You cannot copy content of this page
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم 185 لسنة 32 قضائية : بعدم دستورية الحجز الإداري دون إعطاء "المحجوز عليه" مهلة للسداد
قضت المحكمة الدستورية العليا خلال جلستها اليوم ( 4 / 5 / 2019 ) برئاسة المستشار حنفي جبالي، بعدم دستورية عبارة “ويُشرع فورًا في توقيع الحجز” المنصوص عليها في عجز الفقرة الأولى من المادة (4) من القانون رقم 308 لسنة 1955، بشأن الحجز الإداري، وعبارة “ويقوم هذا الإجراء مقام الإعلان” الواردة بعجز الفقرة الثانية من المادة (7) من القانون ذاته.
وأقامت المحكمة حكمها في الدعوى رقم 185 لسنة 32 قضائية، على سند من أن الدولة القانونية -وعلى ما تنص عليه المادة (65) من دستور سنة 1971 المقابلة للمادة (94) من دستور سنة 2014- هي التي تتقيد في ممارستها لسلطاتها، أيًّا كانت وظائفها أو غاياتها، بقواعد قانونية تعلو عليها، وتردها على أعقابها إن جاوزتها، فلا تتحلل منها، ذلك أن سلطاتها هذه -وأيًّا كان القائمون عليها- لا تعتبر امتيازًا شخصيًّا لمن يتولونها، ولا هى من صنعهم، بل أسستها إرادة الجماهير في تجمعاتها على امتداد الوطن، وضبطتها بقواعد آمرة لا يجوز النزول عنها، ومن ثم تكون هذه القواعد قيدًا على كل أعمالها وتصرفاتها، فلا تأتيها إلا في الحدود التي رسمها الدستور، وبما يرعى مصالح مجتمعها.
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن التنفيذ جبرًا على أموال المدين بما له من آثار خطيرة عليه، لا يكون إلا بسند تنفيذي استظل به دائنه قبل التنفيذ ولم يبلغه إلا بطريق تحقق به دينه وصحته وصار حقيقة قانونية أو قضائية يجوز التنفيذ بمقتضاها، وخروجًا على هذا الأصل العام جاءت أحكام قانون الحجز الإداري رقم 308 لسنة 1955 بأوضاع استثنائية، منها أن جعلت الأمر المكتوب الصادر من الوزير أو رئيس المصلحة أو المحافظ أو المدير أو ممثل الشخص الاعتباري العام حسب الأحوال، أو من يُنيبه كل من هؤلاء كتابة، معادلاً للسند التنفيذي الذي يجوز التنفيذ به وفقًا لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية.
وهذا الاستثناء الوارد على حظر التنفيذ على أموال المدين قبل الحصول على سند تنفيذي حقيقي على نحو ما سلف لا تبرره إلا المصلحة العامة، في أن تتوافر لدى أشخاص القانون العام وسائل ميسرة تمكنها من تحصيل حقوقها على النحو الذي يحقق سير المرافق العامة وانتظامها، وهو بذلك استثناء بحت لا يجوز نقله إلى غير مجاله، كما لا يجوز إعماله في غير نطاقه الضيق الذي يتحدد باستهدافه حسن سير المرافق العامة وانتظامها.
وأضافت المحكمة أن قضاء هذه المحكمة استقر على أن قانون الحجز الإداري لم يتوخ مجرد تقرير حقوق للجهات العامة، تحصل بموجبها على مستحقاتها دون اعتداد بضرورة موازنتها بالحماية التشريعية التي ينبغى كفالتها للمدين المحجوز عليه باعتباره الأصيل في خصومة التنفيذ لتعلقها بأمواله ومصالحه الرئيسية.
ومتى كان ما تقدم، وكان نص الفقرة الأولى من المادة (4) من القانون رقم 308 لسنة 1955 بشأن الحجز الإداري، وإن أوجب على مندوب الحجز إعلان المدين أو من يجيب عنه تنبيهًا بالأداء وإنذارًا بالحجز، إلا أنه لم يفصل بين مُقدمات الحجز الإداري التي تجري بهذا الإعلان، والغاية من تقريرها وهي إمهال المحجوز عليه مدة يقدرها المشرع بنص خاص، أو بإعمال نص المادة (75) من قانون الحجز الإداري الذي يجرى على أنه فيما عدا ما نُص عليه في هذا القانون تسرى جميع أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية التي لا تتعارض مع أحكام هذا القانون.
ومؤداه تطبيق ما ورد بنص الفقرة الرابعة من المادة (281) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 الذى لم يجـز إجراء التنفيذ إلا بعد مضى يوم على الأقل من إعلان السند التنفيذي، وذلك كله قبل الشروع في توقيع الحجز فعليًّا، حتى تتحقق من خلال هذه المهلة الغاية من إجراء مُقدمات التنفيذ، ولتدرك وسائل التشريع غاياته، فينضبط بذلك حكم إيقاع الحجز الإداري على المنقول بالرابطة الدستورية المتعين التزامها بين أهداف التشريع والوسائل التي تحققها.
وهو ما لم يلتزم به المشرع بالنص المطعون فيه الذي جمع مُقدمات تنفيذ الحجز الإداري مع الشروع في إيقاعه في وحدة زمنية واحدة، ومن ثم فإن الشروع الفوري في الحجـز الإداري على أموال المحجوز عليه المنقولة دون إمهاله مدة لسداد دينه، يكون متصادمًا مع الغاية من تقرير هذا الإعلان، والأهداف المبتغاة من ذلك، كما يجاوز ما يتوخاه قانون الحجز الإداري من تقرير حقوق للجهات العامة، تحصل بموجبها على مستحقاتها بصورة استثنائية بما تقتضيه من أن يكون نطاق تطبيقها متصلاً بتسيير جهة الإدارة لمرافقها، وهو ما يقع مخالفاً لنص المادة (94) من الدستور.