You cannot copy content of this page
مفهوم تغيير الحقيقة في جرائم التزوير
لم يعرف المشرع المصري التزوير في المحررات إذ خلت نصوص قانون العقوبات من مفهوم جريمة التزويـر في المحررات سواء الرسمية أم العرفية ،كما لم يبين الأحكام العامـة للتزويـــر ،وقد اتجه الفقــهاء إى أن التزوير فـي المحررات هو تغييرالحقيقة بقصد الغش في محرر سواء رسمـــي أو عرفي بإحدىالطرق التي نص عليها القانون· تغييرا من شانـــه أن يسبب ضررا للغيروبذلك فان التزوير لكي يتحقق لابد من أمرين ،الأول تغيير الحقيقة ،والثاني أن يقترن هذا التغيير بإحداث الضرر.
مفهوم تغييـر الحقيـقـة
يقصد بتغيير الحقيقة في مجال جرائم التزوير باعتبارها جوهـــــــر جريمة التزوير هو إحلال أمر غير صحيح محل أمر حقيقي صحيح والدلالة القانونية لتغيير الحقيقة في مجال جرائم التزوير تختلـــــف عن الدلالة اللغوية لعبارة تغيير الحقيقة،فوفقا للدلالة القانونية فانــــه يكفى أن يكون تغيير الحقيقة جزئيا أو نسبيا ،لكن يتعيـــن أن يمــس هذاالتغيير المركز· القانوني للغير دون رضائه ،فإذا كانت البيانــات التي أثبتها المتهم لا تتعلق مباشرة بمركز الغير، وإنما تمس مركـزه نفسه وتتناول عناصره بالتعديل المخالف للحقيقة، فلا تتوافر أركـان جريمة التزوير ، فإذا قرر شخص في محرر لنفسه حقوقا ليست لـه أو أنكر التزامات ارتبط بها أو نسب لنفسه صفات لا يتمتع بــــها أو نفى عن نفسه صفات لصيقة به ، فكل تلك الأحوال لا تتوافر فيــــه المدلول القانوني لتغيير الحقيقة ومن ثم لا تتكامل أركان جريـــــمة التزوير،كما لا يعد تغييرا للحقيقة التغيير الذي لا يخرج به فاعلـــه عن حدود حقه ، وان ترتب عليه بطريق غير مباشــــر ضـــــــرر للغير ، بل لو قصد به الإضرار بالغير ، وإنما يمس شخص المقـر نفسه وقد أكدت ذلك محكمة النقض إذ قضت بان : –
“ليس كل تغيير للحقيقة في محرر يعتبر تزويرا ،فهو إذا ما تعلــق ببيان صادر من طرف واحد ومن غيرالموظف المختص ، يمكــن أن يأخذ حكم الإقرارات الفردية ، وينتفي في هذه الحالة العقـــــاب الجنائي”.
“نقض جنائي مجموعة أحكام النقض س 10 قسم 100 ـ ص462 ـ جلسة 21/4/1959”
حكم الصورية في المحررات
الصورية هي تغيير للحقيقة في تصرف باتفاق أطـــــــــــراف هذا التصرف. والصوريـــة في العقود معناها وجود عقديـــن بيـــــــن شخصين ،عقد منهما ظاهر والآخر مستتر ،يكون الأول صوريـــا والآخر هو الحقيـــقي المتضمن التعبير الحقيــــــقي عــــــن إرادة المتعاقدين، كما لو حرر شخص عقد بيع صوري لأخر تهريبــــــا لأملاكه من الدائنين ، فان هذا العقد الصوري تضمن بيانــــــــات مخالفة للحقيقة.
فهل الصورية تعد تزويرا يعاقب عليه المشرع الجنائي؟
الواقع أن الفقه وأحكام القضاء الجنائي قد استقر على أن الصورية لا تشكل تزويرا يعاقب عليه القانون إلا إذا مست حقا للغير· تعلــق بالتصرف موضوع التزوير .
ويتسع مفهوم الغير ليشمل الأشخاص الطبيعين والأشخاص الاعتباريين كالدولة والهيئات العامة ،فيعد تزويـرا معاقبا عليه تغيير الثمن في عقد البيع الحقيقي بتحريــر عقد أخـر صوري تضمن ثمنا مخفضا بقصد تخفيض رسوم التسجيل لتعلـق حق الخزانة العامة في تقدير الرسوم بالثمن الذي حدد بالعقد وقـت تحريره ، ومن ثم يكون من شان تغيير الحقيـقة في هذه الحالة الإضـرار بالمال العام وبحقـوق الدولة الماليـة.
وقد أكدت ذلك محكمة النقض إذ قضت بان : –
“العقود العرفية إذا حدث فيها تغيير للحقيقة بقصد الإضرار بالغير عد ذلك تزويرا في أوراق عرفية ووجب عقاب المزور ”
“نقض جنائي ـ جلسة 20/11/1941ـ مجموعة القواعد القانونية· ج5· ـ رقم 188ـ ص356”
اقتران الضرر بتغيير الحقيقة
أمران لابد أن يتحققا لكي يتوافر الركن المادي لجريمة التزويـــــر فلا يكفى احدهما دون الأخر، وهما تغيير الحقيقة ، وضرر ينتـــج عن ذلك للغير . فإذا تغيرت الحقيقة ولم يحدث ضرر فلا تزوير· وإذا تخلف الضرر للغير رغم تغيير الحقيقة انتفى التزوير إذ يذهب الأستاذ الدكتور /محمود نجيب حسنى إلى انه إذا اثبــــت تخلف الضرر للغير انتفى التزوير كلية ولو توافرت سائر أركانـه الأخرى ،فالضرر هو وصف لتغيير الحقيقة ،فهذا الفعل المقصود به تغيير الحقيقة لا يخضع لتجريم القانون باعتباره تزويـرا إلا إذا كان ضارا .· وفى حكم مهم لمحكمة النقض أكدت أن:
“الضرر المتطلب لقيام التزوير هو ما كان تحققه محتملا لحظــــة تغيير الحقيقة ولو صار مستحيل التحقق بعد هذا الوقت”.
نقض جنائي ـ جلسة 15/2/1965ـ مجموعة أحكام النقض ـ لسنة 16 ـ رقم129 ص 129″
وبناء على ذلك : – المبدأ المهم الذي أرسته محكمة النقض تقـــــــوم جريمة التزوير ويتحقق ركن تغيير الحقيقة والضرر بانتـحــــــال· المتهم اسم شخص حقيقي في محضر التحقيق ،ولو عدل عن ذلك ،وذكر اسمه الحقيقي قبل انتهاء· التحقيق .
“نقض جنائي ـ مجموعة القواعد القانونية ، ج7 ،رقم 672، جلسة 3/11/1984 “
ويتحقق الضرر الناشىء عن تغيير الحقيقة مادام محتملا وقـــــت التزوير حتى أن لم يحدث الضرر مستقبلا ، وذلك لو كان عــــــدم حدوث الضرر ناشىء عن إرادة الجاني نفسه وهو ما يسمـــــــــى عدوله عن التزوير.
إذ قضت محكمة النقض بان:-
“يعاقب على التزوير الشخص الذي زور إمضاء شخص فـــــــي شكوى ،ولو وافق ذلك الشخص بعد ذلك على كل ما جاء في هذه الشكوى بناء على اتفاق المتهم معه ” .
“نقض جنائي ـ جلسة 3/5/1943 ـ مجموعة القواعد القانونية مجلد 6،ص244”
تغيير الحقيقة في المحرر العرفي
التزوير أيا كان نوعه يقوم على إسناد أمر لم يقع ممن اسند إليه ، وذلك في محرر معد· لإثبات ذلك الأمر بإحدى الطرق التي نص القانون عليها ، إسنادا يشترط فيه أن يحدث ضررا أو يحتمل أن يحدث ضررا للغير .
فإذا انتفى الإسناد الكاذب في المحرر· لا تتوافر جريمة التزويـــــر· وبناء عليه قضت محكمة النقض بان :
“أركان التزوير تنعدم في المحرر العرفي متى كان مضمــــــــون المحرر مطابقا لإرادة من نسب إليه معبرا عن مشيئته ولو لم يوقع عليه”.
“نقض جنائي ـ طعن رقم 398 لسنة 39 ق ـ جلسة 20/10/ 1969”
وقد اتجه الأستاذ الدكتور /رءوف عبيد إلى انه إذا انتفى· الإسنـــاد الكاذب في المحرر فلا يتحقق تغيير الحقيقة ولا يصح القول وقوع تزوير ، فالتزوير ينعدم متى كان· مضمون· المحرر مطابقا لإرادة من نسب· إليه معبرا عن مشيئته.
فلا يرتكب تزويرا من يضع إمضاء شخص برضائه في محـــــرر لأنه لا يغير الحقيقة التي تتضمن نسبة المحرر إلى صاحب الـــذي رضي بذلك .
وقد قضت محكمة النقض بان:”إذا انتفى الإسنـــــــادالكاذب فـــــي محرر لم يصح القول بوقوع التزوير ،فذا كان المحرر عرفيــــــــا وكان المضمون مطابقا لإرادة من نسب إليه ، فلا تزوير به رغــم تغيير الحقيقة فيه” .
“نقض ـ9/6/1982ـ لسنة 33ـ ق ـ رقم143ـ ص693”
وقد استقر قضاء محكمة النقض على ذلك ،إذ قضت بان:
“إذا كان المحرر عرفيا ، وكان مضمونه مطابقا لإرادة من نسـب إليه، معبرا عن مشيئته انتفى التزوير بأركانه ومنها ركن الضرر”
“نقض جنائي،ـ طعن رقم8930ـ لسنة58ـ ق – جلسة 9/4/1989”
وهكذا يبين لنا أن محكمة النقض أرست ذلك المبدأ في حكمــــــــها الصادر عام 1969 ثم بعد عشرين عاما عادت وأكدته مما يقطـــع باستقرار قضائها وأحكامها عليه ، فأضحى ذلك مبدأ أساسيا فــــي مجال جرائم التزوير ، ومفهوم هذا المبدأ انه إذا كان مضمـــــــون المحرر العرفي مطابقا لإرادة ورغبة من،نسب صدوره إليه انتفت جريمة التزوير.
وجوب مطابقة الحقيقة التي تم تغييرها· للقانون
الحقيقة الواقعية ليست هي مناط الحماية الجنائية في مجال جرائــم التزوير، إنما الحقيقة القانونية فقط هي مناط هذه· الحماية الجنائيـة والحقيقة القانونية هي تلك الحقيقة التي كان يتعين إثباتها وفقا للقانون ، اى تلك الحقيقة التي استلزمها القانون ،فإذا كان حــــــــق الشكوى من الحقوق التي كفلها الدستور ، فان القانون استلـــزم أن تكون الشكوى مقبولة من الشخص المضرور اى ممن لحقـه ضرر دفعه لتقديم شكواه وبناءا على ذلك قضت محكمة النقــض
بان :”يرتكب تزويرا من يبعث بشكوى ضد موظف عام يثبت فيها···· وقائع حقيقية ويضع عليها توقيعات لأشخاص لم يوقعواعليها ومن ثم لم تتجه إرادتهم إلى تحمل تبعة صدورها عنهم”.
“نقض ،جلسةـ 3/5/1943ـ مجموعة القواعد القانونية ، ج 6 ، رقم 178، ص 244”
وتأكيدا لذلك قضت محكمة النقض بان :
“القانون لا يشترط أن·· يكون المحرر قد اعد من وقت تحريـــــره لان يتخذ سندا أو حجة بالمعنى القانوني ، بل يكفى للعقاب علـــــى التزوير أن يقع تغيير الحقيقة في محرر يمكن أن يولد عند من يقدم له عقيدة مخالفة للحقيقة”.
“نقض جنائي ـ جلسة 10/4/1944ـ مجموعة القواعد القانونية ، ج 6 ، رقم 333”
فذلك المبدأ يتفق وما قررته محكمة النقض من اصطناع توقيــــــع الشاكين على الشكوى المتضمنة بيانات ، صحيحة فان ذلك يشكــل تزويرا لانطوائه على تغيير الحقيقة، حتى لو لم يكن موضــــــوع تغيير الحقيقة بيانا من البيانات التي اعد المحرر من البداية لإثباتها مثل توقيع الشاكين على الشكوى.لكن الأمر ليس على ، إطلاقــــه إنما يشترط أن يكون تغيير الحقيقــة في بيان جوهري من بيانـات المحرر ،· وقد عرفت محكمة النقض أن البيان الجوهري هو”كل بيان يكون إثباته في المحرر لازمـــــا لاستكمال شكله القانونـىاو كل بيان واجب الإدراج في المحـــــرر حتى يكون له الشكل الذي يحدده القانون ، بحيث يتــــــرتب علــــــى تخلفه البطـــــــــلان ”
“نقض جنائي – مجموعة أحكام النقض لسنة 25ـ رقم 178ـ ص830”
فالبيان يعد جوهريا أيا كانت أهميته أو علاقته بالغرض الــــــــذي انشىء من اجله المحرر ، طالما ثبت أن عدم وجود هذا البيان يفقد المحرر· الشكل الذي تحدده القوانين واللوائح وتجدر الإشارة إلــى مسالة مهمة انه لا وجود للتزويرفي المحررات الرسمية إذا غيرت الحقيقة في محرر رسمي غير صادر من موظف يختص بتحريره والتحقق من الوقائع المثبتة فيه ،فلا يرتكب تزويرا مأمور الجمرك المختص بضبط الجرائم الجمركية إذا حرر محضرا ببيانات كاذبة تتعلق بجريمة ضرب أو سب ،وذلك لان إثبات الوقائع الكاذبــــــة المغايرة للحقيقة قد تم إثباتها في محرر لم يكن الغرض منه أصلا إثباتها .