاء – كما أن البطلان يلحق بالتصرف بنص فإنه قد يلحق به بغير نص، كما لو كانت المخالفة التي شابت التصرف تشكل خروجًا على نص آمر.
(س) عقد إداري – بطلانه – البدء في تنفيذ العقد لا يحول دون الحكم ببطلانه، لما يكون قد شابه من عيب جسيم يستتبع ذلك(4).
(ع) عقد إداري – بطلانه آثار الحكم ببطلان عقد بيع أرض مملوكة للدولة بالنسبة للغير – يضار من هذا البطلان المتعاقدون على وحدات سكنية أو محلات أو وحدات أخرى، سواء كانوا قد تسلموها أو لم يتسلموها – بطلان البيع الصادر عن غير مالك ليس بطلان مطلقا، بل مقرر لمصلحة المشترى – للمالك الحقيقي أن يقر هذا البيع في أي وقت، فيسري عندئذ في حقه وينقلب صحيحًا في حق المشتري، كما ينقلب العقد صحيحًا في حق المشتري إذا آلت ملكية المبيع إلى البائع بعقد إبرام العقد.
* المواد المطبقة (ع):
المادتان (466) و(476) من القانون المدني.
(ف) عقد إداري – بطلانه – آثار الحكم ببطلان عقد بيع أرض مملوكة للدولة – مؤداه إنهاء العقد وإعادة الأرض محل العقد إلى الجهة الإدارية، مع تقييد التصرف فيها بإتباع الإجراءات القانونية السليمة وبالمقابل العادل.
(ص) أملاك الدولة الخاصة – بيعها وتأجيرها – التعاقد بطريق مخالفة للقانون يبطل العقد – صدور قرار عن وزير الإسكان باعتماد التخطيط العام والتخطيط التفصيلي وتراخيص المشروع محل التعاقد لا يدفع عن العقد غائلة البطلان الذي شابه، ولا يطهره من العيب الذي لحقه.
(ق) دعوى – الحكم في الدعوى – إذا أخذ الحكم بوجهة نظر مخالفة لما أبداه المدعي، وشيد بنيان قضائه على أسباب وأسانيد تقوى على حمله، وتضمن ما ساقه من حجج ما يمثل ردا على دفاع المدعي؛ فإنه لا حاجة لأن يتتبع بصفة مستقلة كل قول أو دفاع ليرد عليه على استقلال، ما دام قد تضمن في حيثياته ولو بطريقة ضمنية ما يفيد عدم صواب هذا الدفاع.
(ر) عقد إداري – بطلانه – أمر بطلان العقد من عدمه مسألة مستقلة عن التحقيق الذي تجريه النيابة العامة ويتعلق بالمسئولية الجنائية، وعما إذا كان ثمة جريمة قد ارتكب أو لا.
(ش) دعوى – التدخل في الدعوى – التدخل الهجومي – يشترط لقبول طلب التدخل الهجومي أن يكون هناك ارتباط بين الطلبات محل التدخل والطلبات محل الدعوى الأصلية – إذا كانت الدعوى الفرعية تختلف موضوعًا وسببًا عن الدعوى الأصلية، انتفي الارتباط بينهما.
* المواد المطبقة (ش):
المادة (126) من قانون المرافعات.
الإجراءات : –
في يوم الثلاثاء الموافق 29/ 6/ 2010 أودع وكيل الممثل القانوني لشركة ( أ ) قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدول هذه المحكمة برقم 30952 لسنة 56 القضائية، طعنًا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (دائرة العقود) بجلسة يوم الثلاثاء الموافق 22/ 6/ 2010 في الدعوى رقم 12622 لسنة 63 القضائية، والقاضي في منطوقه بالاتي:
(أولاً) قبول تدخل شركة ( أ ) خصمًا منضمًا إلى الجهة الإدارية المدعى عليها.
(ثانيًا) رفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوي، وبعدم قبول الدعوى.
(ثالثًا) قبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع ببطلان عقد البيع الابتدائي المؤرخ 1/ 8/ 2005 وملحقه المؤرخ 21/ 12/ 2005، ببيع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة إلى ( أ ) ثمانية آلاف فدان لإقامة مشروع (م) بمدينة القاهرة الجديدة.
رابعًا: إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعن في ختام تقرير طعنه – بناء على ما ساقه من أسباب الحكم بالآتي:
(أولاً) قبول الطعن شكلاً.
(ثانيًا) وبصفة عاجله: وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه لحين الفصل في موضوع الطعن، درءًا لآثار يتعذر تداركها، وفي الموضوع: إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددًا:
(أصليًا) بعدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة والمصلحة في رافعيها، ولرفع الدعوى بغير الطريق القانوني طبقًا للقانون رقم (7) لسنة 2000.
و(احتياطيا) في الدعوى الأصلية برفض الدعوى، وإلزام رافعيها المصروفات، وفي طلب التدخل الهجومي: بإلزام المدعيين (المطعون ضدهما الأول والثاني) خمسين ألف جنيه كتعويض مع إلزام المطعون ضدهما الأول والثاني المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
– وفي يوم الخميس الموافق 1/ 7/ 2010 أودع وكيل رئيس مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن، قيد بجدولها برقم 31314 لسنة 56 القضائية، وذلك طعنًا في حكم القضاء الإداري السالف بيانه، القاضي في منطوقه بما سلف ذكره.
وطلب الطاعن – بصفته – في ختام تقرير طعنه – بناء على ما ساقه من أسباب – تحديد أقرب جلسة أمام دائرة فحص الطعون لتأمر بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه بصفة مستعجلة لحين الفصل في موضوع الطعن، ثم بإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي فيه بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع: بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددًا بالآتي:
(أصليًا) بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرطي الصفة والمصلحة.
و(احتياطيًا) رفض الدعوى، مع إلزام المطعون ضدهما المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
– وقد تم إعلان الطعنين على النحو المبين بالأوراق، ونظرت دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا هذين الطعنين بجلسة 14/ 7/ 2010 حيث قدم الحاضر عن شركة ( أ ) (الطاعنة في الطعن رقم 30952 لسنة 56ق القضائية عليا) مذكرة بدفاع الشركة، أرفق بها صورًا ضوئية لبعض المستندات ذات المصلحة بموضوع الطعن، كما قدم الحاضرون عن هيئة المجتمعات العمرانية (الطاعنة في الطعن رقم 31314 لسنة 56 قضائية) مذكرة بدفاع الهيئة وثلاث حوافظ مستندات، وقد مثل المطعون ضدهما الأول والثاني في الطعنين أمام الدائرة بشخصيهما.
وبتلك الجلسة قررت الدائرة إحالة كل من الطعنين إلى هيئة مفوضي الدولة لأعداد تقرير بالرأي القانوني فيه، وحددت لنظر كل منهما جلسة الأول من أغسطس سنة 2010.
وقد أعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مسببًا بالرأي القانوني في الطعنين ارتأت فيه – مع مراعاة إعلان المطعون ضدهما (المدعيين) – الحكم بقبول الطعنين شكلاً ورفضهما موضوعًا، وإلزام شركة والهيئة الطاعنتين مصروفات كل طعن على حدة.
وبجلسة 1/ 8/ 2010 نظرت الدائرة الطعن رقم 3095 لسنة 56 القضائية عليا، حيث قدم الحاضر عن الشركة الطاعنة مذكرة بدفاع الشركة وصورتي حكمين لمجلس الدولة الفرنسي، كما حضر المطعون ضدهما الأول والثاني، وطلب التدخل انضماميًا إليهما كل من السيد/ …… والأستاذ/ …… والأستاذ/ ……. والأستاذ/ …..
كما حضر عن الحكومة المستشار/ ……
كما نظرت الدائرة الطعن رقم 31314 لسنة 56 القضائية عليا حيث قدم الحاضرون عن الهيئة الطاعنة (هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة) حافظة مستندات، كما حضر المطعون ضدهما بشخصيهما، وبهذه الجلسة قررت الدائرة ضم الطعن رقم 31314 لسنة 56ق القضائية عليا إلى الطعن رقم 30952 لسنة 56 القضائية عليا للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد بجلسة 5/ 8/ 2010، مع التصريح بالاطلاع وتقديم مستندات ومذكرات خلال ثلاثة أيام.
وخلال هذا الأجل تقدمت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بمذكرة بدفاعها، كما تقدمت هيئة قضائية الدولة بمذكرة طلبت في ختامها الحكم: بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة لوزير الإسكان ورئيس مجلس الوزراء. كما قدم المطعون ضدهما ست مذكرات دفاع.
وبجلسة 5/ 8/ 2010 قررت الدائرة إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة موضوع) لنظرهما بجلسة 10/ 8/ 2010 وبهذه الجلسة نظرت المحكمة الطعنين، حيث قدم الحاضرون عن المطعون ضدهما وعن طالبي التدخل انضماميًا إلى المطعون ضدهما في طلباتهما مذكرتي دفاع وست حوافظ مستندات، كما حضر السيد/ ……. وطلب التدخل انضماميًا للمطعون ضدهما في طلباتهما، كما طلب التدخل انضماميًا إلى شركة ( أ ) السيد/ ….. بصفته والد كل من…… و…… الحاجزين في مشروع (م).
وبتلك الجلسة وبناء على طلب الحاضرين عن الطاعنين والمطعون ضدهما، قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعنين بجلسة 14/ 9/ 2010 مع التصريح بالإطلاع وتقديم مذكرات ومستندات خلال ثلاثة أسابيع، وخلال هذا الأجل، وبتاريخ 16/ 8/ 2010 قدم المطعون ضدهما (…… و……..) حافظة مستندات ضمت صورة ضوئية مما نشر في الصحف حول تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات بشأن عقد (م) والمخالفات التي شابته، كما قدم المطعون ضدهما بذات التاريخ مذكرة صمما فيها على طلبهما رفض الطعنين وإلزام الطاعنتين المصروفات، وقدما كذلك بتاريخ 30/ 8/ 2010 مذكرتين بدفاعهما طلبا في ختامهما الحكم برفض الطعنين، ورفض تدخل شركة ( أ ) هجوميًا بطلب التعويض من المطعون ضدهما المذكورين، وإلزام الطاعنتين المصروفات.
وبتاريخ 28/ 8/ 2010 قدمت هيئة المجتمعات العمرانية مذكرة بدفاعهما صممت فيها على طلب الحكم بالطلبات الواردة بختام صحيفة الطعن – بتاريخ 30/ 8/ 2010 تقدمت ( أ ) بمذكرة بدفاعها سردت فيها ما سبق أن أبدته من أوجه دفاع، وقرر فيها الحاضر عن الشركة بتنازل الشركة عن الدفع ببطلان صحيفة الدعوى، بعد أن حضر الأستاذ المنسوب إليه التوقيع على العريضة وقرر أن التوقيع المذيلة به العريضة توقيعه، وأضافت الشركة المذكورة في هذه المذكرة أن النائب العام قرر بتاريخ 28/ 8/ 2010 حفظ البلاغ رقم 200/ 2010 أموال عامة عليا الذي كان قد قدم بشأن العقد محل التداعي، وأن الدعوى الفرعية التي أقامتها الشركة ضد المطعون ضدهما بطلب التعويض عن إساءة حق التقاضي توفرت لها أركان المسئولية وأنها مقبولة لأنها متصلة اتصالاً مباشرًا بالدعوى الأصلية، خلافا لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه، واختتمت الشركة مذكرة دفاعها هذه بطلب الحكم بالطلبات المحددة بصحيفة الطعن ومذكرات دفاعها أمام المحكمة الإدارية العليا.
وبجلسة اليوم 14/ 8/ 2010 صدر الحكم وأودعت مسودته مشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة : –
بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة قانونًا.
وإذ استوفى الطعنان سائر أوضاعهما الشكلية، فمن ثم يكونان مقبولين شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة في الطعنين تخلص – حسبما يبين من الأوراق – في أن المطعون ضدهما (…… و……) كانا قد أقاما الدعوى رقم 12622 لسنة 63 القضائية، أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، بموجب صحيفة أودعت قلم كتاب تلك المحكمة بتاريخ 4/ 1/ 2009، طلبا في ختامها الحكم بصفة عاجلة بوقف تنفيذ القرار السلبي بامتناع المدعى عليهم (رئيس مجلس الوزراء ووزير الإسكان ورئيس مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة – بصفاتهم – عن فسخ عقد بيع أرض مشروع (م) المؤرخ في 1/ 8/ 2005 وملاحقه، والمتمثل في بيع ثلاثة وثلاثين مليون وست مئة ألف متر مربع لشركة( أ )، التي تمتلكها ويرأس مجلس إدارتها في ذلك الوقت…..، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المدعى عليهم بصفاتهم المصروفات.
وذلك على سند من قول حاصلة أن المدعي الأول (المطعون ضده الأول) سبق أن تقدم بطلب لتخصيص قطعة أرض له لإنشاء منزل عليها بالقاهرة الجديدة، فطلب من أخذ رقم لطلبه وانتظار الإعلان عن المزاد المزمع طرحه لذلك، غير أنه لم يخطر بأي مزاد، ثم فوجئ بنشر العقد المبرم بين….. وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة في موقع إحدى الصحف، دون الإعلان عن مزايدة أو اتخاذ أية إجراءات قانونية، وأضاف المدعيان أن قيمة هذه الأرض تقدر بمبلغ مئة وخمسة وستين مليار جنيه، تم تخصيصها بالمجان للسيد المذكور بصفته رئيس مجلس إدارة شركة ( أ )، على وفق العقد المؤرخ 1/ 8/ 2005 بتخصيص ثمانية آلاف فدان، فضلاً عن أحقيته في أخذ مساحة 7560000م 2 بالشفعة، وتعهد هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بتوصيل جميع المرافق لهذا المشروع – المسمي (م) بالمجان، وذلك مقابل حصول الهيئة على نسبة عينية مقدارها 7% من الوحدات التي سيتم تنفيذها على نسبة 60% من إجمالي المساحة، وباقي المساحة يتصرف فيها رئيس مجلس إدارة الشركة المذكرة لحسابه الخاص، في حين تصل قيمة الوحدة في هذا المشروع إلى عدة ملايين من الجنيهات، ويتراوح سعر متر الأرض الفضاء بين تسعة آلاف وعشرين ألف جنيه حسب نسبة التميز.
وركن المدعيان – تأسيسًا لدعواهما – إلى الأسانيد الآتية:
1 – أن قرار هيئة المجتمعات العمرانية بالتعاقد مع ( أ ) على إنشاء مشروع (م) للإسكان الفاخر قد جاء مخالفًا للدستور، لإخلاله بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين، إذ الهيئة سالفة الذكر امتنعت عن التعاقد مع المدعى الأول (المطعون ضده الأول) على قطعة أرض واحدة إلا من خلال مزاد علني على وفق الشروط التي سيتم وضعها في هذا الشأن، في حين قامت بتخصيص تلك المساحة من الأرض للشركة السالفة الذكر، دون أي إعلان أو ممارسة بين هذه الشركة وأية شركات أخرى، ودونما مراعاة لمبدأ تكافؤ الفرص أو المساواة بين المواطنين.
2 – إن قرار التعاقد بين الهيئة والشركة المشار إليهما عن قطعة الأرض السالف البيان قد جري بالمخالفة لأحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998 الذي تسري أحكامه على جميع الهيئات العامة بالدولة بما فيها هيئة المجتمعات العمرانية، والذي يقضي بأن يكون البيع بطريق المزايدة العلنية وعلى وفق القواعد والإجراءات المقررة بهذا القانون ولائحته التنفيذية.
3 – إن هذا التعاقد جاء مخالفًا لأحكام القانون المدني والتي تقضي بأن يكون البيع بمقابل نقدي وليس عينيا، فالثمن يمثل أحد أركان عقد البيع، وقد خلا العقد المبرم بين الهيئة والشركة السالفتى الذكر من الثمن النقدي للأرض محل هذا العقد، ومن ثم فإن العقد لا يعتبر عقد بيع.
4 – ومن جهة أخري، فإن التعاقد محل التداعي قد حمل الهيئة كذلك توصيل المرافق إلى المشروع، ودون أن يكلف الشركة بأي مبالغ عن ذلك، فلا تلتزم الشركة إلا بمنح الهيئة حصة عينية مقدارها 7% من الوحدات السكنية التي سيتم تشييدها خلال عشرين سنة، في حين أن الأرض المماثلة للأرض محل هذا المشروع قد تم بيعها في آخر مزاد بخمسة ألاف جنيه للمتر، وبالتالي تكون قيمة الأرض المخصصة لهذا المشروع مئة وخمسة وستين مليار جنيه، ولا تتحمل الشركة السالفة الذكر سوى المرافق الداخلية التي تتكلف ما لا يزيد على مليار جنيه، ومن ثم تكون الشركة المذكورة قد حصلت على الأرض موضوع النزاع دون مقابل، في حين تقوم ببيع المتر المسطح في الوحدة السكنية بسعر يتراوح ما بين سبعة وعشرة آلاف جنيه، ومن ثم يكون قرار تخصيص الأرض لهذا المشروع قد جانب المصلحة العامة.
5 – أن الشركة أعلنت عن بيع أرض ووحدات المشروع دون أن تقوم بأداء ثمن الأرض أو التأمين أو مقدم الثمن إلى الجهة الإدارية، مخالفة بذلك أحكام القانون 59 لسنة 1979 في شأن المجتمعات العمرانية الجديدة، الذي يحظر على كل من تملك أرضًا أو منشأة داخلة في مجتمع عمراني جديد التصرف فيها بأي نوع من أنواع التصرفات الناقلة للملكية إلا بعد أداء الثمن كاملاً وملحقاته، وبناء عليه يكون التعاقد المبرم بين الهيئة والشركة السالفتي الذكر عن الأرض محل التداعي قد تم بالمخالفة لقانون المجتمعات العمرانية المشار إليه.
واستطرد المدعيان – بيانًا لركن الاستعجال المتطلب لوقف تنفيذ القرار المطعون فيه – قائلين إن الشركة سالفة الذكر قد حصلت على الأرض موضوع التداعي دون مقابل، وتقوم بالتعاقد عليها مع الغير، وتجني ثمار هذه التعاقدات دون غيرها، الأمر الذي يتحقق به ركن الاستعجال المتطلب لوقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
– وقد تدوول نظر الشق العاجل من الدعوى أمام محكمة أول درجة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وإبان ذلك وبجلسة 10/ 5/ 2009 حضر وكيل شركة ( أ ) وطلب تدخله خصما منضما إلى الجهة الإدارية المدعى عليها، وهجوميًا طالبًا إلزام المدعين بمبلغ عشرة ملايين جنيه لإساءة حق التقاضي.
وبجلسة 16/ 2/ 2010 قررت محكمة أول درجة إصدار الحكم في طلب وقف التنفيذ بجلسة 16/ 3/ 2010، وبهذه الجلسة قررت المحكمة إعادة الدعوى للمرافعة بجلسة 16/ 3/ 2010، وكلفت هيئة مفوضي الدولة بإعداد تقرير بالرأي القانوني في الدعوى.
وقد أعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرها الذي ارتأت فيه الحكم بالآتي:
(أولاً) قبول تدخل شركة….. انضماميًا إلى جهة الإدارة.
(ثانيًا) عدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر طلب الشركة المذكورة إلزام المدعيين بالتعويض، وإحالته إلى المحكمة المدنية المختصة، مع إبقاء الفصل في المصروفات.
(ثالثًا) قبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع: ببطلان عقد البيع الابتدائي المبرم بين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وشركة ( أ ) المؤرخ 1/ 8/ 2005، مع ما رتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة وشركة ( أ ) المصروفات مناصفة.
وقد تدوول نظر الدعوى أمام محكمة أول درجة على النحو الثابت بمحضر الجلسات، حيث قدم المدعيان بجلسة 4/ 5/ 2010 مذكرة خلصا في ختامها إلى طلب الحكم بالآتي:
(أصليًا): بطلان عقد البيع المؤرخ في 1/ 8/ 2005 المبرم بين ( أ ) وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة ببيع الهيئة إلى الشركة مساحة خمسة آلاف فدان، وملحقه الخاص ببيع الهيئة للشركة ثلاثة آلاف فدان، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
و(احتياطيًا): فسخ العقد المشار إليه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
و(من باب الاحتياط الكلي): رفض طلب التعويض المقدم من الشركة المتدخلة، وإلزام المدعى عليهم المصروفات.
وإبان تداول نظر الدعوى قصر الحاضر عن ( أ ) طلب الشركة بالتعويض على خمسين ألف جنيه، وقدم كل من الحاضر عن هذه الشركة والحاضر عن هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة – في معرض ردهما على الدعوى – عدة حوافظ مستندات ومذكرة دفاع على النحو الثابت بالأوراق، ويخلص دفاع الهيئة والشركة – في الرد على الدعوى – في الأتي:
(أولاً) الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعوي، لتعلقها بعقد مدني.
(ثانيًا) الدفع ببطلان صحيفة الدعوي، لعدم توقيعها من محام مقبول أمام المحكمة المرفوع أمامها الدعوى.
(ثالثًا) الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء الصفحة والمصلحة.
(رابعًا) الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري.
(خامسًا) الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق القانوني بالنسبة للطلبات الختامية للمدعيين، حيث كان يتعين عليهما – بالنسبة لهذه الطلبات – اللجوء إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات على وفق ما يقضي به القانون رقم 7 لسنة 2000.
(سادسًا) رفض الدعوى، بعدم قيامها على أساس سليم من القانون، بحسبان أن التعاقد على أرض مشروع (م) قد تم على وفق ما يميله صحيح حكم القانون، أو ندب مكتب الخبراء المختص لبيان الإجراءات التي اتبعت في التعاقد وما تم تنفيذه من المشروع والمبالغ التي أنفقت عليه.
وبجلسة 22/ 6/ 2010 قضت محكمة أول درجة بالآتي:
(أولاً) بقبول تدخل ( أ ) خصمًا منضمًا إلى الجهة الإدارية المدعى عليها.
(ثانيًا) برفض الدفوع بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعوى، وبعدم قبول الدعوى.
(ثالثًا) بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع ببطلان عقد البيع الابتدائي المؤرخ في 1/ 8/ 2005 وملحقه المؤرخ 21/ 12/ 2005 ببيع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة إلى شركة ( أ ) ثمانية آلاف فدان لإقامة مشروع (م) بمدينة القاهرة الجديدة.
(رابعًا) ألزمت الجهة الإدارية المصروفات، والخصم المتدخل مصروفات تدخله.
– وشيدت المحكمة قضاءها هذا على أسانيد وأسباب حاصلها الآتي:
(أولاً) إن أحد طرفي العقد موضوع التداعي شخص من أشخاص القانون العام هو هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، والهدف منه تحقيق أغراض المرفق العام بإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة وتنميتها، وقد تضمن شروطًا استثنائية تخرج عن الشروط المألوفة في روابط القانون الخاص، ذلك أن إقامة المشروع تجري وفق اشتراطات الهيئة ومواصفاتها الفنية وطبقًا للبرنامج الزمنى المعتمد منها، وللهيئة وقف الأعمال وإنقاص أرض المشروع وفسخ العقد وسحب الأرض من الشركة بالطريق الإداري، وكل ذلك يعد شروطًا استثنائية، بما يقطع بتوافر عناصر العقد الإداري في عقد البيع محل التداعي، ومن ثم ينعقد الاختصاص بنظر المنازعات الناشئة عنه لمحاكم مجلس الدولة، مما يغدو معه الدفع بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر هذا النزاع غير قائم على سند صحيح من القانون، حريًا بالرفض.
(ثانيًا) إن الثابت من مطالعة صحيفة الدعوى الماثلة أنها قدمت إلى المحكمة ممهورة بتوقيع من الأستاذ/ ….. المحامي المقيد بجدول المحامين المقبولين أمام محكمتي النقض والإدارية العليا، ومن ثم يكون الدفع ببطلان صحيفتها لعدم توقيعها من محام مقبول للمرافعة أمام محكمة القضاء الإداري غير قائم على أساس سليم من الواقع أو القانون.
(ثالثًا) إن المدعيين من مواطني جمهورية مصر العربية، وهما من المخاطبين بأحكام الدستور، ويحق لهما الدفاع عما يبدو لهما أنه حق من حقوقهما المتعلقة ببيع جزء من أراضي الدولة، ومن ثم يكون قد تحقق في شأنهما شرط المصلحة وتحققت لهما الصفة في إقامة الدعوى، وبالتالي يكون الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرطي المصلحة والصفة غير قائم على أساس سليم من القانون، مما يتعين معه القضاء برفضه.
(رابعًا) أن الثابت أن الدعوى أقيمت مقترنة بطلب عاجل، ومن ثم فإنها تكون بذلك قد أقيمت مستثناة من العرض على لجان التوفيق، على وفق ما تقضي به المادة (11) من القانون رقم (7) لسنة 2000، ولا ينال من ذلك قيام المدعيين بتعديل طلباتهما إلى بطلان وفسخ العقد موضوع النزاع، بحسبان أن هذا التعديل جاء متصلاً بالطلبات الأصلية المقامة بها الدعوى اتصالاً وثيقًا لا يقبل التجزئة، الأمر الذي يغدو معه الدفع بعدم قبول الدعوى لهذا السبب فاقدًا لسنده القانوني جديرًا بالرفض.
(خامسًا) أن المنازعة الماثلة منازعة عقدية تنتمي أساسًا إلى القضاء الكامل، ومن ثم لا يسري في شأنها الدفع بعدم القبول لانتفاء القرار الإداري، مما يغدو معه الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري في غير محله حريًا بالرفض.
(سادسًا) أن هيئة المجتمعات العمرانية تعاقدت مع ( أ ) على بيع مساحة ثمانية آلاف فدان بمدينة القاهرة الجديدة بطريقة مباشرة ودون إتباع طرق التعاقد المقررة قانونًا، طبقًا لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998، سواء بمزايدة علنية عامة أو محلية، وقد أجدبت أوراق الدعوى ومستنداتها مما يفيد أن ظروف التعاقد قد اقتضت ولوج الطرق الاستثنائية المنصوص عليها في هذا القانون وهي الممارسة المحدودة والاتفاق المباشر، ومن ثم تكون هيئة المجتمعات العمرانية قد أبرمت العقد محل النزاع مع الشركة السالفة الذكر دون سند تشريعي وبالمخالفة لأحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات المشار إليه، الذي أضحي الشريعة العامة الواجبة الاتباع من الهيئة في إبرام عقودها، مما يجعل تصرف الهيئة بالمخالفة لأحكام هذا القانون مشوبًا بالبطلان. وبناء عليه، يتعين القضاء ببطلان عقد البيع المبرم بين الهيئة والشركة السالفتي الذكر في 1/ 8/ 2005 وملحقه المؤرخ في 21/ 12/ 2005 ببيع الهيئة للشركة مساحة ثمانية آلاف فدان بمنطقة الامتداد العمراني بمدينة القاهرة الجديدة لإقامة مشروع (م).
*وإذ لم يلق هذا القضاء قبولا من ( أ )، فمن ثم طعنت فيه بالطعن رقم 30952 لسنة 56 القضائية عليا، وقد استهلت الشركة الطاعنة تقرير طعنها هذا بمقدمة أشارت فيها إلى أن هذه القضية والحكم المطعون فيه هزا عرش إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة والتنمية العمرانية في مصر كلها، وأحدثا فزعًا في المجتمع، لأن البطلان سيصيب جميع التصرفات المماثلة إلى الأفراد والشركات مهما كان حجم المشروعات، وأن ما قضي به الحكم من قبول الدعوى من آحاد الناس في علاقة عقدية إنما يمثل إجازة صريحة لدعاوى الشهرة والابتزاز، ثم أتبعت الشركة الطاعنة ما تقدم بعرض أسباب وأسانيد طعنها بقولها بداءة عن هذا الحكم إنه قد جمع أسباب الطعن كلها؛ إذ خالف الحكم المطعون فيه أحكام القانون … وأخطأ في تطبيقه وتفسيره، كما جمع صور الفساد في الاستدلال، والإخلال بحق الدفاع”.
ثم فصلت الشركة الطاعنة أوجه وأسانيد طعنها على النحو الآتي:
(الوجه الأول: الخطأ في تطبيق القانون وتفسيره):
وساقت الشركة الطاعنة أسانيد وأسباب نعيها على الحكم المطعون فيه بهذا الوجه على النحو الآتي:
1 – أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون عندما لم يقض ببطلان صحيفة الدعوي، رغم أن البادي من صحيفة الدعوى من حيث الشكل والموضوع ينبئ بل يكاد يقطع أن معدها وكاتبها هو المدعي الأول، خاصة أن المدعيين كانا يحضران بشخصيهما ويقدمان الأوراق والمستندات بصياغة تؤيد الدفع الذي دفعت به الشركة ببطلان صحيفة الدعوى لعدم توقيعها من محام، الأمر الذي كان يتعين معه على المحكمة أن تستوثق من صحة دفاع الشركة، غير أن المحكمة اكتفت – وحسبما جاء بحكمها المطعون فيه – بالقول إن الثابت من صحيفة الدعوى أنها ممهورة بتوقيع من الأستاذ/ ….، مما تكون معه مستوفاة لهذا الإجراء الجوهري. وهذا القول مصادرة على المطلوب، ولا يبين منه كيف استوثقت المحكمة من صحة هذا التوقيع، بعد أن دفعت الشركة بطلان صحيفة الدعوى لعدم توقيعها من محام ومن ثم فإن المحكمة تكون بذلك قد خالفت القانون، مما يتعين معه إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا ببطلان صحيفة الدعوى.
2 – أن الحكم المطعون فيه قضى بقبول الدعوى شكلاً رغم انتفاء الصفة والمصلحة الشخصية للمدعيين، فكل من المدعيين ليس في حالة قانونية تحقق له مصلحة شخصية أو منفعة خاصة يكون له معها مصلحة شخصية في إقامة الدعوى حسبما يستوجبه كل من قانون المرافعات المدنية والتجارية في المادة (3) منه وقانون مجلس الدولة في المادة (12)، فضلاً عن أن الدعوى ليست دعوى إلغاء مما يتوسع في تفسير المصلحة في شأنها، وإنما هي دعوة عقدية ناشئة عن علاقة عقدية ليس لأي من المدعيين صفة أو شأن فيها، وليس لأي منهما مصلحة شخصية في طلب بطلان العقد الناشئ عن هذه العلاقة أو الحكم لهما بذلك، بل إن الحكم المطعون فيه – بقضائه بقبول الدعوى رغم ذلك ورغم الدفع المبدى من الشركة الطاعنة في هذا الشأن – يعود بالدعوى الإدارية إلى دعاوى الحسبة والشهرة والابتزاز، كما أن بعض ما استشهد به من أحكام في غير محله لتعلقه بدعوى الإلغاء، وأخيرًا فإن ما قضى به الحكم المطعون فيه بشأن شرطي الصفة والمصلحة يتناقض مع أحكام قضائية عديدة قضت بعدم القبول لانتفاء الصفة والمصلحة الشخصية، إعمالاً لنصوص القانون، الأمر الذي يتعين معه إلغاء الحكم المطعون فيه لمخالفته القانون.
3 – أن طلب وقف تنفيذ وإلغاء قرار الامتناع عن فسخ العقد يختلف من حيث الشكل والموضوع والطبيعة عن طلب بطلان العقد، ولا يرتبط هذا الطلب بالطلب الأصلي ولا يكمل أحدهما الآخر، ومن ثم يكون ما ذهب إليه الحكم – ردًا على الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون رقم 7 لسنة 2000 – من أن طلب البطلان لا يعدو أن يكون مكملاً للطلب الأصلي أو مترتبا عليه أو متصل به اتصالاً لا يقبل التجزئة قولا خاطئا في القانون، فضلاً عن أن استشهاد الحكم المطعون فيه بقضاء المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 26769 لسنة 52 القضائية عليا بجلسة 1/ 11/ 2008 في غير محله لاختلاف الوقائع.
4 – أن الحكم المطعون فيه أخطا في تطبيق القانون عندما اعتبر المادة الأولى من مواد إصدار القانون رقم 89 لسنة 1998 بإصدار قانون تنظيم المناقصات والمزايدات والباب الثالث من قانون تنظيم المناقصات والمزايدات المشار إليه قد نسخا التشريعات السابقة ومنها قانون هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة رقم 59 لسنة 1979، ذلك أن الحكم بما ذهب إليه على هذا النحو يكون قد أهدر قاعدة أصولية – استقرت أحكام المحكمة الإدارية العليا ومحكمة النقض على تطبيقها وهي أن النص الخاص يقيد العام، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون.
5 – أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون عندما أهدر نصوص قانون هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة رقم 59 لسنة 1979 (الفصل الثالث من الباب الأول والباب الثاني)، وقرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة، وكذا اللائحة العقارية المنشورة في عدد الوقائع المصرية رقم 125 بتاريخ 6 نوفمبر سنة 2001، وأصر الحكم المطعون فيه على تطبيق قانون تنظيم المناقصات والمزايدات وحده دون غيره واعتبره ناسخًا لها، رغم صدور هذه التشريعات واللوائح لاحقه عليه، ورتب على ذلك بطلان العقد، ومن ثم فإنه يكون قد خالف صحيح حكم القانون.
كما خالف الحكم المطعون فيه القانون إغفاله تطبيق هذه التشريعات، فقد جاء به أن أحكام القانون رقم 59 لسنة 1979 في شأن إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة والقرارات المنفذة له قد جاءت خلوا عن الوسيلة التي يتعين إبرام التعاقد بها وإجراءاتها وضماناتها، ورتب الحكم على ذلك ضرورة سريان قانون المناقصات والمزايدات، في حين ينص القانون رقم 59 لسنة 1979 المشار إليه في المادة 11/ 1 من الفصل الثالث (تنفيذ المشروعات) على أن للهيئة أن تجري جميع التصرفات والأعمال التي من شأنها تحقيق البرامج والأولويات المقررة لها، ولها أن تتعاقد مباشرة مع الأشخاص والشركات والمصارف والهيئات المحلية والأجنبية طبقًا للقواعد التي تحددها اللائحة الداخلية للهيئة، وتنفيذًا لهذا التفويض التشريعي صدرت اللائحة العقارية الخاصة بالهيئة في العام 1983، ثم عدلت بالقرار رقم 14 لسنة 1994، ثم بالقرار رقم 2904 لسنة 1995، ثم بالقرار رقم 2481 بتاريخ 27/ 5/ 2001، كما وأنه على وفق المادة 28/ 5 من قانون الهيئة المشار إليه يكون لها التعاقد المباشر وفق لوائح الهيئة، وقد انعقد عقد البيع موضوع الدعوى بإرادة سليمة وصحيحة قانونًا على وفق ما تقضي به المادتان (11) و(18) من قانون الهيئة المشار إليه، والمادة (27/ ج) من اللائحة العقارية.
6 – إن الحكم المطعون فيه أخطا في تطبيق القانون عندما قضي ببطلان العقد محل النزاع لمجرد القول بأن هناك مخالفة لأحكام قانون المناقصات والمزايدات، ذلك أنه على فرض صحة هذا القول فإن المستقر عليه في أحكام القضاء وفي إفتاء الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع أن مخالفة أي إجراء في القانون لا يؤدي إلى البطلان ما لم يكن ثمة نص بذلك، ولم يتضمن قانون تنظيم المناقصات والمزايدات نصا يقرر جزاء البطلان على مخالفة أي إجراء فيه.
7 – أخطأ الحكم المطعون فيه حين قضي ببطلان العقد بعد أن دخل حيز التنفيذ وبعد خمس سنوات من تمام التعاقد والتنفيذ، وبعد أن أصبح الحاجزون في المشروع بالآلاف من المواطنين، مخالفًا بذلك قواعد حسن النية في تنفيذ العقود، واحترام الحقوق والمراكز القانونية المستقرة، وهو ما يندرج ضمن السلام الاجتماعي والأمن القانوني للمجتمع، وهي مصلحة أولى بالاعتبار من أي مصلحة أخرى.
8 – إن الحكم المطعون فيه بقضائه بعدم قبول التدخل الهجومي من الشركة الطاعنة بطلب التعويض تأسيسًا على عدم ارتباطه بموضوع الدعوى – قد أخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن طلب التعويض كان مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بإساءة استعمال حق التقاضي، إذ إن ما تضمنته صحيفة الدعوى ودفاع المدعيين (المطعون ضدهما الأول والثانية) فيه إساءة بالغة تخرج عن حدود حق الدفاع، مما أصاب الشركة بأضرار بالغة، الأمر الذي يجعل طلبها التعويض عن ذلك مرتبطًا بالدعوي ذاتها.
(الوجه الثاني: الفساد في الاستدلال):
وساقت الشركة الطاعنة أسانيد وأسباب نعيها على الحكم المطعون فيه بهذا الوجه على النحو الآتي:
1 – أن الحكم المطعون فيه قضي بقبول الدعوى شكلاً بحسبان أن المدعيين من مواطني جمهورية مصر العربية، ويحق لهما الدفاع عما يبدو لهما أنه حق من حقوقهما المتعلقة ببيع جزء من أراضي الدولة، وهو استدلال فاسد، إذ ما تزال المصلحة الشخصية والصفة ضمانتين للبعد بساحة القضاء عن الخصومات التي تستهدف الشهرة والابتزاز.
2 – أن ما استنبطه الحكم المطعون فيه من نص المادة الأولى من مواد إصدار القانون رقم 89 لسنة 1998 بإصدار قانون المناقصات والمزايدات ومن مناقشات جلسة وحيدة وترك ما جاء بغيرها من الجلستين الثالثة والستين والسابعة والستين من أن هذا القانون ألغي القوانين الخاصة ومنها قانون هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة رقم 59 لسنة 1979، هو استدلال فاسد، ذلك أن مادة الإصدار قد ألغت صراحة قانونين اثنين هما القانون رقم 147 لسنة 1962 بشأن تنفيذ أعمال خطة التنمية وقانون تنظيم المناقصات والمزايدات رقم 9 لسنة 1983، وما ورد من إشارة عابرة بإلغاء كل حكم يخالف أحكام هذا القانون لا تعني إلغاء القوانين الخاصة ومنها قانون هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وبناء عليه فإن ما استدل به الحكم المطعون فيه من أن قانون المناقصات والمزايدات قد نسخ ما سبقه، قد انطوى على فساد في الاستدلال أوقعه في خطأ ما قضي به من بطلان للعقد محل النزاع.
3 – وقع الحكم المطعون فيه في فساد في الاستدلال، عندما قضى ببطلان عقد بيع أرض (م)، لمجرد ما أشار إليه الحكم من مخالفة الهيئة لأحكام قانون المناقصات والمزايدات رغم خلو القانون ذاته من نص يقرر البطلان صراحة.
4 – اعتبر الحكم أن قانون تنظيم المناقصات والمزايدات هو الشريعة العامة الجامعة المانعة، على الرغم من أن إبرام العقد على وفق الثابت من التمهيد وباقي نصوص العقد تشير إلى سند إبرامه لتحقيق الهدف من إقامة وإنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة، على وفق أحكام قانون المجتمعات العمرانية الجديدة واللوائح السارية.
5 – لم يناقش الحكم المطعون فيه ما أوردته الشركة الطاعنة بدفاعها بخصوص حماية المتعاقد الذي لم يكن له شأن في المخالفة على فرض وقوعها.
(الوجه الثالث: الإخلال بحق الدفاع):
وساقت الشركة الطاعنة أسباب وأسانيد نعيها على الحكم المطعون فيه بهذا الوجه من الطعن على النحو الآتي:
1 – لم يشر الحكم المطعون فيه من قريب أو بعيد إلى دفاع الشركة الطاعنة الذي أوضحت فيه وجود أحكام بقانون المجتمعات العمرانية الجديدة تحدد السلطات والضمانات والتصرف في العقارات بالطريق المباشر، على وفق المادتين (11) و(28) وباقي نصوص هذا القانون، وكذا اللائحة العقارية التي صدرت وعدلت في العام 2001، ولم يرد الحكم على هذا الدفاع أو يمحصه، وإلا لتغير وجه الرأي في الدعوى.
2 – لم يرد الحكم المطعون فيه كذلك على ما أبدته الشركة الطاعنة من دفاع بشأن وجود اللائحة العقارية الصادرة بتفويض تشريعي من نصوص القانون ذاته في عام 2001، والتي خولت مجلس إدارة الهيئة إصدار لوائح بقواعد التصرف وتنفيذ المشروعات، وبذلك يكون الحكم المطعون فيه قد صدر مخلاً بحق الدفاع.
3 – لم يشر الحكم المطعون فيه أو يرد على الدفاع الذي أبدته الشركة الطاعنة بشأن الأثر المترتب على صدور قرارات وزير الإسكان منذ عام 2006 وحتى العام 2009 باعتماد التخطيط العام والتخطيط التفصيلي وتراخيص البناء لمشروع (م) بما له من سلطة على وفق القوانين واللوائح، والتي استندت في صدورها إلى قانون المجتمعات العمرانية الجديدة، وجاءت تنفيذًا للعقد المؤرخ في 1/ 8/ 2005 وملحقه المؤرخ في 21/ 12/ 2005 والذي قضت محكمة أول درجة ببطلانه، فلو كان الحكم محص هذا الدفاع لتغير به وجه الرأي في الدعوى.
4 – لم يرد الحكم من قريب أو من بعيد على طلب الشركة الطاعنة ندب خبراء من وزارة العدل للاطلاع على محاضر اجتماع مجلس إدارة الهيئة والانتقال إلى موقع مشروع (م) للمعاينة على الطبيعة وبيان ما تم تنفيذه، والوحدات التي تم تسليمها إلى الحاجزين وتلك التي تم تسليمها إلى الهيئة.
5 – لم يرد الحكم المطعون فيه على ما أبدته الشركة الطاعنة من دفاع بشأن ضرورات استقرار المعاملات وحماية الحقوق والمراكز القانونية التي ترتبت على العقد، حتى ولو كانت هناك مخالفة لإجراء من الإجراءات، بحسبان أن تقرير تلك الحماية من شأنه أن يعصم العقد من الحكم بالبطلان، وكان على الحكم أن يحقق هذا الدفاع، إذ لو كان حققه لتغير به وجه الرأي في الدعوى. وإذ لم يفعل فمن ثم يكون مشوبًا بالإخلال بحق الدفاع.
* كما لم يلق هذا الحكم قبولاً من هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، ومن ثم طعنت فيه بالطعن رقم 13114 لسنة 56 القضائية. عليا،
وأسست الهيئة طعنها على أن الحكم المطعون فيه جاء مخالفًا للقانون ومخطئًا في تطبيقه وتأويله ومشوبًا بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وذلك على النحو الآتي:
(أولاً) فيما يتعلق برفض الدعوى بعدم قبول الدعوى انتفاء شرطي الصفة والمصلحة في المطعون ضدهما فلا خلاف في أن النزاع الماثل يتعلق برابطة عقدية بين طرفين لا علاقة للمطعون ضدهما الأول والثانية بها، الأمر الذي كان يوجب على المحكمة – خلال تصديها لشرطي الصفة والمصلحة – أن تلتزم بالضوابط التي استقر عليها القضاء الإداري في ولاية القضاء الكامل، ومن ثم لا تقبل دعوى بطلان عقد من شخص ليس طرفًا فيه، وليس له مركز قانوني أو حق ذاتي. ولا يكفي في هذا الصدد ما ذهبت إليه عن القول بوجود مصلحة شخصية على النحو الذي استظهره الحكم بطريقة مباشرة، ومن ثم فإن هذا الحكم يكون قد شاب القصور في التسبيب وجاء مخالفًا لصحيح القانون.
كما خالف الحكم المطعون فيه القانون بما ذهب إليه من أن أنه لا يجوز للمحكمة تطبيق أحكام المادة (3) من قانون المرافعات على هذه الدعوى، فضلاً عما يمثله ذلك من اتساع لشرط المصلحة يخلط بين الدعاوى التي ينعقد لمحاكم مجلس الدولة ولاية الفصل فيها ودعوى الحسبة، وهو ما رفضته المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر في الطعن رقم 7018 لسنة 47 القضائية عليا بجلسة 25/ 3/ 2006.
(ثانيًا): أن ما قضي به الحكم المطعون فيه من بطلان للعقد محل النزاع بمقوله إن هيئة المجتمعات العمرانية أبرمته متجاهلة أحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998 وهو الشريعة العامة الواجبة الاتباع في هذه الشأن، وأن الهيئة ارتكنت إلى إحكام القانون رقم 59 لسنة 1979 في شأن إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة والقرارات المنفذة له والتي جاءت خلوًا من بيان الوسيلة التي يتعين إبرام ذلك التعاقد بها وضماناتها، وأنها نسخت بأحكام القانون رقم 89 لسنة 1998 المشار إليه، مما يجعل هذا العقد قد أبرم دون سند تشريعي مشوبًا بالبطلان، جاء كذلك مخالفًا لصحيح حكم القانون ومشوبًا بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وذلك على النحو الآتي:
1 – أن القانون رقم 59 لسنة 1979 المشار إليه قد تضمن في المواد 11 و14 و28 و40 كيفية التصرف في الأراضي المخصصة للهيئة والتي تدخل في ولايتها، خلافًا لما ذهب إليه الحكم.
2 – أن أحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998 لم تنسخ أحكام القانون رقم 59 لسنة 1979 في شأن إنشاء هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، ذلك أن المشروع لم ينص على ذلك صراحة فضلاً عن ذلك صراحة، فضلاً عن أن قانون المجتمعات العمرانية الجديدة قانون خاص، والقاعدة أن القانون الخاص يقيد العام.
(ثالثًا) أن الحكم المطعون فيه حينما قرر بطلان العقد محل النزاع مستندًا إلى القول بتجاهل جهة الإدارية لأحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998 يكون قد تجاهل المبادئ والقواعد التي جرى عليها إفتاء الجمعية العمومية من أن مخالفة التعاقد الذي تم بالأمر المباشر لأحكام القانون ليس من شأنها أن تؤثر على صحة العقد أو تؤدي إلى بطلانه (الفتوى رقم 809 بتاريخ 18/ 7/ 1985 جلسة 26/ 6/ 1985 الملف رقم 16/ 6/ 308).
كما أن الحكم المطعون فيه يخالف ما جري عليه إفتاء الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع من أن العقد الذي تبرمه الإدارة مع الغير أيًا كان نوعه ينعقد صحيحًا وينتج آثاره حتى مع تخلف الإجراء المقرر، ولا يمس ذلك نفاذ العقد، وإنما قد يستوجب المسئولية التأديبية أو السياسية أو كليهما؛ وذلك حماية للغير وعدم زعزعة الثقة في الإدارة وفي مصداقية تعاملاتها مع الغير (الملف رقم 425/ 1/ 54 جلسة 14/ 12/ 2005، وحكم محكمة القضاء الإداري (دائرة المنازعات الاقتصادية والاستثمار) في الدعوى رقم 45007 لسنة 62 القضائية جلسة 22/ 11/ 2008).
(رابعًا) أن القواعد التي تضمنها قانون المناقصات والمزايدات بشأن بيع العقارات المملوكة للدولة وأيًا كانت المزايا التي تحققها لا تتلاءم في جميع الأحوال مع الدور الذي ناطه المشرع بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، فاتباع قواعد المزايدة كان غير ملائم في مستهل إنشاء الهيئة ولفترات لاحقه، ومن ثم كان لا بد من أتباع نظام التخصيص الذي يستوجب أن يلتزم من يساهم في بلوغ أهداف الهيئة بقواعد صارمة تتسم في نفس الوقت بالمرونة اللازمة لتحقيق الغاية التي استهدفها المشرع.
(خامسًا) أن الطاعن بصفته تقدم بجلسة 4/ 5/ 2010 بمذكرة بدفاعه أوضحت جوانب الموضوع وصحة العقد، وتضمنت تأصيلاً قانونيًا للدفع بعدم القبول لانتفاء المصلحة، غير أن الحكم المطعون فيه لم يعن بهذه المذكرة رغم ما تضمنته من دفاع جوهري، ومن ثم يكون قد جاء مشوبًا بالقصور في التسبيب، ذلك أنه من أسباب القصور في التسبيب عدم عناية الحكم ببحث ما تثيره الدعوى من مسائل وما أثاره ذوو الشأن من أوجه دفاع، وعدم تعرضه لها بما يفيد نظره إليها أو تفنيده لها، وهو ما يبطله من أكثر من وجه (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 541 لسنة 42 القضائية عليا جلسة 5/ 4/ 1981).
* ومن قدم الحاضر عن الشركة الطاعنة بجلسة 14/ 7/ 2010 مذكرة بدفاع الشركة طلب في ختامها الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه ونظر موضوع الطعن في أقرب جلسة ممكنة بسبب الأضرار الجسيمة التي يتعذر تداركها والمتلاحقة منذ صدور الحكم وذلك بناء على ما تضمنته هذه المذكرة من أسانيد حاصلها الآتي:
– أن أسعار الأوراق المالية والاستثمارات في مصر بصفة عامة الاستثمارات العقارية بصفة خاصة قد اهتزت منذ صدور الحكم المطعون فيه 22/ 6/ 2010.
– أن الشركة الطاعنة دفعت ببطلان صحيفة الدعوى لعدم توقيعها من محام مقبول أمام محكمة القضاء الإداري، وبعدم قبولها لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون رقم 7 لسنة 2000 في شأن التوفيق في بعض المنازعات، حيث لم يلجأ المدعيان (المطعون ضدهما الأول والثاني) إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات، كما دفعت الشركة الطاعنة بعدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة والمصلحة باعتبار أن رافعها يستند إلى عقد لم يكن طرفًا فيه، وليس في مركز خاص بشأنه ولا يمس مصلحة له، كما أنه ليس صاحب حق بطلب حماية، فضلا عن أنه لا يطلب الحكم لنفسه بشئ، ومع ذلك قضى الحكم المطعون فيه بقبول الدعوى شكلاً مما يجعله مرجح الإلغاء.
– أن ما قضي به الحكم المطعون فيه من بطلان عقد بيع أرض (م) إنما يتناقض ويتنافر مع المبادئ القانونية والقواعد المقررة فقهًا وقضاء.
– أن أحد أعضاء الدائرة التي أصدرت الحكم المطعون فيه وهو المقرر وكاتب أسباب الحكم له خصومة مع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة في الدعوى رقم 20896 لسنة 64 القضائية (قضاء إداري القاهرة)، ومن ثم يكون قد تحقق في شأن أحد أسباب عدم الصلاحية لنظر الدعوى الصادرة فيها الحكم المطعون فيه.
وأرفق الحاضر عن الشركة الطاعنة بالمذكرة السالفة البيان صورا ضوئية من المستندات الآتية:
(1) تقرير قطاع الخبراء بوزارة العدل (إدارة الكسب غير المشروع) بشان احتساب القيمة السعرية لسنة 7% من مشرع (م) المخصصة لهيئة المجتمعات العمرانية، وما إذا كان السداد العيني يماثل ثمن المثل وقت التصرف في حالة السداد النقدي من عدمه.
(2) صحيفة الدعوى رقم 20896 لسنة 64 المقامة من المستشار/ … عضو الدائرة التي أصدرت الحكم المطعون فيه ضد كل من رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة ورئيس جهاز تنمية مدينة السادس من أكتوبر بصفتيهما.
(3) الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثانية) بجلسة 25/ 6/ 2006 في الدعوى رقم 39706 لسنة 59 القضائية المقامة من المستشار/ …. أحد أعضاء الدائرة التي أصدرت الحكم المطعون فيه ضد رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة ورئيس جهاز تنمية القاهرة الجديدة، وتقرير الطعن رقم 31881 لسنة 52 القضائية عليا المقام من هيئة المجتمعات العمرانية طعنًا في الحكم الصادر في الدعوى رقم 39076 لسنة 59 القضائية السالف الإشارة إليها. تقرير هيئة مفوض الدولة بشأن تقرير الطعن المشار إليه.
– وبذات الجلسة قدم الحاضرون عن هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة (الهيئة الطاعنة) مذكرة بدفاع الهيئة وثلاث حوافظ مستندات، وقد طلبت الهيئة في ختام هذه المذكرة وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه بصفة مستعجلة، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددًا بالآتي:
(أصليًا) بطلان الحكم المطعون فيه، تأسيسًا على وجود خصومة قضائية بين عضوين ممن اشتركوا في إصدار هذا الحكم والهيئة.
و(احتياطيًا) عدم قبول الدعوى لانتفاء شرطي الصفة والمصلحة تأسيسًا على أن دعوى بطلان العقد لا تقبل ممن ليس طرفًا فيها.
(ومن باب الاحتياط الكلي): رفض الدعوى، وذلك تأسيسًا على أن الحكم المطعون فيه فيما قضي به من بطلان عقد بيع أرض (م) جاء مخالفًا لما استقر عليه قضاء محكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا وإفتاء الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع فضلاً عن أن اللجنة الثانية من لجان الفتوى بمجلس الدولة سبق لها أن راجعت عقد بيع مساحة أربعين فدانا أبرم بنظام التخصيص في ظل العمل بقانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998 دون أن تتضمن الملاحظات التي وردت بشأن العقد أية إشارة إلى مخالفة العقد لأحكام هذا القانون.
وبتلك الجلسة قدم الحاضرون عن الهيئة المذكورة ثلاث حوافظ مستندات طويت على عدة مستندات تتعلق بتأييد ما أبدته الهيئة بمذكرة دفاعها السالف البيان.
كما قدم الحاضران مع المطعون ضدهما الأول والثانية – ردا على ما ركن إليه الطاعنان في طعنيهما الماثلين وما أبدياه من دفاع فيما قدماه من مذكرات – عدة حوافظ مستندات ومذكرات دفاع، وقد ضمنت هذه الحوافظ صورًا ضوئية لأحكام وفتاوى صادرة من مجلس الدولة، وصفحات جرائد تتضمن إخبارًا تتعلق بالتصرف في أراضي الدولة، وصورة من المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون بإصدار قانون تنظيم المناقصات والمزايدات.
وتضمنت المذكرة المبينة آنفا الرد على ما ساقه الطاعنان من أوجه طعن وأسانيد للنعي على الحكم المطعون فيه، ويخلص ما تضمنته تلك المذكرات إلى طلب رفض الطعنين وإلزام الطاعنين المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي، وهو ذات ما خلصت إليه مذكرات الدفاع التي تقدم بها المطعون ضدهما المذكوران إبان فترة حجز الدعوى للحكم.
كما خلصت مذكرتا دفاع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وشركة ( أ ) اللتان تقدمتا بها إبان ذلك إلى طلب الحكم بالطلبات الواردة بصحيفتي الطعنين، وذلك استنادًا إلى ما سبق إبداؤه من أوجه دفاع، وإلى أن النيابة العامة أصدرت قرارها بتاريخ 28/ 8/ 2010 بحفظ التحقيقات لعدم وجود أية شبهة جنائية في التعاقد محل التداعي.
– ومن حيث إنه عن طلب التدخل انضماميًا إلى المطعون ضدهما في طلبهما رفض الطعنين، وطلب التدخل خصما منضما للطاعنتين في طلباتهما فإن المحكمة ترجئ البت فيهما لحين الفصل في وجه النعي المتعلق بمدى توفر شرطي الصفة والمصلحة لدى المطعون ضدهما في الدعوى المطعون في الحكم الصادر فيها بالطعنين الماثلين.
ومن حيث أنه عن طلب الحاضر عن الحكومة عدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة لكل من رئيس مجلس الوزراء ووزير الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية تأسيسًا على أن صاحب الصفة في النزاع محل هذين الطعنين هو رئيس مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، فإنه لما كان كل من رئيس مجلس الوزراء ووزير الإسكان والمرافق والتنمية ليسا من النزاع محل الطعنين الماثلين ببعيد، وينبغي أن يكونا على بصيرة مما سيقضي به في هذا النزاع في منطوق الحكم وما ارتبط من أسانيد وأسباب وحيثيات جوهرية ومكملة له، الأمر الذي تقضي معه المحكمة برفض هذا الطلب، وتكتفي بذكر ذلك في أسباب دون تكراره في منطوق الحكم.
– ومن حيث إنه بالنسبة للنعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة قواعد الاختصاص الولائى بقالة إن العقد محل التداعي ليس عقدًا إداريًا وإنما عقد مدني من عقود القانون الخاص، إذ هو مجرد عقد بيع لأملاك الدولة الخاصة غير متصل بتسيير المرفق ونشاطه، فإنه لما كان المشرع قد ناط بموجب المادة رقم (10) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 بمحاكم مجلس الدولة الاختصاص دون غيره بالفصل في المنازعات الخاصة بعقود الالتزام أو الأشغال العامة أو التوريد أو بأي عقد إداري آخر، وقد بات من المستقر عليه قضاء وإفتاء أن العقود التي تبرمها الإدارة مع الأفراد بمناسبة ممارستها لنشاطها في إدارة المرافق العامة وتسييرها ليست سواء، فمنها ما يعد عقودًا إداريه تأخذ فيها الإدارة بوسائل القانون العام بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتيازات لا يتمتع بمثلها المتعاقد، وقد تنزل منزلة الأفراد في عاقدهم وتبرم عقودا مدنية تستعين فيها بوسائل القانون الخاص، ومناط العقد الإداري أن تكون الإدارة أحد أطرافه، وأن يتصل بنشاط المرفق العام من حيث تنظيمه وتسييره بغية خدمة أغراضه وتحقيق احتياجاته مراعاة لوجه المصلحة العامة، وأن يأخذ العقد بأسلوب القانون العام بما ينطوي عليه من شروط استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص، سواء تضمن العقد هذه الشروط أو كانت مقررة بمقتضي القوانين واللوائح.
ومن حيث أنه لا مراء في أن الهيئات العامة هي من أشخاص القانون العام وأن ما تبرمه من عقود تتصل بنشاط وتسيير المرافق القائمة تعد عقودًا إداريه متى أخذت فيها بأسلوب القانون العام بأن تضمنها شروطًا استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص.
ومن حيث إن المشرع بموجب القانون رقم 59 لسنة 1979 في شأن إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة جعل من هيئة المجتمعات العمرانية جهاز الدولة المسئول عن إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة وتنميتها من كافة النواحي الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية، وناط بها في المادة 28 من هذا القانون بحث واقتراح وتنفيذ ومتابعة خطط وسياسات وبرامج إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة، وفي سبيل تحقيق الهيئة أغراض المرفق القائمة على أمره أبرمت العقد محل التداعي لإقامة مشروع للإسكان الحر على الأرض محل هذا العقد على وفق الاشتراطات والقواعد البنائية المعمول بها في الهيئة، مما يقطع وبما لا يدع مجالاً للشك أن هذا العقد والذي أبرمته هيئة عامة يتصل بنشاط المرفق القائمة عليه هذه الهيئة وتسييره وتحقيق أغراضه، باعتبار أن ما يقصد إليه المشروع محل هذا العقد هو عين ما تهدف إليه الهيئة وتسعى إلى تحقيقه.
ومن حيث أن الثابت من استقراء بنود العقد المشار إليه أن هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لجأت فيه إلى أسلوب القانون العام بأن ضمنته شروطًا استثنائية غير مألوفة في روابط القانون الخاص، فقد تضمنت هذا العقد في التمهيد أن تنفيذ المشروع يخضع لاعتماد الهيئة ويجري على وفق الشروط الفنية التي تضعها الهيئة، كما نص البند الخامس على أحقية الهيئة في إنقاص مساحة الأرض المخصصة للشركة حسب إمكانياتها، وأن للهيئة الحق في استرداد الأرض إداريًا بعد التنبيه على الشركة بذلك، وفي البند السادس على أن يكون للهيئة حق امتياز على جميع أموال الشركة وعلى الأرض محل العقد ضمانًا لقيمة الأرض على وفق المادة 16 من القانون رقم 59 لسنة 1979 المشار إليه وفي البند السابع على أن يحظر على الشركة استعمال الأرض محل العقد في غير الغرض المخصصة له، وفي البند التاسع على أن لا يتم تسليم الأرض للشركة إلا بعد صدور قرار التخطيط والتقسيم، وفي البند الحادي عشر على حق الهيئة في المرور الدوري على المشروع للتأكد من التزام الشركة بالبرنامج الزمني المقدم منها والمعتمد من الهيئة والتأكد من مطابقة الأعمال للمواصفات والشروط البنائية والتراخيص وأن للهيئة وقف الأعمال المخالفة وإنذار الشركة بإصلاحها خلال المهلة التي تحددها، وفي حالة عدم قيام الشركة بالإصلاح يكون للهيئة إزالة هذه الأعمال إداريا على حساب الشركة على وفق القواعد المعمول بها بالهيئة، وفي البند الرابع والعشرين على حق الهيئة في فسخ العقد إذا أخلت الشركة بأي من التزاماتها الناشئة عن العقد واسترداد الأرض إداريا، مع عدم الإخلال بحق الهيئة في التعويضات ومقابل الانتفاع عن مدة بقاء الأرض في حوزة الشركة.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الشروط التي تضمنها العقد محل التداعي هي بعينها الشروط الاستثنائية غير المألوفة في روابط القانون الخاص، ومن ثم يكون قد توفر لهذا العقد مما يجعله بيقين لا يخالطه شك عقدًا إداريًا، مما يعقد الاختصاص بنظر المنازعات المتعلقة به لمحاكم مجلس الدولة حسبما ذهب الحكم المطعون فيه، وليس محاكم القضاء المدني حسبما تقول به الشركة الطاعنة، الأمر الذي يكون معه النعي على الحكم المطعون فيه بهذا الوجه من النعي في غير محله.
– ومن حيث إنه عن النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون بسند من أنه لم يقض ببطلان صحيفة الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه لعدم توقيعها من محام، فانه لما كان الحاضر عن شركة ( أ ) قد أقر في مرافعته الشفهية أمام المحكمة بجلسة 10/ 8/ 2010 بتنازله عن هذا الوجه من النعي بعد أن حضر المحامي المنسوب إليه التوقيع على العريضة أمام المحكمة وأقر بأن التوقيع المذيلة به العريضة توقيعه، ومن ثم لم يعد ثمة محل لأن تتصدى المحكمة لهذا الوجه من النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفه القانون.
ومن حيث إنه بالنسبة لنعي الطاعنين على الحكم المطعون فيه بالبطلان على سند من أن كلا من السيد المستشار/ ….. والسيد المستشار/ …… قد شاركا في إصدار الحكم ووقعا مسودته على الرغم من أن بينهما وبين الهيئة خصومة مما يقوم به أحد أسباب عدم الصلاحية، الأمر الذي يجعل الحكم المطعون فيه باطلاً، فإنه لما كانت المادة 146 من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أن: ”يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعًا من سماعها وإن لم يرده أحد من الخصوم في الأحوال الآتية:
1ـ إذا كان قريبًا أو صهرًا لأحد الخصوم إلى الدرجة الرابعة.
2ـ إذا كان له أو لزوجته خصومة قائمة مع أحد الخصوم في الدعوى أو مع زوجته….”.
كما تنص المادة (147) من هذا القانون على أن: “يقع باطلاً عمل القاضي أو قضاؤه في الأحوال المتقدمة الذكر ولم تم باتفاق الخصوم ….”.
ومن حيث أن المشرع قد حدد على سبيل الحصر بموجب نص المادة (146) من قانون المرافعات المدنية والتجارية المشار إليه الحالات التي يكون فيها القاضي غير صالح للحكم في الدعوى حتى ولو لم يرده أحد الخصوم والمعنى الجامع لهذه الأسباب – حسبما جرى عليه قضاء هذه المحكمة كونها مما تضعف له النفس في الأغلب الأعم، وكونها معلومة للقاضي ويبعد أن يجهلها. وهديا بما سبق فإن الخصومة التي تكون بين القاضي وأحد الخصوم والتي تمنع القاضي الإداري من الحكم فيها هو مقام أمامه من دعاوى يكون هذا الخصم طرفا فيها هي الخصومة التي يخشى معها أن يميل قلبه عن أن يصدع في حكمه بالحق، فإن كانت بينه وبين جهة إدارية – ينظر إليها على أنها خصم شريف – خصومة أرسيت بشأنها سواء من محكمة أول درجة أو من محكمة الطعن قاعدة معينة يتم الفصل فيها على أساسها، حتى أضحى الفصل فيها يجرى بالنسبة للقاضي ولغيره بشكل نمطي من خلال تطبيق المبدأ أو القاعدة على الطلبات، بحيث تبدو نتيجة الفصل في النزاع محكومة بتطبيق ما استقر عليه قضاء المحكمة في هذا الخصوص فلا يشكل النزاع في هذه الحالة خصومة مما تضعف معها نفس القاضي على نحو يجعله غير صالح للفصل فيها هو مطروح عليه من منازعات تتعلق بهذه الجهة.
ومن حيث إن محل الدعويين المقامتين من المستشارين شاركا في إصدار الحكم المطعون فيه ضد الهيئة هو المطالبة برد مبالغ كان قد حصلها من كل منهما جهاز تنمية مدينة القاهرة الجديدة وجهاز تنمية مدينة 6 أكتوبر نظير الترخيص لكل منهما ببناء دور ثان علوي على قطعة الأرض السابق تخصيصها له، وهو الأمر الذي أصبح الفصل فيه محكومًا بما جرى عليه قضاء محكمة القضاء الإداري السابق بخصوص تلك الدعاوى، مما لا يتسنى معه النظر إليها على أنها خصومة يميل بها قلبا المستشارين المذكورين عن الحكم بالعدل فيما يفصلان فيه من دعاوى تتعلق بالهيئة المذكورة، الأمر الذي يكون معه النعي على الحكم المطعون فيه بالنعي سالف البيان في غير محله حريًا بالرفض.
– ومن حيث إنه عن النعي على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون لرفضه الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرطي الصفة والمصلحة، والذي تؤسسه الطاعنتان على أن المنازعة عقدية، وأن المدعيين ليسا طرفا في العقد حتى يطلبا الحكم ببطلانه، وأن قبول دعواهما رغما عن ذلك يعني الخلط بين دعاوى المنازعات الإدارية المتعلقة بدعاوى القضاء الكامل ودعاوى الحسبة، كما يعنى السماح بدعاوى الشهر والابتزاز، وهو ما قصد المشرع منعه، فإنه وإن كان المشرع قد اشترط في نص المادة 3 من قانون المرافعات المدنية والتجارية ونص المادة 12 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 لقبول أي دعوى أو طلب أو دفع أن تكون لصاحبة فيه مصلحة شخصية ومباشرة وقائمة يقرها القانون، بيد أن المشرع لم يعرف المصلحة أو يحدد مضمونها تاركا ذلك للفقه والقضاء.
وبناء عليه كان على القضاء الإداري حتما مقضيا أن يجتهد رأيه ولا يألو في تحديد مفهوم المصلحة بالنسبة للدعاوى التي تطرح في ساحته، سواء كانت من دعاوى الإلغاء أو مما اصطلح على تسميته بدعاوى القضاء الكامل، بتفسير النصوص التي تشترط المصلحة لقبول الدعاوى تفسيرًا ينأى بالمنازعات الإدارية بوجه عام عن أن تكون من دعاوى الحسبة، ويتوافق في ذات الوقت مع طبيعة المنازعات الإدارية والدور الذي يقوم به القضاء الإداري في حراسة الشرعية وسيادة القانون بغير إفراط ولا تفريط، فلا يبسط في مفهوم المصلحة كل البسط في المنازعات الإدارية فيتلاشى الفارق بينهما وبين دعاوى الحسبة فلا يكاد يبين، ولا يتشدد في تحديد مفهوم المصلحة بما يتأبى وطبيعة المنازعات الإدارية فيحجب أصحاب الحقوق والمصالح عن أن يطرقوا بابه ويلجوا ساحاته دفاعا عن مصالحهم وحقوقهم، وإنما كان عليه أن يتخذ بين ذلك سبيلاً، وذلك حسب الظروف والملابسات التي تظهر له في الدعوى.
ومن حيث إنه في خصوص مدى توفر شرطي الصفة والمصلحة في المدعيين في الدعوى المطعون في الحكم الصادر فيها بموجب الطعنين الماثلين، فإنه لما كانت المادة (30) من الدستور الحالي تنص على أن: “الملكية العامة هي ملكية الشعب وتتمثل في ملكية الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة”.
كما تنص المادة (33) منه على أن: ”للملكية العامة حرمة وحمايتها ودعمها واجب على كل مواطن وفقًا للقانون”.
ومن حيث إن مفاد ذلك أن الملكية العامة تتمثل في الأموال المملوكة للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة ومنها الهيئات العامة، وأن هذه الأموال ملك الشعب بكل أفراده ملكية شيوع الأمر الذي يجعل لكل مواطن من أفراد هذا الشعب حقًا في هذه الأموال، به – بل عليه – أن يهب للدفاع عنه على وفق ما يقرره القانون أي بإتباع الإجراءات والرخص والوسائل التي قررها القانون لكفالة هذه الحماية، ومنها اللجوء إلي القضاء لاستصدار حكم قضائي يكون بمثابة السند التنفيذي الذي تتحقق به الحماية المنشودة.
ولما كان ذلك وكانت الدعوى الصادرة فيها الحكم المطعون فيه تنصب على طلب الحكم ببطلان عقد بيع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة إلى ( أ ) قطعة أرض مساحتها ثمانية آلاف فدان لإقامة مشروع (م)، بناء على ما ساقه المدعيان من أسانيد حاصلها أن هذا البيع تم بمقابل بخس، وجاء ثمرة إجراءات غير صحيحة فمن ثم فلا محيص من القول – بالنظر إلى حجم الأرض محل التصرف المطلوب الحكم ببطلانه وماله من انعكاس على حقوق المتعاقدين وغيرها في تراب هذا الوطن – بأن لكل مواطن مصري صفه ومصلحه في النعي على مثل هذا التصرف وولوج سبيل الدعوى القضائية دفاعًا عن حقه في هذا المال، من دون أن تختلط دعواه في هذه الحالة بدعوى الحسبة.
وبناء عليه يكون للمدعيين مصلحة حقيقية – وليست نظرية – في دعواهما التي طلبا فيها الحكم ببطلان عقد البيع المشار إليه بسند من أن إبرام العقد قد تم بخروج بواح على القانون، أهدرت فيه قواعد المساواة وتكافؤ الفرص التي بمراعاتها يتمكنان وغيرهما من التنافس في الفوز بقطع من أرض الدولة.
و لا ينال من ذلك القول بأن هذا من شأنه السماح بدعاوى الشهرة والابتزاز؛ ذلك أن قبول الدعاوى إنما هو بملاك يد القضاء الإداري الذي يستطيع أن يميز الخبيث من الطيب والغث من الثمين من الدعاوى التي نطرح في ساحته، على وفق ما يميله صحيح حكم القانون ويظهره واقع الحال في الدعوى.
كما أنه لا حجة في القول بأن الحكم المطعون فيه توسع في شروط المصلحة قياسا على دعوى الإلغاء رغم ما بينها وبين الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه من خلاف؛ ذلك أن الصحيح أن الحكم لم يغب عنه أنه بصدد دعوي من دعاوى القضاء الكامل وليس دعوى إلغاء. إلا أنه حدد مفهوم المصلحة بما يتفق وواقع الحال في الدعوى وعلى ضوء ما تقتضيه طبيعة المنازعات الإدارية والنصوص ذات الصلة بالدعوى.
ومن جهة أخرى لا وجه للاحتجاج ببعض أحكام المحكمة الإدارية العليا الصادرة في شأن المصلحة والصفة؛ لاختلاف الوقائع في الدعاوى الصادرة فيها هذه الأحكام عن وقائع الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه بالطعنين الماثلين.
وبناء على ما تقدم فلا تثريب على محكمة أول درجة أن طرحت تفسير ( أ ) لنص المادة (3) من قانون المرافعات المدنية والتجارية والذي ينتهي إلى انتفاء مصلحة وصفة المدعيين في الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه.
ولما كان ذلك وكان طالبو التدخل – أثناء نظر الطعنين – انضماميا إلى المطعون ضدهما في طلبيهما رفض الطعنين قد تقدما بطلب تدخلهم شفاهة في حضور الطاعنين، وقد أثبت الطلب في محضر الجلسة على وفق ما تقرره المادة (126) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وأن لهم بصفاتهم مواطنين مصريين كما هو الشأن بالنسبة للمطعون ضدهما مصلحة شخصية، ومن ثم يتعين قبول تدخلهم، كما يتعين قبول تدخل طالب التدخل خصمًا منضمًا للشركة المذكورة وجهة الإدارة في طلباتهما، حيث أثبت طلبة بمحضر الجلسة وله مصلحة في التدخل.
– ومن حيث إنه عن النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون تأسيسًا على أنه قضي بقبول الدعوى رغم عدم لجوء المدعيين إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات على وفق ما رسمه القانون رقم (7) لسنة 2000 المشار إليه، ورغم انقطاع الصلة بين الطلبات الأصلية التي كانت قد أقيمت بها الدعوى، والتي كانت مقترنة بطلب مستعجل، والطلبات المعدلة والتي فصل فيها الحكم المطعون فيه، فإنه لما كان المشرع بموجب المادة (11) من القانون رقم (7) لسنة 2000 المشار إليه قد استثنى الدعاوى التي تكون مقترنة بطلبات عاجله من العرض على لجان التوفيق في بعض المنازعات.
ومن حيث أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه ليس هناك ما يتأبى وأن تتضمن الدعاوى المتعلقة بالعقود طلبات مستعجلة.
ومن حيث إن اللجوء إلى التوفيق في بعض المنازعات – الذي فرضه المشرع في القانون رقم (7) لسنة 2000 المشار إليه – ليس طقسا في ذاته، ولم يفرضه المشرع عبثا، وإنما أوجبه المشرع لرغبة قصدها وغاية أرادها، تتمثل في تقليل حجم المنازعات التي تطرح على القضاء الإداري، بالفصل فيها من قبل اللجان المشكلة طبقًا لهذا القانون، وبناء عليه فلا غرو أن جرى قضاء هذه المحكمة على أنه متى رفعت الدعوى أمام المحكمة المختصة وكانت الطلبات فيها مستثناة من العرض على اللجان المنصوص عليها في القانون (7) لسنة 2000 المشار إليه، أو كانت الدعوى قد رفعت بطلبات لجأ المدعي بشأنها إلى لجنة التوفيق المختصة، ثم عدلت الطلبات أمام المحكمة، وكانت هذه الطلبات المعدلة لا تعدو أن تكون طلبات مكملة للطلب الأصلي في الدعوى أو مترتبة عليه أو متصلة به اتصالاً لا يقبل التجزئة، فلا يكون ثمة جدوى من المطالبة مرة أخرى باللجوء إلى تلك اللجان بعد تعديل الطلبات، ولا سيما أن الدعوى قد أصبحت مطروحة بالفعل أمام المحكمة المنوط بها أصلاً الفصل في النزاع.
ومن حيث أنه لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن المدعيين في الدعوى المطعون في الحكم الصادر فيها بالطعنين الماثلين كانا قد أقاما دعواهما بطلبات جاءت مقترنة بطلب مستعجل، حيث تحددت طلباتهما – حسب ما جاء بختام عريضة دعواهما – في وقف تنفيذ ثم إلغاء القرار السلبي بالامتناع عن فتح عقد بيع أراضي لإقامة مشروع (م) المشار إليه، وهو ما يجعل دعوهما مستثناة من شرط اللجوء إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات، ثم قاما بتعديل طلباتهما – اتساقًا مع التكييف الذي ذهبت إليه هيئة مفوضي الدولة لطلبات المدعيين – لتصبح الحكم ببطلان عقد بيع أراضي مشروع (م)، وذلك بعد أن كانت خصومتهما مع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة – وغايتها هدم هذا العقد وما يترتب عليه من آثار – قد استوت على سوقها وتبلور موقف الهيئة بشأنها، مما لم يعد معه ثمة جدوى من اللجوء إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات بخصوص هذه الطلبات، الأمر الذي يكون معه قضاء محكمة أول درجة برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير اتباع الطريق القانوني في محله.
– ومن حيث إنه عن نعى الطاعنتين على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون لقضائه ببطلان العقد محل التداعي من دون أن يكون لقضائه سند صحيح من القانون، بحسبان أن الحكم استند في قضائه إلى إبرام هذا العقد بالمخالفة لما يقضي به قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998، وهو استناد في غير محله؛ ذلك أن إبرام هذا العقد يخضع للقانون رقم 59 لسنة 1979 في شأن إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة واللائحة العقارية لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة والأجهزة التابعة لها، فضلاً عن أنه فرض القول بمخالفة إجراءات إبرام العقد المشار إليه لأحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات المشار إليه فإنه ليس مؤدى ذلك بطلان العقد.
ومن حيث إنه تجدد الإشارة – بادئ ذي بدء – إلى أنه ما تبرمه الجهات الإدارية من عقود إنما تبرمها بوصفها قوامة على الشأن العام، فمن مؤدى قوامة الدولة على الشأن العام أن تتفرع إلى الهيئات ومصالح وغيرها من الوحدات العامة، فمن مؤدى قوامة الدولة على الشأن العام أن تتفرع إلى هيئات ومصالح وغيرها من الوحدات العامة، التي تنقسم نوع نشاط ومكان إقليم ومجال تخصص، فالشأن العام هو شأن الجماعة مصالحًا وأوضاعًا ومقاصد منشودة، والجماعة تشخصها الدولة وهي لا تتشكل من هيئة واحدة، وهي لا تتشكل من هيئة واحدة، ولكنها تتكون من الناحية التنظيمية من هيئات كبرى تتوزع عليها مراحل تشكل العمل العام، وذلك بما عرف من سلطات التنفيذ والتشريع والقضاء، فالدولة كتنظيم مشخص للجماعة تستمد من هذا التنظيم مبرر قيامها وتستمد منه كذلك شرعية نفاذ القول على الغير بشأن أوضاع الجماعة حفاظًا وضبطًا وتسييرًا وتنمية في كل المجالات، فهذه الدولة تقوم على مفهوم النيابة عن الجماعة والتمثيل لها.
ومن هنا فإن وظائف التنفيذ لا تستمد أي من الجهات شرعية ممارستها إلا بوصف هذه الجهة ممثلة أو نائبة عن غيرها، فلا يوجد من يتصرف في شأن عام إلا وهو مفوض في ذلك، لا أصيلاً عن نفسه ولا صاحب شأن بذاته، هيئة كان أو مجلسًا أو فردًا، إنما هو قوام على شأن عام لموجب وصف تمثيلي وصفه تفويضية أتته من مستند عام، دستورًا كان أو قانونًا أو قرارًا فرديًا، وهو ما يعبر عنه بالاختصاص في مجال القانون العام.
ومن جهة أخرى فإن أي تصرف يصح وينفذ على نفس المتصرف وماله بموجب توفر شروط أهلية المتصرف التي تمكنه من إلزام نفسه بقول يصدر عنه، بينما يصح أي تصرف وينفذ في حق غير المتصرف بموجب ما يتوفر للمتصرف من ولاية إمضاء القول على الغير، والولاية إما خاصة أو عامة، وتكون الولاية عامة متى توفر لها مكنة إمضاء القول على غيرٍ ليس محددًا ولا محصورًا ولا معينًا، وهي ما يتعلق بالدولة في الشئون العامة وما يتفرع عن أجهزتها وتنظيماتها وهيئاتها ووحداتها وأفرادها، وهي لا تقدم إلا بمستند شرعي من دستور أو قانون أو لائحة أو قرار فردي، فليس من سلطة عامة إلا وهي مقيدة ومحدودة بمستند شرعيتها، وبقدر ما تكون السلطة وبقدر ما تتفسح المكنة بقدر ما ترد القيود والضوابط، وهذا شأن العقد الإداري باعتباره صادرًا عن ولاية تستند إلى اختصاص مفوض بإجراء التصرف في شأن يتعدي ذات مصدر القرار إلى مالٍ ومصالح وشئون هو أمين عليها بموجب حكم قانوني وفي نطاق ما جرى تخويله به وتفويضه فيه، وذلك بحسبان أن مال الدولة بأجهزتها المختلفة – عامًا كان أو خاصًا – مملوك لا لمن يديره ولا لمن هو مخول مكنة التصرف فيه، إنما هو للدولة كشخص اعتباري عام، وبناء عليه لا تصح إرادة أي من الجهات الإدارية القوامة على هذا المال إلا بشروط التفويض الصادر إليها والمنظم لإرادتها من إحكام موضوعية وإجراءات وردت بالتشريعات، فالأمر أمر ولاية عامة وهو أمر نيابة لا تمارس إلا بشرطها المضروب وفي نظامها المعين وبالقيود الضابطة لها.
وبناء على ما تقدم جرى قضاء المحكمة الإدارية العليا على أنه من الأصول المسلمة أن الإدارة لا تستوي مع الأفراد في حرية التعبير عن الإرادة في إبرام العقود، إدارية كانت أو مدنية، ذلك أنها تلتزم في هذا السبيل بإجراءات وأوضاع رسمها المشرع في القوانين واللوائح كفالة لاختيار أفضل الأشخاص للتعاقد وضمانا في الوقت ذاته للوصول إلى أنسب العروض وأكثرها تحقيقا للمصلحة العامة.
ومن مؤدي ما تقدم أنه متى حدد المشرع – بموجب ما يسنه من قوانين ولوائح – طريقة معينة وإجراءات محددة لإبرام عقود الإدارة، تقديرًا من المشرع لأن هذه الطريقة هي التي تتحقق بها المساواة وتكافؤ الفرص – حسبما يوجبه الدستور – فضلاً عن حرية المنافسة وما تثمره من تنافس تتحقق به المصلحة العامة، حيث يتبارى المتقدمون في تقديم أفضل العروض، ففي هذه الحالة تختلط طريقة التعبير عن الإرادة – باتباع هذه الطريقة أو عدم اتباعها – بمشروعية الإرادة ذاتها، ومن ثم لا تكون الإرادة – التي هي قوام ركن الرضا في العقد – صحيحة ومعتبرة إلا باتباع هذه الطريقة، خاصة إذا كان المقبل على التعاقد مع جهة الإدارة يعلم – حقيقة أو حكمًا – من خلال علمه المفترض بالقوانين واللوائح التي هذه الطريقة سبيلاً لإبرام العقد بوجوب اتباع هذه الطريقة لتحقيق هذا الغرض.
ومن حيث إنه عن خضوع إبرام العقد محل التداعي لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998 من عدمه، فإنه لما كانت المادة (27) من القانون رقم 59 لسنة 1979 في شأن إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة قد نصت على أن: “تنشأ هيئة تسمي ”هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة”، تكون لها شخصية اعتبارية مستقلة تسري في شأنها أحكام قانون الهيئات العامة فيما لم يرد فيه نص في هذا القانون…”.
ومن حيث إن المادة الأولى من مواد إصدار القانون رقم 89 لسنة 1998 بإصدار قانون تنظيم المناقصات والمزايدات تنص على أن: ”يعمل بأحكام القانون المرافق في شأن تنظيم المناقصات والمزايدات، وتسري أحكامه علي وحدات الجهاز الإداري للدولة – من وزارات، ومصالح، وأجهزة لها موازنات خاصة – ، وعلى وحدات الإدارة المحلية، وعلى الهيئات العامة، خدمية كانت أو اقتصادية. ويلغي القانون رقم 147 لسنة 1962 بشأن تنفيذ أعمال خطة التنمية الاقتصادية، وقانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 9 لسنة 1983، كما يلغي على حكم آخر يخالف أحكام هذا القانون”.
ومن حيث إن المشرع قرر في إفصاح جهير سريان أحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادرة بالقانون رقم 89 لسنة 1998 على وحدات الجهاز الإداري للدولة والإدارة المحلية والهيئات العامة الخدمة والاقتصادية، بما مفاده إخضاع هذه الجهات لأحكامه دون تفرقه بين كون هذه الجهات تنتمي إلى وحدات الجهاز الإداري للدولة والإدارية المحلية التي تسري عليها الأنظمة الحكومية، أو تندرج في عداد الهيئات العامة التي تنظمها قوانين ولوائح خاصة.
وهذا النهج الذي سلكه المشرع في هذا القانون يغاير نهج قانون المناقصات والمزايدات السابق الصادر بالقانون رقم 9 لسنة 1983، الذي كان ينص على سريان أحكامه على الهيئات العامة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في القوانين أو القرارات المتعلقة بها.
وإذ عمد المشرع إلى إلغاء ذلك القانون بموجب القانون رقم 89 لسنة 1998 المشار إليه، وأخضع بنص آمر جميع الهيئات العامة لأحكامه بصفة مطلقة، ومن دون أن يقيد ذلك بما قد يرد من نصوص وقرارات متعلقة بتلك الهيئات، فإنه لا محيص من القول بخضوع تلك الهيئات لأحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998 من دون الأحكام الواردة في القوانين واللوائح المنظمة لها، وهو ما يستوجب من هذه الهيئات أن تصدع لأحكام هذا القانون، ولا تتولى عنها حولاً بقاله أن لها قوانينها ولوائحها الخاصة، أو أن من سلطتها وضع لوائح خاصة بها لا تتقيد فيها بالأحكام والنظم والقواعد المعمول بها في الجهات الحكومية.
ولا يحاج في ذلك بأن قوانين ولوائح هذه الهيئات هي تشريعات خاصة وأن قانون تنظيم المناقصات والمزايدات المشار إليه قانون عام، وأن القاعدة أن الخاص يقيد العام، وأن العام لا يلغي الخاص؛ ذلك أنه من المقرر قانونًا أن العام يلغي الخاص بالنص صراحة على إلغائه، أو باستعمال عبارات في سن أحكامه لا يمكن معها تطبيق هذه الأحكام إلا بالقول بنسخ الأحكام الواردة في التشريع الخاص، تغليبًا لإرادة المشرع الحديثة على إرادته السابقة، كما هو الحال مع فعله المشرع في المادة الأولى من مواد إصدار القانون رقم 89 لسنة 1998 المشار إليه، فقد جاءت عبارات هذا النص – على نحو ما سلف بيانه – جليه المعني قاطعة الدلالة على سريان أحكام قانون المناقصات والمزايدات المشار إليه على الهيئات العامة، ومن دون أن يقيد ذلك بما خلت من نصوص القوانين والقرارات المتعلقة بتلك الهيئات كما كان الحال في القانون السابق، وهو ما لا يتأتي إعماله إلا بالقول بنسخ جميع الأحكام التي تضمنتها تلك القوانين والقرارات فيما تعارضت فيه مع أحكام هذا القانون، بما في ذلك قواعد التصرف في الأراضي الفضاء المملوكة للدولة والمحافظات المنصوص عليها في قانون نظام الإدارة المحلية وقانون الأراضي الصحراوية والقانون رقم (7) لسنة 1991 وقانون ضمانات وحوافز الاستثمار.
ويؤكد ذلك – فضلاً عن صراحة النص – ما جاء بالأعمال التحضيرية لمشروع القانون رقم 89 لسنة 1998 المشار إليه من أن نص المادة الأولى منه كان ينص على أن “تسري أحكام هذا القانون على.. كما تسري أحكامه على الهيئات العامة ويشمل ذلك الهيئات القومية، ولا يعتد بأي نص خاص في القوانين أو القرارات الخاصة بإنشاء تلك الهيئات..”، وأنه عند مناقشة مشروع القانون بمجلس الشعب أبدى أحد الأعضاء تخوفه مما قد يثار من جدل حول سريان القانون على الهيئات الاقتصادية باعتبار أن لها قوانينها الخاصة، وأن القاعدة أن الخاص يقيد العام، وتحدث رئيس اللجنة المشتركة قائلا: “السؤال هو: هل الهيئات الاقتصادية ستخضع لهذا القانون، إذ إن هناك قانونًا عامًا وقانونًا خاصًا؟ إنني أعتقد أن السيد الدكتور وزير المالية قد أوضح في لجنة الخطة والموازنة أن جميع الهيئات الاقتصادية خاضعة للقانون الجديد سواء كانت خدمته أو اقتصادية”، وحسم رئيس المجلس هذا الجدل بقوله: ”ما دامت المادة الأولى نصت على أن القانون يحكم الأجهزة ذات الموازنات الخاصة والهيئات العامة فهذا قاطع بأن أي نص خاص بقوانين هذه الأجهزة لا يسري وهذا باتر وواضح، ويجب ألا تخشي من هذا..”، كما تحدث وزير المالية قائلاً: ”الشركات أيا كانت تخرج عن هذا المشروع … لكن الهيئات ووحدات الإدارة المحلية هي التي تخضع لمشروع هذا القانون وتدخل في نطاقه”.
ولا يحتاج في ذلك – وحسبما ذهبت إليه هيئة المجتمعات العمرانية – بأن الأحكام التي تضمها التشريعات الخاصة بالهيئة بما تتضمنه من مرونة أكثر مناسبة لطبيعة نشاط الهيئة إذ لا اجتهاد مع صراحة النص، فضلاً عن أن هذه الأحكام تتعلق بالتخصيص وليس البيع على نحو ما سيأتي بيانه.
وحاصل ما تقدم أن ما تبرمه الهيئات العامة من عقود اعتبارًا من تاريخ العمل بقانون تنظيم المناقصات والمزايدات المشار إليه مما يسري في شأن إبرامها أحكام هذا القانون، إنما يخضع في إجراءات إبرامه لأحكام هذا القانون، سواء كانت قوانين هذه الهيئات وردت خلوًا من الأحكام التي تنظم إبرام تلك العقود، أو كانت الأحكام التي تضمنتها في هذا الشأن مخالفة لأحكام هذا القانون.
ولما كان قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998 قد افرد بابًا مستقلاً نظم فيه السبل الواجب إتباعها لبيع وتأجير العقارات والمنقولات والمشروعات والترخيص بالانتفاع أو باستغلال العقارات، فإن مؤدى ذلك إعمالا لما تقدم وجوب تقيد الجهات التي تنبسط عليها أحكامه – ومنها الهيئات العامة – فيما تبيعه من عقارات بأحكام هذا القانون.
ومن حيث إنه ينبغي التمييز بخصوص تصرف هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة في الأراضي المملوكة لها بين تصرف الهيئة إلى الأشخاص الطبيعيين في قطع من الأراضي للاستخدام الشخصي وكذا إلى الأشخاص الاعتبارية (الجمعيات الخاصة والنقابات والأندية) لمصلحة أعضائها تحقيقًا لأغراض الإسكان الاجتماعي، حيث يجري التخصيص والحجز فيه وفق القواعد محددة وضمن مخططات معتمدة ومحكومة بقواعد معينة، سواء بالبدء في البناء والانتهاء من خلال مدة معينة، وعدم جواز التنازل عنها للغير إلا وفق ضوابط محددة، وبين البيع للغير للاستثمار وتحقيق الأرباح بإقامة وحدات سكنية وغير سكنية والتصرف فيها للغير، إذ الخلاف بين والبون شاسع بين تصرف الهيئة في كل من الحالتين، ففي الأولي يأتي التصرف في صورة تخصيص لمن تتوافر فيه شروط معينة بغية الاستخدام الشخصي، ويحظر التنازل عن الأرض إلى الغير إلا بضوابط معينة، أما في الحالة الثانية فيأخذ التصرف صورة البيع الخالص بقصد الربح والمضاربة على النحو الذي يخاطبه قانون تنظيم المناقصات والمزايدات، وهذا التصرف – أو البيع – في هذه الحالة الأخيرة هو الذي يسري في شأنه قانون تنظيم المناقصات والمزايدات، خلافًا للتخصيص لأغراض الإسكان الاجتماعي الذي تحكمه قواعد التخصيص المنصوص عليها في القانون رقم 59 لسنة 1979 في شأن إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة واللائحة العقارية الخاصة بهيئة المجتمعات العمرانية والأجهزة التابعة لها، والعبرة في هذا الصدد بحقيقة التصرف على وفق ما سلف بيانه وليس بالوصف الذي أطلق عليه، إذ القاعدة أن العبرة بالحقائق والمعاني وليست بالألفاظ والمباني.
ومن حيث إن العقد محل التداعي وملحقه المشار إليهما قد أنصبا على تصرف هيئة المجتمعات العمرانية إلى ( أ ) في ثمانية آلاف فدان، لإقامة مشروع (م) بإقامة الشركة وحدات سكنية من الإسكان الحر لبيعها إلى الغير، ومن ثم يكون هذا العقد عقد بيع مما يخاطبه قانون تنظيم المناقصات والمزايدات المشار إليه في أجلى صورة.
ومن حيث إن هذا العقد قد أبرم في 1/ 8/ 2005 وملحقه في 21/ 12/ 2005، أي في ظل العمل بأحكام هذا القانون، فمن ثم يكون خاضعًا في إبرامه لأحكامه.
– ومن حيث إنه عن بطلان هذا العقد من عدمه، فإنه لما كانت المادة (30) من قانون تنظيم المناقصات والمزايدات المشار إليه تنص على أن: ”يكون بيع وتأجير العقارات والمنقولات…. عن طريق مزايدة علنية عامة أو محلية أو بالمظاريف المغلقة. ومع ذلك يجوز استثناء، وبقرار مسبب من السلطة المختصة التعاقد بطريق الممارسة المحدودة فيما يلي:
أ – الأشياء التي يخشى عليها من التلف ببقاء تخزينها.
ب – حالات الاستعجال الطارئة التي لا تحتمل اتباع إجراءات المزايدة.
جـ – الأصناف التي تم التقدم عنها أية عروض في المزايدات أو التي لم يصل ثمنها إلى الثمن الأساسي.
د – الحالات التي لا تجاوز قيمتها الأساسية خمسين ألف جنيه..”.
كما تنص المادة (31) من هذا القانون على أنه: ”يجوز في الحالات العاجلة التي لا تحتمل اتباع إجراءات المزايدة أو الممارسة المحدودة، أن يتم التعاقد بطريق الاتفاق المباشر بناء على ترخيص من:
أ – رئيس الهيئة أو رئيس المصلحة ومن له سلطانه في الجهات الأخرى. وذلك فيما لا تجاوز قيمته عشرين ألف جنيه.
ب – الوزير المختص – ومن له سلطاته – أو المحافظ فيما لا تجاوز قيمته خمسين ألف جنيه”.
ومن حيث إن مفاد ما تقدم أن المشرع في قانون تنظيم المناقصات والمزايدات المشار إليه اتخذ من المزايدة العلنية العامة أو المحلية والمظاريف المغلقة سبيلاً أصليًا لبيع وتأجير العقارات المملوكة للجهات الخاضعة لأحكام هذا القانون، بحسبان أن المزايدة – عامة كانت أو محلية – والمظاريف المتعلقة تقومان على المساواة ونجد أن مبدأ تكافؤ الفرص، فضلاً عن تحقيق المصلحة العامة، حيث يطرح العقار المطلوب بيعه أو تأجيره على الكافة، ومن ثم يتقدم الراغبون في الشراء أو الاستئجار بعروضهم، وفي سبيل الفوز به ويتنافس المتنافسون، فتحل الشفافية محل الضبابية، وتجري المزايدة ويتم فتح المظاريف المغلقة على رءوس الأشهاد، ويتم الاختيار لأفضل الشروط والأسعار، ومن ثم تجني المصلحة العامة ثمرة ذلك بالوصول إلى أعلى الأسعار.
وما فرضه وأوجبه المشرع على هذا النحو إنما هو أصل تمليه الإدارة الرشيدة لأموال الدولة، وتفرضه الصفة التمثيلية للقائمين على أمر هذه الأموال وبيعها.
ولم يمسح المشرع في هذا القانون بالبيع أو التأجير بالممارسة المحدودة والأمر المباشر إلا على سبيل الاستثناء، وفي حالات محددة على سبيل الحصر.
ومن حيث إنه قد بات معلومًا من المعارف العامة – التي لا تحتاج في تقضي حقيقتها وتمحيصها إلى أعمال خبرة أو تجربة – أن الهيئة الطاعنة بعيد إبرام ملحق العقد موضوع الطعن ببضعة أشهر بادرت في عام 2006 إلى إجراء مزادات كبرى طرحت فيها للبيع مساحات شاسعة داخل زمام المجتمعات العمرانية الجديدة، بعضها في ذات المنطقة الكائن بها موقع عقد مشروع (م) وهي القاهرة الجديدة.
وحيث إنه بمقارنة البيع الذي تم الحالة المعروضة بالبيوع التي تمت في الحالات الأخرى من حيث مقابله وشروطه وإجراءاته..، فإن الوضع بدأ وكأنه أمر عجب، ففي الحالة المعروضة (عقد مشروع م) بدأ التصرف في المال العام محاطًا بالكتمان لا يعلم أحد من أمره شيئا – حاشا طرفيه – فتمخض الأمر عن بيع لأراضي الدولة بمقابل عيني ضئيل يتم أداؤه خلال عشرين عاما يمكن زيادتها إلى خمسة وعشرين، فضلا عن اشتمال العقد على شروط مجحفة، فقد اشتمل العقد – بادئ ذي بدء – على التصرف في خمسة آلاف فدان، زيدت في ملحقه إلى ثمانية آلاف فدان، إضافة إلى تقرير حق الشركة سالفة الذكر في الاستحواذ على مساحة 1800ف (ألف وثمان مئة فدان) بالشفعة، رغم عدم توافر شروط الشفعة المقررة قانونًا في هذه الحالة.
أما في الحالات الأخر فقد جرى الإعلان داخل مصر وخارجها، بل جرت حملة إعلانية ضخمة للإخبار عن مزادات بيع تلك الأراضي ومواعيدها، حيث وصل الإعلان عن ذلك إلى ذروته وغايته، وذلك قصدًا إلى تحقيق أقصي درجات الشفافية والعلانية وتكافؤ الفرص، فبدأ الأمر مبسوطًا جوانبه معلومة شرائطه للجميع، فتنافس فيه المتنافسون – مصريين وعرب – وحصلت الدولة من ذلك على أفضل الأسعار وفق أيسر وأنسب الشروط، كما بدا البون شاسعًا بين مقابل البيع في الحالة الأولى وسعر البيع في الحالات اللاحقة، رغم أن البيع اشتمل في بعض الأحيان على أراضٍ في ذات منطقة القاهرة الجديدة الكائن بها موقع مشروع (م)، وأن هذه البيوع تمت بفاصل زمني في بعضها لا يزيد على بضعة أشهر.
كذلك بدأ مقابل البيع في الحالة المعروضة ضئيلاً غير متناسب مع قيمة الأرض المبيعة، يتم أداؤه وفق مراحل زمنية تصل إلى عشرين عامًا أو تزيد، أما في الحالات الأخرى فقد بدأ ثمن الأرض المبيعة عادلاً ومتوافقًا مع سعر السوق الذي تحدد من خلال مزادات علنية عامة علم بها من بالداخل والخارج، فأنبسط الأمر وأتسع الرجاء، وبدت صحارى مصر المتخذة كأراض سكنية ومجتمعات عمرانية كأنها كنوز لا تنفد ومعين لا ينضب، جديرة بحمايتها والحرص عليها من أن تتبدد بأثمان بخسة.
وفي الحالة الأولى بدت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة عازفة عن سلوك سبيل إجراءات وأوضاع وشروط الطرح التي حددها قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادرة بالقانون رقم 89 لسنة 1998، أما في الحالات الأخرى فقد جرى الالتزام بالشرعية وتم البيع وفق أحكام هذا القانون الذي شرع أساسًا لحماية المال العام وتحقيق أقصي درجات الشفافية والعلانية وتكافؤ الفرص عن التصرف فيه، وهو ما جري فعلاً في هذه الحالات، وأسفر عن بيع بثمن المثل وجنب الخزانة العامة من وراء ذلك موارد طائلة.
وفي الحالة الأولي – وعلى خلاف ما يدعيه دفاع الشركة الطاعنة – اهتزت الثقة في السوق العقاري إثر علم المستثمرين بظروف وملابسات بيع أرض مشروع (م) ومقابله وشروطه، وداخل الناس الشك في أسلوب وكيفية إخراج المال العام من ذمة الدولة إلى الغير، وتحديدًا إلى مستثمر بعينه.
أما في الحالات الأخر فقد أقبل المستثمرون من كل حدب وصوب، أقبلوا يتنافسون في وضح النهار، كل يريد الظفر بما يستطيع من أراضي الدولة، وهو يعلم أن استثماره فيها سيؤتي أكله ضعفين، فزادت موارد البلاد، وبدأ الاستثمار العقاري والسكني يأخذ طريقه إلى النمو والازدهار.
ولا غرو في ذلك، فالاستثمار العقاري ينمو ويزدهر في ظل الالتزام بالشرعية وسيادة القانون، وتحقيق أعلى درجات الشفافية والعلانية وتكافؤ الفرص عن التصرف في أموال الدولة.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن العقد محل التداعي السالف الإشارة إليه، والمحرر بين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وشركة ( أ ) في 1/ 8/ 2005، وملحقه المحرر في 21/ 12/ 2005، قد انصبا على بيع الهيئة المذكورة إلى تلك الشركة مساحة من الأرض بمدينة القاهرة الجديدة، مقدارها ثمانية آلاف فدان – تعادل ثلاثة وثلاثين مليونًا وست مئة ألف متر مربع تحت العجز والزيادة – وذلك لإقامة مشروع للإسكان الحر، مقابل منح الهيئة وحدات سكنية كاملة التشطيب نسبتها 7% من إجمالي مسطحات الوحدات السكنية، وقد حاول طرفاه أن يلبساه خلعة التخصيص بما نص عليه في التمهيد من أن الطرف الثاني تقدم لحجز مساحة من الأرض بمدينة القاهرة وقد وافقت الهيئة على حجز..، حتى يكون إبرامه على وفق قواعد التخصيص المقررة باللائحة العقارية الخاصة بالهيئة التي تسري بخصوص التخصيص بمفهومه المبين آنفًا، للفكاك من تطبيق أحكام قانون المناقصات والمزايدات الذي سبق أن انتهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع – بفتواها رقم 522 بتاريخ 20/ 9/ 2001 بجلسة 26/ 9/ 2001 الملف رقم 54/ 1/ 380 – إلى سريانها على مشروع العقد الذي كان مزمعًا إبرامه بين الهيئة وشركة… للتنمية والاستثمار لبيع مساحة خمسين فدانًا إلى الشركة لاستخدامها في أغراض سكنية بمدينة العاشر من رمضان، وفي فتواها رقم 188 بتاريخ 15/ 3/ 2004 بجلسة 14/ 1/ 2004 الملف رقم 54/ 1/ 389 إلى سريانها على الترخيص بالانتفاع بقطعة الأرض موضوع العقد المبرم بين هيئة المجتمعات العمرانية وشركة…. للاتصالات.
ومن حيث إن عقد التداعي هو عقد بيع، ورغم ما اشتمل عليه من بيع مساحات شاسعة تكفي لإنشاء مدينة بأكملها، فقد جرى إبرامه بالأمر المباشر، في خروج سافر وإهدار بواحٍ لأحكام قانون المناقصات والمزايدات المشار إليه وما تقتضيه أصول الإدارة الرشيدة من أن يجرى إبرامه من خلال مزايدة علنية – أو مظاريف مغلقة – يتبارى فيها المتنافسون، وهو ما يعيب الإرادة التي انعقد بموجبها العقد، بل يلقي بظلاله ويعكس آثاره على التوازن المالي – مقابلاً وشروطًا – للعقد، وهو ما من شأنه أن يصيب العقد – بوصفه من روابط القانون العام – بالبطلان.
يضاف إلى ما تقدم أن تصرف هيئة المجتمعات العمرانية على هذا النحو ببيع تلك المساحة الشاسعة من الأرض إلى الشركة السالفة الذكر، إنما يشكل إقامة مجتمع عمراني متكامل، مما تختص به الهيئة دون غيرها، حيث نصت المادة (2) من القانون رقم 59 لسنة 1979 في شأن إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة على أن ”يكون إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة وفقا لأحكام هذا القانون والقرارات المنفذة له. وتنشأ هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة طبقًا لأحكام الباب الثاني من هذا القانون وتكون – دون غيرها – جهاز الدولة المسئولة عن إنشاء هذه المجتمعات العمرانية، ويعبر عنها في هذا القانون بالهيئة”، وهو الأمر الذي يجعل من إبرام هذا العقد أمرًا محظورًا من شأنه أن يجعله معيبًا في محله بعيب يجعل منه عقدًا باطلاً.
– ولا يحاج في ذلك بأن القاعدة أنه ”لا بطلان إلا بنص”، ذلك أن هذا القول أضحى قولاً مهجورًا في الفقه والقضاء، فكما أن البطلان يلحق بالتصرف بنص فإنه قد يلحق به بغير نص، كما لو كانت المخالفة التي شابت التصرف تشكل خروجًا على نص آمر، ولا مراء في أن النص الذي يوجب المزايدة سبيلاً لبيع أملاك الدولة إنما هو نص آمر؛ لتعلقه بحماية الملكية العامة كما أوجب الدستور، ولتجسيده لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، فضلاً عن أنه يضمن لكل ذي حق حقه في المال العام.
كما لا يحتاج فيما تقدم بأنه سبق للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع أن انتهت إلى أن إبرام العقد بالأمر المباشر لا يترتب عليه البطلان وإن كان يرتب المسئولية التأديبية إن كان ذلك محل، لا حجة في ذلك، إذ إن كل إفتاء أو قضاء إنما يرتبط الوقائع التي صدر بشأنها. وقد صدر الإفتاء المحتج به بشأن عقد أعمال استشارية أسند بالأمر المباشر إلى إحدى شركات القطاع العام، وهو ما يختلف اختلافًا بعيدًا عن العقد محل التداعي في الطعنين الماثلين، ومن ثم فلا محل هنا للقياس لوجود الفارق، ومن المعلوم في القانون بالضرورة أنه لا قياس مع الفارق.
– ولا يحاج فيما تقدم كذلك بأنه سبق لإحدى لجان الفتوى أن راجعت عقد بيع قطعة أرض من دون أن تشير إلى ضرورة اتباع أحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات، ذلك أن الثابت من الاطلاع على كتاب اللجنة الثانية لقسم الفتوى رقم (247 بتاريخ 30/ 3/ 2005 – سجل رقم 65/ 59 – جلسة 8/ 3/ 2005 الملف رقم 31/ 13/ 2419) أنه لم يتناول ولم يشر إلى الإجراءات السابقة على إبرام العقد من قريب أو من بعيد، وهو لا يمكن تفسيره أو الاحتجاج به في تبرير الخروج السافر أو الإهدار البواح لحكم القانون فيما يتعلق ببيع أملاك الدولة التي هي بنص الدستور أملاك الشعب.
– كما لا ينال مما تقدم القول بتأبي الحكم ببطلان العقد بعد أن دخل حيز التنفيذ، ذلك أنه من المقرر قانونا أن البدء في تنفيذ العقد لا يحول دون الحكم ببطلانه، لما يكون قد شابه من عيب جسيم يستتبع ذلك.
وبناء على ما تقدم، فلا تثريب على محكمة أول درجة أن التفتت عن طلب الشركة المذكورة ندب خبراء من وزارة العدل لبيان ما تم تنفيذه وتسليمه إلى الحاجزين وإلى الهيئة، لعدم جدوى هذا الطلب في الفصل في بطلان العقد من عدمه.
– وفيما يتعلق بالنعي على الحكم المطعون فيه بأنه زلزل المراكز المستقرة وهز المركز المالي لشركة ( أ )، وسيعكس أثره على الحاجزين في مشروع (م)، بل ومن سبق لهم التخصيص من الأفراد والنقابات الجمعيات، فمردود عليه بالاتي:
(أولاً) أن الأثر المترتب على الحكم ببطلان العقد فيما بين طرفيه لا يستوى سندا لأن يقبل العقد الذي شابه البطلان من عثرته، وخاصة إذا كان البطلان أثر خروج بواح على القانون بشأن بيع أرض بناء مملوكة للدولة بلغت مساحتها ثمانية آلاف فدان نظير مقابل توحي الظروف والملابسات بضآلته، ويتأكد من العلم العام والمجرى العادي للأمور عدم عدالته، ومن ثم فلا تثريب على محكمة أول درجة أن ثقلت موازين كلمة القانون لديها، فالحق أحق أن يتبع.
(ثانيًا) بالنسبة للمتعاقدين على وحدات سكنية أو محلات أو وحدات أخرى بقصد التجارة والاستثمار أو إقامة مشروعات الخدمات بمشروع (م)، سواء كانوا قد تسلموها أو لم يتسلموها، فإن مركزهم القانوني لن يضار عن معالجة آثار الحكم ببطلان عقد بيع أرض المشروع المشار إليه، فلقد تعاملوا مع بائع ظاهر بحسن نية، ومن ثم لن يضاروا من آثار الحكم ببطلان العقد المشار إليه وعلى الجهات المختصة مراعاة ذلك عند إعمال آثار الحكم ببطلان العقد، نفاذًا للحكم – والتي من مؤداها إنهاء العقد وإعادة الأرض محل العقد إلى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، مع تقييد للتصرف فيها باتباع الإجراءات القانونية السليمة وبالمقابل العادل في الوقت الحالي، والذي تسفر عنه هذه الإجراءات التي فرضها القانون للتصرف بالبيع في أراضي الدولة؛ ذلك أنه من المقرر قانونًا – على وفق ما تقضي به المادتان (466) و(467) من القانون المدني – أن البيع الصادر من غير مالك وإن كان باطلاً فإن بطلانه لأنه ليس مطلقًا، وإنما بطلانه مقرر لمصلحة المشترى، وللمالك الحقيقي (هيئة المجتمعات العمرانية) أن يقر هذا البيع في أي وقت، فيسري عندئذ في حقه وينقلب صحيحًا في حق المشتري. كما ينقلب العقد صحيحًا في حق المشتري إذا آلت ملكية المبيع إلى البائع بعد إبرام العقد.
(ثالثًا) لا صحة للقول بأن الحكم ببطلان العقد المشار إليه يلقي بظلاله على كل من سبق أن خصصت له قطعة أرض من الأشخاص الطبيعيين أو النقابات والنوادي وغيرها من الجهات التي تقدم على تأدية الخدمات لأعضائها ولا تستهدف الربح، ذلك أن التخصيص الذي تم لهؤلاء قد جرى – كما سبق ذكره – على وفق القواعد المقررة بالهيئة ولائحتها العقارية بشأن الإسكان الاجتماعي، لخروجه عن مفهوم البيع الذي يخضع لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات المشار إليه والذي يلزم اتباع المزايدة في شأنه بإجراءاتها المقررة في هذا القانون.
– وفيما يتعلق بالنعي على الحكم المطعون فيه بالإخلال بحق الدفاع لعدم تمحيصه دفاع الشركة بشأن الأثر المترتب على صدور قرارات وزير الإسكان منذ العام 2006 وحتى العام 2009 باعتماد التخطيط العام والتخطيط التفصيلي وتراخيص لمشروع (م) على القول ببطلان العقد، فإنه لا مراء في أن صدور هذه القرارات لا يدفع عن العقد محل التداعي قائلة البطلان الذي شابه ولا يمكن أن يطهره من العيب الذي لحقه، وبناء عليه فإن هذا الدفاع لا يكون من قبيل الدفاع الجوهري الذي يتغير به وجه الرأي في الموضوع، ولا تثريب على محكمة أول درجة أن رأت أنه لا يستأهل ردًا أو ذكرًا.
– ومن حيث إنه عن الأسباب والأسانيد الأخرى للنعي على الحكم المطعون فيه بالفساد في الاستدلال والخطأ في الاستنباط والإخلال بحق الدفاع والتي سبق سردها تفصيلاً، فإنه لما كان الثابت من مطالعة هذه الأسباب والأسانيد أنها تدور حول فساد ما استدل به الحكم المطعون فيه فيه من توفر الصفة والمصلحة في المدعيين في الدعوى المطعون في الحكم الصادر فيها، وفساد ما استدل به كذلك على القول بإلغاء قانون المناقصات والمزايدات لما سبق من تشريعات مستندًا في ذلك إلى ما جاء بالأعمال التحضيرية بجلسة وحيدة وترك ما جاء بغيرها من الجلستين الثانية والستين والسابعة والستين، بالإضافة إلى فساد ما خلص إليه الحكم المطعون فيه من بطلان العقد محل التداعي لمجرد مخالفة الهيئة قانون تنظيم المناقصات والمزايدات المشار إليه، وأن الحكم لم يناقش دفاع الهيئة بشأن عدم قبول الدعوى وصحة العقد والذي يقوم على أن العقد أبرم صحيحًا حسب ما يقضي به القانون رقم 59 لسنة 1979 المشار إليه واللائحة العقارية الخاصة بالهيئة.
ومن حيث إن هذه الأسباب والأسانيد لا تخرج في جوهرها ومضمونها عما ساقته الطاعنتان من أسباب وأسانيد في نعيها على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتفسيره والتي تبين أنها جاءت وهنًا على وهن.
ولما كان الحكم المطعون فيه قد أخذ بوجهة نظر مخالفة لما أبدته الشركة في دفاعها وشيد بنيان قضائه في أخذه الوجهة على أسباب وأسانيد تقوى على حمله، وتضمن ما ساقه من حجج يشد بها من عضد قضائية ما يمثل ردًا على دفاع الشركة والهيئة الطاعنتين، وعليه لم يكن الحكم المطعون فيه بحاجة لأن يتتبع بصفة مستقلة كل قول أو دفاع من الشركة أو الهيئة ليرد عليه على استقلال، ما دام قد تضمن في حيثياته – ولو بطريقة ضمنية – ما يفيد عدم صواب هذا الدفاع، الأمر الذي يغدو معه النعي على الحكم المطعون فيه بما سلف غير ذي أثر.
– ولا ينال مما تقدم أن النيابة العامة قررت – حسب ما جاء بالشهادة المقدمة من الشركة الطاعنة – حفظ التحقيق في بلاغ إهدار المال العام في العقد محل التداعي، ذلك أن أمر بطلان العقد من عدمه مسألة مستقلة عن هذا التحقيق الذي يتعلق بالمسئولية الجنائية وعما إذا كان ثمة إهدار للمال العام من عدمه.
– ومن حيث إنه عن نعي شركة ( أ ) على الحكم المطعون فيه بمخالفته للقانون، فيما قضي به من عدم قبول الدعوى الفرعية التي طلبت فيها هذه الشركة – بطلبها التدخل هجوميًا – الحكم لها بتعويض مقداره خمسون ألف جنيه، عما أصابها من أضرار من جراء إساءة استخدام المدعيين حق التقاضي، وقد ركنت الشركة المذكورة في تأسيس هذا النعي إلى أن الحكم قد بني قضاءه في هذا الشأن على أن الدعوى الفرعية منبتة الصلة عن الطلبات المقامة بها الدعوى الأصلية، على الرغم من الارتباط الوثيق بين الطلبات في الدعويين.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى – تفسيرًا لنص المادة 126 من قانون المرافعات المدنية والتجارية – على أنه يشترط لقبول طلب التدخل الهجومي أن يكون هناك ارتباط بين الطلبات محل التدخل والطلبات محل الدعوى الأصلية، بحسبان أن هذا الارتباط هو الذي يبرر قبول طلب كان ينبغي أن ترفع به دعوى مستقلة.
ومن حيث إن الثابت مما تقدم أن الدعوى الفرعية تختلف موضوعًا وسببًا عن الدعوى الأصلية، فالطلبات في كل منهما تختلف عن الأخرى، كما يختلف السبب الذي تقدم عليه الطلبات في كل منهما، الأمر الذي ينتفي معه الارتباط بينهما، ومن ثم يكون قضاء الحكم المطعون فيه بعدم قبول الدعوى الفرعية المقامة من الشركة المذكورة لانتفاء الارتباط بينهما وبين الدعوى الأصلية قد وافق صحيح حكم القانون، وبناء عليه يغدو النعي عليه بالنعي السالف البيان في غير محلة حريًا بالرفض.
ولما كان الثابت مما تقدم أن الحكم المطعون فيه قد ولى وجهة شطر نتيجة حالفه فيها التوفيق، وأصاب بها وجه الحق وصحيح حكم القانون، وشيد قضاءه على أسباب وأسانيد أصلها ثابت في الدستور وفرعها في القانون، فإنه يكون قد آوى إلى ركن شديد من القانون، وقد قامت أوجه وأسانيده الطعن فيه على شفا جرف هارٍ فانهار به، وجاء النعي عليه ما له من قرار، ومن ثم يكون هذا الحكم حريًا بالتأييد، ويغدو الطعن عليه بالطعنين الماثلين جديرًا بالرفض.
ومن حيث إنه من يخسر الطعن يلزمه مصروفاته، عملاً بالمادة (184) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً، وبقبول طالبي التدخل خصومًا منضمين للمطعون ضدهما، وكذا بقبول طالب التدخل خصمًا منضمًا للشركة والهيئة الطاعنتين، وفي الموضوع برفض الطعنين، وذلك على نحو ما هو مبين تفصيلاً بالأسباب، وألزمت كلا من الطاعنتين مصروفات طعنها.
(1) قضت دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا بوجوب عرض طلبات الإلغاء التي لا يجوز طلب وقف تنفيذها على لجان التوفيق، ولو اقترنت بطلبات وقف تنفيذ، وأنه يطبق على طلبات التعويض عن القرارات الإدارية ما يطبق على طلبي وقف التنفيذ والإلغاء من حيث اللجوء إلى لجان التوفيق، حتى لا تتبعض المنازعة ولا تتجزأ. (حكمها في الطعن رقم 23182 لسنة 51ق ع بجلسة 1/ 1/ 2011 – المبدأ رقم 7 في هذه المجموعة).
(2) صدر القانون رقم (82) لسنة 2013 بتعديل بعض أحكام هذا القانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998، قاضيا في مادته الأولى بأن يستبدل بنص الفقرة الأولى من المادة الأولى منه النص الآتي: “يعمل بأحكام القانون المرافق في شأن تنظيم المناقصات والمزايدات، وتسرى أحكامه على وحدات الجهاز الإداري للدولة من وزارات ومصالح وأجهزة لها موازنات خاصة، وعلى وحدات الإدارة المحلية، وعلى الهيئات العامة خدمية كانت أو اقتصادية، وذلك فيما لم يرد بشأنه نص خاص في القوانين أو القرارات الصادرة بإنشائها أو بتنظيمها أو في لوائحها الصادرة بناء على تلك القوانين والقرارات”.
(3) أكدت دائرة توحيد المبادئ أنه لئن صح أن القواعد الأصولية في التفسير تقتضي تقديم النص الخاص على النص العام، إلا أنه ينبغي أن تراعى دائما علة تشريع النص الخاص، فإن تخلفت تعين تنحية النص الخاص، واتباع الحكم العام؛ بحسبانه أقرب إلى تحقيق قصد المشرع، وإلا انقلب النص الخاص وبالا على من تقرر لمصلحتهم، وهو ما ينافي قصد المشرع. (حكمها في الطعن رقم 294 لسنة 39ق ع بجلسة 6/ 6/ 2002)، كما أكدت أن نصوص التشريعات المختلفة تشكل منظومة تشريعية، تفرز نسيجًا قانونيًا واحدًا، تتكامل نصوصه، فتكمل بعضها البعض، ولا تتصادم أو تتعارض، لأن إعمال النصوص خير من إهمالها، فلا يؤخذ النص القانوني العام بعموم ألفاظه دون الأخذ بعين الاعتبار النص القانوني الخاص، ولو كان هذا الأخير أقدم في الصدور. (حكمها في الطعن رقم 23282 لسنة 51 القضائية عليا بجلسة 1/ 1/ 2011 – المبدأ رقم (7) في هذه المجموعة).
(4) قانون بما استقر عليه إفتاء الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة من أنه أيًا كان البطلان الذي لحق إجراءات التعاقد فإنه إذا ما انعقد العقد مستوفيا أركانه كان ملزما لطرفيه، فإذا انعقد العقد على خلاف أحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات فلا مناص من الاستمرار في تنفيذه حتى انتهاء مدته؛ تحقيقا لمبدأ استقرار المعاملات، لكن لا يجوز تحديد العقد إلا بعد اتباع الإجراءات المقررة قانونا، كما أنه يجب على الجهة الإدارية اتخاذ ما يلزم قانونا تجاه من قام بالتعاقد دون إتباع الإجراءات القانونية، للوقوف على مسئوليته الجنائية والمدنية والتأديبية.
(من ذلك فتواها رقم 533 بتاريخ 27/ 8/ 2013 ملف رقم 54/ 1/ 503 (قيد النشر)، وكذا فتواها رقم 10 بتاريخ 4/ 1/ 2006، ملف رقم 54/ 1/ 425 – منشورة بمجموعة الفتاوى التي قررتها في 2005/ 2006 – المبدأ رقم 37).