You cannot copy content of this page
صفة الإلزام في القواعد المكملة
والكلام عن صفة الإلزام في القواعد المكملة يدفعنا نحو إثارة التساؤل الآتي : إذا كان لإرادة الأفراد الحرية المطلقة في العمل بمقتضى القواعد القانونية المكملة أو مخالفتها، فهل معنى ذلك أن القواعد الآمرة هي وحدها الملزمة، وأن القواعد المكملة ليست بقواعد ملزمة ؟
سبق أن عرضنا لخصائص القاعدة القانونية، ورأينا أن عنصر الإلزام يعد من أهم هذه الخصائص، فلا يمكن القول بأننا بصدد قاعد قانونية ما لم تكن ملزمة، أي مصحوبة بجزاء يوقع على من يخالفها. وترتيباًً على ذلك نتساءل : كيف يمكننا القول بأن القواعد المكملة تعد من القواعد القانونية بالمعنى الصحيح على الرغم من أنها تفتقر لعنصر الإلزام ؟
الحقيقة أن الفقه في مجموعه يؤكد على صفة الإلزام في القواعد القانونية المكملة، إذ يرى أن هذه القواعد ليست مجرد نصائح يحق للأفراد الأخذ بها أو مخالفتها، بل الصحيح أنها قواعد قانونية بالمعنى الصحيح يتوافر فيها عنصر الإلزام شأنها ئمامأ شأن القواعد الآمرة . ولكن على الرغم من إجماع الفقه على صفة الإلزام للقواعد المكملة، إلا أن الخلاف يظهر عند محاولة تفسير التعارض بين كون هذه القواعد تجيز للأفراد الاتفاق على مخالفتها وبين الاعتراف لها بخاصية الإلزام :
فقد ذهب رأي في الفقه إلى تبرير عنصر الإلزام في القواعد المكملة على أساس الإرادة الضمنية للأفراد، فالمشرع افترض انصراف الأفراد إلى العمل بمقتضاها إذا سكتوا عن مخالفتها، فكأنهم أرادوا تطبيقها على نحو ضمني . ولكن هذا الرأي لم يلق التأييد الكافي من أغلب الفقهاء لأن الأفراد قد يكونوا يجهلون حكم القاعدة المكملة ومع ذلك تنطبق عليهم .
ونتيجة لرفض الرأي الأول، ذهب رأي آخر إلى تبرير عنصر الإلزام في القواعد المكملة على أساس أن القواعد المكملة تنشأ في صورة اختيارية وتنتهي في صورة إلزامية . ولتوضيح ذلك يقرر أنصار هذا الرأي أن القواعد المكملة تمر بمرحلتين : المرحلة الأولى سابقة على إبرام الاتفاق بين الأفراد، وفيها تكون القاعدة اختيارية غير ملزمة، يستطيع الأفراد العمل
بمقتضاها أو مخالفتها بحسب ما يتوافق مع مصالحهم الخاصة. أما المرحلة الثانية فهي التي يتم فيها الاتفاق بين الأفراد دون أن تنصرف إرادتهم نحو مخالفة حكم القاعدة القانونية التي تنظم اتفاقهم، وفي هذه الحالة نصبح القاعدة ملزمة لهم ويجب عليهم أن يتقيدوا بما ورد فيها. ولكن يرى أغلب الفقهاء أن هذا الرأي غير منطقي على أساس أن القول بأن القاعدة المكملة نكون غير اختيارية ابتداء ينفي عنها صفة القاعدة القانونية، إضافة إلى أنه من غير المتصور تغيير طبيعة القاعدة المكملة قبل الاتفاق وبعده على الرغم من أن القاعدة كما هي لم يرد عليها أي تغيير .
ولعل الرأي الفقهي الراجح يؤكد على أن القواعد المكملة هي قواعد قانونية بالمعنى الصحيح يتوافر فيها عنصر الإلزام، مثلها تمامأ مثل القواعد الآمرة، ويبرر ذلك — وبحق — بالقول بأن تطبيق القواعد المكملة والعمل بمقتضاها يتوقف على شرط معين، وهو عدم اتفاق الأطراف على مخالفتها، فإذا تحقق هذا الشرط انطبقت القاعدة، أما إذا لم يتحقق بأن أتفق الأطواف على ما يخالف حكمها، فلا تطبق هذه القاعدة لا لأنها غير ملزما، ولكن لافتقادها الشرط الموجب لتطبيقها.