You cannot copy content of this page
مدى سقوط الشرط الجزائي بفسخ العقد طبقا للقانون المدنى وفى ضوء أحكام محكمة النقض
مصير الشرط الجزائي في حالة زوال العقد بتقرير بطلانه أو فسخه فى القانون المدنى المصرى
– سوف نتناول أثر الشرط الجزائي في حالة فسخ العقد الذي جاء الشرط الجزائي ضماناً لتنفيذه، فهل يبقى الشرط ليرتِّب أثره بعد زوال العقد بفسخه، ومن ثَمَّ يؤدي دوره بوصفه تعويضاً اتفاقياً للدائن عن عدم تنفيذ المدين لالتزامه، أم أنه بما يمثله من بند في العقد يسقط بزوال العقد، ومن ثم لا يرتِّب أثره فلا يكون أمام الدائن سوى المطالبة بالتعويض القضائي وليس الاتفاقي مما يفوِّت عليه الفائدة التي كان يرجوها من وراء اشتراطه للشرط الجزائي.
أولا : تعريف الشرط الجزائي : –
هو اتفاق مسبق على تقدير التعويض الذي يستحقه الدائن عند عدم تنفيذ المدين بالتزامه أو عند التأخير فيه، سواء ورد هذا الاتفاق في العقد الأصلي أو في اتفاق لاحق بشرط أن يكون ذلك قبل وقوع الضرر بالفعل. وكثيراً ما يوجد الشرط الجزائي ضمن بنود كثير من العقود، حيث يحتاط أحد طرفي الالتزام، وغالباً يكون الدائن، فيضمن العقد شرطاً جزائياً تحسباً مما يتوقع حدوثه من جانب المدين، ففي عقد المقاولة، غالباً ما يتفق صاحب العمل مع المقاول على أن يلتزم الأخير بدفع مبلغ معين يحدد جزافاً عن كل يوم أو عن كل أسبوع أو عن كل شهر، يتأخر فيها المقاول عن تسليم العمل الذي تعهد به. وفي عقد البيع، قد يتفق على أن يلتزم البائع بدفع مبلغ من النقود، إذا امتنع عن الحضور إلى الدائرة المختصة لإتمام إجراءات التسجيل. وفي عقد الإيجار، قد يتفق طرفي العقد على أن يلتزم المؤجر بدفع مبلغ محدد إذا لم يسلم العين المؤجرة للمستأجر، أو تأخر في تسليمها. وفي عقد العمل، قد يتفق على خصم جزء معين من أجر العامل إذا أخل بالتزاماته. وإذا وضع الشرط الجزائي في اتفاق لاحق على العقد الأصلي، وجب أن يكون هذا الاتفاق سابقاً على واقعة إخلال المدين بالتزامه، أي سابقاً على عدم التنفيذ أو التأخر فيه، لأنه إذا كان لاحقاً لها، فإنه يعتبر صلحاً لا شرطاً جزائياً.
والأصل أن الشرط الجزائي يتمثل في إلزام المدين بدفع مبلغ نقدي عند إخلاله بالتزامه، تعويضاً للدائن عما أصابه من ضرر بسبب هذا الإخلال، ولكن لا يوجد ما يمنع من أن يكون محله أداء أي شيء آخر غير النقود.
ثانيا : المدلول القانونى للشرط الجزائي:-
– الشرط الجزائي في القانون يعرف بالتعويض الاتفاق ويحكمه نص المادة 223 من القانون المدني التي تنص على : –
((يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدما قيمة التعويض بالنص عليها في العقد أو في اتفاق لاحق، ويراعى في هذه الحالة أحكام المواد من 215 إلى 220 ))
– ونصت المادة 224 مدني : –
(( 1- لا يكون التعويض الاتفاق مستحقا إذا اثبت المدين أن الدائن لم يلحقه اى ضرر . 2- ويجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض إذا اثبت المدين أن التقدير كان مبالغا فيه إلى درجة كبيرة، أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه.3- ويقع باطلا كل اتفاق يخالف أحكام الفقرتين السابقتين. ))
– ونصت المادة 216 مدني : –
(( يجوز للقاضي أن ينقص مقدار التعويض أو ألا يحكم بتعويض ما إذا كان الدائن بخطئه قد اشترك في إحداث ضرر أو زاد فيه )) .
ثالثا : مدى حجية مثل هذا البند أمام القضاء …….. ؟
لا يجوز الاتفاق على عدم رقابة القضاء على قيمة الشرط الجزائي وهو ما نصت عليه الفقرة 3 من المادة 224….. حيث أن ذلك لا يمنع من تعرض القاضي للشرط الجزائي – في حالة اعتراض المدين عليه – أما إذا لم يتمسك المدين ”
بالاعتراض – جملة أو قيمة -على الشرط الجزائي التزم القاضي بفحواه
رابعا : هل يصح المطالبة بفسخ العقد وإعمال الشرط الجزائي معا ………….. ؟
– لا يصح المطالبة بفسخ العقد وإعمال الشرط الجزائي معا ؟ لأنه في حالة فسخ العقد المتضمن للشرط الجزائي يسقط معه الشرط الجزائي بالتبعية
– حيث أن الشرط الجزائي التزام تابع للالتزام الأصلي ، إذ هو اتفاق علي جزاء الإخلال بهذا الالتزام ، فإذا سقط الالتزام الأصلي بفسخ العقد ، سقط معه الشرط الجزائي فلا يعتد بالتعويض المقدر بمقتضاه ، فان استحق تعويض للدائن ، تولي القاضي تقديره وفقا للقواعد العامة التي تجعل عبء إثبات الضرر وتحققه ومقداره علي عاتق الدائن .
( الطعن رقم 343 لسنة 36 ق جلسة 1971/3/25 ص 401) ’
( الطعن رقم 663 لسنة 44 ق جلسة 1978/4/18 ص 1020 )
– حيث قد يخطئ البعض ويطلب فسخ العقد ويطالب بإعمال الشرط الجزائي في نفس الوقت في حين أن فسخ العقد أول أثر له إعادة المتعاقدين للحالة التي كانا عليها قبل التعاقد وبفسخ العقد بالتبعية تزول كل شروطه وبنوده بما فيها الشرط الجزائي
خامسا : هل يحق للقاضي تخفيض الشرط أو إلغائه رغم النص في العقد على عدم خضوع الشرط الجزائي لرقابة القضاء ………… ؟
– المقرر أنه مجرد النص في العقد على الشرط جزائي يفترض معه أن الدائن قد لحقه الضرر – بمجرد تحقق المخالفة الموجبة لإعمال الشرط الجزائي- فلا يكلف الدائن بإثباته لأن وجوده يقوم قرينة قانونية غير قاطعة على وقوع الضرر و يكون على المدين في هذه الحالة إثبات عدم تحقق الشرط أو إثبات عدم وقوع الضرر .
– فإذا سكت المدين ولم يدفع بثمة دفع ولم يبدى أى اعتراض كان على القاضى إعمال الشرط الجزائي كما هو.
– أما في حالة إذا اعترض المدين على طلب الدائن بقيمة الشرط الجزائي واثبت عدم وجود ضرر لحق الدائن إلا أنه في هذه الحالة يكون على المدين إثبات عدم تحقق الشرط أو إثبات عدم وقوع الضرر. (
– فإذا ما أثبت المدين عدم تحقق ضرر لحق الدائن كان للقاضي أن يعدل من قيمة الشرط الجزائي بتخفيضه أو حتى عدم إعماله – حسب الحالة التي أمامه- ولا يقدح في ذلك تضمن صياغة بند الشرط الجزائي لجملة – غير خاضع لرقابة القضاء
في هذا المعنى .
( الطعن رقم 743 لسنة 49 جلسة 1983/01/11 س 34 ع 1 ص 166 ق 45)
مصير الشرط الجزائي في حالة زوال العقد بتقرير بطلانه أو فسخه
حالة كون الشرط الجزائي التزام تابع
تكييف الشرط الجزائي :
الشرط الجزائي مُؤسس على إرادة الأطراف، وهو قد يكون بنداً في عقد الالتزام الأصلي (الذي يُستحق التعويض على أساسه)، أو أن يكون في عقد منفصل مُحلق بالالتزام الأصلي ولاحق عليه (المادة 223 مدني مصري؛ وبشرط أن يبرم هذا الاتفاق “اللاحق” قبل وقوع الضرر الذي يقدر الشرط الجزائي التعويض عنه، وذلك حتى لا يلتبس بالصُلح أو بالتجديد)، وفي الحالة الأولى يقوم الأطراف بتدعيم نصوص العقد الأصلي بتضمينه شرطاً جزائياً يُطبق في حالة عدم تنفيذه، أو حالة تنفيذه جزئياً، أو متأخراً.
وعلى هذا، فالشرط الجزائي يتميز بثلاث صفات هي أنه: “اتفاقي” و “تبعي” و “تهديدي”. وما يهُمنا في هذا المقام هو صفة الشرط الجزائي “كالتزام تبعي”:
فالشرط الجزائي ليس هو السبب في استحقاق التعويض، فلا يتولد عنه التزام أصلي بالتعويض، ولكن يتولد عنه التزام تبعي بتقدير التعويض بمبلغ معين، وشروط استحقاق هذا الالتزام هي نفس شروط الالتزام الأصلي، وتكييفه القانوني هو أنه التـزام تابـع لا الـتزام أصيـل.
وذلك لأن الشرط الجزائي يُبرم لضمان تنفيذ الالتزام الأصلي، فوجود الشرط الجزائي يفترض حتماً وجود التزام أصلي صحيح ويقع تابعاً له، ومنطق التبعية الذي يتلخص في أن: “الفرع يتبع الأصل” يقتضي أن يبطل الشرط الجزائي أو يُفسخ ببطلان الالتزام الأصلي أو فسخه. أما العكس فليس صحيحاً فبطلان الشرط الجزائي لا يترتب عليه بطلان الالتزام الأصلي.
– هذا، وقد نصت المادة 1227 من القانون المدني الفرنسي على أن: “بطلان الالتزام الأصلي يسبب بطلان الشرط الجزائي. أما بطلان هذا الأخير فلا يسبب بطلان الالتزام الأصلي”. وهذا ما نصت عليه أيضاً المادة 673 من القانون المدني البرتغالي بنصها على أن: “بطلان العقد يؤدي إلى بطلان الشرط الجزائي، غير أن العكس غير صحيح”. وليس لهاتين المادتين مُقابل في القانون المدني المصري، ولكن حكمهما لا يعدو أن يكون تطبيقاً للقواعد العامة فيه. ذلك أن الشرط الجزائي يُقصد به تعويض الدائن عن الضرر الذي يصيبه من جراء عدم تنفيذ المدين للالتزام الأصلي، أو التأخر فيه، فإذا كان الالتزام الأصلي لم يقم أصلاً أو تقرر بطلانه أو فسخه، فلا محل لعدم التنفيذ أو التأخر فيه، وبالتالي لا محل لتوقيـع الشـرط الجزائـي.
فالشرط الجزائي لا يتمتع بوجود خاص في معزل عن الالتزام الأصلي، لأن الشرط الجزائي التزام تابع للالتزام الأصلي، لذا يكون مصير الشرط الجزائي مرتبطاً بمصير الالتزام الأصلي، فلا يكون له وجود بدونه، كما أنه لا يبقى بعده، ذلك لأن الجزاء المخصص لضمان تنفيذ الالتزام الأصلي يصبح بدون غرض، إذا لم يكن للالتزام الأصلي وجود قانوني صحيح (إذا تقرر بطلانه أو فسخه).
وفي هذا الشأن يقول الفقيه الفرنسي “لوران”: “يبرم الشرط الجزائي لضمان تنفيذ الالتزام الأصلي ولتعويض الدائن عن الضرر الذي يصيبه في حالة عدم قيام المدين بالتنفيذ، أو في حالة قيامه بالتنفيذ متأخراً، فهل المطلوب هو ضمان تنفيذ التزام باطل؟ وكيف يكون المدين ملتزماً بالتعويض لعدم تنفيذه التزاماً لم يكن ملتزماً به أصلاً لأنه باطل”.
ويُقاس على البطلان، فسخ العقد المتضمن للالتزام الأصلي، لاتحاد العلة بين البطلان والفسخ، من حيث أن كل منهما يُعيد المُتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد ويجعل الالتزام الأصلي غير واجب النفاذ بل وغير موجود أصلاً.
ويقول السنهوري في هذا الصدد أنه: “إذا كان الالتزام (الأصلي) باطلاً، كان الشرط الجزائي وهو التزام تابع باطلاً كذلك. فإذا عقد الالتزام الأصلي غير ذي أهلية أو غير ذي صفة، أو تعهد شخص بارتكاب جريمة وإلا دفع مبلغاً معيناً كشرط جزائي، كان كل من الالتزام الأصلي والشرط الجزائي باطلاً. ومثال ذلك أيضاً أن يتعهد شخص بألا يُطلق زوجته حتى لو خانت الأمانة الزوجية، وإلا دفع مبلغاً مُعيناً على سبيل التعويض لها، هذا الشرط الجزائي باطل، لأنه تابع لتعهد باطل لمُخالفته للنظام العام والآداب.
ويقول الشيخ/ محمد علي التسخيري: “الغرض من الشرط الجزائي أن يكون ضماناً للناس على العقود التي يبرمونها أو ما يلتزمون أو يتعهدون به ضمن العقود التي أبرموها مخافة نكول أحدهم عما عقد عليه أو التزم أو تعهد به، وعليه يكون الشرط الجزائي من حيث الصحة والنفوذ مرتبطا بذلك العقد أو الالتزام المُتفق عليه؛ فان كان العقد أو الالتزام المتضمن للشرط الجزائي صحيحا من حيث الأمور المعتبرة في صحتهما، كان الشرط الجزائي المُبتنى عليه نافذاً ومُستحقاً، وإلا فسوف يكون الشرط الجزائي باطلا ببطلان أصله؛ إذ ليس الشرط الجزائي إلا فرعاً من ذلك العقد أو الالتزام، وأن الفرع يتبع الأصل، فإذا كان الأصل غير مُعتبر وغير ملزم بشيء للطرفين المتعاقدين، كان الشرط الجزائي المُبتنى عليه غير مُعتبر قهرا وغير ملزم بشيء على المشروط عليه. وكذا يعتبر في صحة الشرط الجزائي ألا يكون مُستتبعاً لأمر باطل؛ كالربا، والقمار، وأكل المال بالباطل، وإلا فيكون باطلا؛ إذ ما يستلزم الباطل باطل. وعليه، فالضابط العام في صحة الشرط الجزائي هو: ألا يكون مُبتنياً على أمر باطل، ولا مُستتبعاً لما هو باطل، وأنه إذا كان كذلك، صح ونفذ ووجب الوفاء به وجوباً تكليفياً شرعياً؛ لما ذكر من أدلة وجوب الوفاء بالشرط وأن المؤمنين – أو المسلمين – عند شروطهم، مُضافاً إلى ما دل على وجوب الوفاء بالعقد بعد كون الشرط كجزء من العقد”.
– ولكن إذا كان الشرط الجزائي باطلاً، فلا يستتبع ذلك أن يكون الالتزام الأصلي باطلاً، لأن الشرط الجزائي تابع، فلا يتعلق به مصير الالتزام الأصلي. مثل ذلك أن يشترط الدائن المرتهن، كشرط جزائي إذا لم يستوف الدين عند حلوله، أن يبيع العين المرهونة دون إتباع الإجراءات الواجبة قانوناً أو أن يتملك العين، ففي هذه الحالة يكون الشرط الجزائي باطلاً دون أن يبطل الالتزام الأصلي. ومثال ذلك أيضاً أن يتعهد ممثل بألا يظهر على مسرح معين، وإلا التزم بأن يعيش في مكان مقفل طوال حياته، الشرط الجزائي في هذا الفرض باطل لمُخالفته للنظام العام إذ هو قيد خطير على الحرية الشخصية، ولكن الالتزام الأصلي صحيح، فيبقى الممثل ملتزماً بألا يظهر على المسرح المعين، فإن فعل كان مسئولاً عن التعويض، وتولى القاضي تقديره..
ويترتب على تبعية الشرط الجزائي أيضاً أن الدائن إذا أختار، عند إخلال المدين بالتزامه الأصلي، فسخ العقد بدلاً من المطالبة بتنفيذ الشرط الجزائي، سقط الالتزام الأصلي بمجرد فسخ العقد، وسقط معه الشرط الجزائي لأنه تابع له، ويطالب الدائن في هذه الحالة بالتعويضات التي يقدرها القاضي وفقاً للقواعد العامة، ولا يطالب بالتعويض المقدر في الشرط الجزائي”.
وكذلك فكل الظروف والأوصاف التي تمس الالتزام الأصلي تمس الشرط الجزائي كذلك، فإذا كان الالتزام الأصلي مرتبطاً بأجل أو خاضعاً إلى شرط، فإن الشرط الجزائي لا يطبق إلا مع الالتزام الأصلي وذلك عند حلول الأجل أو تحقق الشرط. كما أنه لا يبدأ وجوده إلا مع الالتزام الأصلي إذا كان هذا الأخير خاضعاً لشرط واقف.
وفي حالة انقضاء الالتزام الأصلي قبل توقيع الشرط الجزائي، كالوفاء أو بأي طريقة أخرى للأداء، فإن الشرط الجزائي ينقضي معه. وإذا اتفق الأطراف على تجديد الالتزام الأصلي فلا يجوز للدائن إذا أخل المدين بالالتزام الجديد المُطالبة بتوقيع الشرط الجزائي المنصوص عليه في الالتزام القديم، إلا إذا اتفق على ذلك مُسبقاً.
وفي حالة فسخ العقد فإن الدائن إذا أختار عند عدم تنفيذ المدين لالتزامه الأصلي فسخ العقد فإن الفسخ يزيل الالتزام بأثر رجعي ويبطل بالتالي الشرط الجزائي.
وفي هذا الشأن يقول الفقيه الفرنسي “رادوان” أن: “فسخ العقد بناء على طلب الدائن لعدم التنفيذ يستبعد تطبيق الشرط الجزائي الذي يزول بأثر رجعي مع العقد وتحدد التعويضات بواسطة القاضي”.
وكذلك يقول الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري أن: “الشرط الجزائي – كتعويض – لا يُعتبر التزاماً تخييرياً ولا التزاماً بديلاً، وإنما هو التزام تابع للالتزام الأصلي، وهو التزام مُعلق على شرط لأنه لا يُستحق إلا إذا أصبح تنفيذ الالتزام الأصلي مُستحيلاً بخطأ المدين.
فالشرط الجزائي (كتعويض) لا يعتبر التزاماً تخييرياً، لأن الدائن لا يستطيع أن يختار بين طلب تنفيذ الالتزام الأصلي أو التمسك بالشرط الجزائي، فهو لا يستطيع أن يطلب إلا تنفيذ الالتزام الأصلي فقط ما دام ممكناً. وكذلك المدين لا يملك الخيار بين تنفيذ الالتزام الأصلي أو إعمال الشرط الجزائي، فهو لا يستطيع إلا أن يعرض تنفيذ الالتزام الأصلي فقط ما دام ممكناً.
والشرط الجزائي (كتعويض) ليس بالتزام بدلي، لأن المدين لا يملك أن يعدل عن تنفيذ الالتزام الأصلي إذا كان ممكناً إلى تنفيذ الشرط الجزائي كبديل عن الالتزام الأصلي. وفي حالة استحالة تنفيذ الالتزام الأصلي – والتي تسقط هذا الالتزام – لا يترتب عليها انتقال الالتزام إلى الأداء البديل، بل ينقضي الالتزام نتيجة للاستحالة، ولو ظل الأداء البديل مُمكناً.
وإذا أخل المدين بتنفيذ التزامه الأصلي، جاز للدائن أن يطلب من القضاء إلزام المدين بتنفيذ التزامه، سواء تنفيذاً عينياً (إن كان ذلك ممكناً) أو عن طريق التعويض – وهو ما يُعرف بـ “الوفاء بمُقابل”، والذي تنظم أحكامه المادتان 350 و 351 من القانون المدني– وهنا تحديداً يكون مجال إعمال وتطبيق الشرط الجزائي.
أما إذا أخل المدين بتنفيذ التزامه الأصلي، فطلب الدائن فسخ العقد، وقضي له بذلك، فهنا يسقط الالتزام الأصلي ويسقط معه الشرط الجزائي لأنه تابع له، ويطالب الدائن في هذه الحالة بالتعويضات التي يقدرها القاضي وفقاً للقواعد العامة، ولا يُطالب بالتعويض المُقدر في الشرط الجزائي.
فللدائن الذي أُجِيبَ إلى فسخ العقد أن يرجع بالتعويض على المدين إذا كان عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه راجعاً إلى خطئه، لإهمال أو تعمد، والتعويض هنا ينبني على المسئولية التقصيرية لا المسئولية العقدية. فإن العقد بعد أن يُفسخ لا يصلح أن يكون أساساً للتعويض، وإنما أساس التعويض هو خطأ المدين، ويُعتبر العقد هنا واقعة مادية لا عملاً قانونياً.
– وقد ساد هذا المفهوم لدى القضاء فحظي بالتطبيق. حيث تواترت أحكام محكمة النقض المصرية على أنه: “لا على الحكم إن هو لم يرد على ما تمسك به الطالب من دفاع يتعلق بالشرط الوارد بعقد الصلح لإعمال المادتين 223 و 224 من القانون المدني باعتباره شرطاً جزائياً متى كان الحكم قد قرر أن عقد الصلح ذاته المُتضمن هذا الشرط قد فسخ وانتهى الحكم إلى تطبيق القانون تطبيقاً صحيحاً في صدد الآثار القانونية المترتبة على هذا الفسخ”.
فمن المبادئ القانونية التي أستقر عليها قضاء محكمة النقض المصرية أن: “الشرط الجزائي التزام تابع للالتزام الأصلي إذ هو اتفاق على جزاء الإخلال بهذا الالتزام فإذا سقط الالتزام الأصلي بفسخ العقد سقط معه الشرط الجزائي، فلا يعتد بالتعويض المُقدر بمُقتضاه فإن استحق تعويض للدائن تولى القاضي تقديره وفقاً للقواعد العامة”.
وقد تواترت أحكام محكمة النقض على الأخذ والتسليم بهذا المبدأ القانوني، حيث قضت بأن: “الشرط الجزائي – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – التزام تابع للالتزام الأصلي إذ هو اتفاق على جزاء الإخلال بهذا الالتزام، فإذا سقط الالتزام الأصلي بفسخ العقد سقط معه الشرط الجزائي ولا يقيد بالتعويض المقدر بمقتضاه، فإن استحق تعويض للدائن تولى القاضي تقديره وفقاً للقواعد العامة التي تجعل عبء إثبات الضرر وتحققه ومقداره على عاتـق الـدائـن”.
وكذلك قضت محكمة النقض بأنه: “للدائن الذي أجيب إلى فسخ عقده أن يرجع بالتعويض على المدين إذا كان عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه راجعاً إلى خطئه – بإهمال أو تعمد – وينبني التعويض على أساس المسئولية التقصيرية وليس على أحكام المسئولية العقدية، ذلك أن العقد بعد أن يُفسخ لا يصلح أساساً لطلب التعويض وإنما يكون أساسه هو خطأ المدين، وتخضع دعوى التعويض الناشئة عنه لقواعد المسئولية التقصيرية وللتقادم المسقط المنصوص عليه في المادة 172 من القانون المدني بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه المضرور بوقوع الضرر وبالشخص المسئول عنه”.
وأيضاً قضت محكمة النقض بأنه: “الشرط الجزائي – باعتباره تعويضاً اتفاقياً – هو التزام تابع لا التزام أصلي في العقد والقضاء بفسخه يرتب سقوط الالتزامات الأصلية فيسقط الالتزام التابع بسقوطها ويزول أثره ولا يصح الاستناد إلى المسئولية العقدية بعد فسخ العقد وزواله، ويكون الاستناد إن كان لذلك محل إلى أحكام المسئولية التقصيرية طبقاً للقواعد العامة”.
وأخيراً – وليس أخراً – قضت محكمة النقض بأن: “الشرط الجزائي الذي يتضمن تقديراً اتفاقياً للتعويض، التزام تابع للالتزام الأصلي إذ هو اتفاق على جزاء الإخلال به، فإذا سقط الالتزام الأصلي بفسخ العقد سقط معه الشرط الجزائي، ولا يُعتد بالتعويض المُقرر بمُقتضاه، فإذا استحق تعويض للدائن تولى القاضي تقديره وفقاً للقواعد العامة التي تحمل الدائن عبء إثبات الضرر وتحققه ومقداره”.
هذا، ويتعرض الشرط الجزائي للسقوط بالتقادم في نفس الوقت الذي يسقط به الالتزام الأصلي.
كما أن قابلية الحكم القضائي للاستئناف يجب تحديدها بالنظر إلى قيمة الالتزام الأصلي، فإذا كانت أقل من النصاب لم يجز الطعن على الحكم بالاستئناف، ولو كانت قيمة الشرط الجزائي تعادل ذلك النصاب أو تزيد عليه.
البطلان أو الفسخ ينال العقد كله بجميع بنوده: هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن “العقد” عبارة عن مجموعة بنود أو نصوص أو مواد مُتكاملة، والقضاء ببطلان أو بفسخ العقد، لا يعني بطلان أو فسخ بند وتنفيذ بند آخر في ذات العقد المقضي ببطلانه أو بفسخه، وإنما بطلان وفسخ العقد يعني بطلان وفسخ العقد كله بجميع بنوده، بما فيها البند المنصوص فيه على الشرط الجزائي.
الخيار بين الفسخ والتنفيذ (لا الجمع بينهما) : – فإذا ما رفع الدائن دعوى الفسخ – لإخلال المدين بتنفيذ التزاماته – فإن الحكم بالفسخ لا يكون حتمياً، بل يكون هناك خيار بين الفسخ والتنفيذ، وهذا الخيار يكون لكل من الدائن والمدين والقاضي. وما يهمنا – في هذا المقام هو خيار الدائن – فللدائن بعد أن يرفع دعوى الفسخ له أن يعدل، قبل الحكم، عن طلب الفسخ إلى طلب التنفيذ، كما أنه إذا رفع دعوى بطلب تنفيذ العقد فله أن يعدل عنه إلى طلب الفسخ، على أنه لا يجوز الجمع بين الفسخ والتنفيذ في طلب واحد، كل هذا ما لم يكن قد نزل عن أحد الطلبين، ولا يُعتبر مُجرد رفع الدعوى بطلب منهما نزولاً منه عن الطلب الآخر.
ولما كانت المادة 160 من القانون المدني المصري تنص على أنه: “إذا فُسِخَ العقد أًعيدَ المُتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، فإذا استحال ذلك جاز الحكم بتعويض”.
ويُلاحظ أن هذا النص عام، يُبين ما يترتب على الفسخ من أثر، سواء كان الفسخ بحكم القاضي أو بحكم الاتفاق أو بحكم القانون، ويتبين من النص أيضاً أنه إذا حكم القاضي بفسخ العقد فإن العقد ينحل، لا من وقت النطق بالحكم فحسب، بل من وقت نشوء العقد، فالفسخ له أثر رجعي، ويُعتبر العقد المفسوخ كأن لم يكن، ويسقط أثره حتى في الماضي، وإذا كان هذا مفهوماً في الفسخ بحكم الاتفاق أو بحكم القانون، حيث يقتصر حكم القاضي على تقرير أن العقد مفسوخ ولا ينشئ الفسخ، فإنه أيضاً مفهوم في الفسخ بحكم القاضي ولو أن الحكم هنا منشئ للفسخ لا مُقرر له، ولا يوجد ما يمنع من أن يكون الحكم مُنشئاً للفسخ وأن يكون له أثر رجعي، فالحكم بالشفعة حكم منشئ ولكنه ينقل ملكية العقار المشفوع فيه من وقت البيع لا من وقت النطق بالحكم. والحكم بالفسخ له هذا الأثر فيما بين المُتعاقدين وبالنسبة للغير.
وللدائن الذي أُجِيبَ إلى فسخ العقد أن يرجع بالتعويض على المدين إذا كان عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه راجعاً إلى خطئه، لإهمال أو تعمد، والتعويض هنا يبنى على المسئولية التقصيرية لا المسئولية العقدية، فإن العقد بعد أن يُفسخ لا يصلُح أن يكون أساساً للتعويض، وإنما أساس التعويض هو خطأ المدين، ويُعتبر العقد هنا واقعة مادية لا عملاً قانونياً.
وقد تواتر قضاء محكمة النقض المصرية على أن: “النص في المادة 160 من القانون المدني يدل – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – على أنه يترتب على فسخ عقد البيع انحلال العقد بأثر رجعي منذ نشوئه بحيث تعود العين المبيعة إلى البائع – بالحالة التي كانت عليها وقت التعاقد – وأن يرد إلى المُشتري ما دفعه من الثمن”.
وكذلك الحال في حالة بطلان أو إبطال العقد، حيث تنص الفقرة الأولى من المادة 142 من القانون المدني المصري على أنه: “في حالتي إبطال العقد وبطلانه يُعاد المُتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، فإذا كان هذا مُستحيلاً جاز الحكم بتعويض عادل”.
ويتبين من ذلك أن العقد الباطل أو القابل للإبطال، إذا تقرر بطلانه، يُعتبر كأن لم يكن فيما بين المتعاقدين وبالنسبة إلى الغير. فإذا تقرر بطلان العقد زال كل أثر له، وأرجع كل شيء إلى أصله، وجاز الحكم بتعويض على أساس المسئولية التقصيرية لا المسئولية العقدية.
وكذلك قد تواتر قضاء محكمة النقض المصرية في هذا الشأن على أنه : “إذ كان الأثر المُترتب على بطلان العقد هو أن يُعاد المُتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد إلا أن يكون ذلك مُستحيلاً، وهو ما لازمه أن يمحو البطلان كل أثر للعقد، سواء كان هذا الأثر نتيجة اتفاق صريح أو ضمني بين عاقديه، وإذ خلص الحكم المطعون فيه إلى بطلان العقد وعودة طرفيه إلى ما كانا عليه قبل التعاقد بتسليم العين وما عليها من مبان للمطعون ضده مُقابل استحقاق الطاعن لما أودع على ذمته من تعويض فإنه لا يكون قد خالف القانون”.
ومفاد ما تقدم، أنه يجوز للدائن أن يطالب إما بتنفيذ العقد، وفقاً لجميع بنوده، تنفيذاً عينياً أو تنفيذاً بمُقابل (عن طريق التعويض)؛ وإما أن يطلب الفسخ، فينفسخ العقد كله بكل بنوده، بما فيهم البند المنصوص فيه على الشرط الجزائي، وإن كان الدائن قد أصابه ضرر فيحق له الرجوع على المدين ولكن على أساس المسئولية التقصيرية لا المسئولية العقدية، فبعد أن يفسخ العقد لا يصلح أن يكون أساساً للتعويض.
مع الأخذ في الاعتبار أنه إذا طبقت محكمة الموضوع خطأً أحكام أحد نوعي المسئولية المدنية (العقدية أو التقصيرية) دون قواعد المسئولية الواجبة التطبيق، فإنها تكون قد خالفت القانون، إذ يتعين عليها أن تتقصى من تلقاء نفسها الحكم القانوني الصحيح المُنطبق على العلاقة بين طرفي التعويض وأن تنزله على الواقعة المطروحة عليها، لأن تحديد طبيعة المسئولية التي يتولد عنها حق المضرور في طلب التعويض يُعتبر مطروحاً عليها.
حالة كون الشرط الجزائي التزام مُستقل
الشرط الجزائي في المسئولية التقصيرية:
إذا كان “الشرط الجزائي” قد سمي بهذا الاسم لكونه يشترط عادة في نصوص العقد الأصلي الذي يستحق التعويض على أساسه، إلا أنه لا شيء يمنع من أن يكون في اتفاق لاحق لهذا العقد الأصلي، ولكن قبل وقوع الضرر الذي يقدر الشرط الجزائي التعويض عنه، وذلك حتى لا يلتبس بالصلح أو بالتجديد. بل لا شيء يمنع من أن يكون في اتفاق على تقدير التعويض المستحق من مصدر غير العقد كالعمل غير المشروع وإن كان هذا يقع نادراً، ومن صوره:
أن يتفق عليه في حالة الإخلال بعقد الزواج، إذ الإخلال بهذا الوعد تترتب عليه مسئولية تقصيرية لا عقدية. وكذلك الحال في حالة إبطال بيع ملك الغير، وأيضاً إذا حدد المتعاقدان مبلغ التعويض في حالة فسخ العقد، فالمسئولية التي تتخلف عن فسخ العقد إنما هي مسئولية تقصيرية حدد المتعاقدان بشرط جزائي مبلغ التعويض عنها. وإذا كان الإخلال بالعقد يشكل جريمة جنائية (كجريمة التبديد) واتفق المتعاقدان على شرط جزائي، فإن هذا يكون اتفاقاً مقدماً على التعويض عن جريمة أي عمل غير مشروع.
فإذا حدد المتعاقدان مبلغ التعويض في حالة فسخ العقد أو بطلانه، فالمسئولية التي تتخلف عن فسخ العقد أو بطلانه إنما هي مسئولية تقصيرية حدد المتعاقدان بشرط جزائي مبلغ التعويض عنها. ومثال ذلك : حالة ما إذا اشترط البائع على المشتري، عند الاتفاق على تسديد ثمن المبيع على أقساط، أنه في حالة إبطال عقد البيع أو فسخه بسبب يرجع إلى المشتري، فإن جميع الأقساط المُسددة سابقاً تُعتبر حقاً خالصاً للبائع.
حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أنه : “ولئن كان المُقرر أن الشرط الجزائي – باعتباره تعويضاً اتفاقياً – هو التزام تابع لا التزام أصلي في العقد والقضاء بفسخه يرتب سقوط الالتزامات الأصلية فيسقط الالتزام التابع بسقوطها ويزول أثره ولا يصح الاستناد إلى المسئولية العقدية بعد فسخ العقد وزواله، ويكون الاستناد إن كان لذلك محل إلى أحكام المسئولية التقصيرية طبقاً للقواعد العامة، بيد أن ذلك محله أن يكون الشرط الجزائي مُتعلقاً بالالتزامات التي ينشئها العقد قِبل عاقديه باعتباره جزاء الإخلال بها مع بقاء العقد قائماً، فإذا كان هذا الشرط مُستقلاً بذاته غير مُتعلق بأي من الالتزامات فلا يكون ثمة تأثير على وجوده من زوال العقد ما دام الأمر فيه يتضمن اتفاقاً مُستقلاً بين العاقدين، ولو أثبت بذات العقد، لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن عقد البيع العرفي المؤرخ 19/6/1955 قد نص في بنده التاسع على أنه إذا تخلف المشتري عن سداد أي قسط من الأقساط يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار فضلاً عن ضياع ما يكون قد دفعه وصيرورته حقاً مُكتسباً للشركة، وما تضمنه هذا النص هو اتفاق الطرفين على الجزاء في حالة حصول الفسخ، ومن ثم تتحقق لهذا الشرط ذاتيته واستقلاله عما تضمنه العقد الذي فُسِخَ من التزامات مما لا يُعتبر معه هذا الاتفاق التزاماً تابعاً لالتزام أصلي في العقد يسقط بسقوطه، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر يكون مُجانباً لصحيح القانون ويستوجب نقضه”.
حالة تطبيقية : –
ورد في نموذج لعقد بيع بالأجل (بالتقسيط) – لعقارات – بإحدى الهيئات العامة في مصر بنداً ينص على أنه: “في حالة تخلف المشتري عن سداد قسطين من الأقساط المُستحقة عليه في مواعيد استحقاقها، فتحل باقي الأقساط جميعها دفعة واحدة، وفي حالة عدم سداد المشتري لباقي الأقساط جميعها دفعة واحدة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إنذاره بالسداد، يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه بدون حاجة إلى تنبيه أو إنذار أو حكم قضائي، وتعتبر الأقساط السابق سدادها من قبل حقاً خالصاً للهيئة”.
فهذا البند تضمن ثلاثة شروط، شرطان جزائيان يتوسطهما شرط فاسخ صريح. فالشرط الجزائي الأول ينص على حلول جميع الأقساط المتبقية في حالة ما إذا تخلف المشتري عن سداد قسطين من الأقساط التي حل ميعاد استحقاقها. ثم شرط فاسخ صريح ينص على أنه في حالة عدم سداد جميع الأقساط دفعة واحدة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إنذاره بالوفاء فيعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه بدون حاجة إلى تنبيه أو إنذار أو حكم قضائي، ثم شرط جزائي ثان ينص على أنه في هذه الحالة تعتبر الأقساط التي قام المشتري بسدادها من قبل حقاً خالصاً للهيئة. فكما سبق القول، فإن من أشترى شيئا ودفع بعض ثمنه وأستأجل (طلب أجلاً) لدفع الباقي، لأجل معين، فاشترط البائع عليه أنه إن لم يدفع الباقي عند حلول الأجل، يكون المعجل ملكاً للبائع، فقبل ذلك، صح الشرط وترتب عليه أثره عند الحنابلة. ويصير مُعجل الثمن ملكاً للبائع إن لم يقم المشترى بدفع الباقي في أجله المحدد.
وبناء على ما تقدم بيانه، فإن الشرط الجزائي الأول هو “التزام تابع” يترتب عليه سقوط حق المشتري في الآجال الممنوحة له بحيث يحل عليه باقي الثمن جميعه دفعة واحدة، وهذا الشرط – بتلك المثابة – وبوصفه التزاماً تابعاً يزول بزوال عقد البيع في حالة ما إذا تقرر بطلانه أو فسخه.
أما الشرط الجزائي الثاني فهو التزام “مُستقل” – وإن كان مثبت في ذات عقد البيع – اتفق فيه الطرفان على تقدير التعويض في حالة فسخ العقد (عند تحقق الشرط الفاسخ الصريح) وقدراه بحجم الأقساط التي قام المشتري بسدادها من قبل. وعليه، يبقى هذا الشرط ويعمل به وينفذ حتى في حالة زوال عقد البيع بتقرير بطلانه أو فسخه (بسبب يرجع إلى المشتري)، على أساس المسئولية التقصيرية وليس على أساس المسئولية العقدية كما سلف القول، حيث أن العقد بعد إبطاله أو فسخه لا يصلح لأن يكون سنداً أو أساساً للتعويض.
ولنا هنا مُلاحظتان : –
الملاحظة الأولى: أنه لا يجوز وصف هذا الشرط الجزائي الثاني بأنه “مُصادرة”، حيث أن المصادرة – وفقاً للدستور المصري – لا تكون إلا بحكم قضائي. وحتى في هذه الحالة فعلى محكمة الموضوع أن تلتفت عن هذا “الوصف” الغير صحيح لطبيعة العلاقة بين الطرفين، وعليها أن تكيف العقد ونصوصه وأن تحدد الطبيعة القانونية لهما على النحو الصحيح دون أن تتقيد في ذلك بما أسبغه الطرفان عليها من أوصاف. حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: “محكمة الموضوع مُلزمة بإعطاء العقود والمُحررات وصفها الحق وتكييفها التكييف القانوني الصحيح حسبما تستخلصه سائغاً من حقيقة الواقع والنية المُشتركة لأطراف هذه المُحررات ودون أن تتقيد في ذلك بتكييف الخصوم لها، إلا أن هذا التكييف (من قِبل محكمة الموضوع) يخضع لرقابة محكمة النقض باعتباره مسألة قانونية تتعلق بتطبيق القانون على الواقع”.
والملاحظة الثانية: أن هذا الشرط الجزائي (الثاني والمُستقل) وبتلك الصياغة التي صيغ فيها، يمثل “مُقامرة” غير محسوبة بالنسبة لتلك الهيئة، لأنه إذا كانت الأقساط التي قام المشتري بسدادها كثيرة وكبيرة القيمة، فسيكون من حقه طبقاً لنص المادة 224 من القانون المدني المصري أن يطلب تخفيض قيمة هذا التعويض إذا أثبت أنه مُبالغاً فيه إلى درجة كبيرة أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه. أما إذا كانت تلك الأقساط قليلة العدد وزهيدة القيمة (أو حتى في حالة عدم سداد أية أقساط على الإطلاق) فلن يكون من حق تلك الهيئة المطالبة بزيادة التعويض، حيث تنص المادة 225 من القانون المدني المصري – سالفة الذكر – على أنه إذا جاوز الضرر قيمة التعويض الاتفاقي فلا يجوز للدائن أن يُطالب بأكثر من هذه القيمة إلا إذا أثبت أن المدين قد أرتكب غشاً أو خطأً جسيماً، علماً بأن الهيئة لن تستطيع أن تثبت أن المدين ارتكب غشاً أو خطأ جسيماً بعدم تنفيذ الالتزام ومع مراعاة أنها هي التي أعدت تلك العقود كنماذج وليس للمشتري أن يتفاوض بشأنها فهو إما يقبلها ككل أو يرفضها ككل (باستثناء طريقة سداد الثمن، إما نقداً وإما مقسطاً، وعدد وقيمة تلك الأقساط). وربما كان من الأصلح لتلك الهيئة أن تعدل صياغة تلك الفقرة بإضافة العبارة التالية: “وتصبح قيمة الأقساط المسددة من المشتري حقاً خالصاً للهيئة إذا جاوزت قيمتها مبلغ …… “كذا”، وإلا التزم المُشتري بسداد ذلك المبلغ للهيئة كتعويض اتفاقي”. فهذا التعديل ينفي من ناحية صفة “المصادرة” على هذا النص، ويؤكد صفته كتعويض اتفاقي عن المسئولية التقصيرية (كشرط جزائي)، ويضمن لها – من ناحية أخرى، أن لا يقل تعويضها في حالة تقرير بطلان العقد أو فسخه (بسبب يرجع إلى المشتري) عن حد معين حتى في حالة سداد أقساط قليلة زهيدة القيمة أو حالة عدم سداد أية أقساط على الإطلاق.
مع ملاحظة أنه: إذا كانت المماطلة في السداد من جانب المدين القادر محرمة شرعاً، لما ورد في الأثر من أن: “مطل الواجد ظلم”؛ إلا أن فرض غرامات على المدين المتأخر في السداد هي ربا محرم شرعاً، فيحرم فرض غرامات تأخير على من يتأخر في السداد، ويتحمل إثم فرض هذه الغرامات الربوية مجلس الإدارة وكل من أسهم في فرضها وتعاون عل هذا الإثم؛ لأنها رباً مُحرم، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء”. (رواه مسلم).
تطبيقات قضائية لمحكمة النقض
1- ((نص الفقرة الأولي في المادة 224 من القانون المدني علي أن – لا يكون التعويض الاتفاقي مستحقا إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر – ووجود الشرط الجزائي في العقد يفترض معه وقوع الضرر إلا إذا أثبت المدين عدم وقوعه ، لأن هذا الشرط ينقل عبء الإثبات من عاتق الدائن إلى عاتق المدين .
( الطعن رقم 1293 لسنة 54 ق جلسة 1986/3/16 س 37 ص 333)
2-(( … لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بإلزام الطاعن الأول – بالتعويض الاتفاقى عن التأخير في تنفيذ التزامه بتسليم مورث المطعون ضدهم العين محل النزاع وفقا للعقد المبرم بينهما في 1977/12/1 على سند من تعمده بالاشتراك مع ابنه الطاعن الثاني تغيير معالم العين بعد إعادة بنائها سعيا إلى حرمان المستأجر من الحصول على وحدة مماثلة لتلك التي كان يستأجرها وعدم تقديمه الدليل على انتقاء الضرر أو قيام سبب أجنبي حال دون تنفيذ التزامه على النحو المتفق عليه وكان هذا الذي أقام عليه الحكم قضاءه سائغا ومقبولا وله أصله الثابت بالأوراق وكاف لحمل قضائه . فان النعي عليه في ذلك يكون على غير أساس .
( الطعن رقم 1223 لسنة 52 ق جلسة 1989/3/5 س 40 جـ 1 ص701 )
3-إذ كانت المادة 224 من القانون المدني قد أجازت للقاضي أن يخفض مقدار التعويض الاتفاقي إذا أثبت المدين أنه كان مبالغا فيه إلي درجة كبيرة و كانت الطاعنة قد تمسكت في مذكرتها المقدمة لمحكمة الاستئناف بأن مقدار التعويض الاتفاقي مبالغ فيه إلي درجة كبيرة ، وطلبت إحالة الدعوي إلي التحقيق لإثبات ذلك ، فإن الحكم إذ قضي بالتعويض الاتفاقي دون أن يعرض لهذا الدفاع رغم أنه جوهري قد يتغير به وجه الرأي في الدعوي ، فإنه يكون مشوبا بالقصور .
( الطعن رقم 928 لسنة 52 ق جلسة 1983/3/10 س 34 ج 1 ص 669)
((جري قضاء محكمة النقض في ظل القانون المدني السابق علي أن التنفيذ العيني للالتزام هو الأصل والعدول عنه إلي التعويض النقضي هو رخصة لقاضي الموضوع الأخذ بها كلما رأي في التنفيذ العينى ارهاقا للمدين ، وعلي ألا يلحق ذلك بالدائن ضررا جسيما ، ومتي كانت محكمة الموضوع قد رأت أن قيمة الاصلاحات التي أجراها الطاعن ( المستأجر ) في العين المؤجرة لا تتناسب مع الأجرة التي يدفعها للمطعون ضده ( المؤجر ) اذا أنها توازي أجرة العين المؤجرة لمدة تقرب من ثماني سنوات وانتهت الي قسمتها بينهما فلا تثريب عليها ـ ولا يقدح في ذلك ايرادها ـ في أسبابها ـ تقريرات قانونية خاطئة ـ طالما أنها انتهت في حكمها الي تطبيق صحيح القانون
(الطعن رقم 179 لسنة 43 ق جلسة 1981/12/2 س32 ص 2201 )
(( إذ كان الطاعن قد تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بأن التزامه بتسليم العين المبيعة يقابله التزام المطعون ضده بتسليمه شيكات بباقى أقساط الثمن , وبحقه في أن يقف التزامه بالتسليم حتى يوفى المطعون ضده التزامه إعمالاً لنص البند التاسع من العقد سند الدعوى والمادة 161 من القانون المدنى . فأغفل الحكم المطعون فيه هذا الدفاع إيراداً ورداً وقضى للمطعون ضده بالتعويض الاتفاقى استناداً إلى تخلف الطاعن عن تنفيذ التزامه بتسليم العين المبيعة في الميعاد المتفق عليه دون أن يعنى ببحث مدى توافر شروط الدفع بعدم التنفيذ الذى تمسك به الطاعن برغم أنه دفاع جوهرى يتوقف الفصل فيه على ثبوت أو انتفاء ركن الخطأ اللازم توافره لاستحقاق التعويض الاتفاقى مما يعيب الحكم بالقصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون .
( طعن رقم 5278 لسنة 83 ق جلسة 17/2/2014)